منى الحمودي، ناصر الجابري (أبوظبي)
الحديث عن الطلاق أو أبغض الحلال أصبح كما الحديث عن كرة الثلج التي كبرت وأصبحت تحتاج إلى وضع حد لتداعياتها على الأسرة والمجتمع، ومنذ صدور قانون الأحوال الشخصية وتطبيقه عام 2005 بالدولة، والمشكلات المترتبة على الطلاق لم تنته، وعلى الرغم أيضاً من وجود أقسام التوجيه الأسري في المحاكم، إلا أن هذه الأقسام وعلى الرغم من جهودها المقدرة لم تنجح بالشكل الكافي في وضع حد لهذه الظاهرة المهددة للتماسك المجتمعي. وكشفت الإحصاءات الرسمية التي حصلت عليها «الاتحاد» أن الفترة منذ بداية 2016 وحتى نهاية العام الماضي، شهدت تناقصاً متزايداً في حالات زواج المواطنات في أبوظبي، يقابله ارتفاع في عدد حالات الطلاق سواء للمواطنين أم المواطنات، كما سجل المواطنون انخفاضاً في عقود الزواج المسجلة للعامين الماضيين، عن الأعداد المسجلة في 2015، وبلغ عدد حالات الزواج للمواطنين خلال آخر 5 سنوات، وفقاً لمركز الإحصاء في أبوظبي 19031 حالة، مقابل تسجيل 5858 طلاقاً للمواطنين الذكور، بنسبة طلاق تصل إلى 30.1% من إجمالي عدد عقود الزواج للمواطنين بأبوظبي.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو السبب الرئيس في تزايد هذه الظاهرة؟، هل هو قانون الأحوال الشخصية، حيث يطالب البعض بتعديله لوجود بعض الثغرات به تفتح المجال لاستغلالها من قبل بعض المطلقين والمطلقات في تنفيذ أهدافهم؟ وهل هناك استراتيجية موحدة للحد من نسب الطلاق في المجتمع؟ وهل ندية المرأة العاملة في طلب الطلاق تهدد الاستقرار الأسري؟ ولماذا تحولت رؤية الأبناء بعد الطلاق إلى صداع في رأس الآباء والأمهات؟! اللافت أن الصراعات بين الأسرة الممتدة نتيجة متوقعة لانفصال الزوجين، وأن حروب ما بعد الطلاق تتحول إلى خلافات مزمنة بين الطرفين، وللأسف الأبناء هم الضحية في النهاية.
وفقاً للتقارير المحلية، تعتبر معدلات الطلاق في دولة الإمارات من بين المعدلات العالية في المنطقة، حيث تُعزى أسباب ارتفاع معدلاته بشكل عام إلى الصورة المختلفة لمفهوم الزواج المتكونة في الوقت الحالي بالمقارنة بالماضي، والتوقعات غير الواقعية لدى الجيل الحالي، بالإضافة لاختلاف الثقافات والخيانات الزوجية.
القوانين المتبعة
وأكد عدد من المحامين، أن القوانين المتبعة في دولة الإمارات فيما يخص موضوع الطلاق تقف في مصلحة «المحضون» في المقام الأول، حيث تراعي تنشئته والقيم والأخلاقيات التي يجب أن يترعرع عليها، وفقاً للبيئة المحيطة به، كما أن هذه القوانين لا تميل لمصلحة طرف على حساب طرف آخر، موضحين أهمية الثقافة القانونية والوعي خلال الزواج تفادياً للوقوع في حالات الطلاق والفشل في تحقيق مصلحة الأسرة.
وقال المحامي محمد البريكي: تستمد القوانين والتشريعات من الشريعة الإسلامية، حيث اشترط القانون في حالة طلب المرأة الطلاق للضرر، وجود دليل واضح وملموس، كحكم جزائي صادر ضد الطرف الآخر أو حدوث ضرب من الزوج للزوجة، وأسباب أخرى حددها، حيث لا يجيز القانون تطليق المرأة من دون أسباب يقينية واضحة.
وأضاف: إن القانون لا يقف مع الرجل ولا المرأة، بل هو يقف مع المحضون في المقام الأول، بينما تقدر النفقة بحالة الزوج المادية، نظراً لوجود تباين في الحالات المادية واختلاف بين زوج وآخر، وتخضع لتقديرات ظروفه ومستواه المعيشي، وعلينا أن ندرك أن النفقة هنا ليست للمطلقة بل للمحضون، مشيراً إلى أن الحل في تقليل نسب الطلاق هو تطبيق القانون بما هو منصوص عليه، وما أوضحه من حالات لتطليق المرأة من عدمها، وخلع وما سواه، لافتاً إلى ضرورة فهم القانون وبنوده ومواده المختلفة قبل الحكم المسبق حوله.
المؤخر فقط
من جهته، قال المحامي محمد المرزوقي: مسألة ارتفاع أو انخفاض عدد حالات الطلاق لا يتعلق بالجانب القانوني، إنما بالجانب الاجتماعي، حيث إن الشق القانوني ليس مسانداً للطلاق وحدوثه، بل هو يراعي مصلحة المحضونين، من خلال حرصه على التطرق إلى بيت الحاضنة، ونفقة المحضونين وهم الأطفال، ولذلك لا تحصل المرأة في حال طلاقها من دون أبناء إلا على مؤخرها فقط.
