استثمارات خجولة في قطاع الطاقة المتجددة بأميركا اللاتينية
في العام الماضي طرحت البرازيل أكبر اكتتاب عام أولي في تاريخها لتجمع المال اللازم لاستثمارات الطاقة، حيث جمعت بتروبراس شركة النفط الحكومية 70 مليار دولار، توجه إلى مشروعات حفر آبار تحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط بمناطق المياه العميقة.
غير أن ذلك لم يرق لأولئك الذين كانوا يأملون في أن تزيد البرازيل أكبر اقتصادات أميركيا اللاتينية من جهودها تجاه جعل استخدام الطاقة في المنطقة أكثر استدامة.
وقال كلوديو بيشات البروفيسور الخبير في الاستدامة في كلية فنداكاو دوم كبرال لإدارة الأعمال: “إنها فترة صعبة ومثيرة للجدل للبرازيل. إذ تعتبر الاحتياطيات مصدراً للثروة القومية يمكن استغلالها لانتشال الناس من الفقر من جهة. ومن جهة أخرى سيترتب على ذلك تأثير سلبي هائل يتمثل في انبعاثات البرازيل من الكربون مستقبلاً”.
وعلى الرغم من الإمكانات الضخمة لا تزال دول أميركا اللاتينية تشكل نسبة صغيرة من إنتاج العالم من الطاقة المتجددة. ورغم أن العديد من اقتصاداتها مزدهرة خلافاً لأوروبا والولايات المتحدة اللتين تخشيان من تكرار فترة ركود، فإنه من غير المتوقع أن تتحول أميركا اللاتينية إلى الطاقة المتجددة قريباً.
وتعد اكتشافات النفط الضخمة بالبرازيل أحد عوامل تأخر القارة في مجال الطاقة النظيفة.
ورغم أن مزارع طاقة الرياح قبالة سواحل البرازيل وخطط الطاقة الشمسية في صحراء تشيلي واعدة فإنها لا تزال في مراحلها الأولى.
كما أن هناك اكتشافات نفط جديدة في كل من كولومبيا والأرجنتين فيما لا يبدو أن فنزويلا ترغب في تنويع مصادر طاقتها.
ومن غير المرجح أن تتوسع الأرجنتين في المستقبل القريب سوى في مجال الايثانول لأسباب سياسية واقتصادية. وفي البرازيل يمكن لمعظم السيارات أن تعمل بهذا الوقود الحيوي الذي يتزايد إنتاجه.
غير أن الايثانول الذي يعد أكبر مصدر طاقة متجددة في أميركا اللاتينية تباطأ نموه، بل تطاله بشكل متزايد انتقادات بأنه حل منقوص من حيث سلامة البيئة وقصير الأجل من حيث الفترة الزمنية.
قطاع البترول
يشكل قطاع البترول حالياً أكثر من 10% من الناتج الإجمالي المحلي لولاية ريو دي جانيرو ثاني أكبر ولاية في البرازيل وذلك في المراحل المبكرة من تطوير حقول النفط تحت الملحية. وقد تعهدت بتروبراس بتخصيص بعض الإيرادات لإنتاج طاقة متجددة، ولكن لا يوجد سوى القليل من الوقت والمال الذي يمكن استثماره في الطاقة، حسب منتقدين.
وقال سفن بيسكي مدير حملة الطاقة المتجددة بجماعة الخضر العالمية: “إن النفط ومصادر الطاقة المتجددة لا يتنافسان بشكل مباشر ولكنهما يتنافسان فعلاً بشكل غير مباشر. فالنفط يذهب إلى النقل والمواصلات، أما أنواع الوقود المتجدد تذهب عادة إلى شبكة الكهرباء، ولكنهما يتضاربان على صعيد السياسات والموارد”.
وأضاف بيسكي أن اكتشافات النفط الكبرى تقزم إمكانات الطاقة المتجددة وأن الحكومة البرازيلية مطمئنة الآن لما لديها من مصادر طاقة ولا تحتاج إلى مصادر أخرى.
وأفاد بأن مشاريع حقول النفط جذبت أحجاماً هائلة من الاستثمارات التي لم تعد متوفرة لبرامج الطاقة المتجددة.
في البرازيل يتنافس النفط والوقود الحيوي مباشرة، خصوصاً في محطات البنزين حيث يسأل العاملون السائقين أي الوقودين يريدون البنزين أم الايثانول المستخرج معظمه من قصب السكر.
لا تزود بعض السيارات سوى بأحدهما فقط ولكن 90% من السيارات الجديدة ونحو نصف المركبات التي على الطريق مزودة بمحركات مرنة يمكن أن تعمل على أحدهما أو على خليط منهما. ويحدد أصحاب محطات البنزين قرارهم بناءً على أسعار كل منهما حينها.
لعبت البرازيل أكبر منتج إيثانول في العالم دوراً مهماً في جعله بديلاً مجدياً عن البنزين. غير أن نمو إنتاجه تباطأ في السنوات القليلة الماضية وقد تقفز الولايات المتحدة لتحتل المركز الأول في إنتاجه.
وتناقص إنتاج الايثانول عن المتوقع في الموسم الأخير إذ لم يزد سوى بنسبة 3% إلى 25?3 مليار ليتر أو 6?7 مليار جالون، حسب شركة تزارنيكاو المتمركزة في لندن المتخصصة في تجارة السكر. يذكر أنه في عام 2010 نما الاقتصاد البرازيلي بنسبة تجاوزت 6%.
