أحمد عاطف - شعبان بلال (القاهرة)
أين يختبئ الإرهابيون على مواقع التواصل الاجتماعي؟.. سؤال يطرحه البعض بعد شبه اختفاء للمتطرفين وعناصر التنظيمات الإرهابية من «داعش» و«القاعدة» من مواقع التواصل الاجتماعي الأشهر (إنستغرام - فيسبوك - تويتر - تليجرام) خلال الأشهر الماضية. «الاتحاد» سعت إلى الإجابة عن السؤال لتكتشف أن العديد من التنظيمات الإرهابية هربت إلى مواقع تواصل ومنصات جديدة لم يلقَ عليها الضوء بشكل كامل من المؤسسات التي تكافح الإرهاب مثل «تام تام» (TamTam) و«ووي شات» ومنصة (VK) و«كيو كيو» و«بنترست».
تستمر مطاردة الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات الأمنية للتنظيمات الإرهابية في الفضاء الإلكتروني، ويبدو أن العالم أصبح على موعد مع جولة جديدة من المعركة على عشرات المنصات الجديدة التي يستغلها الإرهابيون، وما زالت بعيدة عن الأضواء، ما يدفع للمسارعة بكشف محاولات الإرهابيين والمتطرفين، وحسم جولة جديدة من المعركة لصالح الإنسانية والتسامح.
«الاتحاد» قررت ملاحقة حسابات الإرهابيين والمتطرفين على هذه المواقع في جرس إنذار مبكر، بأن أفكار الموت لم تعد تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية بل انتقلت معسكرات نشر الخراب إلى ملاعب جديدة يجب الالتفات لها مبكراً وحصارها قبل أن تتحول هذه المنصات إلى مرتع للتحريض على القتل والكراهية.
وأشارت دراسة أكاديمية إلى أن الجيل الحالي من المتطرفين يختلف جذرياً عن الجيل الأول، فبينما ركز الجيل الأول على التجنيد عبر العلاقات الشخصية والتفاعل المباشر للتحريض على العنف، يعتمد الجيل الجديد على «الإنترنت» للتجنيد ووجد ضالته في البداية على منصات «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستغرام» عبر تداول الأخبار أو المقاطع المصورة التي تحث على التشدد والقتل.
جيل «الإنترنت» من الإرهابيين لم يعثر فقط على ساحة لنشر أفكاره الظلامية وعقيدة القتل والدم، بل كانت مواقع التواصل أداة للتنفيذ في العديد من العمليات الإجرامية وكذلك الحصول على التمويل. وأشارت دراسة أميركية إلى أن «داعش» ركز خلال السنوات الثلاث الماضية على تجنيد المتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات لإدراك التنظيم الإرهابي أن تحقيق «مكاسب» في ساحة «حرب الإنترنت» تماثل «المكاسب» على الأرض، بل إن القدرة على النفاذ للفضاء الإلكتروني أهم بكثير من تجنيد عناصر في مؤسسات حساسة.
وقال العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي، إن تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى نجحت في التغلب على أزمة الدعم اللوجستي والمادي عن طريق صفحات على «سوشيال ميديا» وشبكة الإنترنت، مشيراً إلى أنهم استخدموا «البيتكوين» في التمويل حتى يخرجوا من دائرة تتبع الدول وأجهزة المخابرات لخطوط الإمداد المادي والاقتصادي.
وشدد صابر لـ«الاتحاد» على أن التنظيمات الإرهابية على رأسها «داعش» استخدمت كل هذه الشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنها «تويتر» و«فيسبوك» للدعاية والترويج للعمليات الإرهابية ومحاولة استقصاء الرأي العام تجاهها، مؤكداً أن الهدف الأهم هو الاستقطاب والتجنيد عن طريق بدء حلقة نقاش ورصد ردود الأفعال وتحديد الأشخاص الذين يمكن استقطابهم من خلال قراءة ردود أفعالهم ومدى قبولهم لأفكار التنظيم.
