19 ديسمبر 2010 19:47
الصورة تعني له الدهشة، تحمل تاريخا يقرأه الناس، والصورة في اعتباره كالشعر والكتابة لها معايير للنجاح تحددها، يحمل الفنان جاسم العوضي عتابا كبيرا على مجال التصوير في الإمارات معتبرا أن “الفراغ أفرز مصوري بوسترات، وليس فنانين مصورين يترجمون عمق الفكرة بطريقة إبداعية”. ويذهب العوضي الحاصل على الجائزة التقديرية 2010 في مجال الفنون التشكيلية فرع التصوير الضوئي أبعد من ذلك حيث تتحدد أحلامه المهنية والمعرفية في إنشاء معهد أو كلية متخصصة في الفنون البصرية.
يحلم جاسم العوضي، الفائز بالجائزة التقديرية 2010 في مجال الفنون التشكيلية فرع التصوير الضوئي، بإنشاء مؤسسة تعليمية متخصصة في الفنون البصرية. ويعتبر الجائزة تشريفا له كفنان مصور، وفخر واعتراف بالتصوير كفن، وأسهم العوضي في إبراز حركة التصوير من خلال نشر ثقافة التصوير بين جيل الشباب والسعي إلى تأسيس جماعات للتصوير وتدريبهم وتأهيلهم، وتأسيس جمعية الإمارات للتصوير كما أقام العديد من المعارض الخاصة، وشارك في معارض بالإمارات وخارجها، ونال العديد من شهادات التقدير والجوائز والأوسمة، ما أهله ليكون أميناً عاماً لجائزة سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم للتصوير، ونائباً لرئيس مجلس إدارة اتحاد المصورين العرب.
فراغ كبير
عن قراءته لميدان التصوير في الإمارات من الناحية الفنية والجمالية ومن حيث المصورين والصورة نفسها، يقول العوضي “التصوير موجود بحكم انفتاح الإمارات على العالم، وبحكم حرية التحرك والحصول على مواد إلكترونية وبحكم توفر القوة الشرائية، وكلها مقومات للنهوض بهذا المجال الفني الإبداعي”. مؤكدا أن مستوى الإمارات من حيث توفر الأجهزة الإلكترونية والخاصة تحديدا بالتصوير متوفرة على غرار الدول المتقدمة في العالم في هذا الميدان، وهذا يشكل إضافة لكل الموجودين على أرض الإمارات ومن يريد امتهان التصوير.
لكن يحمل الفنان العوضي عتابا على مجال التصوير في الإمارات من خلال قراءته للمصور والصورة في الإمارات وللمعارض. ويقول “كل ما يعرض من صور في نظري لا يحمل دهشة الصورة، ولا تحمل الصورة نفسها أية جمالية، وأغلب ما يعرض عبارة عن بوسترات (ملصقات)، خالية من عمق الفكرة، حيث يجب أن تكون هناك معايير للتقييم، ويجب أن تكون هناك معايير تحدد إطار التصوير، غير أن هناك فراغا كبيرا في الميدان، ما سمح لكثير من الناس امتهان حرفة التصوير دون الخضوع لأية مقاييس فليس هناك جهة لتقيم أعمال المصورين”.
ويضيف العوضي أنه يجب أن تتوفر معاهد وكليات تعمق الهواية، وكل من يرى في نفسه هذه الموهبة، ليكون مصورا محترفا، ويقول “الموهبة يجب تعميقها دراسيا وعلميا وفلسفيا، وهناك كلية الفنون الجميلة بالشارقة التي تقوم بهذا الدور، أما أن يأتي مصور لجمعية معينة أو لشخص ما لتقييم أعماله من خلال أربع صور، فهذا غير صحيح، حيث يجب أن تكون هناك جهة مختصة، فالصورة عبارة عن تاريخ بصري، والصورة صارت أخطر تأثيرا إعلاميا من الكتابة والشعر نفسه الذي يتم تقييمه”. ويتساءل “لماذا لا يتم تقييم الصورة؟ ولماذا هذه الحرية في الحركة التي تحيط المصورين وممتهني التصوير؟”
يقول العوضي “تكاليف التصوير والحصول على الأجهزة عالية جدا، فكل شخص راغب في هذا الفن يجب أن يعمق دراسته، دون أن يصرف أمواله دون تعلم ودون تعميق معلوماته، وحين يفعل ستتغير نظرته لكثير من الأمور، فالمجال مفتوح للتعلم، فالصورة عبارة عن فكرة، وتعبر عن عمق الشخص المصور نفسه وليست بوستر، وأنا لست ضد تجريب الكاميرا، ولكن أعاتب على من يصرف أموالا طائلة على شراء الأدوات ولا يعمل على نفسه بالتدريب وتعميق هوايته بالدراسة والعلم. يجب أن يحمل العمل فكرة ويشد الانتباه بل يدهش، ويهيج فكرة معينة عند القارئ، ولا يفضل أن تعبر صورته عبور الكرام، والصورة دهشة ومعلومة وفكرة في قالب فني جمالي”.
التعامل مع الصورة
والصورة بالنسبة للعوضي ترجمة للأحاسيس، ولما يشغل الفنان من أفكار وهواجس تعبّر عن موقفه الثقافي والجمالي والإبداعي، وإن تأمل القارئ صوره يراها تميل للصمت المتحدث بكل لغات العالم، والمفتوح على التأويل فهي تظل ملكا للجميع، والكل يمكنه تأويلها على نحو ثقافته وأفكاره وميوله، لكنها تظل صورا تحمل قيمة فنية وعمقا فكريا.
