شروق عوض (دبي)
أكدت وزارة التغير المناخي والبيئة، إيجابية دور دولة الإمارات في المحافظة على مياهها الإقليمية من تداعيات تغير المناخ، وأن الدولة تبذل جهوداً متواصلة لخفض حدّة تأثيرات التغير المناخي على المحيطات، وذلك استناداً إلى نتائج دراسة تم الإعلان عنها خلال فعاليات القمة العالمية للحكومات حول صحة المحيطات، والتي أشارت إلى أن الخليج العربي سيفقد 35% من تنوعه البيولوجي في عام 2090، وأن صحة المحيطات هي الأكثر تأثراً لسلبيات وتداعيات التغير المناخ، حيث تفقد موائلها الطبيعية، كما أن البيئة البحرية للخليج العربي والشعاب المرجانية التي تمثل الموئل الطبيعي لـ25% من الأحياء البحرية على كوكب الأرض تواجه خطر الانقراض خلال العقود المقبلة. وقالت هبة الشحي، مديرة إدارة التنوع البيولوجي بالوكالة في وزارة التغير المناخي والبيئة في تصريحات لـ«الاتحاد»، إن دولة الإمارات تبذل جهوداً متواصلة لخفض حدّة تأثيرات التغير المناخي على المحيطات، وتضم حزمة متنوعة من التدابير تتركز في مجملها على خفض الانبعاثات والملوثات بشرية المصدر من جهة، وتعزيز مرونة واستدامة النظم الإيكولوجية البحرية وقدرتها على الصمود من جهة أخرى، وذلك من خلال مجموعة من السياسات والخطط الوطنية والمبادرات الخاصة في مجال حماية البيئة البحرية.
سياسات وخطط
وأوضحت الشحي أن السياسات والخطط تشمل الخطة الوطنية لاستدامة البيئة البحرية والساحلية، والخطة الوطنية للتنوع البيولوجي، واستراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء التي تستهدف تحويل اقتصادنا إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون، واستراتيجية الإمارات للطاقة التي تستهدف الدولة من خلالها زيادة نسبة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الوطني إلى 50 بالمئة بحلول عام 2050، بالإضافة إلى الخطة الوطنية للتغير المناخي، مشيرة إلى أن المبادرات الخاصة في مجال حماية البيئة البحرية من التلوث، تضم وضع الدولة لإطار تشريعي شامل يتضمن معايير وضوابط لمنع تلوث البيئة البحرية من الأنشطة والوسائل البحرية ومن المصادر البرية المختلفة، وتعزيز قدرات الاستجابة في الحالات الطارئة، وتطوير آليات رصد ومراقبة التغيرات في البيئة البحرية باستخدام أحدث التقنيات وأفضل الممارسات، والتنسيق في هذا الشأن مع الدول المطلة على الخليج العربي من خلال المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية ومع المنظمات والهيئات الدولية المختصة.
تطوير سلالات مقاومة من المرجان
وأشارت هبة الشحي إلى أن الدولة عملت على تأهيل المناطق البحرية المتضررة بفعل الظواهر المناخية، وذلك من خلال تطوير سلالات من المرجان مقاومة للمناخ واستزراعها، والتوسع في زراعة أشجار المانجروف (القرم)، بالإضافة إلى حماية مناطق الأعشاب البحرية والسبخات الملحية كجزء من المشروع الوطني للكربون الأزرق، وإنزال موائل اصطناعية بمواد صديقة للبيئة في أهم المناطق البحرية، وإدارة بعض المظاهر ذات الأثر السلبي كظاهرة المد الأحمر والأنواع الغازية في إطار خطط وطنية متكاملة. وذكرت الشحي، أن التغير المناخي يمثل أحد أهم الضغوط التي تتعرض لها البيئة البحرية في الدولة وفي العالم على حد سواء، وأحد الجوانب المهمة للتغير المناخي يتمثل في قدرته على مفاقمة مشكلة زيادة مستوى حمضية المحيطات وما تنطوي عليه من آثار سلبية على النظم الإيكولوجية البحرية، خاصة في ظل توقعاتٍ تشير إلى إمكانية زيادة حموضة المحيطات بنسبة 150% بحلول عام 2050 نتيجة ازدياد مسببات التحمض، ومن بينها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
تحقيق أهداف التنمية المستدامة
