24 يناير 2011 20:28
برنامج «جريدة بلا ورق» الذي تقدمه قناة «أبوظبي الإمارات» بمعدل خمس حلقات أسبوعية، لا يزال يضخ الألق في أمسيات المشاهدين، ويضعهم على تماس حميم مع الفعاليات اليومية التي تشهدها دولة الإمارات عامة، وإمارة أبوظبي بشكل خاص، حتى أمكنه التحول مرجعية رئيسية، وشبه وحيدة، للمتابعين على تباين ميولهم واهتماماتهم، يطلِّعون عبره على النشاطات المتنوعة التي يزخر بها محيطهم، وينظمون أوقاتهم وتحركاتهم اعتماداً على مفكرته، مفكرة تستمد بنودها من وفرة المستجدات والمفاجآت الممتعة، المتواتر حدوثها على أرض الدولة وفق إيقاع لافت.
الإطلالة على مسار البرنامج من كواليسه توحي بالكثير من الثقة، خلية نحل استكملت جاهزيتها وها هي تترقب نتائج الجهد: على الشاشة يسيل عسل الكلام واثقاً، يتناوب على ضخه مقدما البرنامج، محمد الحمادي ورولان العمري، بتناغم مثير للاهتمام، التقارير المصورة تثري البنية المشهدية، وتعكس جهداً محترفاً يدرك أهل البرنامج مدى ضروريته لتمتين أواصر الصلة مع مشاهد متطلب، مشاهد لا يمكن للعلاقة معه إلا أن تسير بقدر من الحذر، فهو لا يبدي استعداداً للتنازل عن حقه في وجبة بصرية لائقة، وهم لا يظهرون أي استعداد أو رغبة في المساومة.
أبعد من النجاح
«النجاح صعب بلا شك.. لكن الحفاظ على النجاح أكثر صعوبة منه».. هكذا يبدأ عيسى الميل، مدير قناة «أبوظبي الإمارات»، المشرف العام على البرنامج، حديثه لـ»الاتحاد» ويتابع: «منذ البدء، أخذنا على عاتقنا مهمة ترسيخ الصلة مع المشاهد، وأن نكون نافذته على محيطه، ووسيلته للتفاعل مع هذا المحيط، لذلك كان علينا رصد الأنشطة المتعددة التي تشهدها الدولة، ومواكبتها بدقة لتقديم خلاصة أمينة للمتلقي الذي تعنيه الإحاطة بها وصولاً إلى التفاعل المجدي معها، بما يجعل برنامجنا حلقة وصل رئيسية بين الحدث وبين الناس المعنيين به».. يضيف الميل بعد لحظة استعادة للتركيز الذهني: «ثمة أصابع تقبض بشيء من العصبية على (الريموت كونترول)، تنظر أول مبرر للضغط على الزر وتحويل الصورة إلى مجرد ذكرى، فيما نحن نخوض صراعاً يومياً مع تلك الأصابع المتوترة، آخذين على عاتقنا تحدياً مستمراً في دفعها نحو الاسترخاء أمام ما نقترحه عليها، ونأمل أن يكون التوفيق حليفنا دوماً».
حكاية غد
يتوسع الميل في شرح خصوصية الموقف: «نحن وسوانا من العاملين في الحقل التلفزيوني، داخل الإمارات وخارجها، تواجهنا معضلة استقطاب المشاهدين عامة، والشريحة الشبابية بشكل خاص، فهؤلاء لديهم وسائلهم ووسائطهم التي يثقون بها، وينحازون لها، والتي تحد من تواصلهم مع الشاشة الصغيرة، ما يضيف إلى أعبائنا عبئاً إضافياً يتمثل في كيفية تيسير سبل التواصل مع هذه الفئة المهمة من فئات المجتمع، فئة تملك الزمن القادم، ولا يمكن للحاضر أن يحقق الانسجام مع ذاته إذا لم يكن على وفاق مع تطلعاتها.
إحاطة متقنة
من جهته، يقول مؤيد الشيباني، مشرف الإعداد: «مهمتنا تتمحور حول مقاربة نوعية متمايزة لكل ما تشهده الدولة من نشاطات على اختلاف مناطقها الجغرافية، وتباين اهتماماتها، والأمر لا يتعلق بتغطية عابرة للحدث بل يتعداها نحو إحاطة شاملة متمكنة، إحاطة مدركة لجوهر النشاط وحقيقة استهدافاته، وقد كان للتجربة الواسعة التي امتلكها فريق العمل أن ساعد على إنجاز المهمة بكثير من الإتقان، صار كل فرد من الطاقم المساهم في (جريدة بلا ورق) يدرك مسبقاً ما يجدر به فعله، هذه الاحترافية العالية نراها دليلاً إيجابياً وتباشير خير تعد بالكثير في المقبل من الأيام».
