20 ديسمبر 2010 20:28
لم تستطع وهي تمارس شقاوتها في الصغر أن تستوعب شغفها بأن تكون محبوبة ومقبولة عند الناس، ولم تكن وهي في مقتبل حياتها أن سعادتها في حب أناس لا يعرفونها ولا تعرفهم، إنها إرهاصات ذاتية تقودها الى مجال الإعلام “الميديا” الذي اختارته ووجدت نفسها من خلاله. وبعد أن أكملت المذيعة ومقدمة البرامج التليفزيونية شيخة المزروعي الثانوية العامة، قررت أن تسير في الاتجاه “المخالف” والتحقت بأكاديمية السياحة والفنادق في دبي وحصلت على البكالوريوس، واختارت هذا التخصص - كما تقول - لأنه مجال بعيد جداً عن اختيارات طلاب وطالبات الإمارات، ووجدت أنها كفتاة إماراتية قادرة على أن تثبت جدارتها وكفاءتها من خلاله كما تقول، رغم أن هذه الرغبة اصطدمت بالضرورة مع رؤية والدها، في الوقت الذي حظيت فيه بموافقة أشقائها الثلاثة، وكانت تتوقع العكس، لكن من حسن حظها أن والدها وافق في النهاية شريطة أن تبقى مقيمة مع الأسرة في أبوظبي، مما كلفها الذهاب والعودة يومياً الى دبي طيلة سنوات الدراسة.
توضح المزروعي مبررات اختيارها لدراسة السياحة والفنادق، وتقول: “كما أشرت أنه مجال جديد أمام أبناء الإمارات، الى جانب كونه مجال يتيح لي إمكانية الاعتماد على النفس، وإشباع حبي للسفر والترحال واكتشاف الأماكن والمناطق السياحية الغنية في الإمارات، ووددت أن أرى العالم من حولي من خلال عمل أتخصص فيه وأجيده وأحبه”.
تكمل شيخة المزروعي: “بعد فترة انتقلت للعمل استشارية في إدارة الجوازات، وبالطبع كانت إضافة لي في التعامل مع مجال لا يمت لدراستي بصفة، وهو ما عالجته بعد ذلك في برنامج “مهنتي”، ثم انتقلت في محطة ثالثة في وظيفة بالعلاقات العامة بأحد البنوك الأجنبية ولمدة ثلاث سنوات، واكتسبت خلالها خبرة جيدة أيضاً قبل أن أجد ضالتي التي أبحث عنها، واتجهت الى الإعلام كمقدمة برامج في قناة بينونة”.
عن التوافق المهني الوظيفي من عدمه، تقول شيخة: “ليس مهماً أن نختار ما ندرس، أو نختار نوع عمل معين، لكن الأهم أن نعمل فيما نحب أن نقوم به، ومما لا شك فيه أن من الأفضل أن يعمل الشخص في مجال تخصصه حتى يكتشف ويحقق ذاته، وحتى لا يصطدم بالواقع ويتحطم من الداخل عندما يخفق.. وأحياناً نجد كثيرا من الناس ينجحون في أعمال لم يتخصصوا فيها دراسياً، فقد يضطروا إلى أن يقوموا بها لعدم وجود فرص عمل، أو تدفعهم الظروف، ويكتشف البعض أنهم أحبوا هذه المهنة، ووجدوا أنفسهم فيها، ومن ثم نراهم ناجحون، وكلما رأى الشخص نجاحه أمامه كان ذلك حافزاً قوياً للاستمرار في النجاح”.
نافذة إعلامية
أما عن تحولها الأخير الى مجال “الميديا” وعملها كمذيعة ومقدمة برامج في تليفزيون بينونة، تقول المزروعي: “كنت شغوفة جداً منذ الصغر بأن أصبح معروفة للناس، ويحبونني وإن لم يعرفوني.. وكنت محبة للمشاركة في النشاط المدرسي، والسفر ولعب كرة السلة، وكنت أيضاً أسجل خواطري الخاصة، وكثيراً ما شاركت في الفعاليات المدرسية، والغناء ولاسيما أنني أتمتع بصوت وموهبة غنائية جيدة، وربما كنت أنتظر الفرصة التي أعيد فيها اكتشافي لذاتي لعمل أحبه وأبدع فيه، وكانت الصدفة وحدها التي قادتني الى مجال الإعلام، حيث كنت في نزهة خلوية مع بعض الصديقات على كورنيش أبوظبي، وتصادف تصوير المسلسل التليفزيوني “أوراق الحب”، وعرفت أنهم كانوا في حاجة الى مذيعات ومقدمات برامج، وبالفعل تقدمت للعمل ووفقت في الاختبار، وكانت البداية مع البرنامج التليفزيوني “مهنتي”.. وتوقفت شيخة المزروعي وتقول: “الغريب في الأمر أن والدي كان قد رفض دراستي الجامعية للإعلام، كما رفض قبلها دخولي القسم العلمي واختار لي القسم الأدبي رغم حبي وتفوقي في الكيمياء والرياضيات، وكانت وجهة نظره أن الدراسات الأدبية تتفق وإمكانات وقدرات الإناث، ولأنني أحب وأحترم وأقدر وجهة نظر والدي كثيراً، لم أخالفه واخترت القسم الأدبي”.
