25 يناير 2011 20:22
طبيبة جديرة بأن يقتدي بها كل شاب عربي طموح، إنها الدكتورة مريم مطر، التي شغلت منصب وكيل في وزارة الصحة، وتشغل حاليا العديد من المناصب، منها: رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للأمراض الجينية، ونائب رئيس مجلس إدارة دبي العطاء، وعضو مجلس إدارة في كل من صندوق الزواج، وإدارة مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر، ومؤسسة دبي للمرأة، والجامعة الكندية في دبي. وهي تحمل العديد من الشهادات والمؤهلات العلمية العليا والخبرة العملية في الطب والجراحة من كلية دبي الطبية وبريطانيا وأميركا، كما أنها مختصة في طب الأسرة، وما زالت تكمل بحوثها باليابان حول الأمراض الوراثية، وهي أول عربية تحصل على قبول باليابان في اختصاص الأمراض الجينية.
لم تشأ الدكتورة مريم مطر أن تخلف موعدها الذي حددته مع “الاتحاد” لإجراء حوار معها، رغم أن ظرفا طارئا باغتها وهو وفاة جدها، غير أنها التزمت بموعدها والتقتها “الاتحاد”، وأجرت معها المقابلة التالية في بيت العائلة.
? الوجود في بيت العائلة يستدعي السؤال عن الألفة التي نشأت في هذا البيت حيث خرج الأولاد والأحفاد منه ليعودوا إليه بالعلم والمعرفة؟
? بيت العائلة يعتبر مسقط رأس ثلاثة أجيال من عائلتي، حيث جمعنا في أفراحنا وأحزاننا. الحلو في هذا البيت أن في كل ركن فيه ذكريات حيث شهد أعراسا واجتماعات عائلية. في الحديقة أشجار زرعها أبي. وأشجار مانجا زرعها جدي، وبالطرف الثاني توجد نخلة زرعها خالي. هذا البيت يعتبر مثل جذور الشجرة التي تجمع كل الأغصان.
صحيح أن الحداثة خلقت لدينا التزامات وجداول وقت، وكل واحد من أفراد الأسرة لديه مسؤوليات وواجبات عليه أن يؤديها، وهذا جعل الناس محصورين في الوقت. لذلك وجود الألفة في بيت العائلة يوم الجمعة مهم جدا، وهذا يضمن أننا لا نبتعد عن أصولنا. فالألفة وبيت العائلة مثل السفينة التي ترسو في الميناء، ومهما نمت الشجرة وارتفعت أغصانها نحو السماء يظل لها تواصل مع جذورها، وهذا هو حال بيت العائلة. جدي من جيل ما قبل الرفاهية تعب كثيرا، عاش في زمن كانوا مضطرين فيه لطحن بذور الرطب ليأكلوها، دائما كان يذكرنا ويطلب منا أن نحمد الله ونشكره على فضله. جدي وأمي وأبي كانوا أميين، لكنهم ضمنوا العلم لأولادهم.
?التفوق والتميز، هل جاء بتشجيع من الأهل أو كان لك مشروعك الخاص الذي عملت عليه وما زلت تواصلين البحث والدراسة؟
? واحدة من الأشياء التي أؤمن بها، وأشعر أنها كانت من أسباب نجاحي وتميزي هي تربيتي. إذ ربتنا أمي بطريقة راقية جدا، وأتمنى أن نقدر أن نربي عليها أولادنا، فكانت دائما تذكرنا بقصص موجهة للعلم والحفاظ على النعمة ومحبة الناس. ومن الأشياء التي تعلمناها منها أن الله له في كل شيء حكمة. وهذه الأسس تزرع في الطفل الكثير من المبادئ الأساسية التي تعطيه قوة الشخصية والمبادرة، والتوكل على الله.
?دراسة الطب تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والتفوق، لماذا اخترت هذا الفرع؟
? سأعود مرة أخرى للأصول، جدتي لأمي كانت مداوية شعبية (حكيمة) ولما توفيت كثير من الناس حضروا للتعزية وهم يبكون، فسألت أمي من هؤلاء؟ قالت لي: لا، لكن جدتك كانت تداويهم، فقلت لها “إذا أصبحت طبيبة فهل سيحبني الناس مثلما أحبوا جدتي”، قالت: نعم. فزرعت الفكرة في رأسي وظللت أثابر في الدراسة لأكون من المتفوقين والهدف أن أكون طبيبة.
? درست الطب في دبي، وبريطانيا، وأميركا، وحاليا في اليابان. حدثينا عن هذا الجهد الكبير.
