أحمد مراد (القاهرة)
وصف خبراء عسكريون في القاهرة المساعدات العسكرية القطرية لدولة مالي بـ«مناورة ساذجة» للتغطية على العديد من التقارير الدولية التي فضحت التمويل والدعم القطري للجماعات والتنظيمات الإرهابية في العديد من دول العالم، وبالأخص في دول المنطقة العربية ودول القارة الإفريقية، ومن بينها مالي والصومال وتشاد. وأوضح الخبراء في تصريحات لـ«الاتحاد» أن المناورة القطرية تأتي في إطار سياساتها المعروفة باللعب على وتر المتناقضات، وهي السياسة التي تتبعها قطر في تعاملها مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية، حيث دائماً وأبداً نجدها تلعب «على الحبلين»، وتجمع بين المتناقضات بصورة فجة باتت مكشوفة للجميع، لدرجة أنها أصبحت تثير السخرية.
وكانت قطر قد أعلنت في وقت سابق عن إرسالها لـ24 سيارة عسكرية مصفحة إلى مالي، تحت زعم دعم السلطات الأمنية بمالي في حربها ضد الجماعات الإرهابية، زاعمة أن هذه المساعدات سوف تساعد دول منطقة الساحل الإفريقي على محاربة الإرهاب.
الغريب أن المساعدات العسكرية القطرية لمالي تأتي في وقت تؤكد فيه العديد من التقارير الدولية والإعلامية على قوة العلاقات الوثيقة التي تربط الدوحة بالجماعات الإرهابية والحركات المسلحة المنتشرة في مناطق غرب أفريقيا وبالأخص شمال مالي، وفي هذا الإطار نشرت مجلة «لوكانار أنشينيه» الفرنسية تقريراً بعنوان «صديقتنا قطر تمول المتطرفين في مالي»، وتضمن تقرير الصحيفة الفرنسية تصريحات من مسؤول في المخابرات الفرنسية أثبتت أن حركة «أنصار الدين» التابعة لتنظيم «القاعدة»، وحركة «التوحيد والجهاد» المتطرفة في غرب إفريقيا، والانفصاليين الطوارق، تلقوا جميعاً دعماً مالياً ولوجستياً من قطر.
وفي السياق ذاته، كشف عمدة مدينة «غاو» -شمال مالي- خلال لقاء له مع راديو «آر تي أل» الفرنسي، عن قيام قطر بإرسال المساعدات والغذاء كل يوم إلى مطارات «غاو» و«تمبكتو»، ودائماً ما تصل هذه المساعدات إلى الإرهابيين في شمال مالي.
وسخر الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء محمود خلف، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية بالقاهرة، من الإعلان القطري عن تقديم مساعدات عسكرية إلى مالي لدعمها في حربها ضد الإرهاب، مؤكداً أن هذه المناورة القطرية تأتي في إطار سياساتها المعروفة باللعب على وتر المتناقضات، وهي السياسة التي تتبعها قطر في تعاملها مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية، حيث دائماً وأبداً نجدها تلعب «على الحبلين»، وتجمع بين المتناقضات بصورة فجة باتت مكشوفة للجميع، لدرجة أنها أصبحت تثير السخرية من إصرار قطر على اتباع هذه السياسات الساذجة التي لم يعد العالم ينخدع فيها.
وأضاف: في مناسبات كثيرة وفي ملفات متعددة، نجد قطر تعلن عن دعمها للأنظمة الحاكمة في العديد من دول العالم، تحت شعارات المحافظة على أمن واستقرار الشعب، وفي الوقت نفسه نراها تقدم من الباب الخلفي دعماً مالياً وإعلامياً وسياسياً سخياً للتنظيمات المتطرفة والحركات المتمردة، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح تام في الحالة الإفريقية، وبالأخص في حالة دولة مالي.