مقدم وشريك أيضاً
يبدو مقدم البرنامج محمد الحمادي واثقاً من بشاشة الملامح التي تتيح له قبولا عذباً من المشاهدين، لكنه لا ينوي الاكتفاء بذلك، فعملية التقديم هي إقامة صلة سحرية مع المتلقي تستلزم مواصفات شتى، سلاسة القول منها بمثابة المركز من الدائرة، لذلك هو يحرص بصورة فائقة على إدراك جوهر مهمته، والتي لا يمكن بأية حال أن تختزل إلى إطلالة واثقة وحضور مشع، يقول الحمادي إن خلف الفترة الزمنية القليلة نسبياً التي يمضيها أمام الكاميرا، تقف ساعات طويلة يستغرقها في البحث والتعمق بما يجدر به تقديمه إيفاء لحق المشاهد في المعرفة. يضيف: «أتلقى التقارير من فريق الإعداد فور تجهيزها، وغالباً ما يكون ذلك في وقت مبكر، ثم أعكف على دراستها ويكون لي نقاش مستفيض معهم حول نقاط عديدة، أقدم بعض الإضافات، ألفت نظرهم نحو بعض ما يكون قد فاتهم في غمرة الانهماك بالعمل، وفي النهاية أحرص على أن أكون شريكاً بمواصفات كاملة في الإنجاز وليس مجرد قارئ للنصوص».
تنوع وغنى
ليس بعيداً عن هواجس زميلها تقول المقدمة رولان العمري: «(جريدة بلا ورق) يعيش معي على مدار اليوم، فأنا مسكونة بهاجس الاطلاع، ومن حسن حظي أن البرنامج يحرِّض على ذلك، وعندما نستضيف شخصاً أجد نفسي مدفوعة للتعمق بجوانب اهتماماته كافة، حتى لا يفوتني ما أعتبره ثغرة تسيء إلى البرنامج وتحد من التكامل بين مختلف عناصره، ولما كان ضيوفنا متنوعين في استهدافاتهم الحياتية كان بدهياً أن أسعى لمجاراتهم في هذا التنوع المثري، وبعد فترة طويلة نسبياً مرت على تقديمي للبرنامج، أجد نفسي قد تمكنت من مهارات متعددة، وأصبحت مطلة على جوانب تحيط بحياتنا من اتجاهات شتى، وقد ساعدني ذلك في تعميق ثقافتي، كما وفر لي سبل تطوير رؤيتي المهنية لبرنامج «مجلس نساء» الذي أقدمه على المحطة نفسها».
تمايز الأسلوب
تشير رولان إلى إيجابية مضمرة في «جريدة بلا ورق»، أمكنها اكتشافها من موقعها كامرأة، وهي فائدة التحرر من صنمية الشاشة، ذلك أنه لم يعد سراً أنَّ هناك عادة سائدة متجسدة تلفزيونياً تحيل الوجوه المرئية، الأنثوية خاصة، إلى عناصر ديكور ناطقة متممة للمشهد، في حين توكل مهمة بناء الحوار، على اختلاف مستوياتها، إلى الجهة المعدة، هذه الصيغة، كما تقول رولان، وكما يمكن التأكد بسهولة من خلال الكواليس، قد تم نسفها في جريدة بلا ورق، حيث تدور الفقرات في سياق سجال متواصل بين من هو أمام الكاميرا ومن هم خلفها، يقترح هؤلاء صيغة للنقاش مع الضيف عبر «الأوتوكيو»، تاركين للمقدم أن ينتقي منها ما يراه ملائماً، ليضيف إليها ما يعزز الفكرة المنشودة، ولعلَّ في هذا النسق المهني ما يفسر تميز البرنامج، فالفكرة قد لا تكون جديدة، لكن التمايز في أسلوب مقاربتها يصنع الفرق.
تنويع إخراجي
الحديث عن «جريدة بلا ورق» لا يستقيم دون تناول الرؤية الإخراجية التي تعتمد في تحويله من نصوص ورقية إلى عمل مرئي يملك فرصة الإبهار، وفي هذا السياق يقول مخرجه خالد مصطفى أنه يعتمد التنويع في حركات الكاميرا تبعاً لخصوصية كل حلقة، كذلك هو يحاول إضفاء قدر من التعويض عن سكون الصورة في بعض الفقرات بمؤثرات ضوئية وتقنية تؤمن قدراً من الحيوية. ويشير مصطفى إلى أن التقارير المصورة خارج الاستوديو تسهم، إلى حد بعيد، في كسر النمطية المربكة لأي برنامج تلفزيوني، وإذا كانت هناك خصوصية معوقة تحكم البرامج المعتمدة على الحوار، فإن إمكانية تجاوزها قائمة شرط الاعتراف بها أولاً.
فراشة
يمر الوقت سريعاً في ضيافة البرنامج المصر على مسابقة الزمن، ها هما المقدمان محمد ورولان يشكران المشاهدين على إصغائهما، وها هي المنتجة سهير شقير تلملم أوراقها، متسائلة عما جرى التحضير له من حلقة الغد، حيث سيكون البرنامج في عهدة مقدمين آخرين لا يقلان عن زميليهما تمرساً، هما لينا القاضي ونايف العمري، تقول شقير إن السر الرئيسي الذي يكمن خلف حفاظ البرنامج على ألقه يتمثل في المحبة الصادقة التي تكنها أسرته له، والتي تتيح لهم أن يتعاملوا بمحبة مماثلة مع بعضهم البعض، فإذا حضر الود صار النجاح في عداد تحصيل الحاصل. لا تنفي سهير أنها تنتابها أحياناً «فوبيا» غياب الأحداث التي يعتمد عليها البرنامج، لكنها إذ تتذكر ظروفاً مماثلة وكيف أمكن التغلب عليها تعود إليها ثقتها بالعمل. هي تشبه عملها مع زملائها في كواليس البرنامج بدودة القز التي تحيط نفسها بالكثير من الخيوط حتى تترك للفراشة أن تجد طريقها نحو الملأ.
المصدر: أبوظبي