? دراسة الطب ليست بالشيء البسيط، حيث أنها تؤثر على الجوانب الاجتماعية، والعمل في الطب يتطلب الكثير من الالتزامات، ومن يدرس الطب لابد أن يؤمن بمبدأ العطاء والتضحية ليشعر بنشوة العطاء والإنجاز، ومن يكون طبيبا سيعمل في خدمة المجتمع، وعليه أن يتذكر أنه سينقصه القيام ببعض الواجبات الخاصة والعائلية، لكنه يعطي في مكان ثان، الطب علمني العطاء، صحيح أنها مهنة تأخذ من وقت الإنسان لكنها تعطيه الكثير.
ومن المواقف التي حصلت معها في مستشفى راشد عندما كنت طبيبة امتياز، وجود شخص كبير في السن، يرفض أخذ حقنة أنسولين من ممرض غير عربي، فطلبني الممرض خوفا على صحة المسن لإقناعه، وعندما تحدثت معه سألني عما إذا كنت إماراتية وسعد جدا بذلك، لاكتشف بأنه كان يحاول أن يقول للممرض أن المكان الذي سيحقنه فيه يؤلمه وأنه كان يطلب منه أن يحقنه في مكان آخر بيد أن الممرض لم يفهم. وأتذكر جيدا دعوات المسن لي بالتوفيق. وهذه الواقعة وأمثالها ما يجعلني أمارس مهنة الطب.
?أنت مختصة في طب الأسرة، وفي الإمارات يكثر الزواج بين الأقارب، كيف يتم توعية الناس بسلامة الزواج؟
? أسست جمعيتا الإمارات للأمراض الجينية، والإمارات لـ”داون سندروم” لهذا السبب، وحصلت على جائزتين بسببهما، وكان لهما دور كبير، بالتعاون مع بعض الوزارات، في الحصول على إلزامية فحوصات ما قبل الزواج في القانون الذي صدر. وعندما كنت وكيلة في وزارة الصحة أسست قاعدة لإجراءات فحوصات ما قبل الزواج في الوزارة من خلال التدريب، بحيث نضمن وجود هذه الخدمات في وزارة الصحة، وخاصة الإمارات الشمالية. وبالعودة إلى الأمراض الوراثية، الشيء الجميل والمؤلم فيها أن الوقاية منها ممكنة تماما، لكن الصعب هو إقناع المجتمع بطرق الوقاية.
وسأضرب مثلا بأحد الأمراض الوراثية واسمه “تشوهات العمود الفقري”، علاج الطفل الواحد يكلف 280 مليون درهم إماراتي، فيما الوقاية منه تكلف 17 درهما فقط من خلال حبة دواء تأخذها الأم كل يوم لمدة ثلاثة أشهر قبل الحمل.
وهنا أود أن أشير إلى أهمية التفكير في توفير الاستثمارات والميزانيات التي نحمي فيها المجتمع ونستثمر حق الأجيال القادمة، لأن البترول لن يدوم، لكن خيرا كثيرا نتج عنه ويجب أن نستثمره في جميع المجالات التنموية. صحيح أننا نبني مستشفيات ومركز صحية لكن يجب أن يكون هناك تركيز على الجانب الوقائي يوازيه، وهذا ما نقوم به في جمعية الإمارات بإشراف مباشر من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي، لأننا نركز على طلبة التعليم العالي قبل أن يكونوا أمهات وآباء.
? في حال كان الفحص الطبي يكشف إمكانية إنجاب أطفال مرضى، كيف توصلون الخبر للمقبلين على الزواج؟
? في الأمراض الوراثية لا يقتصر الأمر على إعطاء النتائج للشخص بل لا بد أن يتضمن معه الحل، غالبا ما تأتي حالات عندهم أمراض وراثية، لا نخبرهم عنها، لأن هذه الأمراض لحد الآن لا يوجد إجراءات وقائية منها، ولا فائدة من إخبارهم إن لم يوجد علاج. في الحالة الجينية يوجد لها علاج، ولها طرق وقائية ونحن نخبر الأهل في هذه الحالة. لذلك نقوم بأخذ إجراءات قبل أن تحمل الأم لضمان سلامة الأجيال بنجاح كبير.
? بالنسبة للإمارات هل يوجد تشجيع على الإنجاب في ظروف عمل المرأة؟
? في الإمارات نحن بحاجة إلى إكثار النسل على أن نضمن جودته، من خلال فحوصات ما قبل الزواج واستشارات للأمراض الوراثية، ومن خلال الوعي بين الزوج والزوجة في هذا الجانب. لذلك يجب على المعنيين بالخدمة المدنية وصحة المرأة أن يطيلوا فترة إجازة الحمل والوضع ويعطوا امتيازات أكثر للمرأة، التي تنجب أطفالا فهذا يشجع الأمهات، سواء المرأة العاملة أو غير العاملة. وهكذا تشعر المرأة أنها تقوم بواجب وطني، لأن الحياة اليوم فيها غلاء معيشة وتحتاج الكثير من المسؤوليات وكل واحد يتمنى لأولاده أن يحصلوا على أحسن مستوى.
