مستر «إي» الثعلب العجوز في مواجهة العواصف
منذ أيام، وتحديداً في الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي، احتفل البريطاني بيرني إيكيلستون، الملقب بـ «سوبريمو» الفورمولا - 1 أو “مستر إي” بعيد ميلاده الثمانين، وخطا أولى خطواته في عامه الحادي والثمانين، الذي تتواصل احتفالاته به في أبوظبي، بعد أن حط رحاله إليها لحضور الجولة قبل الأخيرة من بطولة العالم.
وعلى الرغم من عمره المديد، إلا أنه لا يزال يحكم قبضته على عالم الفورمولا - 1 بقوة، مما جعله محط إعجاب المقربين والأعداء على حد سواء، فالثعلب العجوز، يتحدى مع الزمن فضائح واتهامات بالرشوة، كما يدير إمبراطوريته مثل «الساعة»، ولا يجد ممن يعملون معه، أو معظمهم سوى السمع والطاعة.
وقد عبّرت العديد من الشخصيات في الوسط الرياضي عن إعجابها بتفاني ايكلستون في عمله، حيث أشار مدير فريق المكلارين مارتن وايتمارش إلى أنّ «بيرني» إنسان خارق، وقال: لقد بلغ عامه الـ80 ولا يزال يدفع إلى تطوير رياضة الفورمولا -1 إلى الأفضل.
أما رئيس الاتحاد الدولي لرياضة السيارات، جون تود، فقال عنه: إن “بيرني” لديه الدافع الكامل للبقاء في الفورمولا - 1، وأتمنى ان أكون في الحماس والوضع نفسيهما عندما أبلغ حاجز الثمانين. كما أهدى فريق ريدبول مجسم عبارة عن مقود فورمولا - 1 إلى بيرني ايكليستون خلال جائزة كوريا الكبرى.
ومنذ فترة، أصدر توم بوير كتاباً بعنوان «لا ملاك» كشف فيه الحياة السرّية لمالك الحقوق التجارية بيرني إيكليستون. وعرض الكتاب وقائع من عام 2007 وعداء إيكلستون مع مدير المكلارين رون دينيس الذي تمّ تغريم فريقه وشطب جميع نقاطه من بطولة الصانعين.
وجاء في الكتاب على لسان بيرني إيكلستون: «عندما طعنني فلافيو برياتوري في ظهري، قال لي إنه من الجيد أن تنزف قليلاً» وأضاف «ولكن عندما طعنني دينيس بسكين أراد مني أن أعلم أنه المسؤول وباستطاعته قتلي».
وأشار الكتاب إلى تفاصيل سرية جرت بين كل من بيرني إيكليستون، رون دينيس، فلافيو براتوي ورئيس الاتحاد الدولي للسيارات في تلك الفترة ماكس موسلي، فخلال عام 2007 انتظر السائق الإسباني فرناندو ألونسو حتى السباق المجري ليهدّد رون دينيس بأنه سينشر وثائق سائق سرية تدين المكلارين بالتنصت على الفيراري. ولكنّ الإسباني قام قبل أسبوعين بالكشف عن محتويات الرسائل لصديقه فلافيو برياتوري الذي بدوره تداولها مع إيكليستون وموسلي.
وتحدث إيكلستون في وقت لاحق بأنّ موسلي أراد إبعاد المكلارين عن المشاركة في بطولة العالم للفورمولا - 1 لمدة عامين، ولكن مالك الحقوق التجارية اقترح تغريم المكلارين مليون دولار. وجاء في الكتاب أنّ موسلي قال مازحاً “5 ملايين دولار لجريمة التنصت على الفيراري و95 مليون دولار لدينيس لكونه أحمق»، وتحدث الكتاب عن أنّ فلافيو برياتوري وبيرني إيكلستون اعتادا تسمية لويس هاميلتون بـ«جامبو».
ومنذ أن حطت الفرق رحالها استعداداً للسباق، ألقت اتهامات الرشاوى التي طالت مملكة الفورمولا - 1 برأسها، على جلسات النجوم، وعلى هامش المؤتمرات الصحفية.
