29 أغسطس 2012
بعفويته وصراحته وخفة دمه، يتحدث يعقوب يوسف الروسي، مراقب «إمارات إف.إم» التابعة لأبوظبي للإعلام والبسمة تعلو وجهه. بعمق الخبير بتجليات المشهد الإذاعي الفني الإماراتي والخليجي والعربي، يُحلل وضع الفن ويميز الهادف منه عن غيره ودرجة أهميته لأي مجتمع. «صحيح أن «إمارات إف.إم» هي محطة ترفيهية غنائية خفيفة، لكن رسالتها الأساسية هي نشر الوعي الفني وتثقيف الجمهور الإماراتي والخليجي وتجسيد تراثه وفنونه وإبداعاته»، يقول الروسي. فرهان كل إذاعة ليس الإتيان بكل ما هو مثير وجديد، بل في طريقة تقديم ما لديها بشكل يلبي تطلعات المستمعين. ولعل ذلك هو السر الذي جعل «إمارات إف.إم» تحافظ على مكانتها ضمن الإذاعات الإماراتية والخليجية الأكثر استماعاً، ما شجعها أيضاً على المضي قُدماً في تحقيق إحدى أهم رسائل الإذاعة وهي دعم الفنان الإماراتي، ثم الخليجي فالعربي. وعلى الرغم من الجوائز التي حصدتها «إمارات إف.إم» والتي كان آخرها جوائز ذهبية وفضية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في مايو الماضي، تمضي الإذاعة بخطى ثابتة لتعزيز رصيدها وتجويد أدائها. ويرى الروسي أن الوقت قد حان لإنشاء نقابة فنانين تحتضنهم وتدافع عنهم وتصبح كيانا مؤسسيا يطور الفن ويرتقي بمهامه.
يقول الروسي إن ما يميز إذاعة «إمارات إف.إم» هو البساطة في الإلقاء وتقديم المعلومات بشكل سلس ومهضوم، وعلى نحو يجعل المقدم يتحدث بروح خفيفة وقريبة إلى قلب المستمع ويحترم عقله. وسواءً كانت ما تغطيه الإذاعة أخبار فنانين إماراتيين أو خليجيين أو عرب يغنون اللون الخليجي، فإن الأهم هو احترام ذكاء المستمع الخليجي والسمو بذوقه الفني، وليس إمطاره بكم هائل من الأخبار المثيرة التي لا تبتغي غير الفرقعات الإعلامية! ويضيف الروسي أن تخطيط دورة برامجية من ستة أشهر أو أكثر ثم اتباعها من أنواع التخطيط الذي تجاوزه الزمن، فهو يتبع منهجية مختلفة تقوم على إعطاء الأولوية لرغبات الجمهور قياس مدى تفاعله بشكل مستدام، وأنه لا يتردد أبداً في تغيير فقرة أو مادة إن ضعف التفاعل معها أو شعر بأنها أضحت أقل إمتاعاً لجمهور المستمعين.
أكذوبة «سحب البساط»
يعتبر الروسي أن نمط الحياة الذي نعيشه في الوقت الراهن جاء لصالح القنوات الإذاعية، وفند كل الادعاءات والتنبؤات السابقة التي كانت تتحدث عن قرب أفول الإذاعات بسبب الثورة التكنولوجية الرقمية. فالناس اليوم أصبحوا يقضون فترات أطول في سياراتهم متجهين إلى أعمالهم وبيوتهم وغيرها من المرافق التي يقصدونها والوجهات التي يرتادونها، وأقرب مشوار لا يقل عن نصف ساعة! وأصبحت الإذاعة اليوم -كما يقول الروسي- تتقاسم الأدوار مع القنوات التلفزيونية، فوقت الذروة يكون للإذاعات من الصباح الباكر إلى العاشرة صباحاً، ثم تتسلم القنوات التلفزيونية المنافسة المشعل بعد ذلك إلى أن يحين موعد عودة الناس من دوامهم ما بعد الظهر، وهكذا. ويصف الروسي تقاسم الأدوار هذا بالإيجابي الذي يخلق تنافساً قوياً هو أقرب إلى التكامل منه إلى التصارع، فلا أحد يسحب البساط من أحد، بل يبقى هدف الجميع هو إرضاء المتلقي وتوسيع نطاق الاستقطاب. ويضيف الروسي أن المتأمل لواقع الثورة الرقمية يجد أنها جاءت لخدمة الإذاعة والتلفزيون، فبفضل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية أصبح بإمكان أي شخص أن يستمع لأي إذاعة من أي مكان في العالم، علاوةً على النطاق الجغرافي الوطني والإقليمي التي تبث فيه. ويفيد الروسي أنه في أحيان كثيرة، تفد إلى الإذاعة اتصالات ومكالمات من مستمعين مواطنين وعرب من دول عديدة كاليابان مثلاً، ناهيك عن الكم الهائل من المشاركات في المسابقات التراثية في رمضان وغيره، والتي تأتي من مستمعين في عدد من الدول العربية.
