الأحد 13 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الابتلاء أمر حتمي في حياة المسلم ليميز الله الخبيث من الطيب

الابتلاء أمر حتمي في حياة المسلم ليميز الله الخبيث من الطيب
13 أكتوبر 2011 19:31
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُـمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْـحَدِيدِ، مَا دُونَ لَـحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» (أخرجه البخاري). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام. (وراوي الحديث هو الصحابي الجليل خباّب بن الأرت- رضي الله عنه-، وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، وممن كان يُعَذَّب في الله تعالى، كان سادس ستة في الإسلام، قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأبو بكر، وخبَّاب، وصُهيب، وبلال، وعمار، وَسُمَيَّة أم عمار، فأما رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس. وقال الشعبي: إن خبّاباً صبر ولم يُعْطِ الكفار ما سألوا، فجعلوا يلصقون ظهره بالرَّضَف، حتى ذهب لحم مَتْنِهِ. وقال أبو صالح: كان خبَّاب قَيْناً يطبع السيوف، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يَألَفُهُ ويَأتيه، فَأُخْبرَت مولاته بذلك، فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها على رأسه، فشكا ذلك إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهم انصر خباباً»، فاشتكت مولاته أمُّ أنمار رأسها، فكانت تعوي مثل الكلاب، فقيل لها: اكتوي، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها، وشهد- رحمه الله- بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. ولما هاجر- رضي الله عنه- آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين تميم مولى خِراش بن الصِّمَّة وقيل: آخى بينه وبين جَبْر بن عَتِيك. روي عنه ابنه عبد الله، ومسروق، وقيس بن أبي حازم، وشقيق، وعبد الله بن سخبرة، وأبو ميسرة عَمْرو بن شرحبيل، والشعبي، وحارثة بن مُضَرَب، وغيرهم. ونزل الكوفة ومات بها، وهو أول من دفن بظهر الكوفة من الصحابة، وكان موته سنة سبع وثلاثين للهجرة) (أسد الغابة في معرفة الصحابة 2/138-140 بتصرف). أمر حتمي إن الابتلاء أمر حتمي في حياة المسلم، ليميز الله الخبيث من الطيب تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، كما أن أثبت الناس في البلاء وأجلهم صبراً، أفضلهم عند الله منزلة وأجلهم قدراً، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، لما ورد في الحديث الشريف: (أي الناس أشد بلاء يا رسول الله؟ فقال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلى حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلى على حسب ذاك، فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (أخرجه البخاري). وما يبتلى الله عبده بشيء إلا ليطهره من الذنوب أو يعظم له أجراً، وما وقع الصابر في مكروه، إلا وجعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن ضاق بالقَدَر ذَرَعاً، وسخط بقضاء الله، فاتَهُ الأجر، وكان عاقبة أمره خسراً، كما قال تعالى : (ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) «سورة العنكبوت الآية 2». السراء والضراء والإنسان الذي يعمر الإيمان قلبه يلجأ إلى الله دائماً في السراء والضراء يشكره على نعمائه، ويسأله العون وتفريج الكروب فهو على كل شيء قدير، لأن ثقته بالله عظيمة، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وأما غير المؤمن فيضعف أمام الشدائد، فقد ينتحر أو ييأس، أو تنهار قواه ويفقد الأمل، لأنه يفتقر إلى النزعة الإيمانية، وإلى اليقين بالله. ومن المعلوم أن الابتلاء سنة من سنن الله- عز وجل- في هذه الحياة، وهذا أمرٌ لا بُدَّ منه في تاريخ الدعوات والدعاة إلى الله- عز وجل-، حتى يميز الله الخبيث من الطيب، وَيُنَقِّي النفوس من الشوائب التي قد تَعْلَقُ بها، وهي ضرورية أيضاً حتى يتميز الصف، ويثبت من يثبت، ويتخلى صاحب النفس المريضة والقلب الميت. إن طريق الجنة محفوف بالمكاره والصعاب والعنت والمشقة، كما قال- صلى الله عليه وسلم-: (حُفَّت الجنة بالمكاره، وَحُفَتِّ النار بالشهوات)، «أخرجه مسلم». وكيف لا تكون الجنة كذلك؟! وهي مقر الرسل والصالحين والشهداء والصديقين، وهذا جزاؤهم بما صبروا في الحياة الدنيا. لا بد من الابتلاء ليصلب العود وتقوى القلوب، وتثبت العقائد وحتى تفرغ القلوب من حبِّ كل شيء إلا من حب الله عز وجل، والتفاني في العمل لله عز وجل، ولولا المحن والشدائد لما تخرج من مكة أمثال: مصعب بن عمير، وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وصهيب الرومي، وغيرهم من حملة لواء الإسلام- رضي الله عنهم أجمعين-. ومن المعلوم أن الله- عز وجل- لا يسلبك شيئاً إلا عوضك خيراً منه إذا صبرت واحتسبت (من أخذت حبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة)، «أخرجه البخاري»، وَقِسْ على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال. فلا تأسف على مصيبة، فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم. إن أولياء الله المصابين المُبْتَلِين الصابرين يُنَوّه بهم في الفردوس الأعلى (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُـمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) «سورة الرعد، الآية 24»، وَحُقَّ علينا أن ننظر في عوض المصيبة وثوابها وخلفها الخيّر (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) «سورة البقرة، الآية 157». فقد سُجن الإمام أحمد بن حنبل وَجُلد، فصار إمام السنة، وحُبس شيخ الإسلام ابن تيمية فأخرج من حبسه علماً جماً، وَوُضع الإمام السرخسيُّ في قعر بئر معطلة فأخرج عشرين مجلداً في الفقه، وأُقعد العلامة ابن الأثير فصنَّف جامع الأصول، فإذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) «سورة البقرة، الآية 216»، وكما قال الشاعر: قد يُنْعم الله بالبلوى وإن عَظُمَتْ ويبتلي اللهُ بعضَ القـوم بالنِّعــم وليعلم المؤمن أن أفضل حال له هو ما اختاره الله سبحانه وتعالى، فينبغي ألاَّ تلعب الأهواء بعقولنا وقلوبنا، فكم من شيء من زخرف الدنيا أحببناه وطلبناه، فلما تحقق لنا أصابنا بسببه الشقاء والعناء، وسبحان الله القائل: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) «سورة البقرة، الآية 216». وجزى الله نبينا محمداً- صلى الله عليه وسلم- خير الجزاء، فقد بين لنا أن المؤمن الصادق مأجور من الله سبحانه وتعالى في حالتي الشكر والصبر فقال: «عجباً لأمر المؤمن إِنَّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»، (أخرجه مسلم). ونستفيد من هذا الحديث بيان فضيلة الصبر والابتلاء في الدين، وكذلك بيان إحدى معجزات النبي- صلى الله عليه وسلم-، إذْ تحقق ما تنبأ به- صلى الله عليه وسلم- من انتشار الإسلام، واستتباب الأمن والسلام، كما يجب علينا أن نقتدي بالصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - في صبرهم بقلوب راضية ونفس مطمئنة. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض