(الشارقة) - تعتبر إمارة الشارقة من أغنى إمارات دولة الإمارات العربية من حيث المباني الأثرية والتاريخية، إن لم تكن من أغنى المناطق في الخليج وشبه الجزيرة العربية، ويقع متحف الشارقة للتراث أو كما يعرف باسم «بيت النابودة» قديما، في قلب منطقة الشارقة التراثية، وهو يعد واحدا من أكبر المباني التراثية الشاخصة في دولة الإمارات، كما يحمل عبق وتضم محتوياته الحرف اليدوية وغيرها من الحرف المختلفة التي ترجع إلى حقبة كان السكان المحليون فيها يعتمدون على الصيد وتجارة اللؤلؤ فقط، إلى جانب التعرف على تطور التعليم والعملات وخدمة البريد المبكرة.
مصدر فخر
يهدف متحف الشارقة للتراث إلى عرض عادات وتقاليد وثقافة إمارة الشارقة الثرية والمحافظة عليها كمصدر فخر وإيحاء لأهالي الإمارات وزوارها، ولهذا يقوم المتحف باستمرار بتنظيم دورات عملية للأطفال وطلبة المدارس وبخاصة في فصل الصيف. في هذا السياق، تقول أمل المندوس، الأخصائية التعليمية في منطقة الشارقة للتراث، والتي أشرفت على إحدى الدورات للأطفال بمتحف الشارقة للتراث «خلال الدورات التي أقمناها للأطفال الصغار في متحف الشارقة للتراث، جعلناهم يتخيلون ويعيشون ويرسمون قصة حية مستوحاة من تراث دولة الإمارات، كما نأخذهم في جولة تفاعلية لكل غرفة من غرف المتحف، وفي كل منها أعطيناهم نشاطا متعلقا بطبيعة الغرفة نفسها، كغرفة الطب الشعبي التي يتعرفون أولا على مكوناتها وأدواتها عبر المشاركة الحية الممتعة وليس عبر التلقين، ثم نقدم لهم لوحات مرسومة تمثل دولة الإمارات كتبوا تحتها تعليقات شكلت في النهاية قصص قصيرة مثل قصة «الدواء الشعبي السحري»، وبعدها نقوم معهم بتشكيل الدمى الصغيرة من خلال ثني وتشكيل الملاعق البلاستيكية والأوراق التي شكلوا من خلالها عرائس صغيرة تمثل شخصيات قصة كتبوها معا».
وتضيف المندوس «كما نقدم لهم ورش تمثيل مسرحي بسيط لتراث دولة الإمارات بطريقة جذابة، حيث يقومون بتمثيل مشهد «حق الليلة» (الاحتفال بليلة النصف من شعبان)، عبر ارتداء إحدى الفتيات الصغيرات لبس الجدة الذي يتكون من الشيلة والبرقع والثوب الإماراتي (الكندورة المخورة/ أي الثوب المطرز على أطراف الأكمام والصدر)، كما جعلنا إحدى الفتيات تقوم بتمثيل دور الجدة وتوزيع الحلويات التراثية على الأطفال، وهي حلويات تحاكي الحلويات القديمة، وسط استمتاع الأطفال بترديد الأهازيج الشعبية التراثية الخاصة بهذه المناسبة». وتتابع «في جولة أخرى نتوجه بالأطفال إلى غرفة التعليم التقليدي «الكُتّاب» لتعليم القرآن، ليتعرفوا على مفردات وأدوات المكان مثل «المرفع» الخاص بحمل المصحف الشريف وغيره من أدوات التعليم في ماضي الإمارات، حيث يقوم أحد الأطفال بتمثيل دور «المطوع مرتديا البشت والغترة والعقال والكندورة والعصا، بمشاركة مجموعة من الأطفال الذين يقومون بتمثيل دور الطلبة والطالبات في الماضي عبر ترديد الآيات القرآنية وراء «المطوع»، وأخيرا نأخذ الأطفال إلى غرفة الأزياء التراثية، حيث يقوم أحد الأطفال بارتداء ثياب العريس، وتقوم إحدى الفتيات بارتداء ثياب وذهب العروس، بمشاركة الأطفال الآخرين الذين يمثلون دور الضيوف والمحتفلين بحفل الزواج، وقد وجدنا في هذه الطريقة في تعريف الأطفال بتراثهم وماضيهم، واحدة من أكثر الطرق إثارة بالنسبة للأطفال الذين يتحررون من جمودهم وينطلقون في المشاركة بروح مرحة وجريئة».
البيت المتحف
تعود ملكية البيت الذي تحول لمتحف الشارقة للتراث، للمرحوم عبيد بن عيسى بن علي الشامسي الملقب بالنابودة، والذي كان من أكبر تجار اللؤلؤ الذين كانوا يقيمون علاقات تجارية مع الهند وأفريقيا وفرنسا، وقد بني البيت أول مرة عام 1845م حيث سكن فيه النابودة وزوجته وأبناؤه السبعة، ويتكون البيت من ستة عشرة غرفة، ثلاث منها في الطابق العلوي فيما تقع بقية الغرف في الطابق الأرضي، وتتجلى في هندسة وتصميم هذا البيت مهارات المعماري القديم في مراعاته لشروط البيئة المحلية، وتأمين منافذ دخول الشمس والهواء إلى الغرف، فضلاً عن الاهتمام بالزخرفة المستوحاة من فن العمارة الإسلامية، وبني البيت من الأحجار المرجانية المجلوبة من البحر ومن الجص وباستخدام الأخشاب المجلوبة من زنجبار بأفريقيا، فضلاً عن الحصر والجريد المأخوذ من النخيل، وبعد أن هجره أهله تعرض بيت النابودة للإهمال قبل أن يأمر صاحب السمو حاكم الشارقة بإعادة ترميمه وإزالة الإضافات التي شوهته وتحويله إلى متحف للتراث، حيث أعيدت للمبنى صورته الأصلية وجرت الاستعانة بعدد من أفراد العائلة للحصول على التفاصيل الدقيقة للبيت أثناء عملية الترميم الذي جرى البدء به منذ منتصف عام 1990.
ويضم المتحف غرفة الأزياء الشعبية التقليدية وتعرض فيها الملابس والحلي المرصعة بالأحجار الكريمة، التي كانت المرأة تتزين بها قديماً، وغرفة الترميم وتحتوي على مجسم يوضح مراحل الترميم، إلى جانب معروضات عن مكونات البيت قبل الترميم، مثل باب بيت النابودة الأصلي وزخارف جصية وعمود وتاج وغيرها، مدعمة بصور للبيت قبل الترميم، وجزء من الغرفة يوضح مراحل الترميم ومكونات المبنى، وغرفة المراكب وهي خاصة بعرض سفن الخليج العربي وحياة البحر، وغرفة النخلة حيث كان للنخلة أهمية فائقة في حياة سكان الخليج، حين كانوا يعتمدون عليها في توفير حاجياتهم اليومية فيستغلونها في أغراض متعددة، فضلا عن الثمر الذي تعطيه ويستخدم في العديد من المنتجات الأخرى، وغرفة الألعاب الشعبية التي إضافة إلى عدد من غرف المعيشة المختلفة، ومجلس ومطبخ و(بَخّار/مخزن) وأنماط تراثية أخرى فريدة يستمتع الزائر برؤيتها، وكأغلب البيوت القديمة يحتوي بيت النابودة على (طوي/بئر) ويستمتع من يزور المتحف بالضيافة العربية الأصيلة حيث يستقبل الزائر بالترحيب الحار ويقدم له فنجان قهوة عربية وحبات من التمر.