6 سبتمبر 2012
يختزن مشروع ثقافة بلا حدود الكثير من الوعود الطامحة لتوسيع خارطة الاهتمام بالقراءة في المكان، والترويج للمطالعة الذاتية كفعل ثقافي وتنويري أصيل، ولكن هذه الوعود تحتاج أيضا لآليات ووسائل ومنافذ تخرجها من حيز التمني إلى حيز التحقق، ومن هامش الحلم إلى متن التواصل والامتزاج والتفاعل مع الشرائح الاجتماعية المختلفة من خلال طرق الأذهان والقلوب قبل طرق الأبواب، ومن هنا وإتباعا لهذا المنهج الحيوي في ترجمة الأفكار إلى وقائع، وتحويل الهواجس إلى ملامسات حارة وحية، انطلق مشروع ثقافة بلا حدود في إمارة الشارقة عام 2008 بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليكون المشروع معبرا مضيئا وقناة مشعة توصل الكتاب المغلق على معارفه إلى القارئ المتحفز لزيادة رصيده من الوعي والاستبصار والتفكّر، استنادا إلى أن الفعل الحضاري بات يتنفس حضوره الجميل في عاصمة الثقافة العربية التي طالما احتضنت الكتاب واحتفت به في معرض الشارقة الأشهر في المنطقة، والأكثر حميمية وألفة وإيمانا بالقيم الإنسانية الرفيعة المبثوثة بين دفتي هذا الكائن الورقي المفعم بالأخيلة والقصص والملاحم والعلوم والأنساق المعرفية العالية والرصينة.
تفاصيل
وللتعرف أكثر على تفاصيل هذا المشروع الكبير والطامح للوصول إلى كل بيت في إمارة الشارقة التقت “الاتحاد” براشد الكوس مدير مشروع ثقافة بلا حدود، والذي أشار بداية إلى أن فكرة هذا البرنامج الثقافي الضخم استندت وتشكلت ملامحها الأولى بناء على تصورات وتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، واعتمادا على رؤى الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة المشروع، حيث انبنى المشروع أولا ــ كما أكد الكوس ــ على الرغبة في توفير مكتبة صغيرة تكون نواة لمكتبة عائلية أوسع وأشمل، وإيصال مجموعة من الكتب المنتقاة يصل عددها إلى خمسين كتابا إلى كل أسرة في مدينة الشارقة وفي المناطق التابعة لها.
وقال الكوس “ولكن مع صدور مرسوم أميري من قبل حاكم الشارقة بإنشاء هيئة مستقلة للمشروع توسعت نشاطات المشروع واختصاصاته، حيث بتنا نقيم دورات وورش متخصصة حول القراءة وأهميتها الثقافية والإنسانية والعلمية في المجتمع الإماراتي، كما انطلقت من المشروع الكثير من المبادرات والفعاليات مثل المكتبة المتنقلة التي حملت مسمى مكتبة بلا حدود، وهي عبارة عن حافلة تضم ما يقارب الألف وخمسمائة عنوان، تجوب مدينة الشارقة والمناطق التابعة لها وتشارك في الفعاليات والمناسبات المختلفة، وتقدم خدمات الاستعارة لشرائح اجتماعية وأكاديمية متعددة”.
الترويج والتزود بالكتب
وأضاف “شاركنا من خلال مشروع ثقافة بلا حدود في الكثير من الفعاليات المحلية مثل معرضي الشارقة وأبوظبي للكتاب، وفي الفعاليات العالمية أيضا مثل معرض فرانكفورت ومعرض لندن للكتاب ومعرض باريس، وغيرها”.
وأوضح الكوس أن الهدف من هذه المشاركات الداخلية والخارجية هو شراء الإصدارات الحديثة، والتزود بمجموعة من الكتب بشقيها النوعي والعام، وكذلك الترويج للمشروع وتعزيز المكانة الثقافية للإمارات والشارقة من خلال توصيل رسالة للمجتمعات والحواضر الأخرى بأن هناك اهتماما من حكوماتنا المحلية بتنمية العنصر البشري الذي يعد ركيزة أساسية للمجتمعات المزدهرة والمتطورة.
وفي سؤال حول الإنجازات والمراحل الفعلية التي قطعها المشروع حتى الآن، أشار الكوس إلى أن هدف المشروع هو الوصول إلى اثنين وأربعين ألف منزل في إمارة الشارقة بمختلف مناطقها من أجل تزويدها بمكتبة وبعدد خمسين كتابا منوعا، وما تحقق فعليا حتى الآن ــ كما قال ــ هو تغطية عشرة آلاف منزل في مناطق مختلفة مثل: وادي الحلو وشيص ونحوة والحمرية والمدام وكلباء ودبا الحصن ومليحة وغيرها. واستطرد الكوس قائلا “قمنا في العام الماضي وفي الشهور السابقة بإقامة حملات إعلامية مكثفة من أجل الترويج لأهداف المشروع، مثل حملة: “صيفي مع كتابي”، وحملة:”لنقرأ لهم” التي سعت لتشجيع الآباء والأمهات كي يقرؤوا لأطفالهم الذين تتراوح فئاتهم العمرية بين صفر وأربع سنوات، لتحفيزهم وهم في هذا العمر المبكر على التواصل الذهني والبصري مع الكتاب”.
نوعية الكتب
وعن نوعية الكتب التي يتم منحها وتزويدها للأسر، أوضح الكوس بأنها كتب تتصف بالشمولية والتنوع، وتحمل عناوين ومضامين متعددة تسعى لإشباع ذائقة وتوجهات كافة أفراد الأسرة، مشيرا إلى أنها كتب تتضمن الشعر والأدب والقصة والرواية والتاريخ وأدب الأطفال والمعارف الدينية والعلمية والتربوية والفكرية والفنية بحيث تكون مفتتحا للقارئ وخصوصا الطفل في التواصل مع الكتاب ومع هواية القراءة وفتح أفق جديد أمام الأسرة لتنمية هذه الهواية مستقبلا والذهاب بشكل أكثر وأعمق بعد ذلك نحو خيار شخصي وثقافي محدد ومرتبط بذائقة قرائية خاصة ومتفردة.
وحول تجاوب الأسر وطريقة تفاعلها مع هذه البادرة الثقافية المهمة والجديدة في المكان، أشار الكوس إلى أن التجاوب كان كبيرا ومبهجا، ورأينا على أرض الواقع كيف أن أفراد الأسرة كانوا ينتظرون هذه الكتب بشغف، وأنها خلقت نوعا من الجدل والحراك الثقافي في الأسرة الإماراتية، وبين الأجيال المختلفة في البيت الواحد.
وأضاف الكوس بأن الكتب التي تم توزيعها كانت عناوينها مختلفة من بيت لآخر، من أجل تدوير هذه الكتب بين الأهالي، ولخلق نوع التواصل الثقافي والترابط الاجتماعي بين البيوت والأسر في الحي الواحد.
وأشاد الكوس في ختام حديثه بدور المؤسسات الحكومية والدوائر المحلية في مد يد العون للمشروع وتذليل العقبات التي تواجهها خصوصا فيما يتعلق بالمعلومات الإحصائية وتوزيع المناطق الجغرافية وعناوين الأسر، كما أشاد بدور العائلات نفسها التي جعلت هذا المشروع حيا ونابضا، وخلقت نوعا من الحماسة الذاتية لدى العاملين في المشروع كي يحققوا أهدافه الحضارية، وتغطية كافة الأسر والبيوت في الإمارة، وكذلك إضافة برامج وفعاليات جديدة ومبتكرة للمشروع في الأيام والسنوات القادمة.
المصدر: الشارقة