السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قمة «فلاديفوستوك»... انطلاقة روسيا نحو الشرق الأقصى

قمة «فلاديفوستوك»... انطلاقة روسيا نحو الشرق الأقصى
8 سبتمبر 2012
يستعـد مينـاء فلاديفوستـوك الواقـع فـي أقصى الشرق والذي تستضيف فيه روسيا قمة هذا العام لمنتدى تعاون آسيا والمحيط الهادي الاقتصادي، ليصبح مركزاً رئيسياً لجهود روسية مكثفة نحو التكامل اقتصادياً وسياسياً مع دول شرق آسيا، على نحو متصاعد النشاط والأهمية. وقد استثمر الكرملين 21 مليار دولار أميركي استعداداً للمنتدى المقرر أن يستغرق أسبوعاً واحداً، وهي ميزانية تفوق بكثير ما تنفقه معظم الدول على استضافة الألعاب الأولمبية، وهو ما يستهدف غالباً تعزيز البنية الأساسية المتهالكة في فلاديفوستوك، المدينة ذات الستمائة ألف نسمة، والتي تتقدم في التوقيت موسكو بتسع ساعات. ولتحويل المدينة التي كانت فيما مضى مكاناً يصعب الوصول إليه، إلى موقع مؤتمرات عالمي الطراز، ينتظر أن يلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة خلال هذه القمة، ويتوقع أن يطرح خططاً روسية طموحة لإنشاء خطوط أنابيب وطرق برية وسكك حديدية عبر روسيا، يكون في مقدورها قريباً أن تربط بشكل مباشر اقتصادات الشرق الأقصى الصاعدة بأسواق غربي أوروبا. كما يتوقع أيضاً أن يبدي بوتين، بذكاء ومهارة، معارضة مبادرات الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً خطة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين دول المحيط الهادي، والمتمثلة في اتفاقية تجارة حرة بمنطقة المحيط الهادي، والتي قامت واشنطن بدعوة بعض الدول الآسيوية للانضمام إليها دون روسيا أو الصين. وتقول "أناستاسيا ميتروفانوفا"، البروفيسور في أكاديمية العلوم الدبلوماسية في موسكو التابعة لوزارة الخارجية الروسية، إنه "في القرن العشرين كان قلب مواجهة القوى العظمى شرقي أوروبا، أما في المستقبل فسيقع مركز المواجهة في شرق آسيا". ثم تضيف قائلة: "ستكون المنافسة بين العديد من القوى ليست مقصورة على روسيا والولايات المتحدة وستأخذ أشكالاً جديدة"، قبل أن تفصل في القول: "في قمة آبيك يمكننا أن نتوقع مبادرات جديدة من بوتين تهدف إلى مناهضة مساعي استثناء روسيا من منطقة آسيا والمحيط الهادي، ونحن ندرك أن الولايات المتحدة تسعى إلى حجز هذه المنطقة لنفسها". وبالطبع فلن يحضر الرئيس الأميركي أوباما هذه القمة، وذلك لانشغاله بأمور الاستعداد للانتخابات مع حزبه الديموقراطي وستنوب عنه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي تجري جولة في منطقة المحيط الهادي لطمأنة حلفائها في هذا الجزء من العالم حول استمرار دعم الولايات المتحدة لهم. وقد أصر الروس على عقد القمة في شهر سبتمبر، رغم علمهم بعدم إمكان حضور الرئيس الأميركي في هذا التوقيت تحديداً، بسبب أنه أجمل أوقات السنة في فلاديفوستوك. ويقول "جليب إيفانشيفلسوف"، نائب مدير "المركز الروسي لدراسات آبيك"، وهو أحد مراكز البحوث الحكومية: "في مطلع سبتمبر يكون جو فلاديفوستوك مشمساً ودافئاً، وهذا يتغير حتى في النصف الثاني من الشهر ذاته. إن الأمر لا يتعلق بأي اعتبار آخر سوى بالجو". ويضيف إيفانشيفلسوف: "لا يعتبر ذلك أمراً جسيماً، فهناك الكثير من الحالات السابقة التي لم يتمكن فيها كبار الزعماء من حضور قمة آبيك دون أن يكون في الأمر ما يستدعي تحليلات وتأويلات بعيدة". غير أن رؤساء ورؤساء الوزراء في معظم الدول الأعضاء في "آبيك"، سيحضرون لمشاهدة تحول فلاديفوستوك التي كانت في السابق قاعدة بحرية