«الباصات» في الرياضة السعودية أنواع؛ «باص» تقذفه الجماهير بالحجارة غضباً من الهزيمة، أو احتجاجاً على التخاذل وضعف العزيمة، و«باص» يُقل مشجعين مؤقتين مُستأجرين غير ناطقين باللغة العربية إلى الملعب، مقابل مبلغ زهيد من المال ووجبة ساخنة، ليجلسوا على المقاعد الشاغرة، و«باص عيون» وهو الذي كان الليبي طارق التايب واحداً من عباقرته المذهلين، وسبقه في ذلك عبقري مذهل آخر اسمه يوسف الثنيان.
ولو أن لـ«التراشق بالكلمات» في كرة القدم السعودية كأساً لفازت به أندية كبيرة، ولسيطر بعض رؤساؤها على لقب الهداف، محطماً أرقاماً قياسية في عدد الكلمات المخجلة والبذيئة التي قالها أو كتبها ليصفق له الجمهور وهو يصرخ بصوت قوي: «اجلد يا جلاد».
قبل أيام، غضب الشبابيون لأن رئيس النصر السابق وصم ناديهم بـ «شيخ الباصات»، وربما أنه كان ينتقم من رئيس الشباب الذي وصم ناديه العام الفائت بـ «نادي الجاليات»، ثم عاد واحد من رجال الإدارة الشبابية هذا الموسم ووصم النصر بـ «نادي القرنبع»، رداً على حادثة الباص التي كان أبطالها آسيويين مجهولي المصدر، وعلى معاملة إحضارهم إلى الملعب بصمات أيدٍ كثيرة، تحاول هيئة الرياضة فرزها لعزل الحق عن الباطل، لكنها لن تستطيع، وإن استطاعت فإنها ستجنح إلى السلامة والسلام، وبيان كثير الكلام يحث على الانضباط والالتزام، وسيبقى سيف العقوبات عاجزاً عن جز الرؤوس الكبيرة المدبرة، وربما تسقط رؤوس صغيرة جمة لن يهتم بها أحد، ولن تكون جزءاً من ذاكرة الناس ولا الحادثة كلها.
لكن الشبابيين أنفسهم كانوا سعداء حين رد رئيسهم الإساءة النصراوية بأسوأ منها، وكانوا سعداء جداً حين أساء نفس الرئيس لنادي الأهلي ولجماهيره، بكلمات ساخرة زاخرة بالانتقاص وبالازدراء، فرحوا بإيذاء الآخرين وحزنوا حين مسهم الأذى!
دائرة واسعة من بطولات الكلام «الرخيص»، لكن البطولات «الغالية» الحقيقية، فإنها لا تحدث إلا قليلاً، والجماهير تصدق أن القوة ليست أن يكون ناديك بطلاً، وإنما أن يكون رئيس ناديك شامخاً قادحاً جلاداً، الرئيس - قديماً كان أو جديداً، يجلد بينما يحتفل الأنداد مرة أو مرتين كل عام، «يَهذي» رئيس على جماهيره بـ «الذبّات»، فيما رئيس آخر «يُهدي» جماهيره بهجة الكأس وفخر الأقوياء.
رئيس نادي الهلال، الموسم الماضي، كان بطلاً من أبطال الكلام الخارج عن النص، والحركات الداخلة في قائمة الإساءة، وقبل أن ينتهي الموسم «استُقيل» من منصبه، رفضته ولفظته الجماهير، لأنها تعودت أن يكون فريقها بطلاً على منصة التتويج، وليس على منصات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وحين عادت الكلمات القبيحة إلى قبرها، وتصدرت الكلمات الطيبة مجلس الظهور والحضور، وساد صمت طويل، جاء الذهب، وذهب الضجيج و«اللجيج» مع من ذهب!
يتراشق «الصغار» بالحجارة في الشارع
‏ومثلهم «تماماً» يفعل الكبار! يتراشقون بالكلمات البذيئة، لكنهم لا يفعلون ذلك في الشارع، بل في وسائل الإعلام!