6 أكتوبر 2012
لماذا تفتح الصحف البريطانية صدر صفحاتها لمرتزقة من البغاة؟
يبدو أن المصلحة – حسب د. سالم حميد -هي الحكم الأول والأخير في الكثير من البلدان، وبريطانيا التي سقطت في الفخ وعدم القدرة على تحديد الصديق من العدو في مناسبات كثيرة ليست استثناءً، فهنات لندن منذ أن كانت عاصمة الدولة الاستعمارية القديمة الأولى، مروراً بانجرارها خلف الولايات المتحدة في الحرب على العراق، ومشاركتها لعبة أسلحة الدمار الشامل الكاذبة، وأيضاً مشكلتها الأخلاقية فيما يتعلق بعلاقتها المشبوهة من خلال رئيس وزرائها الأسبق توني بلير وغيره من رؤوس الحكم لديها آنذاك مع معمر القذافي الرئيس الذي تم التخلص منه بعد أن كان يستعد لينصب خيمته في عقر دار المملكة المتحدة، والتي كان رئيس وزرائها "حاجاً" منتظماً إلى خيمة القذافي في طرابلس الغرب لينسج الصفقات على حساب الشعب الليبي... كلها تؤكد هذا المفهوم.
الجديد القديم في العجوز الإنجليزي هو علاقته الواضحة بتنظيم الإخوان المتأسلمين (البغاة) الذي يرتع أبناؤه في أوروبا وتحديداً في بريطانيا منذ بداية الخمسينيات. وتعتبر بريطانيا واحدة من أهم الدول الغربية التي أسهمت في صناعة هذه الجماعة التي هي في الأصل صنيعة غربية بامتياز، وقد تمت صناعتها بهدف محاربة العرب بتمزيق شملهم الداخلي عبر استخدام ورقة الدين. وقد نجحت جماعة البغاة الإخوانيين في تفتيت اللحمة الوطنية في أكثر من بلد طارحةً نفسها على الساحة كحركة دينية إسلامية، غير أن علاقتها مع الغرب ظلت مصدر شك.
المفارقة هي أن الصحف البريطانية قد فتحت أبوابها لكتاب إخوانيين لا يتمتعون حتى بالقدرة على كتابة مقال محترف، بل أن أغلب كتاباتهم إن لم يكن جميعها ركيكة للغاية، لكنهم وبسهولة استطاعوا أن يحجزوا لهم مساحات مقدّرةً على صدر كبريات الصحف الغربية والبريطانية تحديداً، في الوقت الذي يسعى فيه المخضرمون في الكتابة الصحفية إلى نيل ذلك المكان! ولأن الدولة البريطانية عوّدتنا على إيمانها بمبادئ ميكافيلي، فقد توهّمت في الإخوانيين حصان طروادة الذي تدخل من خلاله إلى جنة النفط في الخليج، لذلك فتحت الأبواب وسخّرت وسائلها الإعلامية لبعض المرتزقة من الإخوان المتأسلمين.
المناظرة الرئاسية... وعوامل التأثير الفعلية
يقول جيمس زغبي: حتى قبل وقت طويل على المناظرة الرئاسية الأخيرة بين رومني وأوباما كانت ملامح الانتخابات الرئاسية قد حُددت سلفاً، فعلى رغم ردود الفعل الهستيرية، وأحياناً السخيفة التي أبداها بعض المحللين، سواء من اليمين، أو اليسار، فإن النقاش نفسه بين المرشحين لم يضف الكثير إلى السباق الانتخابي، ولن يؤثر في نظرنا بشكل كبير على النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية. والحقيقة أن المناظرة الأخيرة كانت أشبه بمقابلة في كرة "البيسبول" بين فريقين يحظيان بتشجيع مناصريهما دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير المشجعين لمواقعهم وانتقالهم إلى الصف الآخر، وفيما عدا التعليقات المبالغ فيها للمحللين على المناظرة المتلفزة بين من اعتبرها نصراً مؤزراً لرومني وهزيمة مدوية لأوباما، يبقى النقاش في المجمل مملاً وخالياً من معطيات جوهرية قد تسهم في تغيير مسار الانتخابات وترجيح كفة أحد المرشحين على الآخر. وعلى غرار تدخل بيل كلينتون بكلمة مهمة ألقاها في مؤتمر الحزب الديمقراطي، واعتبرت دعماً أساسياً لمعنويات الحزب، فإن النقاط التي سجلها رومني في المناظرة الأخيرة ليست أيضاً أكثر من دعم معنوي للحزب الجمهوري المتخوف من مرشحه الفاقد للكاريزما. ولذا يمكن التعامل مع المناظرة على أنها غيرت قليلاً في المزاج العام، ولكنها بعيدة عن إحداث تحول في اللعبة السياسية والتأثير الحاسم على نتيجة الانتخابات وتوجهات الأميركيين المحددة سلفاً. وبدلاً من التركيز المفرط على تحليل المناظرة يجدر بنا الانصراف أكثر إلى العوامل العديدة المؤثرة فعلياً في المشهد السياسي خلال عام 2012.
