الشحي: الاتحاد استثمر خيرات الدولة لمصلحة المواطنين
كان لقيام الاتحاد أثر كبير على حياة جميع قبائل الدولة، وكان له شأن في جمع كل تلك الجماعات داخل بيت واحد، ومن تلك القبائل قبيلة الشحوح، التي تنتشر في مختلف أنحاء الإمارات، وتتمركز في إمارة رأس الخيمة، وما بين جبال الفجيرة وخورفكان ودبا ومسافي، وجاء في كتاب «إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان» أن الشحوح من الأزديين، وقد اتخذوا لهم مساكن في الجبال تعرف بجبال الشحوح، كما كانت مدينة دبا الواقعة في المنطقة الشرقية مقرا للشحوح وتعتبر عاصمة لهم، ويذكر إم اسم دبا في كتاب «الأزمنة والأمكنة».
(رأس الخيمة) - عن دبا وبخا اللتين حكمهما والده قبل قيام الاتحاد، يقول أحمد الشحي، عضو المجلس البلدي برأس الخيمة، وعضو مجلس الإدارة بمصنع الاتحاد برأس الخيمة، وكان عضوا في المجلس الوطني لمدة دورتين منذ عام 1992، ?إن اتحاد دولة الإمارات حمل البشرى ببداية عهد جديد، حيث بدأت معه مرحلة وضع الخطط المنظمة لاستثمار خيرات الإمارات لمصلحة الوطن والمواطنين. كما كان بمثابة إعلاناً للتحدي والعمل الجاد من قبل القيادة الرشيدة التي أسست لوضع أبناء الإمارات في مقدمة أولوياتها، لينعم الجميع بالاستقرار ويعيشون الحياة الكريمة.?مشيراً إلى أن الناس قبل قيام الاتحاد كانوا يذهبون في سفن كبيرة إلى دبي لشراء ما يحتاجونه من مأكل ومشرب وحاجيات.
ويضيف «تميزت مدينة دبا وغمضا واليادي من مناطق مسندم التي تتبع لسلطنة عمان اليوم، بتوافر الفواكه وكان من أشهرها مجموعة أنواع من الموز والبابايا- الفيفاي، وأصناف من التي، ومنه السقب الذي ينبت في الجبال، .
كما كانت هناك أشجار العنب والجوافة التي تنبت في مزارع النخيل، وكانت المنطقة تموج بأشجار الهمبا- المنجة، ولا تزال إلى اليوم تشتهر بها دبا وأيضا في اليادي بمناطق رؤوس الجبال، ومن المناطق التي كانت تصدر الموز إلى دبي منطقة شعم في رأس الخيمة، وهي منطقة قريبة من رؤوس الجبال، حيث كانت تخرج منها يوميا ما بين ثلاث إلى أربع سيارات نقل صغيرة».
التعليم والوظيفة
ولد أحمد عام 1959 في دبا ونشأ مرافقاً لوالده لا يكاد ينفك عنه، فهو معه منذ الصباح وحتى المساء، وهو يستقبل أعيان الشحوح وبسطائهم، وقد درس أحمد القرآن تلاوة وحفظاً عند الشيخ عبدالله بن راشد العمير، ثم عند عائشة مهيول، ثم عند سالم بن علي، وبعد ذلك عند الحاج إسماعيل في بخا، عندما انتقلوا فيما بعد إلى هناك، ومنها إلى المدرسة المحمدية التي فتحت في بخا، وفي عام 1965 تم تعيين والده حاكماً لها. وفي عام 1974 دخل أحمد إلى مدرسة الشرطة في أبوظبي في دورة ضباط، وبعد الدورة دخل إلى الجيش، ثم تركه وعاد إلى رأس الخيمة ليتزوج، ثم دخل دورة مرشح ضابط في الجيش برأس الخيمة، وتم تعيينه ضابط رياضة وقائداً لسلاح فئة الرشاش بالإسناد، وبقي في الجيش لمدة أربع سنوات، وفي السنة الأخيرة دخل إلى مدرسة المشاة في الشارقة، وأخذ دورة أخرى ثم ترك الجيش، ثم انتقل إلى عالم التجارة، ولكنه يقضي معظم وقته بعيدا عن مصالحه الخاصة، وذلك لأن الشحوح يلمسون فيه خيراً فلا يرد لهم طلباً، حيث يقضي معظم وقته متابعاً لمصالحهم، ومتوسطاً بينهم بالخير. ويقول أحمد إن تربية والده كانت تعتمد على طرق وأساليب التعامل مع أبناء القبيلة ورجالها بحكمة وهدوء وكثير من الصبر.
ويقول أحمد إن من أهم ما جاء به الاتحاد هو أن يظهر الخير المدفون في أرض الدولة، وأن يتم استثماره لمصلحة الوطن والمواطن، معتبرا أن «الاتحاد .... كل الخيرات لأن يد الله مع الجماعة، لأن الله سبحانه حين يطلع على نوايا الإنسان يعطيه حسب نيته، ولذلك كان شيوخ الإمارات يحملون في قلوبهم حب الاتحاد والتعاون فيما بينهم لأجل وطنهم، ولذلك عم الخير والأمان، وقد تبدل حال الدولة التي يحمل شعبها الطيب والوفاء إلى أفضل مما كانوا عليه». ويتذكر أحمد أن لوالده بستاناً مترامي الأطراف، وكان يسمى الغرابية في دبا، وفي موسم الصيف كان مرتعا للصبية من أقرانه الذي كانوا يأتون كغيرهم إلى البستان لتناول ثمار الفواكه، ويلهون في حوض السباحة الذي كان يحتل جزءاً من المزرعة.
