تعد مهمة تغذية الطفل من أكثر المهام التي تواجه الأم صعوبة لاسيما عقب التحاقه بالمدرسة، حيث تكثر مغريات الأطعمة غير الصحية بتأثير من الرفاق. وهنا تبرز مسألة توضيب حقيبة طعام مدرسية لتكون الحل الأمثل لتجنيب الطفل الوقوع تحت تأثير الأطعمة غير الصحة كالحلويات والعصائر التي تباع في المدرسة. غير أن نجاح الأم في ذلك يبقى مرهوناً بتقبل الطفل للطعام الصحي وطريقتها في تقديمه له لتضمن تناوله، حتى لا تكون سلة المهملات مصيره.
لا توافق المعلمة تهاني أحمد أبداً على ما يتناوله بعض الأطفال خلال الفسحة المدرسية، موضحة أن حقائبهم المدرسية تكاد لا تشتمل على الأغذية الصحية الضرورية لنموهم، مؤكدة أن أغلب الطلبة يتناولون خلال الفسح حلويات وعصائر جاهزة، ومنهم من يفضل «الشيبسي» والبسكوت، لافتة إلى أن ذلك مضر بصحتهم ويعيق نموهم الطبيعي. وتشير إلى أن الأهل يجب أن يولوا أطفالهم في هذه السن عناية خاصة في الجانب المتعلق بالتغذية والمرتبطة بحقيبة الطعام، سيما وأن أغلب الطلبة يهملون وجبة الفطور.
هاجس مؤرق
تبدي الأمهات قلقها من عدم رغبة أولادها في تناول الفطور وعزوفهم عن ذلك، وتراجع وزنهم خلال الأيام الدراسية، وتلفت بعضهن إلى أن أطفالهن يرفضون تناول بعض الوجبات الغذائية التي تتقلص إلى اثنتين فقط خلال اليوم الدراسي، بحيث أصبحت تناول الطعام داخل المدرسة يشكل هاجساً للأمهات ويؤرق الكثير منهن، ويبعث فيهن تساؤلات عديدة بكيفية تناول أطفالهن لوجباتهم اليومية، وما يجب أن تحتويه حقيبة الطعام.
في هذا الإطار، تقول جواهر الخالدي، موظفة وأم لطفلين، إن ضيق الوقت في فترة الصباح، وعدم وجود الرغبة في الأكل من الأسباب الحقيقية وراء إهمال وجبة الإفطار، مؤكدة أن دوامها الصباحي يعتبر عائقاً أمام تعويد أطفالها الفطور الصباحي، وتعوض ذلك بملء حقيبة الطعام بأنواع مختلفة من الفواكه المقطعة مكعبات، وبعض العصائر، والخبز، موضحة أن ذلك غالباً ما يرجع للبيت ليعرف طريقه إلى سلة القمامة. وتبدي الخالدي قلقها من تأثير هذا النقص في تناول الوجبات على أطفالها، موضحة أنها تحاول تعويض ذلك بعد العودة من المدرسة، لكن تقول إنها لا تستطيع خاصة أن أبناءها يرفضون تناول الأكل مباشرة بعد دخولهم البيت مباشرة. وتضيف: «أحاول أن أضع مأكولات متنوعة داخل الحقيبة، مع مراعاة تغيير هذه الأصناف من يوم ليوم، لكن الغريب في الأمر أنهم يعودون بأغلب ما وضعته لهم، واكتشفت أنهم يكتفون بتناول بعضه فقط، ويشاركون أصدقاءهم وجباتهم التي تتكون من البسكوت والشيبس والعصائر الجاهزة، وخاصة فترة تواجدهم في الحافلات نهاية الدوام المدرسي».
مشاكل صحية
عن بعض التساؤلات وتخوف الأمهات، وما يجب أن تحتويه حقيبة الطعام المدرسية، تقول الدكتور سمير سامي، أخصائي علاج السمنة، ومدير مركز الرجيم الإماراتي الياباني، إن الحل في المقصف المدرسي والمتابعة وتواجد مشرفين وقاعات أكل في المدرسة، بدل تناول الأطفال لوجباتهم في الساحات، مؤكداً أن حقيبة الطعام المدرسية تختلف من طفل لطفل، مشدداً على ضرورة مراقبة صحة الطفل وتقييمها، ومن ثم معرفة ما يجب أن تحتويه الحقيبة.
