1 ديسمبر 2010 21:07
باستضافتها القمة الخليجية الحادية والثلاثين في السادس والسابع من ديسمبر الحالي، تكون الإمارات رفعت لبنة جديدة في بنائها الكيان الخليجي الذي ولد على ثرى العاصمة أبوظبي في 25 مايو العام 1981، محتضناً كلا من من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت.
وتعد استضافة أبوظبي للقمة الخليجية إضافة معهودة لجهود الإمارات في تعزيز التضامن الخليجي والعربي والإسلامي، بما يتسق مع سياستها التي اتسمت منذ تأسيسها في العام 1971 بالحكمة والاعتدال والتوازن ومناصرة الحق والعدالة، استناداً إلى أسلوب الحوار والتفاهم بين الأشقاء والأصدقاء واحترام المواثيق الدولية والالتزام بميثاق الأمم المتحدة واحترام قواعد حسن الجوار وسيادة الدول ووحدة أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل النزاعات بالطرق السلمية.
وشهدت دولة الإمارات العربية المتحدة انفتاحاً واسعاً على العالم الخارجي أثمر عن إقامة شراكات استراتيجية سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية وتربوية وصحية مع عدد من الدول في مختلف قارات العالم، بما عزز من المكانة المرموقة التي تتبوأها في المجتمع الدولي، فضلاً عن أنها أصبحت قبلة لزعماء العالم الذي يؤمونها من حدب وصوب.
وتبوأت الدولة بقيادة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه ومن بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله مكانة مرموقة بين الأمم والدول لسياستها الحكيمة المتوازنة ومصداقيتها في التعامل مع مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.
وتنطلق السياسة الخارجية لدولة الإمارات التي وضعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان من مرتكزات الالتزام بالانتماء الخليجي والعربي والإسلامي والحرص على تعزيز وتوسيع دائرة الصداقة مع جميع دول العالم، واعتماد أسلوب الحوار والتفاهم بين الأشقاء والأصدقاء.
وأرسى دستور دولة الإمارات المبادئ والمرتكزات التي تستند إليها السياسة الخارجية للدولة حيث نص على أن اتحاد دولة الإمارات هو جزء من الوطن العربي الكبير الذي تربطه به روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك.
وأوضح أن أحد أهم أهداف الاتحاد هو “إنشاء روابط أوثق بين دولة الإمارات في صورة دولة مستقلة ذات سيادة قادرة على الحفاظ على كيانها وكيان أعضائها متعاونة مع الدول العربية ومع كل الدول الأخرى الصديقة في منظمة الأمم المتحدة والأسرة الدولية على أساس الاحترام المتبادل وتبادل المصالح والمنافع”.
وشهدت علاقات الإمارات الدولية خلال السنوات الأخيرة نقلة كبيرة عبرت عن كفاءة الدبلوماسية الإماراتية وما تتمتع به الدولة من رصيد إيجابي لدى دول العالم المختلفة.
وعبّر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله عن ذلك أصدق تعبير بقوله في الأول من ديسمبر العام 2005 بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام الدولة: “إن سياستنا الخارجية في دوائر اهتمامها الأربع الخليجية والعربية والإسلامية والعالمية ترتكز على قواعد ثابتة ومبادئ وأسس واضحة أساسها الاحترام المتبادل وحُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وإقامة العلاقات على أساس المصالح المتبادلة وتنمية روح التعاون وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية والالتزام بالمواثيق العربية والإسلامية والدولية والوقوف إلى جانب الحق والعدل والمشاركة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين”.
كما أكد سموه في 13 أكتوبر 2009 يوم بدأت اللجنة الإدارية للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا» اجتماعها الأول في مقر الوكالة في أبوظبي بمشاركة 150 ممثلاً عن 70 دولة، السمة الأساسية للسياسة الخارجية للدولة منذ إنشائها وهي الانفتاح على العالم وتنمية العلاقة مع قواه المختلفة في الشرق والغرب والشمال والجنوب والعمل على تطوير هذه العلاقة على الدوام على أسس من الاحترام المتبادل والتكافؤ والمصلحة المشتركة.
وكان نجاح الدولة في الحصول على مقر هذه الوكالة إنجازاً دبلوماسياً كبيراً، وتعبيراً عن نجاح السياسة الخارجية الإماراتية القائمة على الانفتاح والداعية إلى التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية المشتركة إذ عدت الدولة الأولى في المنطقة التي تستضيف مقراً لمنظمة دولية ينتظر أن تقوم بدور مهم في قضية حيوية تهم مستقبل العالم كله.
