20 سبتمبر 2012
بوجوه الكتاب والشعراء والمسرحيين والتشكيليين والسينمائيين الإماراتيين التي تدلّت من السقف على أوراق بيضاء لتسرح بين شغاف القلب وتوقظ الذاكرة.. بأقل قدر من الأوجاع التي حملتها لوحات ترسم الجسد البشري معلناً عن أكثر مناطقه وجعاً أو مرتعاً للألم.. بعزف رقيق يأتي من جيتاريّْ غسان الحديثي وباسم يونس.. بالكلمة والكتاب ومعرض للإصدارات.. وبافتتاح غير تقليدي تعانقت فيه الكلمة مع الموسيقى واللون دشن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات موسمه الثقافي الجديد 2012 ـ 2013، رافعاً شعار: “بداية جديدة” ومعلناً عن طموحات ثقافية مشروعة، تستهدف ترسيخ قيمة التنوع في النشاط الذي ينظمه الاتحاد، وفتح قوس على إبداعات أخرى، إلى جانب الأنشطة الفكرية والشعرية والقصصية التي تستحوذ على الحصة الكبرى من برنامج الاتحاد.
اتسعت أجواء الافتتاح الحميمية التي تلاقى فيها مثقفون من مشارب شتى.. لوجوه قديمة غيبها الموت جاءت لتعلن حضورها في المشهد الثقافي، في صميمه لا على هامشه، تلك الوجوه التي تدلت من سقف الاتحاد سواء عبر أغلفة مؤلفاتها أو صورها الشخصية أو تسلقت الجدار، حيث استقرت في غابة من الأغلفة أو ذكرها محمد المزروعي مقدماً لها تحية رمزية مثل الكاتب والمفكر السوداني الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد، الذي كان أول من فتح مكتبة مهمة في الثمانينيات، “مكتبة الإنماء الثقافي” وكان مكانها وراء “المجمع الثقافي” بشارع الاستقلال. أو “المجمع الثقافي” وتسمياته اللاحقة، “هيئة أبوظبي للثقافة والتراث” ثم “هيئة السياحة والثقافة”، الذي في كل مراحله وقف وقفات تعاونية جدية مع اتحاد الكتاب، ولا يزال. هذه الوجوه كلها، لم تغب يوماً عن “البال الثقافي”، لا سيما واسطة عقدها الراحل غانم غباش الذي لطالما وصف في الصحافة الثقافية بأنه الأب المؤسس للحركة الثقافية في الدولة. أما النديّ أحمد راشد ثاني فما زال غيابه طازجاً، لم تنبت على حواف غيابه حشائش النسيان.
في استحضاره لهذه الوجوه الحميمة، سواء تلك التي طواها الموت أو تلك التي جاءت من الغياب الاختياري لتعيد سيرتها مع اتحاد الكتاب بعد هجران أو قطيعة أو عزوف عن المشاركة، يوقد الاتحاد شمعة للذاكرة، مكرساً ثيمة الوفاء الجميلة، الوفاء للذين عملوا واجتهدوا وأسسوا في البدايات ثم لأسباب ما ابتعدوا أو أبعدهم الموت.
عادوا وقد اشتعلت الرؤوس شيباً، مملوئين بالحنين، يسعون في مناكبها الثقافية بحثاً عن الكلمة الصافية التي لم يخدشها الزيف، حاملين همّهم الذي يغالبهم ويغالبونه منذ ما ينوف على الـ 28 عاماً، هي عمر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي تأسس في 26/ 5/ 1984 وبعضهم قبل ذلك بسنوات تعود إلى الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم.
لم تفصح الأعمال الفنية المعروضة (عملان فنيان: تركيبي ومفاهيمي)، ولا الأوراق البيضاء التي وضعت في تشكيلات مختلفة على أرضية الاتحاد، ولا الأجساد التي انتصبت على الجدار معلنة عن “أقل ما يمكن من الوجع”، لم يفصح أي منها عن أسماء الذين عملوا لأسبوعين أو أكثر لإعداد قاعة الاتحاد الرئيسة على هذا النحو.. بيد أن من الإنصاف التنويه إليهم: محمد المزروعي، خلود الجابري، نواف الجناحي، مي قطرش.