وأكدت الشحي حرص الدولة على تحقيق الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة المعتمدة والمتعلق بالمحافظة على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها المستدام، وذلك لأهميته في المحافظة على البيئات البحرية من تداعيات التغير المناخي، حيث يسعى الهدف 14 لتحقيق غايات عدة أهمها منع التلوث البحري بجميع أنواعه والحد منه بدرجة كبيرة، لا سيما من الأنشطة البرية، بما في ذلك الحطام البحري، وتلوث المغذيات، بحلول عام 2025، وإدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام وحمايتها، من أجل تجنب حدوث آثار سلبية كبيرة، وزيادة قدرتها على التكيف مع هذه الآثار، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تحقيق الصحة والإنتاجية للمحيطات، بحلول عام 2020، وتقليل معدلات زيادة حمضية المحيطات إلى أدنى حد ومعالجة آثارها، بطرق عدة، منها تعزيز التعاون العلمي على جميع المستويات. ولفتت مديرة إدارة التنوع البيولوجي بالوكالة في وزارة التغير المناخي والبيئة، إلى أن تنظيم الصيد على نحو فعال، وإنهاء الصيد الجائر وغير القانوني، تعد إحدى الخطوات الهامة لتحقيق الحفاظ على صحة البيئات البحرية؛ وذلك بهدف إعادة الأرصدة السمكية إلى ما كانت عليه سابقاً، لتصل على الأقل إلى المستويات التي يمكن أن تتيح زيادة إنتاجها بشكل مستدام وفقاً لما تحدده خصائصها البيولوجية، بحلول عام 2020، وحفظ 10 في المائة على الأقل من المناطق الساحلية والبحرية، بما يتسق مع القانون الوطني والدولي واستناداً إلى أفضل المعلومات العلمية المتاحة، بحلول عام 2020، وحظر أشكال الإعانات المقدمة لمصائد الأسماك التي تسهم في الإفراط في قدرات الصيد، وإلغاء الإعانات التي تسهم في صيد الأسماك بطرق غير مشروعة، والإحجام عن استحداث إعانات جديدة من هذا القبيل، مع التسليم بأن المعاملة الخاصة والتفضيلية الملائمة والفعالة للدول النامية والأخرى الأقل نمواً ينبغي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن الإعانات لمصائد الأسماك بحلول عام 2020.
المحيطات ثلاثة أرباع سطح الأرض
ومن جهته، أوضح أحمد الزعابي، مدير إدارة الأبحاث البحرية في وزارة التغير المناخي والبيئة، أن المحيطات تمثل ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، وتحتوي على 97% من المياه الموجودة على سطح الأرض، وتمثل 99% من حيز العيش على الكوكب بحسب الحجم، كما يعتمد أكثر من ثلاثة مليارات شخص على التنوع البيولوجي البحري والساحلي في ما يتعلق بسبل معايشهم، وتُقدر القيمة السوقية للموارد والصناعات البحرية والساحلية بمبلغ 3 تريليونات دولار سنوياً، أو نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتستوعب المحيطات 30% من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه البشر، مما يحد من تأثيرات الاحترار العالمي، وتمثل المحيطات أكبر مصدر في العالم للبروتين، حيث يعتمد أكثر من 2.6 مليار شخص على المحيطات كمصدر رئيس للبروتين بالنسبة لهم، ويعمل في مصائد الأسماك البحرية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أكثر من 200 مليون شخص، مشيراً إلى أن حجم هذه الأهمية التي تمثلها المحيطات شكل دافعاً رئيساً للجهود التي تبذلها الدولة في الحفاظ عليها.
وأوضح الزعابي، أن أعماق المحيطات تعتبر مخزناً هائلاً لغاز ثاني أوكسيد الكربون، ويمكن اختزان الكربون في الأعماق لآلاف السنين، وتتجمد مياه البحار وتزداد كثافتها وتهبط إلى أسفل عند بلوغها المنطقة القطبية نتيجة دوران مياه المحيطات، وتمتص مياه البحار جزيئات ثاني أوكسيد الكربون أثناء ملامستها الهواء وبالتالي تساعد على تنقية الغلاف الجوي من نسب كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال الهبوط بجزيئاته إلى أعماق المحيطات، مؤكداً أن محيطات العالم تقف وراء النظم العالمية التي تجعل كوكب الأرض صالحاً لإقامة البشرية، ومياه الأمطار والشرب والطقس والمناخ والسواحل وقدر كبير من الغذاء، بل وحتى الأكسجين الموجود في الهواء الذي نتنفسه، توفرها البحار وتنظمها جميعاً في نهاية المطاف. وقد كانت المحيطات والبحار على مر التاريخ قنوات حيوية للتجارة والنقل، وتمثل إدارة هذا المورد العالمي الجوهري بعناية سمة أساسية من سمات مستقبل مستدام.
