بعد فترة غير قصيرة، قضتها ريم عبد الله في البحث عن وظيفة، راحت تراجع حساباتها، فوجدت أنها حصلت على شهادة دراسية، ظنت أنها تؤهلها تلقائياً إلى العمل، فواصلت بحثها، لكنها لم توفق ثانية، فجلست إلى أبيها، كما تعودت منذ صغرها، تناقشه في أمور حياتها، فحدثها عن فصل جديد من كتاب الحياة، لم تكن تعرف عنه الكثير، عندما تطرق إلى أهمية تأهيل الخريجين، وأن سوق العمل يحتاج إلى العمالة الجيدة، التي تسهم في زيادة سرعة عجلة الإنتاج، لا أن تكون سبباً في إرباكها. والد ريم تفاعل مع ابنته، ونصحها بضرورة الالتحاق بدورة تدريبية بإحدى الجهات المتخصصة، فأخذت بكلامه، وراحت تدرس وتتعلم بشكل عملي، وهو ما ساعدها بعد ذلك، على التميز بين المتقدمين للحاق بوظيفتها الحالية، في مجال البرمجة، لتحصل فعلياً على لقب مهندسة. قصة المهندسة ريم تجدد الحديث عن أهمية التأهيل للالتحاق بركب سوق العمل، وعدم الاكتفاء بالحصول على الشهادة، وضرورة أن تفتح الجامعات والجهات المختصة، أبوابها للتدريب العملي وتأهيل الخريجين، للحاق بقاطرة سوق العمل، وعدم الانتظار طويلاً في محطاتها. «مريم أ»، خريجة جامعية قضت 5 سنوات من عمرها في دراسة علم الأحياء في إحدى الجامعات، وتوقعت بعد التخرج أن تجد فرصة لتطبق ما درست، لكنها تجلس في المنزل منذ 7 سنوات تنتظر اتصالاً أو رسالة بريدية، تحمل إحداها خبر تعيينها بإحدى الوظائف، فهي تطمح في العمل بجهات بعينها، لكن تصطدم بعامل الخبرة وعدم التأهيل، حيث لا يرضي آمالها مجرد الالتحاق بأي عمل، ويكون لها وظيفة، تقطع إليها الطريق ذهاباً وإياباً، لتنتظر في نهاية الشهر، راتباً، تنفقه في التسوق بالمراكز التجارية، وشراء أحدث صيحات الموضة من العباءات، وغيرها من المستلزمات النسائية، التي تستنزف ميزانية الموظفات. النواحي العملية مريم تلقي اللوم على الدراسة، حيث ركزت الجامعة، التي درست بها، على بعض الجوانب البسيطة، في النواحي العملية، ولم تمنحها الوقت الكافي، للتدريب، حتى تصبح مؤهلة لسوق العمل، وعلى هذا المنوال مرت السنوات الخمس من دراستها، حتى احتفلت مع زميلاتها بالتخرج، وظنت وقتها، أنها وضعت طرف قدمها، على أعتاب الحياة العملية، ولم تكن تظن، أن طرف السجادة، سيسحب، من تحتها سريعاً، قبل أن تضع القدم الثانية، فكلما تقدمت لوظيفة، تجد أنها، غير مؤهلة للالتحاق بها، وقبل أن يأتيها، رد الجهة التي تقدمت للعمل بها، تجد نفسها، مقتنعة بتواضع قدراتها، وأن دراستها، لا تشفع لها، بل هي مجرد خطوة تسبق نقطة الانطلاق، إلى الحياة العملية. المهارات أما موزة راشد طالبة جامعية، فهي تعرف أن سوق العمل يحتاج إلى الكثير من المهارات، التي لا تمتلكها الطالبة، سواء خلال الدراسة أو بعد التخرج، لكنها تجد نفسها، أمام حيرة، حيث تود أن تلحق بالسلم الوظيفي، مشيرة إلى أنها فكرت كثيراً، في حل تلك المعادلة، فداعب مخيلتها في البداية، أنها تشبه الحديث الهزلي أيهما أول الدجاجة أم البيضة؟، لكن وجهة نظرها تغيرت، عندما عاودت التفكير، مرة أخرى، واستقر بها الرأي، على أهمية تكثيف جرعة التدريب، خلال الدراسة الجامعية، وزيادة الاهتمام بالجوانب العملية، وتجهيز الأبحاث، حيث يركن بعض الطلبة، إلى شراء الأبحاث سابقة التجهيز، التي تباع سراً إليهم، وبالتالي تكون النتيجة، أن الطالب يحصل على معدلات النجاح في المادة، دون أن يلم بجوانبها العملية. وعن العلاقة بين الجامعات وسوق العمل، لم تنكر موزة أن بعض الجامعات، تبذل قصارى جهدها في هذا المجال، وتستغل المؤتمرات والمعارض، التي تقام في مختلف إمارات الدولة، وتتواجد بفعالية، من خلال أجنحة يشارك فيها الطلبة، ويتعرفون إلى الحياة العملية، ويتفاعلون مع الأحداث المتنوعة في تلك الفعاليات، لتكون لهم، طريقاً، يؤدي إلى نقطة الانطلاق نحو مستقبل مشرق، ومع ذلك تتمنى موزة زيادة فترات التدريب العملي في الجامعات، وكثرة التنسيق مع الجهات المسؤولة عن التوظيف. عالم الاحتراف ماذا نفعل؟ ليس بيدنا غير الانتظار، هذه كانت ردة فعل عذيبة ح، عند سؤالها، عن توقفها في المحطة، تنتظر مرور قطار التوظيف، حيث تخرجت منذ سنوات من تخصص علم النفس، لكنها لم تجد غير البيت لها مكاناً، فبعد تقديمها لأوراقها الرسمية مرفقة بالشهادة في أماكن عدة، خاب أملها فظلت في موقعها، تصبر نفسها. وتقول ربما هم مكتفون بعدد الموظفات، فلو كان هناك شاغر سأتوظف، لكن عذيبة لم تنكر هي الأخرى أنه ليس لديها، ما يميزها في سوق العمالة، الذي يبحث على اختلاف تخصصاتهم، التي تشبه الاحتراف في عالم الرياضة، فهم بحاجة إلى اللاعب المحترف، الذي يدعم فريقه، ويضمن له إحراز الأهداف، أما اللاعب، الذي هو في حاجة إلى تدريب، فمكانه خارج الملعب. وعودة إلى حالتها، فهي، تعترف عذيبة أنها لم تتقدم إلى أية دورة تدريبية، تكسبها المهارة اللازمة، وبالتالي تشعر أنها بحاجة إلى فترة للبقاء خارج الملعب، حتى تتدرب وتصبح بين الهدافين. صك التميز ولا تختلف قصص هؤلاء الطالبات، عن الطلاب، حيث أوضح سعيد علي أنه درس أحد التخصصات العملية في جامعة خاصة، ظناً منه أنها، ستكون بالنسبة صكاً يمنحه التميز بين الخريجين، وأن سوق العمل سيركض خلفه، طلباً لقدراته التي اكتسبها في الجامعة، مقابل المصروفات الباهظة، التي تكبدتها الأسرة، وتمضي سنوات الدراسة، ويتخرج سعيد، ليجد، أنه اشترى الوهم، فالجامعة، لم تكن بالمستوى، الذي روجت له في إعلاناتها، عقب ظهور نتيجة الثانوية العامة، أو لديها كل هذه الإمكانات، التي ملأت صفحات الصحف، وهي تتحدث عن مقوماتها الجامعية، وما توفره للطلبة. أما محمد الحمادي، فهو مقبل على التخرج، فقال إنه سمع كثيراً عن أهمية التأهيل ومدى صعوبة التحاق غير المؤهلين بسوق العمل، ولذلك ينوي الالتحاق بدورة تدريبية على تخصصه، وهو راض عن ذلك، موضحة أنه يؤمن بأهمية التأهيل، والتدريب العملي. الكوادر الجديدة بنقل ملفات الموضوع إلى بعض شركات القطاع الخاص، أوضح محمد سلمان مدير إحدى الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا، أنه لا يمانع في الاعتماد على الكوادر الجديدة، فقد بدأ حياته العملية منذ أكثر من عشر سنوات، وكان في مثل عمرهم، لكنه اهتم بتأهيل نفسه، خاصة في قطاعه، الذي يتطلب أن يكون صاحب العمل، ملماً بتفاصيل إدارة العمل، لذلك يدعو من خلال موقعه وخبرته، كل طالب أن يعرف هدفه في الحياة، وعلى الأهل، الانتباه، لميول ابنهم، وتوجيهها نحو الاتجاه الصحيح، وعدم الاكتفاء بمسألة التنسيق الجامعي عقب الثانوية العامة، وتكون النتيجة، التحاق الأبناء بالدراسة الجامعية، والتخرج حاملين شهادة دراسية، معتمدة على برامج ومساقات نظرية، بعيداً عن التطبيق العملي، وهنا تحدث الصدمة، عندما يحتك الخريج بسوق العمل، فإن تم توظيفه يطلب منه نسيان ما تم دراسته، والبدء في تعلم المهارات والخبرات الجديدة بشكل عملي. أما عبيد جاسم، فهو يدير شركات عاملة في قطاع صناعة معدات السيارات، فيدعو إلى زيادة التوجه إلى التخصصات الفنية، وفتح معاهد متخصصة، كما هو الحال في بعض الدول، حيث تجد أن الطالب