وكانت المدعية العامة الألمانية، قد اتهمت المصرفي جيرهارد جيربكوفسكي بتلقي رشاوى مالية من قبل مدير سباقات الفورمولا - 1 البريطاني بيرني ايكليستون، وأشارت المدعية العامة إلى أن جيربكوفسكي قام ببيع حصة بنك بايرن من الأسهم في سباقات الفورمولا - 1 عام 2006 إلى أكبر مساهم في السباقات بيرني إيكليستون من دون أن تتم إعادة تقييمها.
كما أشارت المدعية العامة إلى أن جيربكوفسكي تلقى رشاوى على شكل شيكات من عدد من الشركات الوهمية باسم بامبينو ترست وشركة بامبينو الحافظة موقعة باسم “بيرنارد أ”.
وفي حين اجتمع ايكلستون مع المدعية العامة، أكد أنه سوف تتم تبرئة اسمه من أي اتهامات.
وعلى صعيد حياته الخاصة، لم يسلم بيرني من المشكلات، الأمر الذي دفعه للاعتراف بأن رياضة المحركات الأشهر عالمياً دمّرت حياته الزوجية، فبعد أن عاش إيكلستون مع زوجته سلافيسا لما يقارب الـ 25 عاماً، ثم انفصل عنها قبل عامين في 2009. وقال إيكلستون لصحيفة دي فيلت الألمانية “لقد عملت بكل جهد للفورمولا - 1، وكان هذا هو السبب في تدمير زواجي”، وأضاف: “أنا مشغول للغاية، ولكن أستمتع بما أقوم به. أعمل معظم الوقت من الساعة التاسعة حتى السادسة، سبعة أيام في الأسبوع”.
وأوضح إيكلستون «كانت سلافيسا غير سعيدة بهذا النمط الزوجي. لقد أرهقتها عملي لطوال 25 عاماً، والآن هي تسافر في جميع أنحاء العالم لتعويض الأيام السابقة من حياتها».
وعندما سئل إيكلستون عما إذا كان يذهب في عطلة لوقت طويل، أجاب البريطاني “من النادر جداً. لست بحاجة للراحة. عطلة لعشرة أيام هي الأقصى التي تمكنت من القيام بها في آخر 50 سنة من حياتي”.
وتبدو حياة إيكليستون مزيجاً في الكثير من جوانبها، إذ له مواقفه الإنسانية التي لا تنكر، وآخرها، عندما اشترى ما يقارب 3,000 تذكرة لجائزة اليابان الكبرى بهدف التبرع بها لضحايا الزلزال الذي ضرب سواحل شرق اليابان.
وأنفق «سوبريمو» الفورمولا - 1 حوالي 1.5 مليون دولار أميركي على تذاكر السباق، حيث بلغت تكلفة التذكرة الواحدة 470 دولاراً للأيام الثلاثة، كما تم تصميم دمية «إيكلستون» التي تباع بـ 45 دولاراً لصالح الجمعيات الخيرية في اليابان. ويحكم برنارد شارلز إيكليستون أو كما يعرف بـ “مستر إي” في الفورمولا ـ 1 قبضته الحديدية على الحقوق التجارية للبطولة وللفرق، الأمر الذي جعل من مملكته السلسلة الرياضية السنوية الأكبر على الأرض.
وخلف الدماغ الأكثر جدلاً في عالم الرياضة، هناك العين الثاقبة للترويج والغموض في التفاصيل، الأمر الذي يجعل “الفورمولا ـ 1”، على خلاف أي صناعة في العالم، الشغف الصافي لرياضة السيارات.
واسم إيكليستون هو الأكثر شهرة داخل أروقة الفورمولا ـ 1 ورياضة السيارات حول العالم. ولكن بالنسبة للعديد من الأشخاص يبقى هذا الرجل أحد أهم الألغاز في عصرنا الحالي، وهو من الأشخاص الذين يبقون في الظل، ولكنه في الوقت نفسه يقف تحت الأنوار الساطعة، وهو محط اهتمام الجميع. لذلك لا يوجد أي شيء يتحرك في “الفورمولا ـ 1” من دون علمه. ومن دون موافقته.