?ما هو دور المجتمع هنا؟
? يجب أن نركز على الرعاية الصحية الأولية، وخاصة طب المجتمع. وأن يكون الطبيب مقيما في نفس القرية، خاصة أن لدينا في الإمارات الشمالية الكثير من المراكز الصحية.
ويجب أن نضمن وصول هذه الخدمات الوقائية، وليس العلاجية، للناس في بيوتهم بلهجة إماراتية. وحتى الورقة التوضيحية التي نتكلم فيها عن الوعي بفحوصات ما قبل الزواج، هي نموذج وافقنا على تصميمها للمقبلين على الزواج، وعليه صورة برقع إماراتي، طبعت فيه النصائح.
وبصفتي عضو في صندوق الزواج الذي ترأسه معالي الدكتورة ميثاء الشامسي، وزيرة دولة، وعندنا مشاريع جيدة مثل حفلات الزواج الجماعي في القبائل، وخاصة المجتمعات التي لا تزال مغلقة بعض الشيء، فنحن كنساء نحضر مجالسهن ونقدم لهن المعلومات، ونعمل لهن دورات.
?هل هناك من مشاريع جديدة في هذا المجال؟
? لدينا مشروع جديد في صندوق الزواج، حيث أخذنا معلومات من المحاكم في الإمارات عن الأزواج الذين جاءوا ويريدون الطلاق. ونظمنا لهم رحلة حج، وأغلبهم رجعوا عن فكرة الطلاق عندما عادوا من أداء الفريضة.
أريد أن أقول إننا كجهات مسؤولة نبادر بأفكار جديدة تعود بنا إلى عاداتنا وتقاليدنا، وإلى جذورنا بأسلوب علمي حضاري.
? لماذا لا توجد ثقة في أطبائنا، فمن يصاب بمرض ما يسارع العادين إلى السفر للعلاج في الغرب، برأيك وأنت درست في الغرب، ودرست في الدولة وعملت بورد عربي، هل هناك فرق في المعلومات لا تحصلون أنتم عليها، أو بآليات العمل والأجهزة تؤدي إلى عدم الثقة بالطبيب؟
? هذا السؤال ذو شقين، الشق الأول رغبة المريض وأهله فنحن لا نستطيع أن نفرض على الناس أن يثقوا بالأطباء المحليين لكن من الممكن أن نزرع هذه الثقة، نحن كأطباء إماراتيين وعرب لا بد أن نكون واثقين من أنفسنا من خلال علمنا المستمر والمتقدم وأن نكون دائما على تواصل مع كل جديد في العالم، وعلي أن أبين للمريض المعلومات التي يحتاجها. وهذا نوع من الثقة يؤكد بأن عندي علم ومعرفة ويجب أو أوصله للمريض بلغة بسيطة يفهمها، لا بد أن نوجد الثقة في المجتمع من خلال العلاج الذي نعطيه للناس، ومن خلال العلاقة والحوار الذي نبنيه مع المريض.
الشق الثاني من السؤال: أن العلاج لا يختلف من دولة لدولة، لكن يختلف النظام. لنكن صريحين أكثر، النظام الطبي الموجود في الدول الغربية هو نظام متكامل، نظام بني على تجارب وأخطاء أخذوا سنين حتى بنوه. هنا من يقول يجب أن نستفيد من هذا النظام، لكن حتى لو جئت بالنظام المتكامل وعندك ميزانية لكن صدقيني لا ينفذ بنفس الأسلوب، لأن هذا النظام بني على أخطاء وتجارب في مجتمع مختلف له عادات وتقاليد وقوانين وأمراض مختلفة تماما عنا. يجب أن نصبر على نظامنا الموجود هنا في بلدنا. ومن المهم جدا أن نعطي أنفسنا والمجتمع فرصة حتى يستوعب. هذه المرحلة التي نعيشها فيها عدم ثقة بين المجتمع والنظام الصحي، مرحلة صحية في أي نظام طبي، والناس لابد أن تستوعبها. يمكن أن يقولوا هل نحن حقل تجارب؟ لا، لكن هذا ما حدث في العالم المتقدم سواء بأميركا أو بريطانيا إذ مرت بمراحل نحن اليوم نمر فيها، لا بد من أن يكون لدينا صبر. ليس هناك طبيب يريد أن يضر مريضه، لكن يجب أن يضمن النظام أن الطبيب الذي يعالج هذا المريض سيعالجه بأقل قدر من الأعراض الجانبية. علينا أن نتابع ونحضر المؤتمرات، ونحترم الناس الذين عندهم علم ومعرفة أكثر منا، لأننا مهما وصلنا من العلم نجد أن آخرين عندهم معلومات بنيت على خبرة طويلة. وعندما نحصل على معلومات وخبرات جديدة من مستشارين كبار ونتعلم منهم، سنصل إلى النظام الصحي الصحيح المتكامل الذي يحمي الطبيب والمريض، والذي ينبني على أسس قوية ومدة زمنية كافية.