وفي هذا السياق، أكدت الإمارات أن قانون الاستعمالات السلمية للطاقة النووية الذي أصدرته الدولة يعتبر خطوة مهمة لتجسيد الطابع السلمي لمختلف جوانب برنامجها النووي الذي يبدأ تشغيله تجارياً العام 2017، والذي سيستخدم بشكل خاص لتوليد الطاقة وتطوير الخدمات الطبية والصناعة وبشفافية تامة لا تضر بالبيئة والسلامة العامة وهو ما يؤهله ليكون برنامجاً نموذجياً لامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وسخرت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيامها في الثاني من ديسمبر العام 1971 كل إمكاناتها لصالح قضايا الأمة العربية والإسلامية لتحقيق التضامن والتآزر وتوحيد الصف العربي والإسلامي.
ولم تتوقف الدولة يوماً عن الدعوة إلى لمّ الشمل واستعادة التضامن وتجاوز الخلافات وتحقيق المصارحة والمصالحة والوقوف صفاً واحداً في مواجهة المخاطر، كما أسهمت بفعالية في تطوير آليات العمل العربي المشترك وكذلك دعم منظمة المؤتمر الإسلامي وأجهزتها المتخصصة.
ووقعت الدولة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة انطلاقاً من اهتمامها بالإنسان كالركيزة الأولى للتنمية وإعلاء قدره وكرامته وبالعمل العربي المشترك وتنميته لصالح الإنسان العربي.
وحدة الهدف والمصير .. تكامل خليجي
أسهمت الإمارات بشكل فاعل في تطوير آليات العمل العربي المشترك، فحرصت باعتبارها من الدول المؤسسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وانطلاقاً من إيمانها بوحدة الهدف والمصير على تعزيز العمل الخليجي المشترك، وأسهمت مع دول المجلس، منذ إعلان ميلاده في أبوظبي في 25 مايو 1981، في تعميق روابط التعاون والتآزر بين دوله وشعوبه.
وأكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله أن ما تحقق في مسيرة مجلس التعاون منذ انطلاقه يدعو إلى الفخر والاعتزاز إزاء ما يجمع دول المجلس من تقارب وتعاون يزيد صلابة البيت الخليجي.
وسعت الإمارات إلى تحقيق التكامل بين دول المجلس في مختلف الميادين، وتنسيق مواقفها وسياساتها الخارجية والاقتصادية وعلاقاتها الإقليمية والدولية مع دول العالم كافة، بما يحقق مصالحها القومية ومنفعة شعوبها الوطنية وطموحاتها في الازدهار والاستقرار، ما أكسب منظومة المجلس ثقلا ووزنا كبيرين على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولم يوفر سعي الدولة في هذا الإطار أي صعيد سواء العمل الجماعي أو الثنائي أو أعمال اللجان العليا المشتركة التي تربط الإمارات مع دول المجلس، وبما يحقق المصالح المشتركة والمتبادلة بين شعوبه.
من هذا المنطلق عمدت الإمارات إلى تنسيق المواقف بين الدول الأعضاء تجاه مختلف القضايا باعتباره ركنا مهماً من أركان التعاون الخليجي، حيث أسهم التجانس بين دول الخليج العربية في تمكين مجلس التعاون من تبني مواقف موحدة تجاه القضايا السياسية، واعتماد سياسات ترتكز على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سـيادة كل دولة على أراضيها ومواردها، واعتماد مبدأ الحوار السلمي وسيلة لفض المنازعات، الأمر الذي أعطى المجلس قدراً كبيراً من المصداقية، كمنظمة دولية فاعلة في هذه المنطقة الحيوية للعالم بأسره.
وظلت رؤية الإمارات إلى هذا الكيان الموحد تستند إلى واقع تاريخي واجتماعي وثقافي، حيث تتميز دول مجلس التعاون بعمق الروابط الدينية والثقافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وهي في مجملها عوامل تقارب وتوحد، عززتها الرقعة الجغرافية المنبسطة عبر البيئة الصحراوية الساحلية التي تحتضن سكان هذه المنطقة، ويسرت الاتصال والتواصل بينهم وخلقت ترابطاً بين سكان هذه المنطقة وتجانساً في الهوية والقيم.
وبدأت الجهود المكثفة لقيام مجلس التعاون لدول الخليج مع مؤتمر القمة العربي الحادي عشر الذي عقد في عمّان بالأردن في شهر نوفمبر 1980، حيث اضطلعت الإمارات والكويت بعرض فكرة إنشاء استراتيجية خليجية مشتركة للتعاون في جميع المجالات على قادة دول الخليج العربية الست.
وكان التصور يقوم على تقوية الروابط بين هذه الدول في كل المجالات السياسية والاقتصادية والنفطية والثقافية والعسكرية في إطار تنسيق مشترك تجمعه استراتيجية شاملة، ورحبت دول المنطقة بالفكرة بشكل عام.
وفي فبراير العام 1981 عقد في الرياض مؤتمر ضم وزراء خارجية دول الخليج، حيث تمت مناقشة خطة العمل لقيام الكتلة الإقليمية الخليجية التي عرفت فيما بعد باسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية عند الإعلان عنه في أبوظبي في 25 مايو 1981.
