السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

البابا تواضروس الثاني لـ"الاتحاد": الكنائس تبنى بمحبة وسماحة في الإمارات

البابا تواضروس الثاني لـ"الاتحاد": الكنائس تبنى بمحبة وسماحة في الإمارات
1 يناير 2019 02:57

حوار - إبراهيم سليم

أكد البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت نموذجاً متميزاً في ثقافة التسامح، ليس على المستوى النظري فقط، بل على المستوى التطبيقي والعملي، حيث كانت هناك خطوات تطبيقية لترسيخ قيمة التسامح وتحويله إلى منهج حياة وبرامج عمل تغطي كافة المجالات والقطاعات، وفي هذا الإطار أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن عام 2019 عام للتسامح، مشيراً قداسته إلى أن الإمارات جعلت من التسامح عملاً مؤسسياً يهدف إلى تعميق قيم الحوار وقبول الآخر، من أجل تعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة.
وقال قداسته في حوار مع «الاتحاد»: تحتضن دولة الإمارات عدة كنائس، وتتيح للأفراد ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية، ولدى الدولة مبادرات عديدة من أجل ترسيخ ثقافة التسامح والسلام، وتحقيق التعايش المشترك للجميع، ومن الأمثلة العملية لروح التسامح التي تتمتع بها الإمارات، توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإطلاق اسم مريم أم عيسى على مسجد الشيخ محمد بن زايد في منطقة المشرف بأبوظبي، وذلك ترسيخاً للتسامح والصلات الإنسانية بين أتباع الديانات المختلفة.
وأضاف: ومن أجل تعزيز ثقافة التسامح أيضاً أطلقت دولة الإمارات البرنامج الوطني للتسامح، وأصدرت قانون مكافحة التمييز والكراهية، وأسست عدة مراكز لمكافحة التطرف والإرهاب، وأيضاً المبادرة بإنشاء المعهد الدولي للتسامح، وإطلاق جائزة تسمى «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح» والتي يتم من خلالها تكريم الفئات والجهات التي لها إسهامات متميزة في ترسيخ قيم التسامح على مستوى الدولة أو على المستوى العالمي، وفي فبراير 2016م تم استحداث منصب وزير دولة للتسامح للمرة الأولى في الدولة.

وأشار بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إلى أن دولة الإمارات باتت عنواناً للتسامح والمحبة والقلب الكبير، لافتاً إلى أن التسامح ليس بقيمة جديدة في دولة الإمارات، بل هو من قيم الأجداد والآباء المؤسسين، وكانت قيمة التسامح أيضاً نهجاً لمؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مضيفاً: وخلال دراستي في جامعة الإسكندرية، رأيت الشيخ زايد أثناء زياراته لمصر ولمست فيه أنه رجل ممتلئ بالحكمة والخير، وقبل هذا وذاك فهو ممتلئ بالإنسانية.. وإنسانيته لا يعبر عنها فقط بالصداقات مع دول العالم، وليس فقط بالوقوف إلى جانب مصر، ولكن بقلب كبير ممتلئ بالطيبة والخير، ولذلك يطلق عليه لقب «زايد الخير»، وهو ليس مجرد لقب وإنما معنى أصيل وينطبق عليه.

علاقات قوية
وحول العلاقات المصرية الإماراتية، قال قداسته: العلاقات بين مصر ودولة الإمارات علاقات قوية جداً تمتد إلى الفكر والعمل المشترك في مجالات كثيرة، وقد عبر عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بقوله إن «العلاقة بين مصر والإمارات هي علاقة أخوة، وعلاقة شراكة، وعلاقة فكر وعمل، بدأت منذ قيام دولة الإمارات، وستكبر وتتعزز مع الزمن»، وعندما زرت دولة الإمارات في مايو 2014م بدأتها بزيارة ضريح الشيخ زايد، ولفت نظري في هذا المكان الجميل الرائع اللون الأبيض والذي يعبر عن القلب الأبيض والكبير الذي يمتلئ بالمحبة ويمتلئ بمعدن الطيبة والأصالة.

طيبة وكرم
وتابع البابا تواضروس الثاني: صفات الشيخ زايد نلمسها في كل شعب الإمارات الكريم، وأثناء زيارتنا لتفقد أبنائنا في الإمارات لم نجد منهم إلا الحديث عن طيبة ومحبة كل شعب الإمارات وأهلها الكرام، ولهذا كل الشكر والتقدير لدولة الإمارات على رعايتها القوية لكل المصريين الذين يعملون على أرضها ورعاية أبنائنا هناك، حتى صارت الكنائس تبنى بمحبة وسماحة وبقلب متسع للجميع.
ولفت قداسته إلى أن التسامح صفة غالبة عند الشعبين المصري والإماراتي، فالشعب المصري أيضاً يتميز بالتسامح والمودة، وعلى ضفاف النيل العظيم قدم شعب مصر أروع الأمثلة في التسامح والمحبة على مر الزمان وعبر العصور والأجيال، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر هو رئيس كل المصريين من دون تمييز، يسعى جاهداً للاهتمام ببناء الوطن وبناء الإنسان.
وقال: عندما رأيت النهضة التي وصلت إليها دولة الإمارات، وتحول الصحراء إلى حدائق ومشروعات وابتكارات، فإنني قد لمست ورأيت أن هذه النهضة والتقدم ليس في مجال التعمير والبناء فقط، ولكنها في مجالات كثيرة منها: الاقتصاد، والطاقة، والتكنولوجيا، والاهتمام بالثقافة والتراث، والاهتمام بالقيم الإنسانية والاهتمام بالمستقبل مما يؤكد أن النهضة ليست بالتعمير فقط، ولكنها أيضاً بالاهتمام ببناء الإنسان، وبالتأكيد فإن الاهتمام بالتسامح عملياً وتطبيقياً هو لبنة هامة في صرح بناء الإنسان وبناء الوطن.

