السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطلاق الغيابي.. هل يظلم المرأة ويحرمها من الميراث؟

الطلاق الغيابي.. هل يظلم المرأة ويحرمها من الميراث؟
11 فبراير 2010 20:37
التشريع الإسلامي نظر للأسرة على أنها الوحدة الأساسية في بناء المجتمع فهي الحاضنة للأفراد على اختلاف مستوياتهم وأصنافهم آباء وأمهات وأبناء وقرابات فإذا صلح بناء الأسرة صلحت كل هذه المستويات وارتبط الجميع برباط المودة والرحمة ولذلك يضع التشريع الإسلامي قاعدة التكافل القائمة على التراحم. د عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية أعد دراسة عن الطلاق الغيابي وموقف الإسلام منه قال فيها إن التشريع الإسلامي جعل القبول المشترك من الزوجين أساسا لبداية قيام الأسرة لكي تحقق غاياتها من إقامة بناء متكامل متكافل تؤدى فيه الواجبات وتؤخذ فيه الحقوق بالتراضي والحب والثقة والأمان المتبادل فلا يجوز أن يمسك أحد الزوجين وحده بطرف البداية. وقد رد الرسول صلى الله عليه وسلم زيجات لم يتم فيها الاختيار الحر فقد وردت أحاديث كثيرة ثبتت بطرق شتى منها ما أخرجه البخاري من أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي ثيب فكرهته، فرد عليه السلام نكاحه. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاج بكر وثيب أنكحهما أبوهما وهما كارهتان. رضا مشترك وأضاف د بيومي قائلا: “إن بدأت الحياة الزوجية على أساس من الرضا المشترك فإن التشريع يحرص كل الحرص على استمرار هذا الرضا المشترك بحيث يظل اختيار الحياة الزوجية قائما طول الحياة وبحيث لا يشعر أحد الزوجين في لحظة من حياتهما أنه صار مرغما على قبول هذه الحياة المشتركة. ولذلك وضع الإسلام من التشريعات في يد كل من الزوجين، ووضع الإسلام حق الطلاق بيد الرجل ووضع حق الخلع بيد المرأة وإن كان قد حذر كلا من الزوجين من سوء استخدام الحقوق التي في أيديهم. ونبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال بأن الطلاق “أبغض الحلال إلى الله” ونبه النساء إلى أن أي امرأة تخالع زوجها دون مبرر لا تشم رائحة الجنة. ولذلك جعل الله عز وجل الخلع مرة واحدة وجعل الطلاق الرجعي مرتين والطلاق البائن ثلاث تطليقات ثلاث مرات، وأمر الرجل بإمساك زوجته بالمعروف وأن يصبر عليها ويعالج بحكمه ما قد يغضبه منها، ونصب الحكمين ليصلحا بين الزوجين إذ خيف نشوز الزوجة. والرجل بطبيعته أكثر احتمالا لمتاعب الحياة وتحمل المشاق أما المرأة فهي أرق عاطفة. وشرع الله الطلاق على مراحل في مواجهة هذه العاطفة الرقيقة إذا تقلبت وفي مواجهة غضب الزوج بالحكمة والتدرج فقسم الطلاق إلى طلاق سني، وطلاق بدعي، فالطلاق السني: أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه حتى لا يطيل عليها أمر العدة، فتحسب العدة من الطلاق ثلاث حيضات من الحيضة الأخيرة أما إذا طلقها في أثناء حيضها فيطيل عليها مدة العدة ليضرها ومن ثم يعرض نفسه لغضب الله عز وجل نتيجة ظلمه لها. وقد كان عليه أن يتبع طلاق السنة حتى لا يطيل عليها المدة لأنه أقوى منها وأكثر حكمة وهذه هي الدرجة التي للرجال على النساء. ولذلك كان الطلاق البدعي الذي يستهدف الرجل من ورائه الإضرار بالمرأة بتطويل فترة عدتها. الطلاق البدعي ورغم الأيات التي وردت في كتاب الله إلا أن الإسلام وضع عقبة يحذر بها الذين يجازفون بالطلاق البائن سواء كان بطلقة واحدة أو ثلاث بأن عليه أن يعلم أنها لن تعود إليه إلا بعد أن تتزوج رجلا غيره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن هذا الزواج المحلل، قال عليه الصلاة والسلام “لعن الله المحلل والمحلل له” وذلك حتى تثار رجولة المطلق وغيرته بأن زوجته ستقع في غيره. وقال تعالى: “فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون” وحذر القرآن أشد التحذير من أن يمسك الرجل المرأة ضرارا وعدوانا فيجعلها معلقة، لا هي بالمتزوجة ولا بالمطلقة، كأن يطلقها حتى إذا كادت عدتها تمضي قبل يومين أو ثلاثة يراجعها ويصرح القرآن بأن من يفعل إنما يظلم نفسه بتعريض نفسه لعقاب الله الشديد. وقد ألغى الرسول عليه السلام الطلاق البدعي وأمر عمر أن يأمر ابنه بمراجعة زوجته وفي هذا دليل راجح على إلغاء هذا الطلاق. وبخصوص