وأضاف: تحت غطاء العمل الإنساني والإغاثي، اعتادت الدوحة على تقديم التمويل المالي واللوجستي للجماعات الإرهابية في العديد من دول القارة الإفريقية، وذلك عبر الحملات الإغاثية التي تشرف عليها الجمعيات القطرية الخيرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تكفي الإشارة إلى ما اعتاد عليه المدعو عبدالرحمن النعيمى -الرجل المدلل من قبل النظام القطري والمصنف إرهابياً من قبل العديد من المؤسسات الدولية- من تقديم ملايين الدولارات لحركة «الشباب» الصومالية الإرهابية، فضلاً عن الدعم الإعلامي الذي قدمته قطر لقادة الحركة الإرهابية الصومالية من خلال استضافة قناة الجزيرة لهم أكثر من مرة.
وبرؤية أخرى، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء نصر سالم، أن هناك أبعاداً وأهدافاً أخرى وراء صفقة المساعدات القطرية لمالي، يأتي في مقدمتها محاولة النظام القطري التغطية على العديد من التقارير المخابراتية التي فضحت التمويل والدعم القطري للجماعات والتنظيمات الإرهابية في العديد من دول العالم، وبالأخص في دول المنطقة العربية ودول القارة الإفريقية، ومن بينها مالي والصومال وتشاد وكينيا.
وأضاف: منذ أكثر من عشرين عاماً، وبالتحديد منذ أن وصل تنظيم الحمدين إلى سدة الحكم في قطر عام 1995، وقطر تتخذ سياسات غريبة الشأن، وفي أحيان كثيرة مشبوهة، وقد ثبت للجميع أنها تنفذ أجندات عدائية ضد دول المنطقة العربية، ولم تسلم دول القارة السمراء من الأجندات القطرية التخريبية، حيث تعمل قطر على توظيف الوفرة المالية التي تتمتع بها لتنفيذ هذه السياسات المشبوهة، بهدف أن يكون لها ثقل دولي مصطنع، ومن أجل ذلك تفتح أبواب خزائنها للجماعات والتنظيمات الإرهابية المنتشرة في دول القارة الإفريقية من أجل أن يكون لها تواجد قوي في القارة السمراء يعزز ثقلها الدولي المصطنع، والذي تحاول أن تشتريه بمالها مهما كلفها هذا الأمر من أموال طائلة.
وشدد اللواء سالم على ضرورة أن تنتبه مؤسسات ومنظمات الاتحاد الإفريقي لخطورة التدخل القطري في شؤون دول القارة السمراء، حتى تضع حداً لهذه التدخلات القطرية، والتي لا يأتي من ورائها إلا كل شر وتخريب وتدمير.
أما الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء محمود منصور، أحد مؤسسي جهاز المخابرات العامة القطري، فلم يستبعد أن يكون قرار قطر بتقديم مساعدات عسكرية لمالي تم بالتشاور والتنسيق مع النظام الإيراني، الذي يحاول أن يفرض نفسه بقوة في القارة الإفريقية، حتى يتخذ من ذلك ورقة ضغط يناور بها في صراعه الشرس مع أميركا حول الملف النووي الإيراني، وقد اعتاد العالم خلال السنوات الماضية على توظيف إيران للحالة القطرية في خدمة مصالحها الاستراتيجية، والتي دائماً وأبداً تأتي على حساب المصالح العربية الكبرى.
وقال اللواء منصور: لا يخفى على أحد الدعم والتمويل القطري للحركات والتنظيمات الإرهابية المنتشرة في إفريقيا ومن بينها دولة مالي، ومهما حاولت قطر أن تخفي هذا الأمر بمناورات مشبوهة، فلن تستطيع أن تخدع العالم طوال الوقت، لاسيما بعد أن كشفت العديد من التقارير الدولية والعربية الوجه القبيح للجمعيات الخيرية القطرية التي تتستر خلف شعارات العمل الخيري والإنساني والإغاثي، وهي في الحقيقة تمثل أهم مصادر تمويل حركات التمرد والتنظيمات الإرهابية داخل القارة السمراء.