النموذج التركي
أشار د. شملان يوسف العيسى إلى أن هيئة الإذاعة البريطانية فتحت الأسبوع الماضي حواراً، حول ما إذا كان يمكن أن تكون تجربة تركيا مع "حزب العدالة والتنمية" نموذجاً صالحاً للتحول الديمقراطي في دول "الربيع العربي"، لاسيما وأن "الإخوان المسلمين" تربطهم علاقة وثيقة بذلك الحزب، وقد حرص الرئيس المصري على حضور المؤتمر الرابع لـ"العدالة والتنمية"، والذي عقد في تركيا مؤخراً، كما أن تركيا تريد أن تكون شريكاً لمصر وحليفاً استراتيجياً لها؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات في تجربة "العدالة والتنمية" التركي؟ وما هي المعوقات التي تعترض تطبيقها؟ ولماذا الإعجاب بتلك التجربة؟
الجميع متفق على أن "حزب العدالة والتنمية" التركي حقق نمواً اقتصادياً باهراً منذ توليه الحكم، لأنه بكل بساطة حرّر الاقتصاد التركي ومكّن رجال الأعمال المحافظين القادمين من مدن وسط الأناضول من الظهور ولعبِ دور بارز في الاقتصاد، حتى أُطلق عليهم "نمور الأناضول". لكن هل يستطيع "الإخوان" في مصر تحرير اقتصادهم والسماح للشركات المحلية والمستثمرين الأجانب بالعمل بحرية، أي فتح الاقتصاد المصري على العالم مثل ما فعلت تركيا؟
عن المؤسسات الدينية... مرة أخرى
يقول د. رضوان السيد: على مدى شهور، دار جدل كبير في اللجنة التأسيسية للدستور بمصر بشأن المادة الثانية في الدستور المصري، والتي تنص على أنّ "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". فقد أراد السلفيون حذف كلمة مبادئ، أو إحلال مفرد أحكام محلها. وذلك لأن المحكمة الدستورية العليا بمصر كانت قد فسرت مفردة "المبادئ" بمعنى القواعد العامة والروح العامة. وبسبب اشتداد الخلاف جرى التوصُّل إلى حلٍ وسط مؤداه بقاء المادة على ما هي عليه في دستور العام 1971، وأن يُعهد للأزهر وليس للمحكمة الدستورية بتفسيرها في حالات الخلاف والاختلاف. ويبدو ذلك لأول وهلةٍ تقويةً للأزهر، بحيث يصير من حقه التدخل في تفسير الدستور. إنما من جهةٍ أُخرى فإن ذلك يزيد من التداخُل بين الدين والدولة وليس في ذلك مصلحة، فوق المصاعب، التي يُعانيها مفهوم الدولة المدنية بعد ثورة يناير. ومن جهةٍ أُخرى، فإن إدارة الأزهر تتعرض بالتدريج للتغيير، وقد يحلُّ في مشيخته بعد سنواتٍ قليلةٍ إخواني أو سلفي، كما حلَّ في وزارة الأوقاف في حكومة مُرسي الأُولى شيخٌ ذو ميولٍ سلفية.
لقد بدا شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب شديد الاستقلالية بعد الثورة، وصارت مؤسسة الأزهر بموقعها الإسلامي والوطني العريق، مرجعاً للجميع. وقد عمد شيخ الأزهر بعد الاضطرابات على الأقباط إلى إنشاء "بيت العائلة المصرية" الذي يضمه وبابا الكنيسة القبطية، والكنائس المصرية الأُخرى. وعندما تصاعد الاضطراب بعد الثورة أقبل الأزهر على إصدار وثائق يتوافق عليها سائر الفرقاء. ومن ذلك وثيقته حول مستقبل نظام الحكم في مصر، ووثيقته حول حركات التغيير العربية، ووثيقته بشأن الحريات. ومعروفٌ أنه كانت لـ"الإخوان"، وأكثر للسلفيين، تحفظاتٌ على شيخ الأزهر وعلى المفتي، لأنهما يأبيان الحزبية والتحزب حرصاً على موقع الأزهر، وعلى وحدة الشعب المصري. وكان جدالٌ قد دار بين الأزهر والقرضاوي، المحسوب على "الإخوان"، اتهم خلاله أحد موظفي القرضاوي شيخ الأزهر والأزهريين بالانحياز للنظام السابق. والسؤال الآن: ما هو مستقبل علاقات الأزهر بسادة المسرح (من "الإخوان" والسلفيين) بعد وصولهم للسلطة؟