الطلاق الغيابي فإن القرآن الكريم أمر بالإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة حتى تستبين حدود الله. والإشهاد على الطلاق وعلى العدة والرجعة أمرا واجبا في عصرنا الذي عمت فيه طلاق النساء دون علمهن، والمنطق الذي قام عليه التشريع في اشتراط الإشهاد على الديون والمعاملات كما قال تعالى: “واشهدوا إذا تبايعتم”. وكما جرت الأعراف بتوثيق العقود بالإشهاد وبالتشريع الذي أجمع الأئمة على جعل الإشهاد فيه ركنا من أركان عقد الزواج. مصالح العباد وأوضح د. بيومي أن تحقيق مصالح العباد هو الغاية العليا للتشريع وحتى لا تضيع هذه المصالح ويفتح المجال للنزاع بين الناس الذي يعد منعه مقصد الشريعة الأسمى فلابد أن يتم الإشهاد على الطلاق والرجعة، علما بأن كثيرا من الأئمة القدامى يرون أن الإشهاد على الطلاق أو الرجعة أمر مندوب وليس واجبا تدعو إليه عن تضييعها وأن الطلاق يقع بدون إشهاد فذلك ربما كان مناسبا لعصور مضت كانت وقائع الطلاق تشاع وتشتهر كما تشاع وقائع الزواج وتشتهر. والأئمة الذين كانوا لا يرون وجوب الإشهاد على الطلاق والرجعة لم يكونوا يرون الحاجة إلى ذلك في عصرهم، لأن وقائع الرجعة كانت مشهورة. أما عن ما نقله الشيخ سيد سابق رحمه الله من أن جمهور الفقهاء من السلف ذهبوا إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأن الطلاق حق من حقوق الرجل ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد. والإشهاد لا يعارض حق الرجل في الطلاق ولا ينقص من هذا الحق بل يثبته إذا كان صادقا فيه، فالرجل إذا أراد أن يطلق امرأته وهذا حقه فلماذا يريد أن يخفي الإشهاد عليه، اللهم إلا إذا كانت رغبته في الطلاق غير معقودة عنده وإنما يريد أن يضر امرأته فالإشهاد إشهاد على فعلة الحق بنيته الحقيقية على الطلاق، وهذا أولا... الأمر الثاني إذا لم يكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد في كتاب الله ولم تتضح الحاجة في عصره صلى الله عليه وسلم إلى مزيد بيان لكتاب الله فتوضيح الواضح أو بيان المبين لا فائدة منه. النقطة الثالثة: إن الكلام ليس في مشروعية الإشهاد لأن مشروعيته تثبت بالقرآن فيما عرضنا من قوله تعالى في الحديث عن الطلاق “واشهدوا ذوي عدل منكم” وإنما الكلام في الالتزام بالآثار والحقوق والواجبات التي تترتب على الطلاق فالرجل الذي يطلق لا يصادر الشهود على حقه. رابعا: حتى إذا لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما يدل على مشروعية الإشهاد فهل ورد عنهم مشروعية التوثيق بكتابة هذا العقد والإشهاد عليه مما نراه في عصرنا في قسيمة خاصة وديوان خاص. النقطة الخامسة: أنه لم يرد عن الصحابة ما يدل على هذه المشروعية فقد نقل أستاذنا الشيخ سيد سابق رحمه الله رحمة واسعة في كتابه “فقه السنة” وفي نفس الموضع قوله بالنص “وتبين مما نقلناه عن السيوطي وابن كثير أن وجوب الإشهاد لم يتفرد به علماء آل البيت عليهم السلام. قاعدة عادلة وعن عبدالرازق عن ابن سيرين أن رجلا سأل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد قال: بئس ما صنع طلق لبدعة وراجع لغير سنة فليشهد على طلاقه وعلى مراجعته وليستغفر الله. وقال جعفر الصادق رضي الله عنه، من طلق بغير شهود فليس بشيء. قال السيد المرتضى في كتاب الانتصار: حجة الإمامية في القول: إن شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق ومتى فقد لم يقع الطلاق لقوله تعالى: “واشهدوا ذوي عدل منكم”. قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهدا عدل، كما قال الله عز وجل، إلا من عذر. وحتى يتم هذا التشريع: أرى أن من طلق امرأته غيابيا دون أن يعلمها فإن الطلاق يقع في حقه ويلتزم به دون أن يقع في حقها قبل أن تعلمه فآثاره عليه لأنه الذي أوقعه. على أنه إذا مات ولم تعلم أو مات في الشهر الذي أعلمها فيه ترث منه وتجب لها حقوق الزوجة قياسا على من طلق امرأته في مرض الموت، إعمالا للقاعدة الفقهية “من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه” فإذا أراد بإخفاء طلاقها تعجلا فيه حتى لا ترث منه عوقب بعكس مقصوده وهي قاعدة عادلة تسري في الميراث وفي الفقه الإسلامي كله.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©