دبي (الاتحاد)
فيما تستعد مبادرة «صنّاع الأمل» لتتويج أبطال صناعة الأمل العرب في دبي يوم الخميس 20 فبراير الجاري، وبعد أن استقبلت دورتها الثالثة أكثر من 92 ألف مشاركة من 38 دولة، تتوالى فصول القصص الملهمة التي ترشحت هذا العام لتقدم الوجوه المشرقة للعمل التطوعي والخيري والإنساني العربي في مختلف مسارات التنمية من البناء والتعليم والصحة والبيئة والإغاثة وتمكين المجتمع. هذه القصص التي بحثت مبادرة «صناع الأمل» التابعة لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، عن أبطالها في مختلف أرجاء الوطن العربي الكبير، تقدم اليوم لأبنائه نماذج يحتذى بها لأفراد أصبحوا منارات في مجتمعاتهم.
«البشندي» قرية بلا بطالة
أول الغيث قطرة؛ هي خمسة قروش شهرياً، لا ترهق أحداً، لكنها تتجمع معاً قطرة تلو أخرى لتحدث فارقاً حقيقياً في تنمية قريتنا.
هكذا تكلّم المواطن المصري عبدالسلام سنوسي أمام أبناء قريته البشندي قبل أكثر من أربعين عاماً، لتصبح اليوم قرية بلا بطالة وتوفر فرص العمل والتنمية لسكان القرى المجاورة بالوادي الجديد بجمهورية مصر العربية.
الفكرة انطلقت عام 1979 عندما اقترح عبدالسلام على أهالي قريته إقامة جمعية خيرية لتنمية القرية، حيث يقوم كل مواطن بدفع 5 قروش شهرياً للمساهمة في تحقيق رأسمال ثابت للجميع. المبدأ كان بسيطاً؛ قليل مستمر أفضل من كثير منقطع، والاستمرارية في المساهمة هي الضمانة.
اليوم وصل رأسمال الجمعية الثابت إلى أكثر من 5 ملايين جنيه، عدا عن المساهمات والتبرعات المادية والعينية التي تتدفق على الجمعية في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية.
وبعد أن بدأت الجمعية على نطاق محدود بفتح الباب لسيدات القرية لتعزيز دخل الأسر بالخياطة والتفصيل، تحولت إلى مشاريع كبيرة لصناعة السجاد والكليم المصري من المنسوجات اليدوية والصوفية المطلوبة محلياً وعربياً.
ومع السنوات، توسعت الجمعية لتقيم في القرية مزرعة لتربية 1000 رأس من الأغنام والماعز كمشروع ثروة حيوانية لتوفير المادة الخام لصناعة السجاد والكليم، وتفتح مزارع للأبقار، لتوفر فرص عمل لكل سكانها وأبناء القرى المحيطة بها وتصبح قرية بلا بطالة.
وتوالت المشاريع التنموية للجمعية حتى وصلت إلى 17 مشروعاً تشعبت في كافة مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والبشرية، أبرزها معمل السجاد والكليم، ومطحن الغلال، والمكتبة الثقافية، ونادي الطفل، ومشروع تدوير المخلفات والنفايات، ووحدة صناعة الأسمدة، ومكتب تحفيظ القرآن الكريم، ومركز التدريب المهني المتخصص في الخياطة والتفصيل، ومشروع تربية الأبقار والأغنام، ومزرعة الموالح، ومشروع الصرف الصحي.
واليوم يأمل عبدالسلام الذي أصبح في عقده السابع من العمر أن يتواصل نمو الجمعية التي تعهدها مع أهل قريته طوال 41 عاماً حتى أصبحت نموذجاً في العمل التنموي المستقل الذي يقوم على سواعد وعقول ومساهمات أبناء المكان وأهله.
زهرة العوفية.. من علّمني حرفاً
من علّمني حرفاً أراني العالم من دفتي كتاب أو ضفتي موسوعة أو جناحي معجم، وجعلني أحلّق بالمعرفة إلى آفاق أرحب وأبني بها مستقبلاً أجمل، فكيف لا أقوم أنا بدوري ومسؤوليتي في تعليم أهلي ومن حولي من أبناء مجتمعي ووطني؟
كذلك فكّرت السيدة العُمانية زهرة سالم العوفية قبل 12 عاماً حين رأت أبناء قريتها ينزحون نحو المدن لاستكمال تعليمهم وإيجاد فرص العمل. فقررت أن توظف وقتها وتعليمها في مشروع يعود بالنفع على أبناء القرية ويمكّن أبناءها علمياً ومعرفياً، وكانت بداية مشروعها «محو أمية أبناء قريتي مسؤوليتي».
وبعد أن انطلق أبناؤها إلى متابعة دراساتهم العليا ومساراتهم المهنية، باشرت عملها في مشروعها مع 20 طفلاً من أبناء الجيران تعلّمهم القرآن الكريم والحديث الشريف والآداب والعلوم الاجتماعية، وتتابع تطورهم التربوي بالأنشطة المفيدة في العطلة الصيفية.
