6 ديسمبر 2010 19:50
انتشرت منذ مطلع القرن الماضي بيوت الاسمنت والحجر في الإمارات التي كانت تزدان ببيوت سعف النخيل وبيوت الطين، نظراً لوفرتهما في المنطقة وسهولة التعامل معهما كمواد خام قد لا تتطلبان مجهوداً كبيراً خلال عملية البناء. كانت الأبنية الحجرية قبل ذلك تقتصر على بيوت الحكام والحصون وأبنية أخرى قليلة. إلى أن ساهم قطاع الإبحار التجاري والاحتكاك مع الجوار الجغرافي في انتشار بناء البيوت الحجرية التي يدخل في تركيبها المعماري الحديد والزجاج وغير ذلك من المواد.
كانت بيوت الشعر “الخيام”، وبيوت سعف النخل “العريش” وبيوت الطين، ثم بيوت الحصى والحجارة -الأحدث نسبياً- دور الأجداد التي ضمت بين حناياها تفاصيل حياتهم اليومية، وأخفت جدرانها القماشية أو السعفية أو الأسمنتية أفراحاً وأحزاناً عبر الزمن الذي قضوه في ظل ظروف معيشة قاسية.
توثيقاً للتراث الإماراتي وحفظ جميع ما يتعلق بهذا التراث في ظل النمو الكبير الذي تشهده الدولة في كل المجالات ومن بينها المجال العمراني؛ تقوم أندية وجمعيات التراث في الدولة بإنشاء بيوت الشعر والعريش والطين والحجر ضمن متاحف أو قرى تراثية تحفظ هذا التراث. خاصة أن النهضة الشاملة والتطور العمراني انعكسا على عدد البيوت التقليدية وأصبح من النادر جداً مشاهدتها إلا في الأحياء القديمة جداً والتي تقوم هيئات السياحة والآثار في الدولة بترميمها.
النخلة المباركة
كان بيت الشعر “الخيمة” يحاك من شعر الماعز وصوف الغنم الذي يخلط ويغزل ويبرم ثم يطوى إلى دري (شكل كروي). وهو بيت البدو يتم بناؤه في الصحارى ويعتمد كذلك على الحبال والأوتاد، ويسهل نقله من مكان إلى آخر.
أما بيوت “العريش” فتبنى من جريد النخلة وسعفها وفروعها وخشبها، وكانت الغرف تتخذ غالباً شكل المربع وأحياناً المستطيل، ولها باب صغير للدخول إليها ونوافذ صغيرة. وكانت تغطى في الشتاء بما يسمى”طربال” قماش من القطن والنايلون لمنع تسرب مياه الأمطار.
يقول الوالد عبدالله القمزي- استشاري التراث في “نادي تراث الإمارات”: “يتألف بيت العريش من “غرفة العريش” الغرفة الرئيسة، تصنع من خشب الجندل وتستند إلى أربعة أعمدة من الخشب تربط بالحبال، ثم يُغطى السقف والجدران بالجريد والسعف. أما “الليوان” فهو غرفة مرتفعة عن الأرض قليلاً، مسقوفة بالخشب لها باب و”درايش” لجلب الهواء. يقام فوقه “بارجيل” ليجلب الهواء إلى داخل السكن، أما “المجلس” فله شكل المستطيل ومزود بحصائر وأرائك، يتوسطه مصب ودلال وفناجين القهوة. أما المطبخ، فيقع في إحدى زوايا المنزل بعيداً عن غرف المعيشة ويعتبر مخزناً لأدوات المطبخ. وهناك “الطوي” بئر الماء بجوار المطبخ ويستخدم ماؤها في التنظيف والاستحمام. أما حظيرة الحيوانات والدواجن فتكون في زاوية المنزل”.
ماء وتراب
في مرحلة لاحقة لبيوت العريش، ظهرت البيوت الطينية التي بنيت من مزيج الماء والتراب تارة ومن الطين والتبن والطوب الخفيف، وسطّرت تلك البيوت بدورها بعض الشقاء الذي عانى منه الأجداد خلال حياتهم قبل ظهور النفط.
