السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صوت أمها وجبتها الروحية·· والهاتف صديقها

صوت أمها وجبتها الروحية·· والهاتف صديقها
4 مارس 2009 00:21
لم تكن الغاية من التحدّث إليها سوى معرفة بعض التفصيلات عن بروين حبيب ''الإنسانة'' التي نادراً ما يلتفت إليها الناس، إذ طغت على اسمها شخصية ''الإعلامية''، خاصة أنها مذيعة مشهورة حاورت أكثر من 400 ضيف نخبوي - ولا تزال القائمة مفتوحة على المزيد-، فضلاً عن أنها شاعرة حداثية وحاملة لدرجة الدكتوراه، لكنّ ''دنيا'' آثرت الخوض في شخصيتها الأخرى، تلك التي لا يعرفها الناس· حديقة الكلمات بدأت بروين بالحديث إلى ''دنيا'' عن طفولتها، وعن الصورة التي كانت تُداعب مخيلتها في سن مبكرة عن عالم النجوم، بما فيه من سحر وجاذبية، إذ كانت تحلم بأن تجلس إلى حنا مينا وأقرانه من رموز الأدب والثقافة في العالم العربي، إلى أن حقق التلفزيون لها هذا الحلم، حينها أدركت أن هؤلاء النجوم في النهاية بشر لهم عالمهم الخاص الذي تختلف فيه حياتهم وعن نصوصهم التي نقرأها لهم، والتي لا تشير في حقيقتها إلا إلى أقل القليل ممّا يحمله هؤلاء المبدعون في صدورهم· ثم دلفت إلى الحديث عن علاقتها المبكرة باللغة العربية، فقالت: لم أولد في حديقة للكلمات، ولم أفتح عيني على أرفف مكتبية ومجلدات ذهبية، ولم أجد حتى جريدة، فبيتنا لم يكن بيت علم، ومع ذلك فقد ختمت القرآن مرتين في التاسعة، وكنت دائمة التفوّق في دروس الإنشاء والتعبير، ما لفت نظر أمي وهي غير المتعلمة بالمفهوم النظري، لكنّ حكمة السنين وإصرارها على تعليمنا وتقديس العلم، هذه العوامل جميعا مثّلت مؤشرات إلى موهبتي المبكرة، دفعت والدتي إلى أن تحرص على اصطحابي كل أسبوع إلى ما يعرف بـ ''المكتبة العائلية'' حيث تأسستُ على مجلات الأطفال المنتشرة -آنذاك- وعلى رأسها مجلة ''ماجد''، وكذلك قرأت كتب ''سنو وايت'' و غيرها من سلاسل كتب الأطفال العالمية المعروفة إلى يومنا هذا·· هكذا كانت الصور الأولى لقراءاتي· وأردفت بروين، غيّرنا بيتنا أربع مرات لأننا لم نكن نمتلك منزلاً، وعندما كنت أغادر كل بيت، كنت أشعر كأني أغادر جزءاً من روحي، وليس مجرد مجموعة من الحوائط والجدران التي يأوي إليها الناس آخر النهار ليرتاحوا من العناء الذي يتعايشون معه في صراعهم من أجل البقاء والصيرورة· وبالرغم من الحي المتواضع الذي نشأت فيه، إلا أن له الفضل الأكبر في تكويني، جنباً إلى جنب مع أمي والمسرح المدرسي والإذاعة والتلفزيون؛ وكذلك أساتذة الجامعة الذين أدين لهم بالكثير الذي تعلمته منهم، وأفادني في عديد من المواقف خاصة في بداية حياتي· الوزير زعفران ثم أوضحت أن بداية علاقتها بالميكرفون وبداية التدريب العملي على مواجهة الآخرين بثبات، كانت أيام الإذاعة المدرسية، حينها كان المدرسون يشيدون بصوتها وبطلاقتها، إلى أن تمّ ترشيحها للعمل في المسرح المدرسي، حيث لعبت أول أدوارها المسرحية وهو ''الوزير زعفران'' وكان دوراً ثانوياً، لكنّ المفاجأة هو حصولها على ميدالية أفضل تمثيل عن حسن أدائها لهذا الدور، فكانت هذه المسرحية بوابتها إلى عالم الإذاعة والتلفزيون، حيث عملت هناك مع العديد من المذيعين والفنانين الكبار الذين تتلمذوا على يد عمالقة المسرح في العالم العربي أمثال سعد أردش وزكي طليمات· بعد ذلك، انتقل بنا الحوار عن بداية عملها في التلفزيون الذي وصفته بأنه ''الوسيلة الأخطر لتزييف الثقافة'' وما صاحب هذه البداية من حدة كانت تتعامل بها مع الأشياء، خاصة عندما كانت تصطدم بمفارقات أو اختلافات واسعة بين الشخصيات التي قرأت لها أو عنها، وبين الواقع· لكنها الآن- بعد أن أصبح في جعبتها التلفزيونية ما يربو على 400 ضيف- صارت تتعامل مع مثل هذه الأمور بحنكة وهدوء، وأدركت أنه ليس في مقدورها أن تفعل شيئاً تجاه هذه المفارقات الصادمة التي تثبت بشكل أو بآخر أدميتنا وبشريتنا! الثقافة مشروع حياة وعن استمتاعها بالعمل في هذا المجال، أكّدت