وينصح سامي بالتمر، لكن مع مراعاة أطفال السمنة والسكري، ويحلل سامي آراء بعض الأمهات، ويقول إن حقيبة الطعام يجب أن تكون مدروسة، مؤكداً على وجبة الفطور التي يهملها الأهل والأطفال. ويضيف «يجب ألا تجهز الحقيبة المدرسية بناء على مزاج الطفل أو مزاج الأم، بل يجب أن تختلف من طفل لآخر حسب تقييم يخضع له ووضعه الصحي، حيث هناك طفل مصاب بالأنيميا، وطفل لديه نقص في بعض الفيتامينات، وآخر مصاب بالسكري، وغيره يعاني من الإمساك، لهذا يجب أن تكون الحقيبة مدروسة، ومتنوعة.
ويوضح «من جهتي أميل لوجبة الفطور وهذا مدروس علمياً، بحيث تساعد على التركيز طوال اليوم، كما يجب على الطفل تناول وجباته كاملة»، موضحاً أن هناك دراسات أجريت على أطفال المدارس تتحدث عن ضرورة إيجاد مختص في التغذية في المدرسة لأهمية ذلك، وتأثيره على نمو الأطفال وذكائهم وتركيزهم. ويضيف: «حقيبة الطعام المدرسية تقي الطفل من المشاكل الصحية، وأرى أنه من الضروري متابعة الأم للحقيبة المدرسية بعد العودة من المدرسة، ومن المهم أيضاً مراعاة طريقة حفظ هذه الأطعمة». ويشرح «إذا أخذنا تجربة الدول المتقدمة في هذا الجانب فإننا نجد أنهم يولون عناية قصوى لنوعية الطعام الذي يتناوله الطفل في المدرسة، كما نجد أن موضوع التربية الغذائية يدخل ضمن المنهاج المدرسي، ويدرس لما له من أهمية كبيرة». وينصح سامي المعلمين والأهل برفع وعي الأطفال بالتغذية السليمة لتحقيق نمو صحي وذهني. ويقول إن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأم في كيفية تحضير حقيبة الطعام المدرسية لطفلها، من حيث الطعام المناسب والصحي، واختيار الحقيبة الصحيحة لحفظ الأطعمة لساعات داخل الحقيبة من دون أن تتلف أو تفسد قبل تناولها، ومن الضروري أخذ الحيطة والحذر من ناحية نظافة الحقيبة نفسها ليكون حفظ الطعام داخلها آمناً وصحياً، موضحاً أن الموضوع تلزمه متابعة ومجهود للحفاظ على صحة الأطفال.
التنويع مطلوب
تقول سعدية يحيى، ربة بيت أم لأربعة أطفال، إنها تحاول ما أمكن التنويع في حقيبة الطعام المدرسية، لافتة إلى أنها تعمل وفق نظام وتخطيط، بحيث تصر على ذهاب أولادها للنوم مساء على الساعة الثامنة مساء، ثم تجهز فطورهم الصباحي وتجلس بجانبهم لتناوله. وتضيف أنها عودتهم بشكل كبير على تناول العصائر الطازجة صباحاً، لافتة إلى أنها تفضل عصير التمر مع الحليب لاحتوائه على أهم العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل خلال الفترة الصباحية، مشيرة إلى أن حقيبة طعام أبنائها تشتمل على خبز مع جبة ودوائر خيار، وتفاح مقطع، وجزر صغير، وعلبة حليب صغيرة، كما تحتوي على مكسرات وبعض الفواكه المجففة. وتضيف «أحاول أن أنوّع في الحقيبة، كما أحثهم على تناول الطعام وإظهار أهميته، كما أبعدهم ما أمكن عن تناول البسكويت، والعصائر الجاهزة وأحاول إظهار مضارها مع صعوبة حصر هذا الموضوع، خاصة أنهم يتواجدون في بيئة مفتوحة، ويمكن أن يتبادلون بعض الأطعمة مع زملائهم في المدرسة، إذ هناك من يزوده أهله بأنواع مختلفة من العصائر والشيبس والسكاكر والبسكويت، وهذا يعيق بعض الشيء ما أحثهم عليه».