مواقع وتطبيقات
وفقاً للتقديرات، يوجد اليوم أكثر من 5000 موقع وتطبيق اجتماعي في فضاء الإنترنت العالمي، 200 منها الأشهر عالمياً ويتقدمها في النمو والانتشار حالياً موقع «إنستغرام» والذي استحوذ حالياً على نحو مليار مستخدم نشط خلال أقل من 5 سنوات، فيما يواصل «فيسبوك» تأثيره العالمي الكبير بأكثر من ملياري مستخدم، ومعه موقع «تويتر». وبعد استخدام التنظيمات الإرهابية هذه المواقع لسنوات في التحريض والقتل، التفتت الحكومات لضرورة مواجهة هذا الخطر أخذة في الاعتبار مواجهة اتهامات معاداة حرية الرأي والتعبير. وعقدت دول العالم اجتماعات لمناقشة الإجراءات التي يجب اتخاذها لمحاربة المحتوى الإرهابي على الشبكة العنكبوتية. وبالفعل خلال العامين الماضيين بدأ التوسع في التعاون بين الحكومات وشركات الإنترنت العملاقة من أجل مواجهة المحتوى العنيف على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
وتوصلت دول أوروبا لاتفاق مع بعض الشركات على إزالة المحتوى الإرهابي خلال أقل من ساعة والتهديد بعقوبات ضد الشركات التي تفشل بشكل منهجي ومستمر في محاربة المحتوى المتطرف والتحريضي.
«الدارك ويب» الأكثر استخداماً و«تام تام» غرفة مظلمة
قال عمرو فاروق، الباحث المصري في الحركات المتشددة، إن التنظيمات الإرهابية واجهت معضلة بشكل أو آخر خلال العام المنصرم بسبب حذف مواقع التواصل الاجتماعي للتغريدات والبوستات والصور التي تحرض على العنف وتنشر الكراهية وتتبع حسابات المتطرفين.
وكشف المؤشر العالمي للفتوى المصري، في دراسة حول التطبيقات الإلكترونية، عن حذف أكثر من 700 ألف تطبيق من متجر «جوجل بلاي» خلال 2017، لاحتوائها على برمجيات خبيثة أو تعرض محتوى شديد العنف وعبارات كراهية وتحريض أو تلك التطبيقات التي تعمل للترويج للأنشطة غير القانونية.
وأوضح أن تنظيم داعش هو الأكثر استخداماً لتطبيقات الهواتف المحمولة بنسبة 50% والقاعدة بنسبة 15%، مشيراً إلى أن التطبيقات تعد إحدى الوسائل المهمة لدى التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، لنشر أفكارهم وتحقيق خططهم وأهدافهم.
وبحسب التقرير، فقد استغلت التنظيمات كل الوسائل التكنولوجية لزيادة الظهور والانتشار والزعم بأنها قائمة ومستقلة، ومن ثم التأثير على عقول الشباب والمراهقين. ففي نوفمبر 2015 أطلق تنظيم داعش تطبيقاً باسم وكالة «أعماق» الإخبارية، اعتمد بشكل رئيس على بث أخبار التنظيم، وفي 17 أبريل 2016 أصدر النسخة الإنجليزية من تطبيق «أعماق»، وفى 10 مايو 2016 أطلق تطبيق «حروف» لتعليم الأبجدية للأطفال، لكن الهدف الحقيقي هو ترسيخ مفاهيم العنف والقتال.
قبل 5 أسابيع، ذكر تقرير لموقع «بي بي سي» أن أنصار تنظيم «داعش» على الإنترنت بدأوا في هجرة جماعية إلى خدمة المراسلة النصية «تام تام» (TamTam) الذي يصنفه الخبراء بأنه غرفة مظلمة تسمح بالتواصل دون رقابة، وذلك بعد تضييق الخناق بشكل كبير على أنشطتهم على تطبيق «تليجرام» الذي عكفوا على استخدامه منذ 2015. ولكن الذي لم يكشف عنه تقرير «بي بي سي» هو أن التنظيمات الإرهابية لا تقف عند تطبيق معين، بل أصبحت تسعى لاستخدام «الويب» الإلكتروني.
