شهدت الاستثمارات الإماراتية في مصر، والمتمثلة في العديد من المشروعات العقارية الكبرى، نشاطاً واسعاً خلال الأيام الماضية، بعد فترة ركود طويلة وجاء هذا النشاط مع عودة البنوك المصرية لتمويل المشروعات العائدة لشركات إماراتية بارزة، والإفراج عن قروض سبق الاتفاق عليها بين البنوك وهذه الشركات وتوقفت مؤقتاً بسبب غموض الموقفين السياسي والاقتصادي بمصر. كما أسهم في هذا النشاط مبادرة الشركات الأم المالكة لهذه المشروعات بتدبير جانب من التمويل المطلوب لاتمام المشروعات حتى لا تتعرض للتوقف في ظل إحجام البنوك المصرية عن التمويل، وتوقف العديد من العملاء الحاجزين في هذه المشروعات عن سداد الأقساط المستحقة، ولجأت الشركات المنفذة لهذه المشروعات إلى مراكزها الأم في دبي وأبوظبي للحصول على تدفقات مالية من اجل استمرار تنفيذ المشروعات وضمان الالتزام بالجداول الزمنية المحددة. وجاءت المبادرة الاولى لدعم الاستثمار الإماراتي خاصة في قطاع التطوير العقاري وإنشاء مراكز التسوق التجارية “المولات” والمباني الإدارية الفاخرة من جانب بنكي التجاري الدولي مصر والمصري البريطاني اللذين دخلا في تحالف يضم عدداً من البنوك الاخرى منها الاهلي المصري لتدبير 2,1 مليار جنيه لتمويل المراحل المتبقية من مشروعات شركة “إعمار” الثلاثة وهي “مراسي” الساحل الشمالي و”اب تاون كايرو” بمنطقة المقطم وسط القاهرة و”ميفيديا” بمنطقة التجمع الخامس. وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد” فإن مدة هذا القرض 6 سنوات يجري استخدام 55% منه في إعادة سداد قروض قديمة حان موعد سدادها مستبقة الجدول الزمني لتسليم المشروعات بمبلغ مليار و170 مليون جنيه. وانتهت الشركة من توقيع عقود مع عدد من شركات المقاولات الكبرى لضمان سرعة الانتهاء من المشروعات الثلاثة في الوقت المحدد، حيث يبلغ إجمالي هذه العقود مليارين و246 مليون جنيه موزعة بواقع مليار لمشروع “مراسي” بالساحل الشمالي و646 مليوناً لمشروع “اب تاون كايرو” و600 مليون لمشروع “ميفيديا” بالقاهرة الجديدة. وتجري 7 بنوك متحالفة في اطار “كونسرتيوم” مصرفي لتمويل مشروع مجموعة الفطيم المعروف باسم “كايرو فاينانيشال سيتي” بمدينة القاهرة الجديدة مفاوضات فيما بينها ومع الشركة المالكة للمشروع، بهدف استئناف منح قرض ضخم بمبلغ ملياري جنيه للشركة لاستكمال مشروعها بعد ان جمدت هذه البنوك اتفاقية القرض الذي ستشارك فيه بعض البنوك الاقليمية الكبرى، بسبب أحداث الثورة المصرية واضطرت شركة “الفطيم مصر” المالكة للمشروع للجوء الى الشركة الأم في دبي للحصول على تمويل ذاتي لسرعة انشاء وتشغيل المول التجاري أملاً في تحريك المشروع أمام الحاجزين وتحفيز البنوك على إعادة التمويل، لاسيما وان بعض البنوك كانت قد اشترطت بعض الإجراءات القانونية الخاصة بملكية ارض المشروع قبل إصدار موافقة نهائية على التمويل. أما مشروع شركة “داماك” الذي دخل في ملكيته بنك الإسكان والتعمير وشركة الاستثمار العقاري التابعة له فقد بدأ يحقق خطوات تنفيذية سريعة خلال الأشهر الأخيرة رغم حالة الاضطراب الأمني، حيث أعلن منذ أيام رئيس بنك الإسكان، فتحي السباعي، الالتزام بموعد تسليم المرحلة الأولى من المشروع في خلال أسابيع وقبل الجدول الزمني بنحو 6 أشهر وان البنك ضخ اكثر من نصف مليار جنيه تمويلاً إضافياً لضمان سرعة تنفيذ المشروع. وتسعى الشركات الإماراتية المالكة لهذه المشروعات إلى إعطاء رسالة إيجابية بإصرارها على المضي في تنفيذ المشروعات لاسيما وان الفترة الماضية شهدت دخول شركات إماراتية اخرى سوق الاستثمار المصرية لتعمل في قطاعات جديدة في مقدمتها مجموعة “الظاهرة” التي تنشط في مجال الاستثمار الزراعي بمنطقة توشكى وتتفاوض مجموعة من