أنها لا يمكن أن تُمارس عملاً ما بلا متعة، فهي لم تتخيّل يوماً بأنها ستكون موظفة تُؤدّي عملها بشكل روتيني، ونظراً لحالة العشق التي تعيشها مع تعمل به، فهي تقرأ وتشاهد التلفزيون وتحاول أن تعيش مع كل ما يتعلق بضيوف برامجها بنوع من الاستمتاع والحب، حتى أن هؤلاء الضيوف كما تقول ''يعيشون في بيتها ممثلون في قصاصات الأوراق والرسائل الصغيرة أو في صورهم''، فهذا هو عالمها الذي تعيش فيه، أو مشروع حياتها الذي تتمحور حوله كل نشاطاتها، ألا وهو ''الثقافة''· وعن الأشياء التي تُثير الحزن في نفس بروين حبيب، ذكرت أنها عديدة، في مقدّمتها ''أن أرى الفقر سؤالاً في وجه إنسان، أو أن تأخذ الماديات من البشر جلّ اهتمامهم بعيداً عن الجوهر العميق للحياة، أو أن يخذلني صديق أو صديقة أمّنته على حماقاتي الخاصة''· وعن أكثر الأمور التي تبهجها، قالت: رضى أمي هو أهم ما يدخل السرور إلى ذاتي، وعندما أحاول أن أحقق معها معادلة العطاء بلا مقابل· كما أن أكثر ما يُسعدها هي اللمسات البسيطة في الحياة، وتتمنى لو اغتنمناها وجعلناها سبباً من أسباب السعادة لمن حولنا· وجبة روحية وعن الكيفية التي تقضي بها يومها، فقد أوضحت أنها ''كائن ليلي''، وتُفضّل أن تعيش الليل إلى بشائر الصبح حيث تُسلّم الليل إلى النهار ثم تنام، لأن طبيعتها البيولوجية فرضت عليها ذلك· وقالت ''النهار وصحبته ليسوا في عالمي، فعتمة الليل تُغريني أكثر، فأنا كائن يتوهّج ليلاً، وجلّ إبداعاتي ولحظات سعادتي لا تكون إلا ليلاً''· وعندما تستيقظ من النوم، فإن أول ما تفتح عليه عينها صديقها ''الهاتف'' الذي يُصاحبها وتُصاحبه، ويأنس وحدتها من خلال ما به من رسائل أو مكالمات تتلقاها من هنا أو هناك، وبعد ذلك تسرع إلى الشبكة العنكبوتية لمطالعة العناوين العريضة للصحف، ثم إلى الصفحات الثقافية باعتبارها الهم الأكبر لديها، وكل هذه الطقوس تكون مقترنة بشرب الشاي الأخضر وسماعها للموسيقى من أي نوع كي تُشعرها بجوّ من الألفة تستعد من خلاله للشروع في يوم عمل جديد في حياتها يبدأ عند الواحدة ظهراً، حيث تقوم بقراءة الأرشيف، ثم الاستعداد لكل ضيف من ضيوف برامجها· وتقول ''أما وجبتي الروحية اليومية، فتتمثّل في صوت أمي الذي أحرص على سماعه عبر جهاز الهاتف يومياً، وأطمئن من خلاله عليها، وعلى إخوتي، بحكم أن ترتيبي العائلي أملى عليّ أن أكون مسؤولةً عنهم''· وعن النجاح، ذكرت أنها لا تشعر بالنجاح في حياتها على الرغم من حصولها على أعلى الدرجات العلمية، ونيل رضا الوالدين، والتوفيق الذي لازمها في كثير من الخطوات التي أقدمت عليها في حياتها العملية، حيث أكدت بروين أنها ''كائن قلق ومتوتر'' وتعيش على ذلك، وأشارت إلى إحدى المقولات الشهيرة لجان كوكتو ''كلما شعرت بدفء الوسادة تحت رأسي، أخذتها وركلتها بعيداً''! امرأة حرة وبالنسبة لما أضافه عملها في الإعلام إلى حياتها، أكدت أنه منحها الكثير، منها المستوى الاجتماعي ومحبة الناس، خاصة أن صورتها التلفزيونية اقترنت لدى الناس بالثقافة، وليست مذيعة تلفزيونية ذات ماكياج وأصباغ، أي أن صورتها لدى المشاهدين تنسحب تماماً من إطار الدمية، وهي مسألة بالغة الأهمية لها، وترى أن ذلك جعل الناس ينظرون إليها بشكل مغاير، فأعطوها مكانة معينة جعلتها تشعر بالرضا عما تقدمه، وهو ما يدفعها لبذل المزيد في هذا المنحى· وعن الأشياء التي لا يمكن لها أن تتنازل عنها، أكدت أن أولها هو قناعاتها المعرفية، ثم الاحساس القلبي، أو ما يعرف بالحدس القلبي للأشياء، وتعتبرهم نبراساً يُضيء لها كثير من الأمور التي ربما عجز العقل عن تفسيرها وتحليلها· وفي النهاية، شدّدت بروين على أنها انتزعت أشياءها بنفسها ولم يمنحها إياها أحد، وهي ليست مستعدة للتنازل عنها، كما أنها ليست مستعدة أبداً للتنازل عن حريتها، فهي ''امرأة حرة'' كما تقول عن نفسها، ومع ذلك تعود لتؤكد أن ''المرأة مسكينة حتى لو كانت ملكة''!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©