يدرس منذ صغره مثلاً صناعة معدات السيارات، وبالتالي يتخرج حاملاً معه خبرته، لأن تعليمه اعتمد على الجوانب العملية، بعيداً عن أجواء الحفظ والتلقين. العمالة المؤهلة بينما يرى محمد عبد المنصف المختص في مجال التوظيف، أن سوق العمل يفتح ذراعيه للعمالة المؤهلة، ويمنحها الفرصة الملائمة، ويصعب عليه في ظل المنافسة القوية، أن يقبل بموظف جديد، يعتمد عليه في الكثير من المهام، وفي النهاية ترتبك أوضاع العمل، لذلك يحرص صاحب العمل، وهذا من حقه، على إجراء الاختبارات بين المتقدمين، ويدقق في الاختيار من بينهم، وبالتالي يتم استبعاد الكثيرين، مشيراً إلى أن هذا الأمر لا يعني عدم الرغبة في توظيف الكوادر الجديدة، لكنه بمثابة تنبيه لهم ، ضرورة أخذ الحياة على محمل الجد، والاهتمام بمسألة التأهيل العملي. «شركتنا لا تطالب المتقدم المواطن للوظيفة بشهادة خبرة، فهي تكتفي بأن يكون معه شهادات وحصل على دورات تدريب، هكذا بدأ أحمد الحوسني من إحدى الشركات السياحية في الدولة، مضيفاً أن أكثر المتقدمين للوظائف من المواطنين في القسم الإداري بالشركة، لكن لم يتقدم أياً منهم للعمل في القسم السياحي لعدم انتشار هذا التخصص، أو وجود الرغبة في الالتحاق به، وبالتالي تكون معرفتهم مقصورة في الجوانب الإدارية بعيدة، عن بؤرة الاهتمام في العمل. الابن الوحيد أما علياء محمد، فلا تختلف كثيراً عن الحالة السابقة، فلديها ابنة وحيدة من زواج لم يدم طويلاً، لذا رأت ألا ترهقها بأية أمور غير الدراسة، وأفرطت في تدليلها، وتوفير طلباتها، فانشغلت الابنه بأمورها الخاصة وأجهزتها من الكمبيوتر اللوحي، بالإضافة إلى هواتفها الذكية، التي استبدلتها أكثر من مرة، وبالطبع يأتي الهاتف الجديد بأسرع وقت، ناهيك عن السيارة، وجولات التسوق. وتعترف الأم بأن ابنتها انشغلت بأمور غير مفيدة، حتى أهملت دراستها، لكنها أمام إصرار الأم بضرورة الحصول على شهادتها، عادت الابنة إلى الجامعة، لكنها ترفض الالتحاق بأية دورات تأهيلية، رغم أنها ترغب في العمل بمجال الضيافة الجوية. الحالتان السابقتان، من بين حالات كثيرة، انتهت إلى نتيجة واحدة، وإن اختلفت التفاصيل، وهو ما ترفضه إسراء المهدي، التي تعيش طوال فترة الدراسة في معسكر اختياري، فقد عودت الأبناء على ذلك، حتى أصبحوا يتقبلونه عن اقتناع، وهي ترى أن كل بيت، لابد أن يعتمد على النظام في الدراسة والتأهيل، مشيرة إلى أنها تعطي لأبنائها إجازة أسبوعية يوم الجمعة، لتلتقي خلاله الأسرة وتمرح وتسعد بلحظة الإجازة، ليأتي يوم السبت، ويكون بمثابة التجهيز للدرسة، وبالتالي تربى الأبناء وفهموا أهمية التأهيل، ودون أن تطلب منهم، يراجع كل واحد منهم نفسه، ويلتحق بالدورة المناسبة، أو يجتهد في البحث عن معلومات جديدة في تخصصه، وهي لديها أربعة أبناء، تخرج الأكبر منهم، وكان يعمل خلال الدرسة، والثاني يعمل ويدرس أيضاً، وتتمنى أن يسير ابناها الثالث والرابع على خطى أخويهما. تعامل الطلبة وعن قلة فرص توظيف الخريجين الجدد، أوضح الدكتور محمد إبراهيم الرميثي أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمارات أن هناك قلة في فرص العمل، لذا يتأخر الخريج في الحصول على وظيفة، مشيراً إلى أنه رغم وجود فترة تدريب للطلبة في الجامعات، لكنها قصيرة ومحدودة، وبالتالي فهي غير مجدية في سوق العمل، خاصة أن بعض الطلبة يتعاملون معها بشكل غير جدي، ويعتبرونها مجرد وقت يجب أن يمضي للانتهاء من متطلبات الجامعية والحصول علي شهادة التخرج. ويرى أن الطالب لو