وقال إسلام غانم، خبير تكنولوجيا المعلومات الرقمية، إن التنظيمات الإرهابية لا تهتم بوسيلة التواصل الاجتماعي على قدر ما تهتم بنوع الويب الإلكتروني، مشيراً إلى أن هناك 3 أنواع من الويب، وهي «الويب العادي التقليدي» و«الدارك ويب» و«الديب ويب».
وأضاف لـ«الاتحاد» أن «الدارك ويب» تحديداً هو الأكثر استخداماً من قبل هذه الجماعات خاصة أنه خارج تماماً عن سيطرة الحكومات في العالم، ومن ثم تقوم هذه التنظيمات بتصميم تطبيقات إلكترونية من خلاله ولا يمكن للحكومات تتبع مسارها أو التعرف على خططها.
وأشار خبير أمن المعلومات إلى أن هناك طريقة أخرى لهذه التنظيمات في التعامل، حيث تستخدم أجهزة محمول فضائية بعيدة عن الشبكات التقليدية والمراقبة من الأجهزة الحكومية، ومن ثم استخدام خط مباشر لا تستطيع أي من الحكومات تتبعه، مشيراً إلى أن «الدارك» و«الديب ويب» تحديداً هما سبيل هذه الجماعات الوحيد في الفترة الأخيرة لمواجهة محاولات حثيثة من الحكومات لاختراقهما.
حشد الأصوات لمواجهة المنصات
كشفت جولة رصدية على التطبيقات الإلكترونية الموازية، عن أن «الدواعش» بدأوا الانسحاب من «فيسبوك» وكذلك «تويتر» إلى منصات أخرى منها منصة « vk» (في كي) الروسية للتواصل الاجتماعية وتطبيق «WeChat» (وي شات). هناك أيضاً تطبيق «QQ» (كيو كيو) ويتابعه أكثر من 803 ملايين مستخدم نشط شهرياً، أغلبهم من المراهقين والشباب تحت سن 21 عاماً.
كذلك تطبيق «Reddit» (ريديت)، وهو الوريث لفكرة منتديات الإنترنت، وبه أكثر من 330 مليون مستخدم نشط شهرياً، أغلبهم من أميركا الشمالية. وبحسب خبراء في الأمن التكنولوجي، فإن الإرهابيين يستخدمون كذلك تطبيق «لينكد إن». كما ينضم للقائمة الخطرة منصة «Pinterest» (بنترست)، وهي شبكة اجتماعية لنشر وتبادل الصور وبها نحو 250 مليون مستخدم.
ورأى خبراء في الأمن التكنولوجي أن تطبيق «تام تام» (TamTam) والمطروح كبديل لـ«تيليجرام» يمثل ساحة لتحركات الإرهابيين.
وهذه المنصات الجديدة لا تعد في ذاتها أداة للإرهابيين بل ملجأ لهذه التنظيمات في ظل التركيز على المواقع الأشهر، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«تليجرام» و«إنستغرام». وقال الباحث عمرو فاروق إن الحكومات في العالم عليها أن تلتفت إلى المواقع الجديدة في الحرب ضد التطرف. وأضاف أن الحكومة الروسية أكثر حزماً في محاربة الإرهاب والتطرف وكذلك الصينية، وبالتالي فإن التعاون مع موسكو أو بكين لمواجهة استخدام الإرهابيين للمنصات الجديدة سيكون «أسهل» نسبياً من المهمة شبه المنجزة بإقناع شركات الإنترنت العالمية بمحاربة الإرهاب والتطرف. لكن تبقى المبادرة في حشد الأصوات لمنع دخول القتلة إلى ساحة جديدة للتجنيد والتحريض على الكراهية والدم.