أشرف جمعة (أبوظبي)
التسامح لغة في حياتنا تستمد قوتها من جمال النفوس التواقة إلى الألفة والتواصل الحميم، وعندما تسود ثقافة التسامح بين الناس يصبح للحياة طعم آخر، وتظهر روح التسامح تظهر في المواقف جميعها سواء في حالات التعاطف مع الآخرين الذين يحتاجون إلى المساندة والدعم بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة، أو من خلال حالات التعايش الراقي رغم الاختلاف في الرأي والطباع، وفي الإمارات تتجسد مظاهر التسامح في أعلى درجاتها بخاصة أننا في عام التسامح وأن هناك لغة إنسانية مشتركة تجمع أكثر من 200 جنسية تتفاعل بحب ومودة على هذه الأرض الطبية، ومن الطبيعي أن يكون التسامح هو عنوان حياة وميثاق ألفة وفي ظل هذه الأجواء تظل ثقافة التسامح عاملاً مشتركاً في كل بيت وبين زملاء العمل وبين كل أفراد المجتمع.
وفي هذه الأجواء الراقية تجدر أهمية الإجابة السؤال المهم: كيف يكون الإنسان متسامحاً في محيطة متخطياً عقبات النفس واصطدامها بما لا يتوافق معها خصوصاً أن كل فرد في المجتمع له شخصية خاصة وطباع مختلفة ومن المعهود؟
محبة وتقبل
يقول الدكتور طلال الجنيبي الخبير الدولي في الموارد البشرية: التسامح لغة تنبع من الشعور بالسلام الداخلي وهي ثقافة من الممكن غرسها من الصغر،لافتاً إلى أن هناك سؤالاً يطرح نفسه بشكل دائم في واقع الحياة مفاده «كيف تكون إنساناً متسامحاً؟» وعلى الرغم من أن الطبيعة الإنسانية تمتلك بالفطرة التسامح فإنه من الضروري أن ينشأ المرء في المجتمع وهو مسكون بروح هذه الثقافة متشبع بها مهيئ في كل وقت لأن يتفاعل مع الآخر في إطار من المحبة والتقبل فالاستمتاع بآذان صاغية للآخرين عند الكلام يعبر عن نفس متصالحة ومتسامحة حتى ولو كان بعض الحديث لا يروق للمستمع فضلاً عن أن المناقشة بأسلوب حضاري واحترام الكبير للصغير وتقدير الصغير للكبير، قيم تمثل قمة التسامح ، ومعها احترام الأديان والمعتقدات وعدم التمييز.
مواقف حياتية
ويرى أن الإنسان يعيش معضلة حقيقية عندما يقارن بين ما يحب ويكره وعندما يتغلب على ذلك من خلال تحمل ما يكره يصل إلى مرحلة من التسامح الحقيقي، مشيراً إلى أن جذور التسامح تبدأ منذ ميلاد الإنسان ثم تنمو في محيط الأسرة وترتقي مع التفاعل في المراحل التعليمية ثم تتشكل بصورة أنضج من خلال المواقف الحياتية المختلفة موضحا أنه من الضروري أن يعمق الفرد قراءاته ليغذي العقل والروح والوجدان بكل ما يرسخ في ذاته روح التسامح.
وأوضح أن الإمارات فتحت فضاءات رحبة للتواصل الإنساني من خلال إعلاء ثقافة التسامح وهو ما انعكس بشكل إيجابي على جميع أفراد المجتمع وعكس في الوقت نفسه طبيعة أبناء الوطن ومدى حبهم للتسامح والتفاعل مع الآخر بشكل إنساني
ويؤكد أن الإنسان لكي يكون متسامحاً حقاً فإنه يجب عليه أن يتعامل مع كل شيء بحب وقدرة على تقبل ما يتفق مع أفكاره وما يختلف عنها، مما يرسخ قيماً أصيلة في النفوس ويجعل العلاقات الإنسانية داخل البيت وخارجه تتمدد بشكل جمالي لتتجسد أجل صورة للعلاقات الاجتماعية.
قيمة عظيمة
ويذكر عبدالرحمن يوسف الحمادي -موظف- أنه يتعامل مع العديد من الأفراد الذين ينتمون إلى بلدان مختلفة والذين لهم طقوس مختلفة في التعامل مع الأعياد والمناسبات، موضحا أنه يتقبل الأخر كما هو، بعاداته وأفكاره ومعتقده، لافتاً إلى أنه عبر سنوات طويلة تكونت لديه صداقات مختلفة وأنه مع مرور الوقت أصبح متأقلماً مع أفكار هؤلاء الأصدقاء الذين يختلفون في الطباع والذين جاؤوا من بلدان مختلفة، مشيراً إلى أنه يحرص على أن يرسل التهاني في الأعياد لزملائه في العمل في محاولة لترجمة معاني التسامح إلى واقع عملي.
ويذكر أنه نشأ في أسرة متسامحة وأنه يغرس دائماً في أبنائه هذه القيم التي ترتقي بهم إنسانياً، فالحياة لا تمضي كما ينبغي إلا بالمحبة وتقبل الآخر، ولفت إلى أن عام التسامح يجسد قيما عظيمة تنفرد به الإمارات، ويزيد أفراد المجتمع ألفة وتماسكا وترابطا، وأنه يتفاعل مع هذه المناسبة بصورة حضارية ليعكس صورة مضيئة للوطن وأنه يسعى للتواصل مع أصدقائه من مختلف الجنسيات في إطار إنساني وأنه يجد منهم كل حب وتعاون وتناغم في كل شيء وهو ما يخلق بيئة رطبة للتآخي والتقبل.
تقاليد أصيلة
ويبين نعيم الزرعوني أب لطفلين أنه اعتاد على التسامح وتقبل الآخر، وأنه يطبق على نفسه القواعد الإنسانية التي آمن بها ومن ثم يتعامل مع طفليه خالد وسعيد بصورة إيجابية وأنه دائماً يفسح لهما المجال للحديث معه ومن ثم يقيم جلسات عائلية كل يوم للتحاور معهما في أجواء من الألفة ويعالج المشاكل المتعلقة بهما بكثير من التسامح، مشيراً إلى أنه من الضروري أن يتعلم الإنسان كيف يكون متصالحاً مع ذاته ومتسامحاً مع الآخرين ويذكر أنه ينمي في نفوس أبنائه القيم الإنسانية الرفيعة التي تؤهلهم في المستقبل إلى أن يتعاملوا مع الآخرين بمحبة وتقبل ويغرس في نفوسهم عادات وتقاليد أصيلة فثقافة التسامح هي محور الحياة.
فطرة نقية
إيمان سالم تتعامل مع الآخرين بروح متسامحة خصوصاً أنها وجدت أنه لا جدوى من أن يكون الإنسان تصادميا ويرفض طباع الآخرين وبينت أنها تحب ترديد بيت الشعر الذي يقول «رزقت أسمح ما في الناس من خلق إذا رزقت التماس العذر في الشيم»، وتشير إلى أنها بادرت ذات صباح بتقديم أطعمة إلى الموظفين البسطاء في المؤسسة التي تعمل بها وهو ما أدخل السرور في نفوسهم.
وتلفت إلى أنها تتفاعل مع الحياة بروح متسامحة وتتفاعل مع الآخرين بشكل تلقائي خصوصاً أنها تؤمن بأنه من الضروري أن يطلق الفرد طاقته الإيجابية في فضاء الحياة وأن يستثمر الفطرة النقية في خلق روح متوائمة مع الجميع دون النظر إلى الدين أو اللون أو الجنس وترى أنها تجربتها المتسامحة في الحياة انعكست عليها بشكل مذهل إذ تشعر دائماً بالسعادة فهي على حد قولها تبادل الآخرين الحب فتحصد المحبة.
رسالة حب
يقول سعيد المناعي مدير إدارة الأنشطة في نادي تراث الإمارات: إن التسامح طبيعة النفوس النقية وقد رسخت الإمارات قيمه، خاصة أن أبناء الوطن جبلوا على التسامح فهو ثقافة إنسانية عظيمة يجب غرسها في النشء، حيث إن هذه الفئة هي المستقبل وهي التي ستحمل رسالة الحب والسلام، لافتاً إلى أن عام التسامح نتج عنه حالة إنسانية متفاعلة بين جميع المواطنين والمقيمين على أرض الوطن وأنه يؤمن بأن التسامح لغة مشتركة بين الشعوب، وكلما ازدادت مساحة التسامح أصبح العالم أكثر إنسانية وجمالاً، وهذه الفضيلة هي التي يجب أن تسود حتى تصبح الحياة بساطاً من البهجة والمحبة.