تعامل مع أمر التدريب والدراسة بجدية، فسيجد أن المعلومات التي يكتسبها خلال فترة دراسته، تغنيه عن شهادات الخبرة، وبالتالي يصبح مؤهلاً للتوظيف، وإن احتاج إلى بعض التدريب، فيمكن للمؤسسة أن توفر له مشرفاً لديه خبرة يتابع تدريبه للمدة التي يتطلبه فهمه للعمل وإلمامه به. وأضاف الدكتور الرميثي أن هناك متابعة من قبل الجهات المختصة لزيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص، مقترحاً تشكيل لجان فرعية، حتى تستطيع المتابعة والإشراف على زيادة نسبة التوطين، وبالتالي زيادة فرص العمل بالنسبة للخريجين الجدد. وأوضح الدكتور قيس محمد التميمي أستاذ الإعلام بقسم الاتصال الجماهيري بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الإمارات أن الفترة التدريبية التي يخوضها الطالب ليست كافية لتجعله ملماً بالخبرة الكافية، التي يحتاجها سوق العمل، أو تمكنه من الإيفاء بمتطلبات المنافسة، واقترح أن تكون الفترة الذي يقضيها الطالب في العملي، مساوية للفترة التي يقضيها في الدراسة النظرية، وبهذه الطريقة، يمكن أن يكتسب ما يؤهله للعمل مباشرة. وأضاف، طلب الخبرة من خريجي الجامعات أمر غير منطقي، فيجب أن يقتصر هذا الشرط على بعض التخصصات فقط، خاصة أن بعض الأعمال، يمكن أن يكتسب خلالها الموظف، خبرة بعد تعينه، بخوض فترة تدريب في المؤسسة التي يعمل بها . عفراء على الطريق الصحيح تخرجت عفراء أحمد، منذ عامين، وسلكت الطريق الصحيح، فقد اهتمت بالتدريب العملي، وهي في المرحلة الجامعية، حيث إنها من أرادت أن تعمل في مجال الاستيراد والتصدير، وهي بالأساس تحب عالم التجارة والمال، ومنذ دراستها الثانوية تتواجد مع أبيها في شركته، وعملت فترة مديرة لمكتبه، فتعرفت، إلى أسرار هذا العالم وما به من مخاطر ومغامرات، وبعد حصولها على الثانوية، التحقت بقسم إدارة الأعمال في إحدى الجامعات، وكانت خلال الدراسة، تعمل مع والدها في الشركة، فاكتسبت الكثير من الخبرات، التي أهلتها لبداية حياتها العملية، وعقب تخرجها، اتفقت مع الوالد على افتتاح فرع جديد للشركة، على أن تديره بمفردها بعيداً عن وصاية الوالد، فسعد الأب بطموح ابنته، وراح يشجعها، وبالفعل تم افتتاح فرع الشركة، وشقت مديرته عفراء طريقها إلى عالم التجارة. وبسؤالها عن أهمية التأهيل، اقترحت عفراء، أن تقوم بعض الجامعات بدراسة متعمقة لحاجة سوق العمل من التخصصات المختلفة، بالإضافة إلى أكثر البرامج التي يحتاجها من هذه التخصصات، ويتم إلحاق الطلبة بها، على أن يكون هناك فترة تدريب عملي خلال الدراسة، حتى يتخرج الطالب، وهومؤهل لسوق العمل. أسر تعاني قلة فرص التوظيف وتعترف بإهمال التأهيل كشف عدد من أولياء أمور الطلبة عن معاناتهم في توظيف أبنائهم، وفي الوقت ذاته، لم ينكر بعضهم التقصير في إعداد الأبناء للمساهمة بسواعدهم في بناء المستقبل، وتجهيزهم بطريقة، تجعلهم في محل طلب مستمر من سوق العمل، حيث أوضح ذياب شاهين أن هذا الأمر لم يشغله كثيرا، طوال سنوات دراسة ابنه سلطان، فقد ركز على توفير متطلباته الحياتية، وهو وإخوته خلال الدراسة، ومع بداية الإجازة تجتمع الأسرة، وتتشاور في أمر السفر إلى الخارج وقضاء بعض الأوقات الممتعة، دون أن تفكر في الحاق أحد الأبناء بدورة تدريبية، أو دعم خبراته بأية مهارات عن التخصص الذي يدرسه، وبالتالي تخرج ابنه منذ 3 وينتظر دوره بين صفوف المتقدمين للوظائف، ولديه ابنته هي الأخرى على مشارف التخرج، وهي أيضاً اهتمت بالدراسة في غفلة عن أهمية التأهيل للحياة العملية.