«مِنْ».. وأبعادها
في الاتحاد ودوره، يقول حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: “هذا يوم جديد من أيام اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وفيه يخطو خطوة جديدة إلى الأمام. الجدة توأم الجدية في هذا المكان، والتاريخ هنا يحضر كل يوم ليكون الشاهد والدليل. واليوم، أصبح في إمكاننا حذف حرف الجر “من” من العبارة التالية: “اتحاد كتاب الإمارات من أنشط الجمعيات ذات النفع العام في البلاد” لتصبح “اتحاد كتاب الإمارات أنشط الجمعيات ذات النفع العام في البلاد”. نعم هكذا مطلقاً بكل الفخر والاعتزاز، ولقد تحقق ذلك في خلال السنوات الأخيرة، بجهود الجميع. أبناء الإمارات من بنين وبنات وأجيال الإمارات الطالعة، الذاهبة إلى مستقبلها عبر جسر الإرادة والوعي. شباب الإمارات الفتيّ الذي أسس، منتصف الثمانينات، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، صرحاً عظيماً جامحاً، وبيتاً دافئاً بسقف عالٍ، ونوافذ مفتوحة على أقاصي الإبداع. الملابسات التي شكلت وتشكل كوننا وتكويننا .. إلى آخره”.
وللصايغ فيما ذهب إليه من توصيف مسوغات كثيرة قال فيها: “قبل أقل من خمسة أشهر، وفي أواخر أبريل/ نيسان بالتحديد، انتخبت الجمعية العمومية لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات مجلس الإدارة الجديد، وقد شرفتني بأعلى الأصوات، لأقود مسيرة اتحادنا لدورة ثانية. ما كان هذا ليحصل، وبصورته تلك، لولا المنجز المتحقق في الدورة الأولى، وهو منجز جمعي بامتياز، حيث الهدف تحقيق النظام الأساسي على الأرض والمشاركة الوطنية، وإبداء الرأي في القضايا المحلية والعربية. والمساهمة الفعالة في أنشطة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ودعم الإصدارات المتميزة من كتب ودوريات. اليوم لدينا في اتحاد الكتاب أربع مجلات هي “شؤون أدبية” المجلة الثقافية العامة، ودراسات المجلة الفكرية المحكمة، وبيت السرد” وهي المجلة التي تُعنى بالفن القصصي، و”قاف”، مجلة الشعر والشعراء.
مرة ثانية، مع التحريك. نحن كما يبدو لا نعترف بحروف الجر كلها، خصوصنا حرف الجر “من” اليوم أيضاً أصبح في إمكاننا حذف حرف الجر “من” من العبارة التالية اتحاد كتاب الإمارات من أنشطة الاتحاد في الوطن العربي “لتصبح” اتحاد كتاب الإمارات أنشط الاتحادات في الوطن العربي”.
والصايغ الذي يؤكد أن “هذا وجه حقيقي، مشرق، لدولة الإمارات العربية المتحدة العزيزة الغالية” من جهة.. يغتنم هذه السانحة ليجدد المطالبة “بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على جمعيات النفع العام في الإمارات” من جهة ثانية، وذلك - حسب الصايغ - بعد أن أثبتت التجربة أن إدارة الجمعيات في وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بدور المتلقي لا المبادر. ما لا يتناسب مع طموح دولة تحتل وتسعى إلى احتلال المراكز الأولى في جميع المجالات”.
ومما في جعبته من مشروعات للاتحاد بشكل خاص، وللثقافة المحلية بشكل عام، أعلن حبيب الصايغ “قريباً يفتتح المقر الجديد لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات ـ فرع أبوظبي في منطقة معسكر آل نهيان، في قلب العاصمة، ليكون إلى جانب هذا المكان، مصدر إشعاع وتنوير، وإضافة واضحة للجهدين الثقافي والاجتماعي المبذولين على مستوى الإمارة والدولة. وهذا الكلام كله، ونقول من العقل والقلب، يضعنا أكثر في الواجهة، وفي منتصف المسؤولية. فاتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي لا يعترف بحرف الجر “من” لا يعترف في الوقت نفسه، بأي مبرر تقصير، حتى ولو تمثل في قلة الدعم المادي من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي التي تتعامل مع جمعيات المقدمة والمؤخرة بالسوية ذاتها، وتغمض عينيها، للأسف، عن المشهد الراهن، ولا تكلف نفسها، سامحها الله، عناء البحث والفرز.