وسرد المرزوقي قصة لإحدى الزوجات، التي ارتبطت مع زوجها لمدة 7 سنوات، حيث كانت تصرف عليه خلال تلك السنوات، إلا أنها لم تنجب له أبناء، وعندما تزوج عليها زوجها ورزق بابن من زوجته الثانية، أرادت طلب الطلاق، وسألت عن حقوقها في هذه الحالة، فأجبتها بأن القانون ينص على حصولها على المؤخر، إضافة إلى النفقة خلال فترة العدة فقط، دون أمور أخرى نظراً لعدم وجود محضون.
وأشار إلى أن الجانب القانوني واضح، حيث إن القاضي لا يحكم بتطليق المرأة إلا إذا أحضرت بينة للضرر، وهناك حالات لرفض دعوى الطلاق لعدم وجود البينة، ولا تتساهل الجهات القانونية بل تحرص على تنفيذ القانون من أجل الحفاظ على وحدة وكيان الأسرة.
وشدد المرزوقي على أنه من الضروري نشر التوعية بأهمية التحلي بالصبر والحكمة والحلم خلال الحياة الزوجية، موضحاً أن الحياة تمر بعدد من التحديات والظروف ولا يمكن لأحد أن يصل للمثالية، إضافة إلى ضرورة استلهام القيم والمبادئ الداعية للتعايش بين الزوجين وتقبل وفهم الآخر من الآباء والأجداد الذين كانوا يتحلون بالصبر، على الرغم من الظروف المختلفة والمعيشة التي تفرض أنماطاً معينة من الحياة.
وأكد أن المقارنات في أذهان البعض، سواء الأسر أم الأزواج والزوجات، تعتبر أحد أهم العوامل المؤدية إلى الطلاق، فاليوم هناك من يقارن بين ما تمتلكه امرأة بأخرى، ومكان وجهة السفر وقضاء الإجازة، ونوع السيارة التي يقودها الزوج، والمظاهر الخارجية البراقة، والتي خدعت البعض ممن يلهث خلفها، ويتناسى أهم مفاتيح النجاح بالحياة الزوجية.
ولفت إلى أنه ينبغي على الجهات المعنية بالدعم الاجتماعي والحفاظ على الأسرة، تفعيل دورها في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر المقاطع المرئية التي ترفع من مستويات التوعية بضرورة الوعي بأهمية كيان الأسرة والحفاظ على الأبناء من مغبات الضياع، خاصة مع رواج استخدام هذه الوسائل، باعتبارها الوسيلة الأنسب لإيصال الرسائل المجتمعية الهادفة ذات الرسالة الواعية.
واختتم المرزوقي بالتأكيد على أن القانون منصف ومحايد ولا يحتاج إلى تغيير، وما يتعلق برفض البعض لبعض نقاط قانون الأحوال الشخصية، إنما يعود إلى تنفيذه بالقوة في حالة إخلال أحدهم عند تنفيذ الأحكام.
التوافق الفكري
من ناحيته، أوضح المحامي إبراهيم خوري، أن التشريعات والقوانين مستمدة من التشريع الإسلامي الحنيف، وهي لا تسهل من الطلاق، حيث يوجد توجيه أسري في المرحلة الأولى ومحاولة للإصلاح بينهما، ومرحلة الحكمين، ومرحلة قرار المحكمة في حال عدم التوصل لنقطة تلاقي بينهما، وهي مراحل قد تؤدي بينهما إلى الصلح نظراً لطول كل مرحلة.
وأشار إلى وجود عدة أسباب للطلاق، منها بعض العادات التي تؤدي إلى زواج شخص غير مؤهل لمجرد وصوله لمرحلة عمرية معينة، دون مراعاة للتوافق الفكري مع الطرف الآخر وإمكانية العيش معه، وبناء أسرة سعيدة تستطيع المساهمة بإيجابية في بناء المجتمع.
وأضاف: من المهم إدخال مادة دراسية لتوضيح حقوق الزوج والزوجة، بحيث يكون أبناء الجيل الحالي على دراية بما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات من المهم تأديتها، حيث تكون مادة ترفد الوعي القانوني لديهم وتعرفهم على قانون الأحوال الشخصية المتبع بمختلف نقاطه.
ورداً على ما يتداوله البعض من دور سلبي لبعض المحامين في تحريض بعض الأطراف على الطلاق، أوضح أن المحامي يؤدي واجبه كمستشار قانوني، حيث يمنح نصيحته لموكله بما تنص عليه القوانين ويسعى لأن يوضح مختلف جوانب الدعوى، واضعاً في اعتباره صحيح القانون والمواد بما يتوافق مع مختلف الحالات.