ومن صوره الأماكن المهجورة. وهناك اللوحة الفوتوغرافية المصنوعة عن قصد لجهة العناصر المتواجدة فيها سواء البشرية أو الطبيعية، والتي تتقلب على أوجه عديدة للتأويل لما فيها من مضامين فكرية، وثمة الوجه البشري في حالاته التعبيرية الخاصة التي تمتاز بدفق من المشاعر والتقطها بالأسود والأبيض.
جنائي وإبداعي
يقول العوضي إنه يراوح ما بين الصورة الجنائية وبين الصورة الفنية الإبداعية. إلى ذلك، يقول “هناك لذة في التعامل بين هذين الأمرين، حيث عملت خبيرا في مسرح الجريمة لأكثر من 18 عاما، ولا أنكر أن عملي الفوتوغرافي قد تأثر بعملي المهني، لكن حاولت التغلب على ذلك من خلال التدريبات التي خضتها في الإجازات الصيفية حيث كنت أدرس وأتعلم، حيث كنت أعمل في المختبر وكنت أتدرب لأكون محايدا تماما، وكان ذلك تحت إشراف ضباط وخبراء، ما أهلني لأن أكون جاهزا خلال بداية عملي، وذلك لنقل الواقع بصريا”. ويضيف “التجربة الفنية ربما تكون تجربة تقنية، ومن المواقف المؤثرة في مجال عمله في إطار تصوير الجريمة”. ويوضح “أتأثر كثيرا خلال تصوير مشاهد للأطفال، وأظن هذا لا يؤثر في وحدي، بل يثير أحاسيس كل إنسان، وذلك مؤلم كثيرا، إذ نتمنى أن نري الأطفال وضحكاتهم ووجوههم البريئة في ساحات اللعب والحدائق وبيوتنا، ولا نريد أن نراهم أبدا موتى لأي سبب ما، ويصادفنا كثير من الأطفال الموتى في الحوادث المرورية”.
وحول حصوله على الجائزة التقديرية، يقول العوضي “أصف حالتي كمن يستفيق من التخدير رويدا رويدا، فكلما تخلصت من تأثير البنج كلما شعرت بدهشة التقدير الكبير، فهذه الجائزة لا تخصني وحدي، بل هي تكريم وفخر لكل مصور في الإمارات، وتقييم للصورة كمادة مرئية، وهو اعتراف بميدان التصوير”. ويضيف “أرغب جاهدا في نقل الصورة الإماراتية للخارج بفنونها وأفكارها وعمقها، وترجمتها للخارج بصريا،
محطات في مسيرة جاسم العوضي
ولد جاسم العوضي بدبي العام 1961 وأنهى دراسته الثانوية بمدارسها، ثم سافر إلى أميركا حيث حصل العام 1985 على بكالوريوس الفنون تخصص تصوير فوتوغرافي بجامعة دايتون أوهايو، وفي العام 1995 حصل على ماجستير التصوير الفوتوغرافي من كلية الفنون بجامعة نوتينجهام ترنت بالمملكة المتحدة.
أولع العوضي بالتصوير منذ طفولته، ولقد أثرت علاقته بخاله الفنان المصور عبدالله قنبر أحد قدماء المصورين بالإمارات في زيادة ولعه بالتصوير ودفعه للتخصص فيه، وبناء على ذلك فقد عمل في التصوير بالمختبر الجنائي للقيادة العامة لشرطة دبي.
وفي العام 1987 عين رئيساً لقسم التصوير ثم مديراً لإدارة مسرح الجريمة، ثم انتقل خلال الفترة 2002 – 2004 لعمل مدير إدارة الأمن بسلطة المنطقة الحرة للإعلام والتكنولوجيا ليتولى خلال الأعوام 2004– 2007 التدريس أستاذاً للتصوير بكلية الفنون جامعة الشارقة، ليعود في العام 2009 خبيراً جنائياً كلف بالتصوير الجنائي والإشراف على إدارة الأدلة الجنائية بقيادة شرطة دبي.
الجائزة التقديرية لعام 2010
أعلنت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع أسماء الفائزين بجائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب في دورتها الخامسة 2010، والتي تتزامن كل عام مع احتفالات الدولة باليوم الوطني، وفي مجال الفنون التشكيلية فرع التصوير الضوئي فاز جاسم العوضي. وتشرف الفائزون بالجائزة التي تصل قيمتها إلى 200 ألف درهم مع شهادة تقدير وميدالية ذهبية تحمل شعار الجائزة واسم المكرم بتسلمها من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، في احتفال يحضره أصحاب السمو الشيوخ والمسؤولون في الدولة بمناسبة اليوم الوطني.
وتقدم هذا العام للفوز بالجائزة 13 باحثاً في مجال العلوم و4 متخصصين بالآداب و19 في الدراسات والبحوث و18 في الفنون التشكيلية و6 في فنون الآداب، وتمنح جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب سنوياً للمبدعين والعلماء من أبناء دولة الإمارات تكريماً لهم على إنجازاتهم في مختلف التخصصات الخمسة التي وضعت لها مع اختلاف الفروع داخل هذه المجالات سنوياً وتجددها وتنوعها.
المصدر: أبوظبي