في حين تقول شمسة سعيد، أم لثلاثة أطفال، إنها تحاول ما أمكن جعل حقيبة طعام أبنائها متكاملة من حيث احتوائها على كل العناصر الغذائية، مع عدم حرمان الصغير مما يتناوله زملاؤه، موضحة أن الأطفال في المدرسة وعن غير وعي من الأهل يتناولون كل ما يقع تحت أيديهم من بسكوتات وعصائر طازجة، لافتة إلى أن الصغار بطبيعتهم يميلون إلى هذه المأكولات، والنتائج التي يمكن أن تترتب على النقص في تناول الوجبات مستقبلاً.
في المقابل، تكتفي سميرة محمد، أم لثلاثة أبناء، أنها تكتفي بإعطاء أبنائها مصروفهم اليومي، وهم بدورهم يقومون بشراء ما يلزمهم من مقصف المدرسة، موضحة أنه يوفر كل احتياجات الطلبة، من فواكه، وعصائر ومياه، ومعجنات، لافتة إلى أن المقصف يراعي التنوع ويعمل على تقديم كل ما يلزم في ظروف صحية جيدة. وتشير إلى أنها تعاني من جانب آخر وهو حب أبنائها للمأكولات السريعة، ومشروبات الغازية خارج أيام المدرسة، موضحة أنها تلبي طلباتهم هذه خلال العطلة المدرسية، مؤكدة أنها تعرفهم بمخاطرها، لكن لا تستطيع ضبطهم في هذا المجال خاصة وأن سنهم تجاوز مرحلة المراقبة إلى درجة دقيقة.
دراسات وأبحاث
قدمت الدكتورة فدوى المغيربي، رئيس قسم علم النفس والإرشاد في جامعة الإمارات ضمن محاضرة، دراسة مُقارنة حديثة نُشرت في مجلة «علم الأوبئة والمجتمع الصحي» سلطت الضوء على مقدار ما يبذله الآباء من جهود لجعل أبنائهم يتبعون أنظمةً غذائيةً صحيةً، وبينت كيف أصبح إقناع الأبناء بتبني نظام غذائي صحي مسألةً صعبة المنال وهدفاً لا يُحققه إلا المُناضلون الحقيقيون من الآباء.
وقارن باحثون من كلية جون هوبكنز بلومبرج للصحة العامة في هذه الدراسة خُلاصات 24 دراسة سابقة حول تأثير الآباء على خيارات أبنائهم وعاداتهم الغذائية كانت قد أُجريت على فئات سُكانية مختلفة في أنحاء متفرقة من العالم خلال الفترة ما بين 1980 و2009، فوجدوا أن تأثير الآباء على أبنائهم يضعف ويتلاشى مع الوقت. كما وجدوا أن تأثير الآباء الأميركيين على الخيارات الغذائية لأبنائهم وتوجيههم فيما يخص التقليل من تناول السعرات الحرارية والدهون أقل وأضعف من تأثير آباء نُظرائهم من البلدان الأخرى.
ويقول الدكتور يوفا وانج، المشرف على هذه الدراسة، إن «ضعف تأثير الآباء على الأبناء يعود إلى تدخل عوامل خارجية مركبة عديدة في قرارات الصغار وأنماطهم الغذائية، في حين أن البيئة الأُسرية لا تلعب إلا دوراً جزئياً يكاد يكون هامشياً إذا ما قورن بالتأثيرات الأخرى». ويضيف «لذلك فإنه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام إلى مدى تأثير العوامل الأخرى على خيارات الأبناء الغذائية مثل المدارس وبيئة الأكل المحلية، وتأثير الأصدقاء والأقران، واللوائح، والتشريعات الحكومية التي تُنظم نوع الوجبات في المدارس وجهات مراقبة سلامة الأغذية، والبيئة الاستهلاكية العامة على نطاق واسع، والتي أصبحت متأثرةً إلى حد كبير بعمليات إنتاج المواد الغذائية وتوزيعها وتسويقها».