فلسطين أولوية ودعم لا محدود
وفرت دولة الإمارات العربية المتحدة دعماً غير محدود للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى ومن أولويات العمل العربي المشترك.
ووضعت الدولة القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها في علاقاتها بمختلف دول العالم، حيث دعمت الدولة نضال الشعب الفلسطيني في جميع مراحله في مواجهة ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي حتى يتمكن من استعادة حقوقه الوطنية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبذل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله جهوداً مشهودة في هذا المجال، وصدرت عنه تصريحات رافقت مختلف أبعاد هذه القضية ومراحلها، باعتبارها قضية كل العرب.
وقال صاحب السمو رئيس الدولة إن “دولة الإمارات العربية المتحدة هي جزء من الوطن العربي، وقضية الشعب الفلسطيني المناضل هي قضيتنا والأرض هي أرضنا والعدو هو عدونا، ونحن ندرك موقفنا في المواجهة مع العدو، والذي لا تقف أطماعه عند حد أو قيد، وسيستمر دعمنا لنضال الشعب الفلسطيني بلا حدود تكريماً لوحدة الهدف ووحدة المصير، ونحن نرفض دائماً الإعلان عن أشكال هذا الدعم، لأن قناعتنا هي أن ما نقوم به هو ما يفرضه علينا الواجب والنخوة العربية الأصيلة، وتعاليم الدين الحنيف، والمصلحة العليا لأمتنا من أجل استرداد وتحرير الأرض واستعادة الحقوق المشروعة”.
وأكدت دولة الإمارات دائماً أنها لن تدخر جهداً في سبيل استرجاع الحقوق العربية المغتصبة، انطلاقا من واقع أن الدولة جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وبالتالي فإنها لن تبخل بالمال أو النفس في سبيل أية خطوة من شأنها تعزيز الصمود العربي واستكمال عوامل النصر وتحرير الأراضي المحتلة.
وشددت الإمارات على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالسلام وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.
دعم العملية السياسية في العراق
وقفت الإمارات وقفة مشهودة ضد غزو النظام العراقي للكويت الشقيقة في أغسطس العام 1990، واستنكرت العدوان، وفتحت ذراعيها بكل الحب والترحاب للأسر الكويتية التي قدمت إليها، وشاركت القوات المسلحة الباسلة في معركة تحرير الكويت بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة.
لكن الدولة بالمقابل وبعد تحرير الكويت تعاملت بشفافية مع الأزمة التي نشبت بين العراق والأمم المتحدة حول التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، وأكدت الإمارات باستمرار رفضها لاستخدام القوة ولأي عمل عسكري ضد العراق.
وبلغت قيمة المساعدات الإنسانية التي أرسلتها جمعية الهلال الأحمر لدولة الإمارات إلى الشعب العراقي في أواخر العام 1996 ما يناهز 10 ملايين درهم إماراتي.
وركزت دولة الإمارات جهودها دائماً على دعم عراق مستقر وآمن، وتضامنت مع شعب العراق وساندته في المحن التي مر بها قبل الحرب وأثنائها وبعدها ودعمت جهود قادته وأبنائه في إعادة بناء دولتهم واسترداد سيطرتهم على وطنهم ومقدراته وشؤونه كافة.
وأمام التداعيات السلبية للحصار الذي فرض على العراق، عززت مساعداتها الإنسانية للعراق خلال سنين الحصار والجدب التي مني بها البلد.
وبقيت سياسة الدولة هادئة، حكيمة، ومتزنة تسعى لتثبيت معادلات الاستقرار والأمن في المنطقة أثناء بروز أزمة العراق، وليس أكثر دلالة على هذا، ما عرف بـ “مبادرة زايد” قبيل الحرب على العراق عام 2003 بهدف تجنيب الشعب العراقي أولاً والمنطقة برمتها ويلات العدوان.
وتوجه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بالنصح إلى القيادة العراقية بتلافي الأسباب التي قد تؤدي إلى تصعيد المواقف، وبما يعرض العراق إلى ضربة عسكرية لا تحمد عقباها. وتوجه بمبادرته إلى مؤتمر القمة العربية الذي كان منعقداً في مدينة شرم الشيخ بمصر في الأول من مارس 2003، دعا فيها القادة العرب إلى مطالبة الرئيس العراقي السابق بالتنحّي عن الحكم لتجنيب العراق وشعبه ويلات الحرب.
وكانت دولة الإمارات في طليعة الدول التي دعمت العراق ووقفت إلى جانب شعبه حتى يستعيد عافيته ويتجاوز المحنة التي مر بها، وما زالت تدعم العملية السياسية في العراق وكذلك جهود إعادة إعماره، وتنظر بعين من الأمل إلى الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية من أجل تحقيق الوحدة الوطنية وإرساء الأمن والاستقرار في ربوع العراق وإلى ما تم اتخاذه من توصيات في إعلان أبوظبي ومؤتمر نيويورك حول العقد الدولي لإعادة بناء العراق.
المصدر: أبوظبي