دونالد جي. بودرو أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ماسون ومؤلف كتاب "العولمة" في خطابه الأخير عن "حالة الاتحاد" دعا الرئيس الأميركي أوباما إلى رفع القدرة التنافسية للولايات المتحدة عالمياً. غير أن هناك فارقاً كبيراً بين الانحياز إلى صف الاستثمار، وصنع السياسات المؤدية إلى النمو الاقتصادي. وقد دار لغط كثير عن شعرة صداقة أوباما الجديدة مع الاستثمار، وهو الذي ظل يتهمه خصومه المحافظون بالعداء للاستثمار وبالتخطيط لتحويل أميركا إلى دولة اشتراكية على النمط السوفييتي السابق. كما تحدث الكثيرون عن دعوته لجعل أميركا أفضل مكان للاستثمار على وجه الأرض. وبينما تسعد مثل هذه التصريحات جمهور المعتدلين، فهي تثير حنق الليبراليين وغيظهم، في حين يواصل المحافظون تشككهم في مدى صدق أوباما في إعلان صداقته الجديدة مع الاستثمار. وبصفتي اقتصادياً، فإنني قلق على مصداقية ما قاله الرئيس بشأن هذه الصداقة. غير أن القلق الذي أشعر به يختلف كثيراً عن ذلك القلق الذي يعم اليسار السياسي. وخلافاً للاعتقاد السائد، فأن تكون صديقاً للاستثمار، يختلف اختلافاً بيناً عن أن تكون منحازاً إلى النمو الاقتصادي أو السوق الحرة. ذلك أن الاقتصادي الإنجليزي الشهير آدام سميث، قد أوضح أنه لا يمكن أن توصف أمة ما بأنها غنية، ما لم يكن شعبها يتمتع بمستوى جيد من وفرة السلع والخدمات التي تجعل حياة المواطنين سهلة، صحية، مريحة، وممتعة. وقال إنه كلما ازدادت قدرة المواطنين على التمتع بهذه المزايا، كلما أمكن وصف الأمة بأنها غنية. وبالطبع فإن توفير السلع والخدمات التي يرغب بها المستهلكون، يتطلب الاستثمار. لكن من المؤسف أن الاستثمار ظل عبر التاريخ مثقلاً بالضرائب الباهظة والقيود التي تفرض عليه بغية تخفيف العبء المالي على المستهلكين والعاملين، وهي سياسات خاطئة رغم النوايا الحسنة التي تدفعها. والمعلوم عن الاقتصاديين -لاسيما دعاة السوق الحرة منهم- يهتمون كثيراً بالإبقاء على مستوى وفرة السلع والخدمات المعروضة في السوق في أعلى ارتفاع ممكن. وبذلك فهم يقفون إلى جانب حماية الاستثمار ضد أي تدخل غير منتج اقتصادياً من قبل الحكومات. فذلك ما نفعله نحن الاقتصاديين، ليس بدافع حب عاطفي للاستثمار، وإنما لعلمنا بأن تدخل الدولة في إدارة الاستثمار، عادة ما ينجم عنه نقص في السلع والخدمات المعروضة لعامة جمهور المستهلكين من الرجال والنساء. وبعبارة أخرى قصيرة ومباشرة، فإن أفضل مقياس للنجاح الاقتصادي هو مدى سعادة جمهور المستهلكين، وليس مدى قدرة الاقتصاد على إسعاد المستثمرين. ولمفاجأة الرئيس اقتصادياً، فإن الاستثمار لا يحب المنافسة أبداً. وبالطبع فإن لكل نوع من أنواع الاستثمار رؤيته الخاصة لنشاطه وللمنافسين له. غير أن ما يوحد بين جميع المستثمرين هو رغبتهم في تحقيق أعلى هامش ربحي ممكن. وفي اقتصاد السوق الحرة، لا يربح الاستثمار إلا بإسعاده للمستهلكين. وعلى عكس ذلك تماماً، فمتى ما حصل استثمار ما على امتيازات حكومية أياً كانت، فسيكون بوسعه تحقيق الأرباح التي يريدها دون الحاجة لإسعاد جمهور المستهلكين. وهنا تكمن المعضلة في إعلان أوباما الأخير عن صداقته للاستثمار. وعلينا الآن النظر في التزام أوباما بجعل أميركا دولة أكثر تنافسية. ويجدر الملاحظة أيضاً أن أوباما قد استخدم في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد، عبارة "التنافس" تسع مرات في سياق محاولة دعم حجته القائلة بأن العمال والشركات الأميركية باتوا أمام تهديد جدي من قبل الشركات والعمالة الأجنبية المنافسة لهم. ورغم الوقع الجيد لعبارة "التنافس" المتكررة في خطاب الرئيس، فمن الضروري تذكيره بأن التنافس ليس صديقاً ودياً للاستثمار. بل إن الاستثمار يرغب في حمايته دائماً من التنافس وأقرانه؛ مثل الدعم الحكومي، والاستثناءات الضريبية الخاصة، وغيرها من المزايا التي تعرضها الحكومة على الاستثمارات، طالما أن جميع هذه المزايا الحكومية تؤثر سلباً على قدرة الاستثمار على تلبية حاجة المستهلكين وطلباتهم. والسخرية أن هذه المزايا الحكومية كثيراً ما تصنف على أنها "تنافسية" وصديقة للاستثمار. صحيح أن مثل هذه السياسات ربما تساعد على رفع الهامش الربحي لبعض استثماراتنا المحلية، لكن من الوهم الاعتقاد بأنها (المزايا الحكومية) تجعل اقتصادنا القومي أكثر تنافسية، لأنها في حقيقة الأمر تجعله أقل تنافسية في السوق العالمي. وكثيراً ما يسود هذا الخلط المفاهيمي عند الحديث عن التجارة العالمية بصفة خاصة. فالتجارة ليست لعبة ولا ساحة للعراك الاقتصادي، بل عملية يتم فيها التبادل بين طرفين راشدين وفق شروط يتفق عليها الطرفان. وبهذا المعنى فالتجارة تختلف كثيراً عن مباريات كرة القدم أو رياضة الرماية وهي رياضة لا يفوز فيها طرف إلا بخسارة الطرف الآخر وعلى حسابه بالطبع. ففي التجارة يكسب الطرفان ويفوز كلاهما، وإلا ما كانت التجارة أصلاً ولا استمرت في جميع المجتمعات والعصور في مختلف مراحل تاريخ المجتمع البشري. وطالما أن الفوائد التي تحققها التجارة ذات طبيعة تبادلية تتحقق فيها مصالح جميع الأطراف المتعاملة بها، فليس هناك ما يبرر مشاعر القلق التي عبر عنها أوباما وغيره على تزايد التبادل التجاري مع الدول الأجنبية، وخاصةً الصين. فالأميركيون ليسوا طرفاً خاسراً في هذه العلاقات التجارية، وليس صحيحاً الاعتقاد بأننا الطرف المهزوم في علاقات التبادل التجاري هذه مع الآخرين. وعليه فمن الواجب تصحيح القول إن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها أميركا اليوم، ناشئة عن اتساع تبادلها التجاري مع الدول الأجنبية. ذلك أن التجارة لا تحقق فوائدها المشتركة للجميع إلا اتساع نشاطها إلى خارج حدود الدول. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"