معادلة صعبة
تستطرد المزروعي قائلة: “بلا شك أن هناك معادلة صعبة نحاول أن نتوازن بينها، فأنت أحياناً تقف حائراً بين ما يريده الأهل، وبين ما تريده أنت، وهناك من يقنع بمقولة: “أنت ومالك لأبيك” أو “مالك وأبناؤك ملك لك”، فقد يختار الأهل لأبنائهم وبناتهم - بشكل خاص - في قرارات مصيرية تهمهم وتتعلق بمستقبلهم، وبلا شك أنها ثقافة ترتبط بمدى الحرص والخوف على الأبناء وإمعاناً في الحماية الأسرية قبل أن تكون مفهوماً للسيطرة. ومن المؤكد أن على الأبناء أن يمتثلوا لإرادة الأهل في مرحلة ما، وفي سن معينة، لكن عليهم أن يقرروا ويختاروا بأنفسهم عندما يكونوا مؤهلين لذلك”.
برنامج “مهنتي”
عن تجربتها التي قدمتها في برنامج “مهنتي” الذي تم عرضه على قناة أبوظبي - الإمارات، وكيف تقيم هذه التجربة، والدروس التي خرجت بها، تقول المزروعي: “البرنامج قدم 26 حلقة عن 26 مهنة مختلفة، تم تصويرها خلال ثلاثة شهور، وفكرة البرنامج تدور حول ثلاثة محاور يتقاسمها ثلاثة مذيعين، الأول يتناول الشخصية “صاحب المهنة أو العمل”، ويتم اختياره من بين أصحاب الشخصيات أو النماذج الناجحة في مهنهم وأعمالهم، ويلقي الضوء على طبيعة هذه المهنة، والثاني يتناول الى أين وصل صاحب المهنة من نتائج ونجاحات وإنجازات، أما الثالث فيتناول الجانب غير المعروف “الخفي” من الشخصية، وكيف يعيش؟ وما هي طبيعة حياته الخاصة وهواياته ونشاطاته غير المعروفة للمشاهد وما الى ذلك، وكنا نعمل كفريق عمل واحد، وواجهتنا صعوبات عديدة، وحاولنا أن نصل بفكرتنا وأهدافنا من البرنامج الى المشاهد دون تكلف أو تصنع أو مبالغة، وعانينا كثيراً في التصوير وإنجاز العمل في أماكنه الطبيعية والواقعية في مواقع العمل والإنتاج، والتصوير في أماكن صعبة ومرهقة كالصحراء والبادية والبحر وفي أجواء صعبة أحياناً.. ومما لا شك فيه أنها كانت تجربة ثرية ومليئة بالخبرات.. وكنا نعتمد في التقديم على اللهجة المحلية الشائعة “السلسة” حتى نصل الى المتلقي بسهولة ويسر.
ومن المؤكد أن كل حلقة كنا نستهدف إيصال رسالة معينة من ورائها، كأن نقول للشباب إن هناك مهن جميلة وذات قيمة ورسالة ودور في الحياة والمجتمع مهما بدت بسيطة أو متواضعة، وأن بالإمكان أن يسهم الشاب في بناء وطنه وبلده من خلال أي عمل يمتهنه ويجيد ويبدع فيه مهما كان بسيطاً وأياً كان موقعه. وتناولنا على سبيل المثال لا الحصر مهن المهندس الزراعي، والتمريض، وقيادة الطائرات وغيرها، فالهدف كان يتمثل في تغيير ثقافة المجتمع ونظرته على بعض المهن، وأن نترك للشباب حرية الاختيار والتوجه الأكاديمي وفق ميوله واتجاهاته وطموحاته، وأن نزرع في نفوسهم ثقافة العمل الإيجابية، وحب المغامرة وأن نفتح أمامهم آفاقاً رحبة للاختيار بما يتفق وإمكاناتهم وقدراتهم الذاتية”.
وتضيف المزروعي: “على أبناء الوطن ألا يحصروا أنفسهم في مهن معينة قد لا تتفق وحاجة المجتمع، وعليهم أن يفتحوا عقولهم للمعرفة.. كيف تصبح الإمارات مركزاً لجذب الأيدي العاملة من كافة التخصصات بينما يعاني الشباب والخريجون من البطالة؟ .
إنها معادلة وحالة تحتاج تصحيح، وأظن أن البرنامج كان يركز على فك طلاسم هذه المعادلة، وأعتقد أننا نجحنا في ذلك، وهو ما لمسناه من ردود أفعال الجمهور وتفاعل المسؤولين والجهات المعنية مع مضامين الحلقات التي قدمناها”.
وتكمل المزروعي: “لقد اكتسبت خبرة جيدة من خلال البرنامج، ولا أبالغ إن قلت إنني أستطيع أن أقوم بمهمة 26 مهنة قدمتها.. إنها خبرة حياتية مباشرة، وأفادتني كثيراً من خلال التواصل والحوار المباشر مع الناس وكانت تجربة رائعة وثرية للغاية”.