وكانت تلك البيوت تتشابه من حيث فكرة البناء وتوزيع الغرف مع البيوت التي ظهرت بعد ذلك أي بيوت الحجر. يوضح ذلك التشابه مبارك البريكي- اختصاصي إنشاءات أبنية وقرى تراثية، ويقول: “كانت البيوت الحجرية التي ظهرت بداية في العين وأبوظبي ودبي، تشبه إلى حد كبير البيوت الطينية، فلها ذات شكل الغرف مربع أو مستطيل، وذات التوزيع كغرف معيشة ونوم ومجلس. لكن الجديد تمثل في إيجاد مبنى أصلب وأكثر صموداً وله نوافذ حديدية أو خشبية أو زجاجية. حيث يضم البيت الواحد غرفة أو اثنتين ومجلسا، وفي بعضها أربع غرف، يسكنه رب الأسرة وزوجته وأبناؤه غير المتزوجين والمتزوجين”.
يسترسل البريكي مضيفاً: “الغرفة الرئيسة هي “المعيشة” عبارة عن حجرة مربعة تتميز بوجود باب صغير في وسط أحد الجدران الأربعة إضافة إلى دريشة التهوية وفتحة “قمري”. أما حجرات النوم فكانت تبنى في الطابق الأول للتخفيف من وطأة الحر، وتتوفر فيها “الدرايش” والأشكال الجبسية، ويقام فوقها بارجيل لجلب الهواء وتبريد الحجرة. وهناك الدهليز يمتد حول سطح البيت وتكثر فيه النوافذ الأمامية أو فتحات تشبه الدرايش. أما “المجلس” فيكون في الطابق الأرضي ويمكن الدخول إليه من باب البيت الخارجي، وثمة باب يدخل منه سكان البيت، يضم إلى جانب الحصائر والأرائك، منقل القهوة العربية وصينية الدلال وفناجين القهوة، وبعض أنواع الحلوى المحلية المصنوعة من التمور”.
نماذج مطابقة
تنتشر اليوم من خلال “نادي تراث الإمارات” في أبوظبي، والبستكية في دبي، وهيئات السياحة والآثار في إمارات الدولة نماذج من هذه البيوت الأربعة بدءاً من الخيمة “بيت الشعر، مروراً ببيت العريش وبيت الطين وصولاً إلى بيت الحصى الحجري، يقول في ذلك إبراهيم الحمادي- مدير القرية التراثية بأبوظبي: “يحظى زوار القرية من أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها والسياح بمشاهدة نماذج مختلفة من البيوت القديمة ضمن حي قديم مخصص لغرض عرضها، حيث ترفق مع بيوت الحصى كافة مرافقها الحمام والمطبخ يقعان خارج محيط البيت وداخل السور.
أما “البخّار” فيقع بالقرب من المطبخ، وفيه تحفظ المؤن الرئيسة، مثل الأرز والطحين والسمن والتمر، فيما تشترك عدة بيوت في طوى الماء الواقع قبالة بيوتهم. وكان يقام سور للبيت وتفتح فيه بوابة رئيسة تسمى “الدروازة” وهي مرتفعة بدكة أو اثنتين لمنع تسرب مياه الأمطار والحيوانات الزاحفة إلى البيت. ويمكن لكل الزوار اختبار تلك البيوت كأن يجلسوا في بيت الشعر أو العريش أو مجلس بيت الطين أو بيت الحجر، ويستخدموا أدوات ومستلزمات تلك البيوت التي تعود بنا إلى زمن الأجداد.
البيوت الأربعة
انطلاقاً من أهمية الحفاظ على التراث المعماري والتقليدي للدولة أصدر بريد الإمارات مجموعة من الطوابع الخاصة توثق لأكثر أنواع البيوت التقليدية انتشاراً في الدولة. وتضمنت المجموعة أربعة طوابع من فئات نقدية متعددة،
يحمل الطابع الأول صورة بيت العريش والذي يتكون من أغصان النخيل وخشب الجندل والحبال.
أما الطابع الثاني فيحمل صورة بيت الطين المصنوع من الطين والتبن، والمسقوف بالطين والجندل.
ويحمل الطابع الثالث صورة بيت الحصى الحجري الذي يبنى على شكل مستطيل ويتكون من الحجارة والحصى والأسمنت.
ويحمل الطابع الرابع صورة بيت الشعر “الخيمة” المبني من شعر الماعز وصوف الغنم والحبال والأعمدة الخشبية، يتم بناؤه في البوادي.
المصدر: أبوظبي