الدولة موطن لأحياء بحرية
وأشار الزعابي إلى أن الدولة موطن لمجموعة واسعة من الأحياء البحرية بما في ذلك السلحفاة الخضراء وحوت الزعانف وأبقار البحر، وتتمتع بطبيعة غنية بنظم «الكربون الأزرق» الإيكولوجية الساحلية والبحرية، مثل أشجار المانجروف والمستنقعات المدية والأعشاب البحرية التي تحمي شواطئنا، وتوفر أماكن حضانة وموائل للأنواع البحرية، وتدعم السياحة الساحلية، وتسهم في التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال عزل الكربون وتخزينه.
تأثيرات التغير المناخي على المحيطات
قال الزعابي: «تتلخص تأثيرات التغير المناخي على المحيطات، في ارتفاع في درجة الحرارة للمياه، إذ أي ارتفاع بسيط في درجة حرارة سطح الماء قد يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من الحرارة إلى الغلاف الجوي، واختزان المحيطات كميات كبيرة من الحرارة قد تبلغ ضعف كمية الحرارة الموجودة في الغلاف الجوي 1000 مرة، كما تشكل عملية تبخر مياه المحيطات أحد أهم طرق انتقال الحرارة إلى الغلاف الجوي، مما يترتب عليه ارتفاع مستوى التبخر وارتفاع معدل انتقال الحرارة إلى الغلاف الجوي، ويترتب على انسياب مياه المحيطات نحو القطب الشمالي انتقال كمية هائلة من الحرارة إلى الغلاف الجوي، وهذا يعلل اعتدال المناخ في شمال أوروبا رغم ارتفاع تضاريس هذه المنطقة، وذوبان الجليد وارتفاع منسوب البحر، حيث تعتبر طبقات الجليد من أهم مؤشرات تغير المناخ. كما يؤدي ذوبان طبقات الجليد إلى ارتفاع منسوب البحار، إذ تشكل طبقة الجليد في جرينلاند سبعة أمتار فوق سطح البحر، الأمر الذي يعني أنه بذوبان طبقة من الجليد يرتفع مستوى مياه البحار بنسبة سبعة أمتار، وقد يضاف إلى هذه النسبة خمسة أمتار أخرى في حال ذوبان الطبقة الجليدية في غرب القارة القطبية الجنوبية، وفي الآونة الأخيرة زاد ذوبان المياه المتجمدة في القطب الشمالي مما كان له آثار بيئية واسعة المدى، ويؤدي ذوبان طبقة الجليد في البحار إلى تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري».
وأكد أن البيئة البحرية كانت ولاتزال تشكل قيمة أصيلة في دولة الإمارات، حيث لعبت دوراً مهماً في حياتنا، وكانت النافذة على العالم الخارجي، ومصدراً رئيساً للدخل لشريحة واسعة من السكان الذي اعتمدوا في معيشتهم على صيد الأسماك واللؤلؤ، كما أكسب اكتشاف النفط في النصف الثاني من القرن العشرين بيئتنا البحرية المزيد من الأهمية نتيجة لتحولها إلى قاعدة لثروات اقتصادية هامة، علاوة على ما تضمه من تنوع بيولوجي غني، وما توفره من خدمات في مجال النقل وتحلية المياه والسياحة والترفيه وغيرها.
خطوات لحماية المحيطات
أوضح أحمد الزعابي، مدير إدارة الأبحاث البحرية في وزارة التغير المناخي والبيئة، أن المحيطات تعاني حالياً تكدس أطنان من النفايات البلاستيكية فيها والتي بدورها تتسبب في تسمم الحياة البحرية، وتهديد التنوع البيولوجي، إضافة إلى تسببها في توازن الدورة الحيوية الطبيعية التي يعتمد عليها كوكب الأرض ككل، وتتطلب معالجة هذه المشكلة التزاماً مشتركاً لفئات المجتمع كافة من قطاع حكومي وخاص وأفراد، إذ يتوجب على الحكومات كافة سن منظومات تشريعية وقانونية تضمن الإدارة المتكاملة لمنتجات البلاستيك ونفاياتها، ما يجب معه تطوير واستخدام بدائل أكثر صداقة للبيئة من هذه المنتجات.