الأفكار والإعداد
تتفق المزروعي مع الاتجاه السائد الآن في معظم البرامج التليفزيونية التي يشارك فيها مقدم البرنامج في الأفكار والإعداد لموضوع البرنامج ومضمونه، حتى يصبح عنصراً ملماً وفاعلاً ومؤثراً ضمن فريق العمل، وألا يصبح مجرد “مُسجِِّل” يردد فقط ما يكتب على ورق الإعداد، وحتى يستطيع أن يستشعر نبض الناس والجمهور، وأيضاً كلما كان مُعد ومقدم البرنامج متعايشاً وملماً بثقافة الجمهور الخاصة وعاداته وتقاليده كلما استطاع أن يترجم ما يريد أن يقول من خلال الفكرة بشكل أفضل وأعمق وأكثر واقعية وتأثيراً.
أعتز بثقافتي
عن إطلالتها التليفزيونية، وحرصها على “الاستايل” الإماراتي، تقول المزروعي: “بشكل عام نحن نطل على الناس من خلال قناة إماراتية، فكيف يمكن أن يرانا المشاهد غير ذلك؟ نحن نعتز بثقافتنا وقيمنا وخصوصيتنا وتقاليدنا، ويمكن لنا كمذيعات أو مقدمي ومقدمات برامج أن نقدم كل أنواع البرامج دون أن نتخلى عن وقارنا والتزامنا بالزي الإماراتي.. ودون أن تتخلى المذيعة عن “الشيلة والعباءة”.
وفي نفس الوقت يمكنها أن تحافظ على “شياكتها” وأناقتها في هذه الإطلالة، لماذا أتخلى عن الزي الوطني الذي يميزني عن غيري من كافة الجنسيات؟ إنها ليست نظرة ضيقة عندما يجدني صورة حية لبلدي وثقافتي، وسأصل الى قناعته كمشاهد بمصداقية أكثر”.
وعن إطلالة المذيعة التليفزيونية تقول المزروعي: “المذيعة ومقدمة البرامج عنوان القناة التي تمثلها، وأعتقد أنه إذا كان الشكل والجمال ليسا مهمين ولا يأتيا في المرتبة الأولى عند البعض، فإنني أرى أن المذيعة ينبغي أن تتمتع بقدر من الجاذبية والقبول لدى الجمهور أو المتلقي، وأن تكون صاحبة “كاريزما” خاصة، تتزود بالمعرفة والثقافة الموسوعية والمعرفة، والحضور وسرعة البديهة والبشاشة والبساطة والابتعاد عن التصنع أو التكلف”.
إحساس بالذات
عن عملها وشهرتها وطموحها تقول شيخة المزروعي: “جميل أن أحقق خطوة - هي الأولى - على الطريق الذي أحبه، والأجمل أن تشعر أنك تحقق ذاتك من خلال عملك.. وأن يعرفك الناس ويتفاعلون معك بإيجابية وود وألفة، وهذا ما أراه في أي مكان أقصده.. صحيح أن إرضاء جميع الأذواق غاية لن تدرك، لكنني أستفيد وأحاول أن أطور من نفسي وقدراتي وذاتي قدر إمكاني، وأطور من ثقافتي ومعارفي دائماً، وأطمح أن أقدم أعمالاً وبرامج تترك بصمة مميزة عند الجمهور، أتمنى أن أسهم في عمل يتناول مشاكل وأفكار الشباب بشكل عميق ومدروس وموضوعي”.
وتضيف المزروعي: “لدينا أفكار عديدة.. وشبابنا لديه أفكار بناءة وإيجابية، هناك برامج عديدة نقتبسها من الإعلام الغربي، لماذا لا تكون أفكارنا وأعمالنا محلية؟ لماذا لا نستفيد من الأفكار والرؤى والجهود المحلية؟ لماذا لا ننمي هذه المواهب وهذه الطاقات المهدرة والمعطلة؟ نعم.. نستفيد من أي خبرات أو ثقافات أو تجارب عالمية أو خارجية.
الجانب الآخر
ترى شيخة المزروعي أن الأمر يبدو صعباً عندما يتحدث المرء عن نفسه، لكنها تقول: “أنا فتاة بسيطة وطموحة للغاية.. من مواليد برج السرطان.. حريصة للغاية.. أحب أن يكون كل شيء منظماً.. اجتماعية ومرحة وأحب الناس كثيراً، وأحب أيضاً أن يحبني الناس.. صبورة للغاية.. ومحاربة عنيدة.. أحب أن أثبت ذاتي دائماً.. وأحب أن أصل إلى الأهداف التي يقال عنها عادة “لا” .. أعتز بنفسي وبانتمائي.. وإذا كان من الصعب أو يستحيل إرضاء الناس، فلست مستعدة أن أرضي جميع الناس على حساب نفسي بالطبع.
لكن أحرص دائماً أن أرضي ربي.. ونفسي.. ثم الناس إن استطعت .. وأميل دائماً إلى العدل والحق، ولا أبالغ إن قلت إنني أقف أيضاً مع من ظلمني إذا كان الحق معه”.
المصدر: أبوظبي