سوفييتية كبرى لا يسمح للأجانب بدخولها، وليسمعوا أيضاً الترويج الروسي لتعزيز التجارة والاستثمار والحوار السياسي. ويقول إيفانشيفلسوف:"كانت فلاديفوستوك، وبشكل أساسي، مركزاً عسكرياً، لكننا الآن سنحولها إلى مركز اقتصادي وتجاري رئيسي". ثم يضيف: "لا تزال روسيا في أطراف آسيا ولا تشكل سوى 20 في المئة من إجمالي التجارة الآسيوية. غير أن هذا الوضع سيتغير بعد قمة فلاديفوستوك؛ ذلك أن ثلثي مساحة أراضي روسيا تقع في آسيا، ولدينا الخط الساحلي على المحيط الهادي، والذي يعد الأطول من نوعه بين كافة الدول الأخرى، كما أنه لدينا حدود مع الولايات المتحدة في هذا الجانب أيضاً. هذه هي المنطقة الاقتصادية الأسرع نمواً في عالم اليوم، وتعتزم أن تكون جزءاً منها". بلغ حجم حركة التبادلات التجارية مع دول آبيك، لاسيما الصين بصفة رئيسية، حوالى 100 مليار دولار أميركي، أو حوالي 23 في المئة من إجمالي حركة روسيا التجارية خلال النصف الأول من هذا العام. هذا، وتبلغ تجارة روسيا مع أوروبا حالياً قرابة ضعف ذلك الحجم. ويقول مسؤولون روس إنهم يأملون في أن يكون ما يصل إلى 50 في المئة من تجارة روسيا مع الولايات المتحدة وآسيا في غضون بضع سنوات قادمة. إن استثمار روسيا الهائل في قمة فلاديفوستوك ما هو إلا دليل واحد على توجه روسيا ناحية الشرق. وهناك دليل آخر يتمثل في خطة بوتين لتطوير اتحاد أوروبي آسيوي يضم الجمهوريات السوفييتية السابقة، مع وجود روسيا في قلبه، وذلك بهدف استعادة بعض الزخم الاقتصادي الذي فقدته المنطقة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. كما تزيد موسكو انخراطها تدريجياً في منظمة تعاون شنجهاي التي يتمثل أعضاؤها في جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية السابقة، بالإضافة إلى روسيا والصين. وقد كبرت هذه المنظمة، والتي تشكلت في الأساس من خلال العمل على تسوية الخلافات الحدودية، لكي تتحول إلى منتدى اقتصادي، بل إلى ما يشبه تحالفاً أمنياً أولياً بين دوله الأعضاء. وفي شهر مايو الماضي، قام بوتين بترفيع مبعوث الكريملين الخاص في أقصى شرقي روسيا فيكتور أشاييف، بتعيينه أول وزير لتنمية شرق روسيا الأقصى، وأضحى أشاييف رجل روسيا المسؤول عن تحول السياسات إلى آسيا، وأخبر أشاييف صحفيين مؤخراً بقوله: "خلافاً لأوروبا المكبلة بالأزمات، تتطور منطقة آسيا والمحيط الهادي سريعاً، وتعتبر دول آبيك -بما فيها الصين- شركاءنا الاقتصاديين والسياسيين المهمين. نحن بصدد تطوير بنية أساسية هامة في مجال النقل والطاقة (في سيبيريا وأقصى شرقي روسيا) ونقوم أيضاً بإنشاء مؤسسات تجارية ومشاريع اجتماعية من جميع الأصناف". وقد جازف بعض الروس بانتقادهم التكاليف الهائلة لعقد فعالية مدتها أسبوع واحد، لن تعطي روسيا سوى بعض الوجاهة الزائلة، حيث ذهب معظم المبلغ الذي يزيد على 21 مليار دولار إلى بناء اثنين من الجسور المعلقة العصرية ومرافق مؤتمرات في جزيرة راسكي، وإلى تشييد مطار جديد ووصلة بين المطار والسكة الحديد. وقدرت الأوساط الروسية تكلفة استضافة القمة بنحو 200 مليون دولار بما يشمل عرض ألعاب نارية سخياً تبلغ تكاليفه 8,5 مليون دولار للحفل الختامي وحده. ويقول كيريل كابانوف رئيس اللجنة الوطنية غير الحكومية لمكافحة الفساد إنه رغم تفهمه لأهداف روسيا وتطلعاتها، إلا أنه من وجهة نظر المواطن الروسي تبدو ميزانية هذه القمة غير مبررة وغير شفافة. فريد واير محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كرستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©