? هل نحن بحاجة إلى بحوث طبية؟
? الأبحاث مهمة لكن الأهم أن تتكاتف الجهود وتتنوع المصادر والتنظيم على مستوى الدول العربية. لذلك عندما يتكلم أحد عن الأبحاث أتخيل نفسي كأني جالسة في قاعة فيها حفلة والجمهور واحد، لكن المغنين كلهم يغنون مع بعض بالتالي كل الجمهور أصيب بالصمت ولم يسمع أيا من المغنين.
? لماذا اخترت اليابان وتجديد الدراسة والاطلاع في الشرق بعد علوم الغرب؟
?“أنا أحب التحدي. لما عزمت على دراسة الدكتوراه في الأمراض الجينية، جاءني قبول من كامبريدج في بريطانيا، وأميركا، وأستراليا. وكنت قد تقدمت لليابان لكن لم أحصل على قبول بعد. وبالتالي كان عندي حب معرفة لماذا اليابان لم تقبلني. إذا كان عندي تقصير بشيء أطور نفسي لأصل لمستواهم، فقررت أن أذهب إلى اليابان وزرت الكلية التي أرسلت أوراقي إليها وقابلتهم. وسألت ماذا ينقص حتى أقبل؟ طلبوا بعض الأشياء، درستها خلال أيام وقدمت امتحانا وأجريت المقابلة. لكن أخبروني أن هذا التخصص لم يدخله أي عربي والأولوية لليابانيين، فشعرت أنني لن أتمكن من دخول الكلية . لكن، وأنا أدخل الطائرة أخبروني أنني نجحت فكانت فرحة كبيرة لأنني أول عربية أعمل اختصاص طب الوراثة الجينية في اليابان. وهناك تعلمت النظام والقيادة، وأقول إن القائد لا يولد قائدا، القائد ممكن أنه ينبني كقائد من خلال الظروف التي يمر فيها، والرغبة بأن يكون قائدا. وكثير من المهارات يمكن أن يكسبها المرء بوجود البيئة الصالحة التي تدعمه.
?عملك صعب يضاف إليه الدراسة والغياب الطويل، هل يشكل عبئا على عائلتك، أم أن زوجك يتفهم ذلك؟
? قبل أن أتحدث عن الزوج، أقول إن الرجل لعب دورا كبيرا في حياتي ونجاحي، فالثقة التي حصلت عليها المرأة الإماراتية، استمدتها من الرجل، حتى قبل أن تكسبها من نفسها. لقد وصلت إلى أعلى المراتب وهي تلتزم بعاداتها وتقاليدها وتعتز بوقفة أبيها وأخيها وزوجها، وحكامنا الذين أحاطونا بالعلم والثقة. وأبو سارة زوجي كرم عدنان هو أيضا طبيب نفسي، له دور كبير في حياتي، وكذلك الفضل لا ينسى لجدتي وهي جدة زوجي “ماما صبحية” التي لها دور في نجاحي، فأنا أسافر وهي تربي ابنتي. وعلى المرأة أن تدرك وتؤمن أن دورها مكمل للرجل وأنها ليست في حرب، أنا مع العدالة وليس المساواة في الحقوق والواجبات.
الاهتمام بالذات
أحب القراءة، ومشاهدة بعض البرامج التي تهمني في التلفزيون، وعندي هواية خاصة هي الاهتمام بجمالي وبشرتي، دائما أهلي يقولون لي تحبين نفسك لحد الأنانية. فأنا أهتم بكل شيء يعني بالبشرة، بالجمال. إذا فتح مركز للتجميل فأنا أول من يذهب إليه، لكن بشكل لا يؤثر على ميزانيتي. واهتمامي بمريم هواية وليس واجبا، أهتم بنفسي وقت فراغي، وهذا الجانب الجديد في حياتي تعلمته في بريطانيا. لكن النظام الياباني مختلف، فهم مجتمع نظامي يعرف معنى الوقت والالتزام والمسؤولية، وهم يحترمون الكبير جدا، ويحترمون جذورهم، وهم يهتمون بأنفسهم كثيرا.
المصدر: أبوظبي