السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب العراق··· وتجاوز الرؤية النمطية

حرب العراق··· وتجاوز الرؤية النمطية
15 مارس 2009 03:22
ماذا يسمي العراقيون تلك الحرب التي دخلت عامها السابع في بلادهم؟ إن لم تكن قادراً على الإجابة عن هذا السؤال، فلا يعني ذلك أنك لست مهتماً بالضرورة· فهنا أصبحت الحرب العراقية قصة أميركية بحق· فتكلفتها البشرية واضحة أمامنا على امتداد مقابر الولايات الأميركية كلها، إلى جانب تزايد عدد ضحاياها من الجنود المصابين الذين تزدحم بهم عنابر مستشفى ''والتر ريد'' العسكري· وفي الوقت نفسه تنمو المكتبة التاريخية الخاصة بالحرب، وفيها تسجيل تاريخي للمعارك العاصفة التي دارت بين مسؤولي واشنطن وصراعاتهم حول السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالحرب، لاسيما الدوافع التي دعتنا أصلا إلى شنها، وكيفية الخروج من المأزق الذي وقعنا فيه· ومع مضي سنوات الحرب، كثيراً ما طغت دراما تجربتنا الخاصة المتصاعدة عن الحرب، على قصص العراقيين· وقد أذهلني انعدام هذا التوازن عندما عدت مجدداً لقراءة أفضل ما كتبه الصحفيون الأميركيون من مؤلفات مطبوعة عن العراق منذ غزوه في 19 مارس ·2003 وقد لفت نظري أنها كتابات غنية بالمعلومات والتفاصيل، بحكم مرافقة من كتبوها للجنود في العراق، إلى جانب عمق محتواها وتحليلها واغتنائها بالتحقيقات الصحفية ومساءلة مواقف شتى المسؤولين والقادة الأميركيين· ويمكن وصف هذه الكتابات إجمالا بأنها تسجيل مفيد للغاية لمسار الحرب والنزاع· ولكنها في الوقت نفسه تعكس جانباً من الشعور بالعزلة والإحباط، بما في ذلك عزلة الصحفيين أنفسهم، علاوة على ما يبدو فيها من تصنيف للعراقيين إلى مستوى الدور الثانوي الداعم لمهمتنا العسكرية الأمنية السياسية في بلادهم· وكثيراً ما وصفوا بأنهم شركاء لا يمكن الاطمئنان أو الثقة بهم، بل بأنهم شركاء غير ممتنين لنا، أو حتى اعتبارهم أعداء خفيين تارة، أو ضحايا غامضين تارة أخرى· ومع اعتزام الولايات المتحدة سحب جنودها خلال فترة عام ونصف العام، فهل يهم كثيراً أن نعرف كيف تفهم العراقيون هذه الحرب وواصلوا حياتهم خلالها؟ وللحقيقة فإن هذا الارتباط غير المرئي بين تداخل تجارب الحرب الخاصة بالشعبين الأميركي والعراقي، وما تخللها من تبادل للاتهامات ومشاعر النفور والكراهية بينهما، يحد كثيراً من قدرتنا على رؤية ما سيحدث لاحقاً· كما يشير تطبيق الولايات المتحدة الأميركية للاستراتيجيات والسياسات العسكرية الأمنية نفسها، التي طبقت في العراق على أفغانستان، إلى عدم إلمام واشنطن جيداً بالجزء الأكبر من قصة الحرب هذه· فعلى سبيل المثال، يوضح كتاب توماس ريكس في مؤلفه الصادر حديثاً ''المغامرة'' صعوبة التوفيق بين آراء الأميركيين والعراقيين بشأن الحرب، أو حتى نظرتهم المختلفة إلى بعضهم بعضاً· وفي هذا السِّفر الذي أعقب نشر كتابه السابق ''الكذبة'' أوضح المؤلف -بخبرة الصحفي العارف ببواطن الأمور بحكم كونه محرراً رئيسياً لصحيفة واشنطن بوست بوزارة الدفاع- كيف تمكن الجنرال ديفيد بترايوس من إحياء الحرب على العراق من تحت رماد عام ،2006 ما ساعد على استقرار الوضع الأمني هناك على أفضل ما هو عليه حتى اليوم· وكما يقول ''ريكس'' فإن السبب الجوهري وراء النجاح الأمني العسكري الذي حققه بترايوس في وجه التمرد العراقي، هو عزم الجنرال على تحقيق النصر على العراقيين، بمؤازرة تعزيزات عسكرية إضافية قوامها 30 ألف جندي أميركي· وكان الهدف من تلك العملية هو إظهار أن الهدية التي يقدمها الجنرال لبلاده هي كسب ود الشعب العراقي· وهكذا يكشف المؤلف عن جانب ملفت للاهتمام بهذه الحرب· فليس ثمة وجود محوري يذكر لأي من العراقيين في عالم الجنرال بترايوس، فيما عدا شخصيتين فحسب، هما المالكي، والصدر· وتشمل الذهنية الانتقائية للجنرال شخصين آخرين أيضاً أحدهما بريطاني والآخر أسترالي، وكلاهما من خبراء مكافحة التمرد· أما قادة العشائر العراقيون الذين تحولوا من أعداء إلى أصدقاء للقوات الأميركية، وساندوها بنحو 100 ألف مقاتل ضد عناصر ''تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين''، فلم يكونوا بذات المحورية في ذهنية الجنرال· ومن بين الذي لا نزال نجهله عن العراقيين، نظرتهم الخاصة إلى استراتيجية زيادة عدد القوات تلك، وما إذا كان الاستقرار الأمني العسكري الذي حققته، يصب في مصلحة بناء أمة عراقية جديدة مستقرة وقادرة على تولي زمام أمرها، أم أنه مجرد مسعى لتوفير الظروف الملائمة لانسحاب قواتنا من بلادهم؟ وليس ثمة جديد في تسليط الصحفيين الأميركيين اهتمامهم على الجانب الأميركي من الحروب والنزاعات المسلحة، وخاصة على القادة العسكريين والمدنيين، في محاولة لاستخلاص الحقائق المهمة التي تؤثر على حياة ملايين البشر· وليس من مثال أفضل لهذا من مجموعة المقالات الصحفية المختارة، الصادرة تحت عنوان ''مراسلون صحفيون من فيتنام'' التي تقع في 1700 صفحة، وهي ضمن مقتنيات المكتبة الأميركية· وإلى جانب الكتابة الصحفية الجيدة عن الحرب العراقية في الصحف والمجلات الأميركية، هناك الكتب التي ألفها صحفيون، وهي ذات تأثير بالغ على الرأي العام الأميركي، والحوار العام الدائر عن الحرب· فإلى جانب ثلاثية الكاتب الصحفي ''بوب وودورد'' المعنونة ''بيت بوش الأبيض''، صدر كتاب رابع مهم هو ''الحرب الداخلية'' وقد استخلصت مادته من المعلومات السرية حول تدافع ''صقور'' الإدارة نحو كارثة الحرب· أما الكاتب الصحفي راجيف تشاندراسيكاران -من صحيفة واشنطن بوست- في كتابه ''حياة إمبراطورية في مدينة الزمرد'' فيرسم صورة سلبية عن المنطقة الخضراء· وقد صدر الكتاب في عام ،2007 إلا أنه تناول المرحلة الأولى من مراحل الغزو الأميركي للعراق، وهي مرحلة أفسدتها الأيديولوجيا والعجرفة ونقص الكفاءة حسب رأيه· ولكن على رغم ما كتب من هذه المؤلفات -بما فيها كتاب ''بوابة القاتل'' الصادر عام ،2005 وحتى كتاب ''الحرب الأبدية'' الصادر العام الماضي لمؤلفه ديكستر فيلكنس- فقد بات واضحاً جداً وجود فجوة معرفية كبيرة في فهمنا للعراقيين، ولأحداث العنف التي اشتعلت شرارتها في بدايات عام ،2004 حيث أرغمت عمليات الاختطاف وقطع الرؤوس وتواتر التفجيرات الانتحارية الصحفيين الغربيين بلا استثناء على تفادي الاتصال اليومي بالعراقيين، على رغم أن تلك الفترة هي التي كانت الأكثر ثراءً بالقصص الصحفية الإخبارية· فيليب بنيه كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©