وقال ماركوس جانك رئيس الاتحاد البرازيلي لصناعة قصب السكر يونيكا: “نما إنتاج الايثانول بنسبة 10% سنوياً من عام 2000 إلى عام 2008. ومنذئذ لا تتجاوز النسبة 3% سنوياً. وأضاف جانك أن الأزمة الاقتصادية قلصت من الاستثمارات وأوقفت معظم مشاريع تطوير الحقول الخضراء الجديدة. ولكنه قال إن النمو بمعدل أقل أفضل من عدم النمو بشكل مطلق كما هو الحال في العديد من القطاعات في العالم، وقال أيضاً إن الصناعة حققت تقدماً كبيراً في الإنتاجية.
وأضاف جانك “إنه لا يتوقع أن يمثل اكتشاف النفط التحت ملحي مشكلة أمام تطوير الطاقة الخضراء في البرازيل وإنه لا يعتقد أنه سيقلص استثمارات الطاقة النظيفة.
وقال متحدث باسم بتروبراس إن الاعتماد على النفط يعد تحدياً خطيراً. فمع استمرار زيادة طلب الطاقة العالمي وبقاء النفط المصدر الرئيسي للطاقة فإنه من الصعب الجمع بين مصادر الطاقة الرئيسية وكفاءة الطاقة المستدامة ونظافة الطاقة. وقالت بتروبراس إنها تعتزم اعتباراً من هذا العام حتى عام 2015 استثمار 1?2 مليار دولار في زيادة الكفاءة وخفض الانبعاثات واستثمار 4?1 مليار دولار في الوقود الحيوي.
في البرازيل ينظر عادة إلى مسألة الطاقة المستدامة على أنها انقسام بين النفط والوقود الحيوي. غير أن المزيد من المنتقدين يشكك فيما إن كان الايثانول بالفعل مصدر طاقة مستداماً في الأجل الطويل. ويحتج القليل من الخبراء بأنه في الأجل القصير جداً يعتبر مصدر وقود أفضل من النفط غير أن إنتاج السكر يتطلب أراض ويرفع سعر الغذاء وإنتاجه يولد الكربون.
وقال بيسكي: “للوقود الحيوي كثير من المشاكل من حيث الحفاظ على الأراضي وسعر الغذاء والانبعاثات وفي الأجل الطويل يمكن علاج ذلك فيما يخص المواصلات باستخدام السيارات الكهربائية”.
مصادر الطاقة
أما في تشيلي فإن هناك مشروعاً أكثر طموحاً يمكن أن يؤتى ثماره مستقبلاً. إذ من الممكن أن تكون صحراء اتاكاما أفضل مصدر طاقة شمسية في العالم بما لديها من كثافة طاقة تفوق حتى الصحراء الكبرى. وفي مطلع العام الماضي فازت شركة سولاربك الأسبانية بالموافقة على بناء أول محطة فوتوفولتية في تشيلي. كما أعلنت بعد ذلك ام بي اكس إحدى الشركات التابعة لأغنى رجل في البرازيل آيك باتيستا عزمها استثمار 400 مليون دولار في محطة طاقة شمسية أخرى. ومع ذلك يعتبر المشروعان صغيرين بالمقارنة مع إمكانات الدولة.
وفي الأرجنتين ربما تكون تكلفة استيراد التقنيات اللازمة سبباً يمنع الدولة من التوسع في غير الإيثانول.
وقال بيسكي: “لدى الأرجنتين إمكانات كامنة هائلة في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية ولكن لاشيء يحدث وهو ما يرجع في المقام الأول إلى عوائق الاستيراد التي توصل تكلفتها إلى ضعف تكلفتها في أوروبا”.
ويمكن للبرازيل أن تشكل نظام طاقة عملياً مستداماً بالقارة على الرغم من أنه أصغر كثيراً من إنتاج الإيثانول. ففي خلال السنوات القليلة الماضية تم إنشاء عدد من محطات طاقة الرياح البحرية وتعتبر التقنية المستخدمة ذات كفاءة اقتصادية معقولة.
وقال بيشات: “أضحت طاقة الرياح أكثر تنافسية وتكاد تكون مجدية اقتصادياً. فالحكومة غيَّرت موقفها وأصبحت الشبكة القومية مؤهلة حالياً لاستقبال هذا النوع من الطاقة”.
وأضاف بيشات أن الطاقة الشمسية للأسف لا تزال غير تنافسية.
كما انتشر الجدل في أميركا الجنوبية حول أفضل الطرق للاستفادة من الطاقة الهيدروكهربية الهائلة الممكنة في البرازيل، إلا أن مشروع سد بيلومونتي الضخم في الأمازون أضحى محل انتقادات دولية واعتراضات محلية غاضبة تتهمه بأنه سيدمر البيئة المحيطة ويطرد السكان الأصليين من أراضيهم.
ويرجح أن يبقى سد بيلومونتي على وضعه الحالي بعد أن أدت المخاوف إلى تقليص المشروع على نحو سيقلل المردود الكلي.
والأمر الآن يتوقف على المقاربة التي ستتبعها الحكومة البرازيلية في استخدام مواردها المتنوعة من الطاقة.
نقلاًعن: «انترناشيونال هيرالد تريبيون»
ترجمة: عماد الدين زكي