ولد بيرني في أكتوبر 1930، وقد مرت ستون عاماً منذ أن اشتهر هذا الشاب عندما كان يشارك في سباقات الدراجات النارية، معشوقته الأولى، على حلبة براندزهاتش في عام 1947، قبل أن يتحول للجلوس خلف مقود سيارات “الفورمولا3 500 سي سي”، التي توازي اليوم سباقات “فورمولا3”، في حقبة الخمسينيات، ما دفع ببريطانيا إلى قمة رياضة السيارات، إلى قمة المصممين، والفرق والسائقين أصحاب المواهب المدهشة.
الدراجات النارية لعبت دوراً مهماً في نهايته عندما أسس نهاية حقبة الأربعينيات وبداية الخمسينيات شركة كبيرة في بيكسلايهيث، 20 كيلومتراً شمال لندن، أطلق عليها تسمية كومبتون آند إيكليستون، وقد كانت تعكس صورة متحضرة عن هذه الرياضة.
العديد من الراويات تروى عن هذا الرجل الذي يُقال أنه دخل مرة إلى معمل برابهام، ووجد أنه تم تركيب هاتف على الحائط بشكل خاطئ، فأقدم على تحطيم الهاتف، وصرخ طالباً إعادة تركيبه بطريقة صحيحة وإلا سيقفل المصنع.
في منتصف الخمسينيات، ظهر إيكليستون ككشاف مواهب صاحب عينين وبصيرة مستقبلية، لرعاية المواهب البريطانية الشابة على غرار السائق ستيوارت لويس ـ إيفانس، الذي أحد أكثر سائقي الفورمولا ـ 1 موهبة في تلك الحقبة، قبل أن ينجو من الموت خلال سباق جائزة المغرب الكبرى 1958.
رغم ذلك، وفي العام عينه، بدأ إيكليستون مشواره كمالك لفريق، عندما قام بشراء فريق كونوث الفاشل، وقدم السيارات بأسلوب جديد في سباقي جائزتي موناكو وبريطانيا الكبريين. وبرغم أن سيارات كونوث لم تكن الأفضل، إلا أنها اعتبرت بذوراً للمستقبل.
بيرني عاد خلال حقبة الستينيات بالموهبة الرائعة الأخرى للرياضة، وهو السائق النمساوي يوخن رانت. وتحت توجيه إيكليستون تطور رانت وتمكن من الفوز ببطولة العالم للفورمولا - 1 عام 1970، ومن المحزن أن يسجل التاريخ أن رانت فاز باللقب بعدما لقي مصرعه خلال التمارين التي سبقت سباق جائزة إيطاليا الكبرى.
ومرة جديدة، قام إيكليستون بشراء فريق آخر يدعى برابهام عام 1971، وقد حقق معه النجاح على مدى الطويل. ومع فريق رائع يضم في صفوفه مهندسين متفوقين مثل هيربي بلاش وشارلي وايتينج، وعبقري التصميم الجنوب أفريقي جوردون موراي، بات فريق برابهام قوة يحسب لها ألف حساب، مع سائقين مثل كارلوس بايس، كارلوس راويتيمان، جون واتسون ونيكي لاودا خلال حقبة السبعينيات، ومن ثم برز النجم نيلسون بيكيت الذي قاد السيارة التي صممها موراي للفوز ببطولة العالم عامي 1981 و1983.
في الوقت نفسه، كان إيكليستون يؤسس لدفع الفورمولا ـ 1 إلى المستقبل. فأشعل ثورة من ناحية الترويج، الترفيه، وحقق بلايين الدولارات سنوياً كعائدات، وأدار هذه الرياضة، كما يفعل اليوم، مع حماس، متعصبا للنجاح، لذا أطلق عليه لقب “الديكتاتور”.
السباقات هي أكثر من عمل بالنسبة لبيرني. فعندما نشاهد الانتصارات والمآسي التي عاشتها الفورمولا ـ 1 خلال السنوات الستين الأخيرة، ندرك أن لها تكريساً خاصاً في نفسه، فهو الرجل الذي قاد الفورمولا ـ 1 إلى حقبة بلايين الدولارات وجعل منها ما هي عليه اليوم... فورمولا ـ 1 عصرية ومثالية.
المصدر: أبوظبي