انتقلت زهرة بعدها إلى مساعدة الأميّات من سيدات القرية على تعلّم أساسيات القراءة والكتابة، وأصبح سكان القرية يدفعون بأبنائهم لبيت زهرة لتفتح أمامهم آفاق العلم والمعرفة حتى وصل عدد طلابها إلى 100 طالب وطالبة. وصارت بعدها تتردد على القرى النائية والجبلية تقطع المسافات نحو الطلاب فيها تتردد عليهم وتتفقد أحوالهم وتعمل على تعزيز قدراتهم المعرفية وتنمي لديهم مهارات التعلّم الذاتي. ومن ثم انضمت إليها فتيات من تلك القرى يتطوعن بأجور رمزية للمساهمة في المبادرة التعليمية، حتى أصبحت المبادرة تضم 24 فصلاً دراسياً في 24 قرية ووصل عدد المستفيدين منها إلى 500 فرد في العام.
زهرة الحاصلة على المركز الأول في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي في سلطنة عُمان عام 2018، حلّت في قائمة أفضل عشر شخصيات نسائية رائدة ومؤثرة في الوطن العربي خلال مؤتمر دور المرأة العربية في تنمية المجتمع عام 2018، وهي اليوم رمز عُماني وعربي للمرأة المبادرة القادرة على المساهمة الفاعلة في تنمية وطنها ومجتمعها بمجهود فردي واندفاع شخصي قل نظيره.
أملها اليوم أن تصل المبادرة التي أطلقتها إلى مختلف أرجاء سلطنة عُمان، وأن تنقل هذا النموذج إلى البلاد العربية وبلاد العالم المتطلعة نحو التنمية المستدامة بقدرات أبنائها وطاقاتهم ومساهماتهم.
زهراء حسن.. «الأمل» للأيتام
لم تكن السيدة الصومالية زهراء حسن فرح لترى الأطفال الأيتام يعانون جراء إحدى المجاعات التي أصابت أرضها عام 2010، وتقف مكتوفة الأيدي. كيف وهم مستقبل البلاد وموطن الأمل ومحمل الطموح؟
فكرت أولاً بتقديم الطعام واللباس للأطفال، لكنها أرادت أن تقدم لهم شيئاً مستمراً مستداماً يمكّنهم ويكون لهم سنداً وعوناً في صناعة مستقبلهم، قالت في نفسها لا تعطني سمكة، بل علّمني كيف أصطاد؛ فكانت المدرسة.
بدأت بشراء قطعة أرض لتشييدها، وتواصلت مع الأفراد والمؤسسات من محبي الخير والعطاء والحريصين على مستقبل الصومال وأبنائه، حتى توفر ثمن الأرض، وتكاليف البناء والإكساء والتجهيز وتوفير المقاعد والكتب وغيرها من المتطلبات الكثيرة. وواصلت المدرسة توسعها منذ ذلك الحين لتصبح اليوم مؤسسة خيرية شاملة تحت اسم دار السيدة خديجة للأيتام تمتد على مساحة 100 هكتار.
وتنوعت أنشطة المؤسسة لتشمل إلى جانب رعاية وتعليم وتمكين الأيتام، توفير الدعم للأسر الفقيرة، وتنظيم دورات لتأهيل الشباب وتمكين المرأة وأصحاب الهمم، فضلاً عن توفير الدعم الإغاثي في أوقات الكوارث الطبيعية، بالتعاون مع المؤسسات الخيرية والإنسانية، ومنها «الهلال الأحمر» الإماراتي، والصندوق الأفريقي للتعليم، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية. وإلى الآن، نجحت مؤسسة دار السيدة خديجة للأيتام في توفير الرعاية الشاملة لأكثر من 14 ألف يتيم، والعناية بـ75 طفلاً من أصحاب الهمم، إلى جانب توفير الدعم لـ732 عائلة فقيرة. ونجحت المبادرة منذ تأسيسها في تقديم الدعم الإغاثي لـ32 ألف أسرة ومساعدة أكثر من 200 ألف شخص بتقديم وجبات الطعام لمن اضطروا لترك منازلهم خاصة في حالات الكوارث وموجات الجفاف التي تضرب أراضيهم الزراعية. واليوم تواصل المؤسسة بناء المدارس، حيث تم إنشاء ثلاث مدارس حتى تاريخه، لتمكين أبناء الصومال وأجيالها الجديدة بالعلم والمعرفة والمهارات، بما يجعل منهم مساهمين فاعلين في مسيرة نمو الصومال ونهوضه وازدهاره والبناء على مكتسباته ليعود إلى سابق عهده.
زهراء فرح تأمل مواصلة مسيرة المؤسسة لتكون منارة لبث الفرح ونشر العلم وتحفيز جذوة الطموح ومد يد العون لكل محتاج في مجتمعها الذي تريد له مستقبلاً مشرقاً يحدوه طموح الشباب الواثق بنفسه، المتمكن بالعلم والمعرفة والرؤية الإيجابية وحس المسؤولية تجاه وطنه وأرضه.