30 أغسطس 2012
اللاجئ السوري"عبد الحفيظ عبد الرحمن" يتذكر الأيام التي كان لديه فيها العديد من الأصدقاء من أهالي مدينة أنطاكية التركية، وهو يشعر في قرارة نفسه بأنها لن تعود ثانية.
ويقول"عبد الرحمن"، وهو منشق سياسي، وصل إلى هذه المدينة الحدودية قبل اندلاع الانتفاضة على نظام بشار الأسد العام الماضي، بعدة أشهر:"كان لدي العديد من الأصدقاء العلويين هنا".
والعلويون ينتمون لطائفة تشكل فرعاً من فروع الإسلام الشيعي ينتمي إليه قسم كبير من سكان المدينة. وهم في ذات الوقت الطائفة التي ينتسب إليها نظام حكم بشار الأسد في سوريا، الذي أدت الانتفاضة المستمرة منذ ثمانية عشر شهراً تقريباً ضده، إلى شق ذلك البلد على أسس طائفية بين الأقلية العلوية التي تحظى بكافة المزايا، والأغلبية السُنية.
وفي أنطاكيا حيث يحظى نظام الأسد العلوي بدعم كبير، تتفاقم مشاعر العداء ضد الثوار، والمنشقين السوريين الذين اتخذوا من المدينة قاعدة مؤقتة لهم.
وفي المحافظة بأسرها تساهم المساندة التركية الواضحة للمعارضة السورية في هز أسس التوازن العرقي الحساس القائم.
يعبر عبد الرحمن عن هذه الحقيقة بقوله:"فيما مضى عندما كنت أقول إنني لاجئ كنت أقابل بالاحترام، أما الآن فلم يعد أحد يهتم حتى بالسلام علىّ في الشارع".
والمخاوف الآن هي أن يؤدي الإحباط الذي يشعر به سكان المدينة في الوقت الراهن، بسبب قرار الحكومة التركية الواضح للمنشقين والمقاتلين السوريين بالعمل من أراضيها، إلى إشعال فتيل توترات عرقية أوسع نطاقاً في البلاد.
في السادس والعشرين من أغسطس، اتهم رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، حكومة"أردوغان" بتدريب المقاتلين السوريين المناوئين لنظام الأسد بعد منع وفد من الحزب من الدخول إلى معسكر لاجئين سوري على الحدود.
في مقابلة صحفية أجريت معه قال"كمال كاليكدار أوجلو" رئيس الحزب المذكور:
"لقد أرسلت مندوبين من حزبي للتدقيق على ذلك المعسكر، الذي يقال إنه يعج بالعملاء والجواسيس، ولكن السلطات منعتهم من الدخول".
وأضاف"كاليكدار أوجلو":" أتوقع الآن إجابات من الحكومة عن عدد من الأسئلة: ما الذي يوجد في ذلك المعسكر؟ من الذين يدربوهم بداخله؟ هل يعدون الرجال لإراقة دم المسلمين؟".
من جانبها، تنفي أنقرة أنها تقدم الدعم للمعارضة السورية المسلحة، أو تسمح لها بالعمل من دون قيد من الأراضي التركية، ولكن عندما قمنا بزيارة المعبر الحدودي بالقرب من أنطاكيا، قال لنا أحد قادة المتمردين إن السلطات التركية تسمح له بعبور الحدود من دون معوقات على الرغم من أنه لا يمتلك جواز سفر.
إلى ذلك نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر في العاصمة القطرية الدوحة قوله إن أنقرة قد أقامت قاعدة سرية بالقرب من الحدود السورية، لتقديم الدعم ومساعدات في مجال الاتصالات الخاصة بالثوار السوريين.
في غضون ذلك، يتصاعد التوتر في أنطاكيا: ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال نظم بعض السكان مسيرة احتجاجية مطالبين بطرد السوريين من المدينة، في نفس الوقت الذي صرح فيه بعض الناشطين السوريين أنهم قد دعوا لاجتماع مع العسكريين الأتراك وموظفي البلدية حيث أخبروا أنهم سيضطرون لمغادرة المدينة "من أجل المحافظة على سلامتهم".
ولكن المسؤولين الأتراك ينكرون أن يكون هذا الاجتماع قد عقد، ويقول "محمد علي أديبوجلو" العضو بحزب الشعب "الجمهوري" وممثل المحافظة في البرلمان التركي:
"إن الذين يأتون إلى أنطاكية ليسوا لاجئين وإنما هم مقاتلون سوريون يتم تسليحهم من قبل الحكومة التركية، كي يعودوا مرة أخرى لسوريا كي يحاربوا الحكومة هناك".
واتهم "أديبوجلو" الحكومة التركية بانتهاج سياسة خارجية طائفية، حيث لا تقدم مساعدتها لحركات المعارضة العلمانية، وإنما للطائفة السُنية التي تنتمي إليها الغالبية العظمى من الشعب التركي، والمناوئة لحكومة الأسد العلوية.
ولكن مصادر حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا تؤكد أن معارضتها لنظام الأسد، سببها انتهاك نظامه لحقوق الإنسان في الأساس، ولا تنطلق من التضامن مع المعارضة السورية-السنية في معظمها.
بصرف النظر عن الدوافع وراء دعم تركيا للمعارضة السورية، فإن البعض يخشى من أن ترد دمشق على الخط المتشدد، الذي تتبعه تركيا تجاهها من خلال السعي لتحريك مشاعر العداء ضد حكومة أردوغان في أوساط الأقليات العرقية التي جاهدت تلك الحكومة التركية طويلاً من أجل قمعها وخصوصاً الأكراد الذين يبلغ تعدادهم في تركيا حوالي 20 مليون نسمة.
في تاريخ سابق من هذا الشهر أدى انفجار سيارة مفخخة في مدينة "غازي عنتاب" الحدودية التركية إلى مصرع تسعة أشخاص من بينهم صبي يبلغ من العمر13 عاماً. وعقب الحادث وجهت الحكومة التركية أصابع الاتهام لحزب العمال الكردستانى، وإن كانت أمرت في نفس الوقت بإجراء تحريات حول ما إذا كانت هناك أي روابط سورية أو إيرانية بالهجوم.
وقد أدى ذلك الحادث إلى ازدياد التوتر بين الأتراك وبين الأقلية الكردية المتذمرة،
في الشهر الماضي ردت تركيا بشراسة، بعد أن تخلت دمشق عن سيطرتها على جزء كبير من المنطقة التي تسكن فيها الأقلية الكردية في سوريا، لميليشيات مرتبطة بالمتمردين الأكراد الذين يعملون في تركيا.
ففي تصريح شديد اللهجة قال "أردوغان" إنه إذا تم استغلال الأراضي السورية لشن هجمات عبر الحدود على الأراضي التركية،" فإن التدخل في سوريا سوف يصبح في هذه الحالة حقاً طبيعاً لبلاده".
في أنطاكيا اليوم، انتقد "محمد سيلاليتين ليكيسيز" محافظ المدينة عدداً من التقارير الأخيرة التي أذاعتها وسائل الإعلام التركية قائلاً إن السوريين في المدينة لا يتم تسليحهم ولا مساعدتهم من قبل الدولة، كما لا يتم اضطهادهم من قبل السكان المحللين. وقال المحافظ في مؤتمر صحفي إن تلك المزاعم كانت جزءاً من"حملة ممنهجة" لتقويض السلام في محافظته، وأنها عبارة "عن محاولات لاختلاق قصص تفتقر إلى الأخلاقية والمعقولية ويجب علينا أن نكون حريصين على عدم المساهمة في نشر مشاعر العداوة بين الناس هناك".
ويعتقد "كوراي كاليسكان" أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بوجازيسي" إنه مع قيام أنقرة بحملة من أجل الإطاحة بنظام الأسد، فإن الأمر المحتم هو أن دمشق سوف تسعى من جانبها لإشعال فتيل عدم الاستقرار في تركيا.
وأكد"كاليسكان عن اعتقاده كذلك بأن تركيا"، لو انخرطت في سياسات خطرة مثل السعي لتغيير الأنظمة في الدول المجاورة، فإن تلك الدول ستنخرط في أنشطة تخريبية مماثلة فيها في المقابل".
الكسندر كريستي - ميلر
انطاكية - تركيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»