يوم الاثنين الثاني عشر من يناير سنة 2004، كان يوم إسدال الستار على شبابي ووقوفي على مسرح الشيخوخة، فالعمر عندي مرحلتان فقط، شباب وشيخوخة. في هذا اليوم أصبح عمري 30 سنة بالتمام والكمال، أي مجرد رضيع لكن في مرحلة الشيخوخة.
منذ ذلك اليوم وأنا أعيش هاجس التقدم في العمر، وأصبحت عيوني تلتقط أي شيء له علاقة بالعمر، وأنفي لا تخطئ في هذا المضمار، ومن العلامات التي تثير قرفي وتذكّرني بشيخوختي والعد العكسي لعمري هو إعلانات التوظيف، التي تشترط في الغالب أن يكون سن المتقدم لشغل الوظيفة بين 18- 30 سنة، أي أن عجوزاً مثلي غير مرغوب فيه.
وأتذكّر كم أنا عجوز وقريب من شاطئ النهاية حين أتابع البرامج الوثائقية، السياسية بالذات، ففي سن العاشرة كنت أستمتع بصوت المذيع أحمد سالم، وهو يعلّق بصوته التاريخي في برنامج «حدث في مثل هذا اليوم» قائلاً: في مثل هذا اليوم من سنة 1967 حدثت النكبة العربية، وهي نكبة حدثت للعرب، قبل أن تطأ أقدامي أرض الحياة بنحو ثماني سنوات، ولو كنت موجوداً بين ظهرانيهم، لربما تدخلت وقلبت الأمور لصالحهم.
لكنني اليوم أشاهد هذه البرامج والمذيع يقول: في مثل هذا اليوم من سنة 2001 حدثت تفجيرات 11 سبتمبر، فأبحث عن جهاز التحكّم وأنتقل إلى قناة أخرى بسرعة، فأحداث سبتمبر التي أصبحت في ذمة التاريخ، حصلت حين كنت رجلاً متكامل الأضلاع. وهذا يعني أنني أنا أيضاً في ذمة التاريخ.
وأُصاب بالإحباط حين أرى صور أصدقاء أو زملاء دراسة في الصحف وقد أصبحوا أصحاب قرار، أو خبراء تُطلب آراؤهم؛ لأن المرء لا يصبح صاحب قرار أو شخصاً له أهمية إلا إذا عفّن في هذه الحياة وقطع شوطاً كبيراً من عمره، وأعلن مؤخراً أن نسبة المسنين في عام 2030 سترتفع إلى 19,4%. فقلت في نفسي: يبدو أنني سأكون ضمن الـ19%، أو على الأقل الكثير من أبناء جيلي هم المقصودون.
ويحدث هذا حين أتابع مباريات كرة القدم، وهي لعبة شبابية بامتياز، فليس هناك لاعب يجري في مثل عمري، ولا حتى إداري، وفي بعض الأحيان يكون حتى المدرب أصغر مني.
لكن الجميل في الأمر أن من أحسده على صغر سنه وحيوية شبابه و«تنططه» مثل القرود لا يلبث إلا سنوات قليلة يصبح بعدها هرماً مثلي ومن المعمّرين في الأرض، وقبل سنوات قليلة كان من حولي كتيبة من الشباب الصغار يعيشون أحلى أيام حياتهم، وقد دخلوا بحمد الله سن الشيخوخة أفواجاً، وبعد أقل من ثلاثة عقود سيدخل حتى خدّج هذه الأيام معنا في عالم الخرف.
والحمد لله أنني اكتشفت شيخوختي بنفسي، فأعرف صديقاً أخبرته فتاة في «المول» أنه عجوز، يقول: كنت أتسكّع في المراكز التجارية منذ أيام مراهقتي إلى ذلك اليوم، حين أخذتُ أنظر إلى فتاة وأحاول التودّد إليها كما كنت أفعل طيلة تلك السنوات، فصرخت في وجهي: عمرك أربعين وتغازل بنات الناس؟ يقول إن تلك الفتاة ذكّرته بما كان عنه غافلاً. لكنني هوّنت الأمر عليه، وقلت له إن سن الأربعين تساوي سن العاشرة لكن في مرحلة الشيخوخة.
أحمد أميري
Ahmedamiri74@yahoo.com