سحر عزيز محامية وناشطة حقوقية أميركية أثار اكتشاف مخططات لمحاولة إرهابية من قبل مسلمين في أميركا مؤخراً، اتهامات واسعة بالأصولية ضد مجموعة دينية بأكملها. نتيجة لذلك، تتنامى الضغوط على زعماء الأميركيين المسلمين للانخراط في عملية مضادة للتطرف جرى تعريفها بشكل يفتقر إلى الوضوح. لكن بدلاً من إضاعة الموارد على برامج تفترض الذنب الجماعي، من المفضل بذل الجهود لإعادة توجيه المظالم القائمة نحو ممارسة المعارضة التي يحميها الدستور. إن التركيز على مبدأ مجابهة التطرف مضلَّل لسببين. أولهما أن الطروحات الحالية حول التطرف تقترب بشكل خطير من إعادة ارتكاب أخطاء سابقة تتمثّل بالخلط بين المعارضة السياسية الرسمية والنشاطات غير المشروعة. وثانيهما أنه لا توجد إثباتات كافية بوجود تطرف منهجي غير قانوني من جانب المسلمين الأميركيين. ويوافق معظم الناس على أن تبنّي العنف للترويج لأجندة سياسية هو تطرف يستحق العقاب. إلا أنه وفي نوبة مثيرة للقلق من فقدان الذاكرة، عمل الطرح الأميركي العام على تنشيط إساءة استخدام تعبير "متطرف" لوصف النشاط الإجرامي، وكذلك المعارضة السياسية غير الشعبية. دعونا لا نعيد أخطاء الماضي. أثناء "الرعب الأحمر" بعد الحرب العالمية الأولى، وأثناء حقبة الماركّثية في خمسينيات القرن الماضي، شكّل المهاجرون والأقليات الدينية أكباش فداء للمخاوف من الشيوعية. فبعد وصفهم بالتطرف، تم ترحيل العديد منهم وسجنهم بشكل جماعي. ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية تعرضت الجالية الأميركية المسلمة إلى رقابة متزايدة من قبل الحكومة والجمهور. ومع كل إدعاء جديد بنشاط إرهابي فردي، يتنامى الشك الجماعي بما يزيد على ستة ملايين أميركي مسلم. خذ مثلا حالة الشباب الأميركيين الصوماليين الذين عادوا إلى الصومال دون معرفة أسرهم للمشاركة في الحرب الأهلية إلى جانب منظمة إرهابية. يشكّل هؤلاء حوالي عشرين فرداً من أصل حوالي 100,000 صومالي يعيشون في أميركا، ورغم ذلك فالأعمال السيئة لمجموعة صغيرة كهذه أدّت ببعض المسؤولين الحكوميين وأفراد المجتمع للاستنتاج بوجود تطرف منهجي بين المسلمين. ونتيجة لذلك يواجه المسلمون عملية تصوير نمطي، ويعتقد البعض أن قادتهم يشكّلون أهدافاً للترحيل أو لتكتيكات وضغوط من قبل رجال القانون. ويشعر الكثيرون منهم أنهم يعامَلون كطابور خامس، لاسيما في ضوء استطلاع جديد قامت به مؤسسة غالوب ثبت فيه أن 50 في المئة من الأميركيين يحملون صورة "ليست إيجابية جداً" أو "ليست إيجابية بتاتاً" تجاه الإسلام. وفي حالة منفصلة، سافر خمسة رجال مسلمين إلى باكستان للانضمام إلى منظمة إرهابية حسب الإدعاء، ودون معرفة أسرهم، فادّت مغادرتهم إلى إذكاء نيران الاتهام بالتطرف ضد المسلمين في أميركا مرة أخرى. ولو وضعنا جانباً مسألة ما إذا كانوا مذنبين أم أبرياء، فهل من العدل تعميم فعلهم على ستة ملايين فرد تصادف أنهم مسلمون كذلك؟ يقوّض عقاب جماعي كهذا المبدأ الأميركي القائل بأن الأفراد مسؤولون فقط عن سلوكهم الخاص وليس عن أعمال يرتكبها آخرون من نفس العرق أو العقيدة أو الخلفية الدينية. لقد تم تطبيق هذا المبدأ بعد الكشف عن مفجّر أوكلاهوما واعتقال تيموثي ماكفي. فلم يجر التشكيك بجميع الذكور البيض فجأة واتهامهم بالإجرام! لذا فالاستنتاج بوجود تطرف منهجي بين المسلمين بالاعتماد على أعمال سيئة لا علاقة لهم بها، تقترفها مجموعة صغيرة، هو أمر يشير إلى حالة واضحة من الكيل بمكيالين. وإلى ذلك فإن وصم أناس متّهمين بارتكاب أعمال غير قانونية بالمتطرفين بدلاً من المجرمين، يكرس مخاطرة الخلط بين وجهات النظر السياسية غير الشعبية والنشاط المخالف للقانون. ليس التطرف غير قانوني طالما أن المرء لا يخالف قانوناً معيناً، وهذا معتقد أميركي مميز يحافظ عليه من يسمّون عن جدارة "أصحاب حفل الشاي" الذين يعارضون الرئيس أوباما بنشاط. ورغم أن الأميركيين المسلمين الذين ينتقدون السياسة الأميركية على أي أساس، دينيا أكان أم غيره، يتمتعون بالحماية مثلهم مثل مواطنيهم المفوّهين، لكن المسلمين يخافون أن يتم وصف معارضتهم خطأ بأنها مؤشر على تطرف غير قانوني. وبدلاً من الإدعاء المتسرع بوجود تطرف واسع النطاق والمطالبة باستهداف الشباب الذين لا علاقة لهم بهؤلاء المتهمين، من خلال مبادرات مجابهة التطرف، يتوجب علينا أن ندرّب الشباب من كافة الخلفيات في مجال الإعراب عن معارضتهم. فهذه أوقات صعبة للشعب الأميركي. الأميركيون من كافة الخلفيات والمعتقدات محبطون، بل غاضبون من حكومتهم. فبلادنا تنفق مليارات الدولارات على حروب عبثية، في أفغانستان والعراق، بينما وصلت البطالة أعلى معدلاتها منذ عقود، لاسيما بين الشباب. لذلك فإن العديد من الأميركيين، بمن فيهم مسلمون، يعارضون تورطنا العسكري في الخارج على أسس سياسية ودينية، بينما يعارض آخرون الحكومة لأنهم يعتقدون أن الأموال يمكن إنفاقها لاستحداث فرص عمل. لكنهم وبعكس مواطنيهم، قد لا يشعر معظم المسلمين بإمكانية التعبير بحرية عن مظالمهم، وذلك نظراً للشكوك السائدة بوجود تطرف جماعي بينهم. لذا يتوجب على زعماء المجتمعات المحلية المهتمين بالنشاطات الإرهابية المفترضة من قبل مجموعة صغيرة من الشباب المسلمين في أميركا، أن يركّزوا جهودهم على تعليم الشباب كيفية توجيه مظالمهم نحو المعارضة المشروعة. يجب تشجيعهم على رفع أصواتهم والتكلّم بحريّة عن وجهات نظرهم حيال الحرب والاقتصاد وغيرها من السياسات. يجب تعليمهم كيف يحتجون ويتصلون بالمسؤولين ويشاركون في الحملات. وعندما يفعلون ذلك، يتوجب على الحكومة ألا تسيء تفسير معارضتهم، فتعمل على إيجاد "رعب أحمر"! ينشر مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية