29 يناير 2012
(الفجيرة) - أنهى مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، مساء أمس الأول عروضه المسرحية التي قدمها في دورته الخامسة بعرضين مسرحيين قدمتهما لبنان وروسيا والأول هو “قطع .. وصل” للمبدع رفيق علي أحمد تأليفا وتمثيلا، بينما قدم الرؤية الإخراجية للعرض ناجي صوراتي على خشبة مسرح جمعية دبا للفنون والمسرح.
والثاني “اعترافات قناع” لفرقة المسرح الروسي عن نص للروائي الياباني يوكيو ميشيما وأداء اندريه موسكوج وتم عرضه على خشبة مسرح بيت المونودراما في دبا الفجيرة .
العرضان يدخلان في سراديب وأغوار النفس البشرية للبحث عن المعاناة واستيقاظ ذكريات مدفونة في قاع الذاكرة المهترئة بانين الماضي البعيد كما في عرض “اعترافات قناع” بينما تعيش النفس البشرية والضمير الإنساني اليقظ مراحل من فصول موصولة من عذابات وآهات الإنسان الذي يحيا حياة الاغتراب الحقيقي بين أهله وفي وطنه المتناحر كما في “قطع .. وصل”.
وتلك هي السمة الرئيسية للعرضين وإن كان عرض “اعترافات قناع” يبدأ معاناته بعد عودة ظافرة إلى وطنه بالمال والمكانة المرموقة، في وقت أن المعاناة والصراع المونودرامي في عرض “قطع .. وصل” تبقى داخل الوطن وفي إطاره الموحش المتدني الذي يعيش في داخله الممثل.
جراحات وتناحرات
وقدم لنا المبدع رفيق علي أحمد كعادته في “قطع .. وصل” فرجة غاية في الرقي والإتقان خاصة وأنه اشتغل على الواقع اللبناني المتأزم بكل ما فيه من جراحات وتناحرات وتحزبات سياسية وطائفية، يراها الفنان أنها سبب مباشر لتردي الوضع.
وبدا رفيق علي أحمد في عرضه “قطع ..وصل” حاد الصوت هستيري الأداء في أجزاء من العرض وهذا يعد شيئا متعمدا ليعكس واقع تسوده توترات يومية يعيشها هذا الشخص المحب لوطنه المستنكر لكل هذه المساحات الرمادية التي تغطي ربوع هذا الوطن غير المستقر دوما.
وشخصية رضوان التي يؤديها رفيق علي أحمد تعد شخصية بسيطة موجودة داخل كل المجتمعات وليست حكرا على المجتمع اللبناني فحسب، بيد أن رضوان هذا يمتلك قدرا كبيرا من الثورية تحمله نتائج كارثية تودي به في نهاية المطاف إلى مستشفى للأمراض العقلية، في وقت يتركنا في حيرة كبيرة تتولد عنها.
وجاء الأداء راقيا والسينوغرافيا معبرة وبسيطة دون تكلف بينما طغت رؤية رفيق علي أحمد المؤلف والممثل على رؤية ناجي صوراتي المخرج في كثير من المشاهد التي ضمها العرض.
اعترافات قناع
ويتناول عرض “اعترافات قناع” ذات المعنى السابق وإن كان شخصية العرض هنا تسترجع ذاكرة الوجع والمسرة المختزلة على هامش الذهن وقد عادت لتفرض نفسها من جديد بعد عودته إلى بيت الطفولة الذي عاش فيه منذ سنوات بعيدة وقد عاد بكثير من المال والشهرة وبحظ وافر من السمعة والمكانة الطيبة.
ويظل الممثل اندريه موسكوج يستعرض ما لديه من مخزون الذكريات حيث عاش تجارب في وطنه وهنا في هذا البيت الضيق وفي مجتمعه الأكثر رحابة واتساعا مما دفعه إلى الهرب منه والبحث عن وطن بديل يحيا فيه بسلام ويحقق فيه أحلامه ، والعرض أراد تأكيد معنى أن وطنه وإن كان صغيرا وهذا العالم باتساعه ورحابته يحكم عبر قناع واحد وربما تتعدد الأقنعة لكن قوة الدفع تأتي دائما من شخصيات مقيتة تحمل الكثير من الصفات غير الإنسانية.
ونص الروائي الياباني الشهير يوكيو ميشيما فرض على العرض لغة صارمة لا حيدة فيها ولا تأويل، كما فرضت على العرض نفس النهاية التي جاءت في روايته وهي الانتحار لشخصية العرض كما انتحر في الواقع الأديب يوكيو ميشيما.
واستمر عرض “اعترافات قناع” ما يقارب الساعة والنصف وهي أطول فترة استغرقها عرض مسرحي في المهرجان، إلا أن جميع الحضور لم يشعروا بالملل كون العرض جاء موحيا وممتعا وصفق له الجمهور كثيرا.