خامات إماراتية وخليجية
من الإنجازات التي يفخر بها الروسي برنامج جلسات «إمارات إف.إم» الذي نجح في بث 52 سهرة أسبوعية متتالية دون توقف. وخلال هذه الجلسات تمكنت الإذاعة من اكتشاف عدد من الخامات الصوتية الجميلة، وتقديمها إلى المستمعين ليكتشفوها بدورهم، ولتكون «إمارات إف.إم» بذلك جسراً يعبرون من خلاله إلى الجمهور ويخترقون مسامعهم وقلوبهم، إلى أن صاروا نُجوماً يتواصلون معهم على طول السنة ويتحفونهم بكل جديد. ويضيف الروسي أن ذلك ما كان ليتم لولا وجود كوادر في الإذاعة لها خبرة في تقييم الأصوات وفرز المؤهل منها ليُستضاف في جلسة إذاعية. ومن ثم كان الدور الذي تقوم به الإذاعة توجيهي أيضاً، فمن يسمعون صوت كل من يرشح لأن يُستضاف في البرنامج هم متخصصون في اللحن والأداء ويتبعون مجموعة من المعايير لتقييم جودة اللحن والكلمة. ومن الأسماء التي يستحضرها الروسي ويقول إن الفضل كان في ظهورها بعد الله إلى جلسات إف.إم الفنان محمد المنهالي ومحمد المزروعي وفيصل الجاسم، وحتى حسين الجسمي الذي لم تبخل الإذاعة في دعمه وتعريف الجمهور بكل إنتاجاته منذ بداياته الأولى، إضافةً إلى آخرين لم يستحضر أسماءهم وقت الحوار. ويفخر الروسي بكون «إمارات إف.إم» تتميز عن غيرها ببث أغان حصرية، إذ تُقدم ما بين 4 إلى 5 أغان حصرية كل أسبوع، مع زيادة باقتها الحصرية في المواسم الأخرى كرمضان الذي بلغ عدد الأغاني الحصرية التي بثتها خلاله 40 أغنية، والعيد الوطني الذي تخصه الإذاعة بعدد حصري معتبر من المواد الحصرية. ولعل ميزة البث الحصري هي قيمة مضافة إلى الإذاعة تُسهم في تمييزها عن غيرها، وتعزز مكانتها ضمن الإذاعات الرائدة والمتميزة في المنطقة.
طيف من المستمعين
من الأشياء التي يؤكد عليها الروسي خلال تواصله واجتماعه مع كوادر الإذاعة وموظفيها، وفي أثناء وضع الخطط البرامجية هو الحرص على أن يحوي كل ما يقدم للمستمع فائدة حقيقية، وأن تكون المواد المقدمة تجمع بين الخفة والتنوع، مع مواكبة اهتمامات الشباب خاصةً وباقي أفراد الأسرة عامةً، فتتناول ما هو اجتماعي وطبي ونفسي وعلمي وأُسري، إضافةً إلى المواد التي تُساير المستجدات الغنائية والسينمائية والفنية. ويرفض الروسي بث أخبار فناني الإثارة المنبوذين من فئات واسعة من المجتمع حفاظاً على مصداقية الإذاعة واحتراماً للمستمعين والمتلقين. ويرى الروسي أنه لا يتم استثناء أي فرد من أفراد الأسرة من برامج الإذاعة، إذ حتى الأطفال وذوو الاحتياجات الخاصة ينالون قسطهم من برامج الإذاعة. ولعل مشاركتهم المكثفة في المسابقات الرياضية والمعلوماتية خير دليل على تفاعلهم مع إذاعة يحسب البعض خطأً أنها تخاطب الشباب فقط. كما أن حرص الإذاعة على تغطية فعاليات ذوي الاحتياجات الخاصة ونقل اهتماماتهم ونشاطاتهم والبطولات التي يشاركون فيها في ربوع الدولة يجعلهم يتفاعلون مع الإذاعة ويتواصلون معها باستمرار. وفي إطار رؤيتها للقرب من المواطن الإماراتي والخليجي، تحرص «إمارات إف.إم» على حضور ما يقام من مهرجانات وفعاليات عائلية داخل الدولة وفي الخليج، وتؤتي جهودُها هذه ثماراً طيبة باعتبار عدد المستمتعين من الأسر الخليجية يتزايد باطراد. ويعتبر الروسي هذه الجهود مندرجة ضمن المسؤوليات الاجتماعية للإذاعة. وتحرص «إمارات إف.إم» على الاضطلاع بمسؤولياتها الاجتماعية عبر الشراكات التي تربطها بو زارة الداخلية وهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة وغيرها من الجهات، وهي شراكات الهدف الرئيس من عقدها هو الإسهام في توعية المجتمع في كل المجالات، وليس في الفن فقط، يقول الروسي مبتسماً!
صرخة «ليست في واد»
نقابة الفنانين هي إحدى القضايا التي تؤرق بال يعقوب يوسف الروسي. فهو يرى أن الإمارات العربية المتحدة أصبحت وجهة يفد إليها كل نجوم الفن والغناء، ما يجعل الوقت مناسباً جداً لإنشاء نقابة للفنانين واستثمار هذا الرصيد الفني الذي أصبحت الإمارات تزخر به بفضل احتضانها لكوكبة من الأصوات المواطنة وتلك التي تؤدي باللون الخليجي. كما أنه لا يعوز الإمارات أي شيء لتحقيق ذلك باعتبارها تحتوي على بنية تحتية فنية من أحدث ما يكون. ويعتقد الروسي أن إنشاء هذه النقابة سيعطي دفعة قوية للمشهد الغنائي والفني الإماراتي والخليجي. كما أنه سيضع حداً للمتطفلين الذين يدخلون من باب الفن إلى بيوت المجتمع ويحسبون أن مجرد ظهورهم على قناة تلفزيونية ما يمنحهم بطاقة خضراء لولوج ما شاؤوا من إذاعات أو قنوات أو منابر إعلامية. وبصراحته المعهودة، يقول الروسي إن هناك بعض الأصوات التي تسيء إلى الفن الإماراتي والخليجي. فالفن هو مرآة حضارة كل أمة وثقافتها، وبالتالي ينبغي عدم السماح باستغلاله من قبل المتطفلين من غير أصحاب الاختصاص الذين يسيئون إلى أنفسهم ومجتمعهم، واحتراماً للمستمع والمتلقي وتعزيزاً لقيم الإمارات وثقافتها.
المصدر: أبوظبي