بعض الناس يعتبرون أن الناس أشرار ما لم يثبت العكس، لا يمكنهم الثقة في أي شخص، ويتجنبون الآخرين اتقاء لشرهم.. ويعتبرون أن الطبيعة الإنسانية سيئة، لا يمكن التعويل عليها لبناء ثقة مع الآخرين..
فهل هذه العقلية مفيدة لصاحبها؟
لمعرفة الإجابة، أجرى باحثون دراسة على أكثر من 68000 أميركي وأوروبي، على مدى تسع سنوات، (نشرت في دورية بيرسوناليتي آند سوشيال سايكولوجي)، ليعرفوا تأثير التفكير بهذه العقلية على حياة الناس.. فوجدوا أن الأشخاص الأكثر انفتاحاً وثقة في الآخرين، كانوا أعلى في مستوى الدخل المادي.. أكثر من هؤلاء الذين فقدوا ثقتهم في الآخرين، ويتجنبون التعامل معهم.. فما العلاقة؟
يرى الباحثون أن التفسير قد يكون أن الشخص الذي لا يثق في الآخرين، سيحاول النأي بأمواله عن أي تعاملات استثمارية مع الآخرين، تجنباً لسوء طبائعهم، ولا يدخل معهم في شراكات تجارية، وهو ما يضيع عليه فرصاً مالية عديدة.. على عكس الشخص الذي يتمتع بالانفتاح في العلاقة مع الآخرين، وتتعدد علاقاته وتتضاعف فرصه.. وحتى إن لم يكن للشخص علاقة بمجال الاستثمار، فإن قلة ثقته في الآخرين في مجال العمل ستجعل تصرفاته أقل تحفظاً معهم.. لا يتعاون معهم، ولا يستعين بخبراتهم، وتكون علاقاته المهنية محدودة، وهو ما يحد من فرصه الوظيفية.. وبالتالي دخله المادي!
لكن يبدو أن هناك جانباً آخر من الموضوع يعطينا صورة أكثر وضوحاً لهذه الظاهرة.. فقد كشفت الدراسة أن الشك في الآخرين، حين يكون له سبب منطقي يبرره، (مثل الحياة في بلد ترتفع فيه معدلات الجريمة وقضايا الاحتيال..)، لا يتضرر صاحب هذا الاعتقاد بنفس الكيفية.. بل بالعكس، قد يكون الشك في الآخرين -في هذا السياق- مفيداً لصاحبه، فقد يزيد دخله أحياناً لأنه أكثر حذراً!
باختصار، تتعلق المسألة بالسياق، ومدى وجود أدلة ومبررات موضوعية للاعتقاد الذي يتبناه المرء.. فلو كنت في مكان يتمتع بقدر مرتفع من الأمان والعطاء والثقة العالية بين الناس، فإن النفور من الآخرين، والانكفاء على النفس، والشك المبالغ فيه في نوايا زملاء العمل طوال الوقت، قد يضيع الكثير من الفرص الوظيفية الحقيقية!