قيمة عظيمة
وأكد البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أنّ التسامح يعتبر قيمة عظيمة من القيم والمبادئ الإنسانية السامية، ويعتبر من القيم المشتركة بين الثقافات والحضارات والمعتقدات، كما أن التسامح يغرس ويرسخ في داخل الإنسان احترام قيمة وكرامة أخيه الإنسان حتى ولو كانت هناك اختلافات أو متغيرات.
وذكر قداسته، أن فضيلة التسامح تستمد جذورها من المحبة التي هي «الوصية الأولى والعظمى» (متي 22: 38)، وهي فضيلة متسعة الأرجاء، والتسامح هو ثمرة من ثمار المحبة، فالمحبة «تحتمل كل شيء» (1 كورنثوس 13: 7)، ولا تكتفي المحبة فقط بالتسامح مع الآخرين واحتمالهم، بل تمتد أيضاً لمساندتهم والاهتمام بهم والتعاون معهم، وثقافة التسامح ترتبط بالسلام والمحبة والتعايش المشترك وقبول الآخر، وترتبط بمحبة الآخر، والسيد المسيح في تعاليمه تحدث كثيراً عن أهمية التسامح والسلام ومحبة الجميع، حتى أنه قال: «أحبوا أعداءكم. باركو لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (متى 5: 44)، وقال أيضاً: «طوبي لصانعي السلام» (متي 5: 9)، والكتاب المقدس قد دعا الجميع إلى التسامح: «محتملين بعضكم بعضاً، ومسامحين بعضكم بعضاً» (كولوسي 3: 13)، «كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين» (كولوسي 3: 13»، «كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين» (أفسس 4: 32)، «إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس» (رومية 12: 13)، «وسالموا بعضكم بعضاً» (مرقس 9: 50)، (1 تسالونيكي 5: 13)، «احملوا بعضكم أثقال بعض» (غلاطية 2: 6).
وبين قداسة البابا تواضروس الثاني، أن التسامح يُزيل عوائق متعددة في العلاقات بين البشر وبين الشعوب، ويوطد علاقات الأخوة بين أبناء البشرية كلها، فكلنا أبناء لأب واحد هو آدم وأم واحدة هي حواء، وبالتسامح يصبح الكل أقرباء الكل.. «تحب قريبك كنفسك» (متي 22: 39)، (مرقس 12: 31)، (رومية 13: 9)، (غلاطية 5: 14)، (يعقوب 2: 8).
وقال: قدم لنا السيد المسيح مثل السامري الصالح (لوقا 10: 25: 37) الذي لم يتوقّف أمام أي اختلاف بينه وبين الجريح الذي كان يُصارع الموت، ولكنه - في تحنُّنه على من لا يعرفه – اهتم بعلاج جراحاته وأتى به إلى فندق واعتنى به، وأوصى صاحب الفندق أن يواصل العناية به ُملتزماً بنفقاته. فالرب بالتسامح وسّع دائرة الاهتمام من القرابة العائلية إلى القرابة الإنسانية، حيث البشر جميعاً إخوة وكل منهم مسؤول عن أخيه الإنسان.
وأوضح قداسته، أن التسامح له آفاق وجوانب متعددة تشمل التسامح الديني والثقافي والاجتماعي، والتسامح هو قاعدة من أهم قواعد التعامل الإنساني، في المنزل والمدرسة والطريق وفي أماكن العمل ووسائل الانتقال وفي كل مكان، مؤكداً أنه من الصفات الجميلة للتسامح أن يكون من عمق القلب ومن كل القلب، وأن يكون عن كل ما يصدر من أخيك الإنسان وليس أن تسامحه عن جزء من أعماله ولا تسامحه عن جزء آخر، وأن لا يخصص التسامح لطائفة معينة أو فئة معينة من الناس، ولكن أن نقدم التسامح لكل الناس على السواء، حتى ولو كانوا ممن يعتبرهم الإنسان من أعدائه خصومه.

فوائد التسامح
قال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية: من فوائد التسامح أنه يجعلنا نتفادى الكثير من المشكلات التي قد تصادفنا في حياتنا اليومية ويعمل على إزالتها سريعاً، ويعتبر التسامح هو حجر الأساس لبناء جسور التعاون الصادق والحوار المثمر بين البشر وبين الشعوب، وهو العلاج الناجع للكثير من المشكلات التي قد تقابلنا ومنها مظاهر العنف والتعصب والكراهية، وكلما ازداد العنف والتعصب في عالمنا المعاصر كان احتياجنا للتسامح أكثر وأكثر.
وأضاف قداسته: والتسامح يمنح الإنسان بركات كثيرة منها أنه يملأ القلب بالسلام والفرح، بدلاً عن الضغائن والأحقاد، والتسامح يجعل أعداء الإنسان يسالمونه، ويحولهم إلى أصدقاء، ويفتح آفاقاً للتعاون والحوار مع الآخرين، بدلاً من الكراهية والتنافر أو التناحر أو الشجار، وأن تكون ثقافة الحوار «التسامح» بديلاً عن ثقافة الشجار «المنازعات»، أو ثقافة الجدار «العزلة»، وفي العديد من الدراسات والأبحاث فإن التّسامح كسمة مجتمعية بين المجتمعات والشعوب؛ له دور كبير ونتائج هامة لما يترتّب عليه من تجنيب العالم ويلات الحروب والنزاعات، وما يعمل على الحفاظ على الأرواح وحفظ الحريات وصون الحقوق، والتّركيز على العمل والبناء والإنجاز، والسعي إلى تطوير المجتمعات بدلاً عن صناعة الأزمات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©