حب الأرض
كان أحمد ورفاقه يقطعون عذوقاً من الموز ليتسلوا بتناوله كحلوى في فترات الراحة من اللعب، وكانوا يقنصون الطيور والعصافير ويجمعون منها حصيلة كبيرة، ويذهب بها أحمد إلى الطباخين ليصنعوا له ولرفاقه وجبة دسمة من مرقها، ولكن عندما انتقلوا إلى بخا وجد أحمد أن الأوضاع قد تبدلت عليه كشاب صغير، فكان المطلوب منه أن يتفرغ للعلم، وحتى خلال إجازة الصيف كان والده يقوم بتسجيله في الكتاتيب المطوع.
انشغل أحمد في التعليم والوظيفة لأن الوطن أصبحت احتياجاته أكثر ورغم أن طعم الماضي لا ينسى إلا أن اليوم أجمل للأجيال الجديدة، وأفضل لمن يبحث عن فرص للاستثمار، وأصبح لكل شيء أهداف وخطط، أما في الماضي فإن من حقائق الحياة الاجتماعية والعرفية التي عرفت عن الشحوح أنهم قوم شديدو العصبية وسريعو الغضب، وسبب ذلك يعود إلى الأنفة والحمية والتمسك بمكارم الأخلاق، وتلك المميزات التي اقترنت بالقوة الجسمانية التي تميزوا بها لتسلقهم الجبال وحب الأرض والقبيلة جعلت من أصحابها مقاتلين، وذلك ذكر عنهم في كل الكتب التي تؤرخ للمعارك والحروب في المنطقة في السابق.
أما اليوم فقد اختلف الوضع، الرجل أصبح يبحث عن أعلى الدرجات العلمية، ومن حالت ظروفه بينه وبين التعليم، أصبح عندما يوفق في العمل والوظيفة، والمرأة الشحية الجبلية قديما والتي كان لها أيضا أدوار في الماضي أصبحت اليوم تسعى للتعليم والحصول على الوظيفة المناسبة.
أدوار المرأة
إلى ذلك، يقول أحمد إن المرأة كانت تشارك زوجها في العمل في الحقل، وعادة ما ترى مزارع الشحوح في أعالي الجبال، بالإضافة إلى مساعدته في رعي الغنم، وصنع الزبدة والجبنة وجمع المحاصيل، كما كانت تذهب لتساعد زوجها في بيع تلك المحاصيل في أسواق المدينة أو تقايضها، وأيضا كانت تهتم بتجمعات النحل، لأن العسل يعتبر غذاء يوميا للشحوح.
ويتابع «كانت المرأة الشحية تشارك الرجل في الحرب والقتال قبل قيام الاتحاد ولها تاريخ مشرف، وهي تعد عدة الحرب وتهيئها كما تعد الزاد والماء، وتقوم بواجب الرصد ونقل المعلومات، وقد جرت العادة أنه إذا وقعت المرأة أسيرة عند الشحوح فلا تعذب ولا تسجن ولا تقتل ولكن يطلق سراحها». ويقول أحمد إنه شارك الكاتب فالح حنظل في تأليف كتاب عن الشحوح، وطاف معه بين أعيان قبيلة الشحوح لجمع الأدلة والمعلومات والوثائق والخطابات، وتم فيه ذكر الكثير عن المرأة الشحية، واليوم نهضت المرأة الشحية بحياتها الشخصية وأسهمت في نهضة أسرتها ووطنها عن طريق العمل والبحث عن الوظيفة المناسبة، والبعض منهن فضلن تربية الأجيال وتجهيز القيادات المستقبلية من داخل البيت.
وبالنسبة للجانب الزراعي في حياة الشحوح، يقول أحمد إن الزراعة كانت تقوم إما على السفوح أو في باطن الأودية بين الجبال، وتسمى القطع الزراعية وعوب والوعب يعني مزرعة، وكانت تعتمد على الأمطار، حيث كان من الصعب في ذلك الزمان حفر آبار الماء في المناطق الجبلية التي تتميز بالصخور، وكانت المحاصيل في تلك المزارع هي حبوب الحنطة والشعير والذرة والدخن، وتعد الحنطة من المواد الزراعية المهمة وتشكل عصباً مهما في الجانب الاقتصادي. ويضيف «يعتبر النظام الزراعي عند الشحوح دقيق وغالبية المجتمع الشحي الجبلي يقوم على الزراعة، وفي موسم الحصاد يطلبون من بعضهم الفزعة، وهي المساعدة والتعاون في الحصاد وأيضا في الحرث أو الزرع».
ويتابع «اليوم لا يزال المجتمع ذاته ينعم بعاداته وتقاليده وينعم بالحب والولاء نحو وطنه، وهو أفضل اليوم بفضل كل التطور الذي حدث في الدولة، ولذلك في الذكرى الأربعين لقيام الدولة، لا يمكن أن يكون هناك أي مواطن لا يحلم ويدعو الله أن يمن على الدولة بالخير الوفير والأمن والأمان.