على كل حال، فإن ضوء الشمس يصل أسرع وأعمق إلى العيون والبصائر، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، على عهده، منذ انطلاق، وعلى توالي سنوات، ومجالس إداريّة، ليظل دائماً البيت والملاذ، الفكر والمشروع والطريق.
وأمامنا في كل فرع، وفي فرع أبوظبي خصوصاً برنامج الزميل الأستاذ محمد المزروعي، موسم ثري وبرنامج عمل لا يعترف أبداً بحروف الجر، لأنه ببساطة يفضل حركات الرفع والصعود”.
بداية جديدة
في التعريف بالهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب ـ فرع أبوظبي يلمح الفنان التشكيلي محمد المزروعي رئيس الهيئة الإدارية للفرع إلى أن الاتحاد راعى التنوع في اختيار الهيئة التي تتكون من: سالم بو جمهور القبيسي نائب رئيس الهيئة الإدارية مسؤول الجماعات الأدبية، الدكتور معن الطائي المسؤول الثقافي، الفنانة التشكيلية خلود الجابري مسؤولة التشكيل، المخرج السينمائي نواف الجناحي مسؤول السينما، المسرحية مي قطرش مسؤولة التنشيط الثقافي، وهج أحمد راشد ثاني مسؤولة التسويق والدعاية، هيفاء الأمين المسؤولة الإعلامية.
وفي التعريف بما يحمله شعار “بداية جديدة” من دلالات يؤكد محمد المزروعي أن هذا العنوان لا يعني إطلاقاً التنكر لجهود الإدارات السابقة، يقول: “إن المراد من هذه العبارة “بداية جديدة” هو وضع المسار الإداري لفرع أبوظبي ضمن المفترض كَحد أدنى من ممارسة دوره التفاعلي، وليس الغرض الإيحاء بأننا نقطع مع ما سبق كلياً، بل هو عنوانٌ، إشارةٌ، لتعديل المسار الإداري لمكان ثقافي يُفترض أن يقوم بدور أكبر مما اعتيد عليه سابقاً. ولأن مدينة أبوظبي هي العاصمة، فكرنا في الهيئة الإدارية أن نطور عمل الفرع بما يليق بمدينة أبوظبي كعاصمة، قصداً لمواكبة الحراك الفني والثقافي الناشئ على أرضها، وللتأكيد على الأهمية التنموية للثقافة كتفاعل مباشر. فـ (ثقافياً) كانت توجد علامة مهمة لأبوظبي والإمارات بل وكانت بنسبةٍ ما للعالم العربي أيضاً، كان اسمها “المجمع الثقافي”، حيث كان يقوم بدور كمركز ثقافي شامل، يحتوي الفعل اليومي، ويحتوي الفعل الاحتفالي، وكان ما يميزه فكرة وجود الأنشطة على تعددها في مكان واحد، وقد شَكَّل ذاكرة لهذا السبب، فكان كأنه “مول ثقافي”، وحيث لم يعد “المجمع الثقافي” كفكرة كما أسلفتُ موجوداً الآن، فإن النظر إلى الخريطة الثقافية بالعاصمة يجعلنا نميز حديثاً مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، كمشابه ما لما كان يقوم به “المجمع الثقافي”.
يوضح المزروعي رؤية اتحاد الكتاب في كلمة أقرب إلى المصارحة: “حتى الآن نحن في أبوظبي، نفتقد لمفهوم المركز الثقافي الخدماتي. وبصراحة، وبإلمام بسيط للثقافي هنا، نجد الثقافة الاحتفالية العامة والرسمية، المتمثلة في المهرجانات والاحتفاليات الموسمية للكتاب والموسيقى والسينما وما شابه، وهذا يعتبر من الأساسيات الضرورية كمفاصل تنشيطية للمدينة من الناحية الإعلامية والسياحية، لكنه بحاجة إلى ما يجاوره من مؤسسات ثقافية فاعلة اجتماعياً، وهي ما تمثل مفهوم البنية التحتية للثقافي، مُقابلاً لكون الاحتفالات الثقافية العامة مُمَثِّلةً للبنية الفوقية، وكلاهما مكمل للآخر.