المستثمرين الأفراد لشراء احد البنوك المصرية المعروضة للبيع بهدف تعزيز التواجد الإماراتي في القطاع المصرفي المصري، حيث تعود ملكية ثلاثة بنوك هي “الاتحاد الوطني” و”الوطني للتنمية - أبوظبي الإسلامي” و”بنك المشرف” بالإضافة الى فروع ابوظبي الوطني العاملة في السوق المصرية منذ عقد السبعينيات إلى الجانب الإماراتي. وحسب هذه المعلومات فإن البنك الذي يجري التفاوض على بيعه للمجموعة الاماراتية الجديدة هو بنك صغير الحجم يمتلكه مجموعة من المستثمرين الافراد المصريين والكويتيين والمنتظر اعلان نتائج جولة المفاوضات الحالية عقب إجازة عيد الأضحى والمقرر في حالة التوصل إلى اتفاق مبدئي تنفيذ عملية فحص ناف للجهالة للبنك محل الصفقة بعد الحصول على موافقة البنك المركزي المصري، والذي يرحب بمزيد من التواجد الإماراتي في السوق المصرفية المصرية على ضوء نجاح تجربة بيع بنكين مصريين لمؤسسات اماراتية في السنوات الخمس الأخيرة. وحسب هذه المعلومات أيضاً فقد لعبت سلسلة من الاجتماعات المشتركة مع رجال أعمال إماراتيين واستضافتها القاهرة الشهر قبل الماضي دوراً مهماً في تنشيط حركة الاستثمار الاماراتي في مصر لاسيما وأن الحكومة المصرية عرضت على الوفد الإماراتي اكثر من 70 مشروعاً مكتملة الدراسات وجاهزة للتنفيذ الفوري وتتوزع على العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية منها قطاعات الزراعة الحديثة في المناطق الجديدة في توشكي وشرق العوينات ومشروعات في مجال البتروكيماويات والصناعات التحويلية في منطقة شرق التفريعة وغرب خليج السويس، ومشروعات في مجال النقل والتخزين بمنطقة قناة السويس الى جانب مشروعات خدمية أخرى في الطاقة والسياحة والخدمات المالية. والمقرر ان تشهد الفترة المقبلة دخول المزيد من الشركات الإماراتية السوق المصرية، إلا أنها تنتظر إنجاز عملية التحول الديمقراطي بالبلاد والانتهاء من إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ويؤكد أسامة صالح، رئيس الهيئة العامة للاستثمار، أن الاستثمارات الإماراتية في مصر كانت ولا تزال هي الأقوى عربيا والأكثر تنوعاً، حيث تمتد من البنوك إلى الاتصالات ومن الزراعة الى التطوير العقاري ومن السياحة إلى البتروكيماويات والصناعات التحويلية المهمة، الأمر الذي يجعل لهذه الاستثمارات عمقاً استراتيجياً لأنها تعمل بمفهوم الاستثمار الطويل الأجل وليس الاستثمار الباحث عن الربح السريع. ويشير إلى أن السوق المصرية هي الوجهة المفضلة للاستثمارات الإماراتية داخل الدائرة العربية، حيث تلقى هذه الاستثمارات ترحيباً شعبياً ورسمياً على السواء في ظل تاريخ إيجابي للشركات الإماراتية بصفة عامة في السوق المصرية على صعيد العمالة أو الالتزامات القانونية وغيرها. وقال إن هيئة الاستثمار تسعى في الفترة المقبلة إلى جذب المزيد من الشركات الإماراتية الكبرى إلى السوق، حيث عرضنا على هذه الشركات في جولة ترويجية شملت دبي وأبوظبي والشارقة قائمة بالمشروعات المختلفة التي تتجاوز استثماراتها اكثر من عشرة مليارات دولار ولمسنا استعداد هذه الشركات للمجيء إلى مصر بعد الانتهاء من الانتخابات. وتؤكد فاطمة لطفي، العضو المنتدب لبنك عودة، أن الاستثمارات الإماراتية في مصر لا تجد أي صعوبة في الحصول على تمويل مصرفي من البنوك المصرية لأن الشركات تتمتع بأوضاع اقتصادية وملاءة مالية جيدة، وتجد الفرصة سانحة أمامها في التوسع السريع بالسوق ودليل ذلك التمويل الذي حصلت عليه “إعمار” و”اتصالات مصر” وحاليا “الفطيم” وغيرها من الشركات الإماراتية الكبرى. وقالت إن البنوك المصرية تعتبر نفسها في شراكة مع الاستثمارات العربية بصفة عامة العاملة في السوق نظرا لوجود هدف مشترك يتمثل في اهمية نجاح ونمو هذه الاستثمارات.