ومن هنا فإن هدفنا الجديد في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – فرع أبوظبي، هو الاتكاء على الثقافة التنموية التفاعلية، فهذا هو ما نحن بحاجة إليه، إذ تعاني مؤسساتنا الثقافية في نِسَب كثيرة في طُرق عملها عدم الاهتمام بذلك، خصوصاً في وقتٍ أصبحت فيه المؤسسة التعليمية متعددة الأوجه، وكثير طُلّابها بما يعني أنهم بحاجةٍ إلى مؤسسات ثقافية موجهة بشكل عملي، مؤسسات ثقافية متماسكة في عملها الإداري واستراتيجيتها التنموية لا الاحتفالية فقط”.
ومن هنا، يدعو المزروعي المؤسسات الثقافية في الدولة “أن ترحم المواهب والبراعم الشابة في عالم الكتابة، ولا تنشر لهم فقط من أجل التشجيع، بل الأحرى أن عليها أن تقوم بدور تقييمي حقيقي، لا تزييفي، فالكثير مما تنشره المؤسسات الثقافية الرسمية مؤذٍ للأدب والأدباء، ولا يصنع قيمة تُؤشِّر لاتِّباعها، بقدر ما يخلط الحابل بالنابل، ولا يسمح بالتالي للإطلاع على الفوارق بين ما هو أدب، وما هو ليس أدباً. لهذا نريد مسؤولين ثقافيين حقيقيين، لا مسؤولي علاقات عامة ثقافية”.
وحول اختيار “عام الرواية الإماراتية” شعاراً له في الموسم الحالي يقول المزروعي إن الهدف “هو تنشيط السؤال حول تجربتها، والدفع بالتجربة الروائية الإماراتية إلى المساءلة من ناحية، والتشجيع على التصدي لكتابتها من ناحية”.
وفي المستقبل المنظور يشير المزروعي إلى أن الاتحاد “سيعدّ أنشطة منفصلة عن برنامجه الأساسي لهذا الغرض. وسيعلن عن نادٍ للقراءة بشكل تدريجي، وخطةً لورش عمل متنوعة ومتعددة المجالات الكتابية والفنية، كما سيقيم المعارض الفنية المبنية على التجهيز المسبق ضمن أفكار تنشيطية بين الكتاب والفنانين عامة. كما سيقوم بتنشيط “ندوة اليوم الواحد”. وعمل عروض سينمائية، وأمسيات للتعريف بالمؤسسات الثقافية الإماراتية، بغرض التعريف بدورها الاجتماعي، وسيكون جزءاً لا بأس به من أنشطة الاتحاد مشتركاً مع مؤسسات أخرى. مع التركيز في كل هذا على دفع الثقافة الإماراتية بشكل أساسي، واختيار زوايا أدبية وفكرية للتجادل حولها؛ إظهاراً لموضوعها، وتنميةً لأدائها”.
وفي جعبة المزروعي نشاط مهم وجديد، حسب قوله، وهو الاهتمام بالأدب الإماراتي المكتوب باللغات الأخرى، فكلنا يعلم الأسباب المتعددة التي أدت إلى جعل بعض الكتاب يكتبون بلغات أخرى، ونحن ومع أهمية اللغة العربية، نؤمن بأن اللغة في جزء كبير من تعريفها تعتبر وعاء لحيوات ودلالات، وعلينا أن نهتم بكُتَّابنا في اللغات الأخرى، نشاطاً وترجمة أيضاً”.
أخيراً، يضيف المزروعي قائلاً:
“أحتاج
كل عصائر المحبة
كل مشاريب الحنان
لأنهض من جديد”
بهذا القول للشاعرة منى مطر، الذي كتب بخط أنيق على ورقة تظهر وتختفي بين الأوراق، يختم محمد المزروعي كلامه عن اتحاد الكتاب وموسمه الثقافي، تاركاً لنا أن نتأمل هذه الوعود وأن نأمل بتحققها لما فيها من خير يعود على الثقافة والمثقفين.
وأمام وعود كهذه، وأحلام كهذه، علينا أن ننتظر من الاتحاد موسماً مختلفاً، وأن تكون فاعليته على أكبر قدر من العافية الثقافية.. ولعلنا لا نستبق الأمور إذا ما غيرنا صدر البيت الشعري “على قدر أهل العزم تأتي العزائم” لتكون “على قدر أهل الفعل تأتي الغنائم”.. والغنائم المقصودة هنا هي، بالطبع، غنائم الثقافة.