الحقوق المتبادلة
من جهته، قال المحامي محمد التميمي: صدر قانون الأحوال الشخصية في سنة 2005، ومنذ صدوره لم يتم تحديثه أبداً لتاريخه، وهو بحاجة لذلك، فالقوانين من صفتها أنها مرنة، وهذا مصطلح يعرفه كل قانوني، حيث إنها قابلة للتعديل والتغييـر بما يتناسب والحاجة، فقانون الأحوال رائع ببعض مواده، واليوم يحتاج تعديلاً في بعضه الآخـر.
وأضاف: مؤخراً تم الحكم بقرار من المحكمة بالقبض على امـرأة لعدم تنفيذها حكم تسليم جوازات سفر المحضونين لولي الأمـر «الأب»، وهذا القرار يؤكد أهمية معرفة الحقوق المتبادلة وتغيير النظرة السلبية عن القانون، نظراً أنه شاع بين البعض أن قانون الأحوال الشخصية لا يرحم الزوج و دائماً ضده.
ثغرات قانونية
أوضحت موزة القبيسي الأخصائية الاجتماعية والمدرب المحاضر في الوعي الاجتماعي في إدارة الدعم الاجتماعي بالقيادة العامة لشرطة أبوظبي، أن مراكز الدعم الاجتماعي هي إحدى الإدارات الشرطية التابعة للقيادة العامة لشرطة أبوظبي المتخصصة في حل المشكلات الاجتماعية المسببة للجريمة بشكل مبكر، كما أن «الدعم الاجتماعي» لديه مهام أخرى تتمثل في رؤية المحضون، وتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالأحوال الشخصية الزوجية.
وقالت: «تتقاطع مراكز الدعم الاجتماعي وقانون الأحول الشخصية في القضايا المتعلقة بالطلاق، ومن أبرز الأسباب التي زادت من حالات الطلاق لأسباب واهية وغير منطقية، قانون الأحوال الشخصية المعمول به في الدولة منذ 2005، كونه غير رادع، فالزوجة التي ترغب في الانفصال عن زوجها لأسباب غير مقنعة، ودون تضررها من الزوج، تذهب إلى المحكمة، وكلها يقين أن القاضي سيطلقها، حتى لو لم يكن لديها دليل على ثبوت الضرر من الزوج، لأن القانون نفسه لم يعطه الصلاحية برد الدعوى، إذا لم تكن أسباب طلب الطلاق مقنعة للمحكمة، أو لا يوجد ما يثبت تعرضها للأذى والضرر من الزوج».
وأضافت أن: قانون الأحوال الشخصية لا يفرق عند وقوع الطلاق، بين الزوجة التي طلبت الطلاق للضرر الواقع عليها من الزوج، وبين تلك التي تدعيه، وغير قادرة على إثباته، لا بشكل شخصي، ولا
من خلال الحكمين، لافتة إلى أن بعض الزوجات اللاتي يتقدمن إلى المحكمة لطلب الطلاق، لسن دائماً على حق، ولكنهن يطلبنه رغبة في الابتعاد عن أزواجهن، وإنهاء العلاقة معهم، والشاهد على ذلك، أن الكثير منهن يفشلن في إقناع القاضي بالضرر الواقع عليهن من الأزواج، سواء الضرب أم السب أم الصراخ أم الخيانة، وليس لديهن شهود على ذلك.
أهلية الحاضن
وأشارت موزة القبيسي إلى أن قانون الأحوال الشخصية لم يضع معايير واضحة تحدد مواصفات دقيقة للشخص الأصلح للمحضون، وإنما تركها مبهمة وفضفاضة، مما فتح المجال أمام الطعن في أهلية الحاضن وصلاحيته والتشكيك في قدراته على رعاية الطفل، كما حدد القانون فترة حضانة الأم حتى 11 عاماً للولد و13 عاماً للبنت، لكنه ترك الأمر للاجتهاد إذا تجاوز عمر الطفل هذه السن.
ولفتت إلى عدم أهلية كثير من شهود قضايا الأحوال الشخصية الذين يعتد بشهاداتهم من قبل المحاكم، للفصل في النزاع بين الأبوين، حيث إنهم عادة ما يكونون غير مطلعين على أحوال الأسرة، ومن غير ذوي قرابة للأبوين، بل إن بعضهم لا يكونون من جنسية الدولة التي ينتمي إليها الزوجان أو أحدهما.
وأشارت إلى أن ما كان معمولاً به في المذهب المالكي أن الحضانة للأم، ثم للجدة من الأم وإن علت، ثم للأخت ثم للخالة، إلى آخر الترتيب الوارد في الفقه، أي أن الحضانة تكون لمن هم من جهة الأم ثم تنتقل إلى من هم من جهة الأب، أما قانون الأحوال الشخصية، ففيه تناقض في المادة 146 حيث ورد «يثبت حق حضانة الطفل للأم، ثم للمحارم من النساء» مقدماً فيه من يدلي بالأم على من يدلي بالأب، ومعتبراً فيه الأقرب من الجهتين وذلك باستثناء الأب، أي أنه أعطى الحضانة للأب بعد الأم مباشرة»، وبالتالي يسلب القانون الحضانة من الأم لزواجها أو لسفرها أو لأي سبب آخر من أسباب سقوط الحضانة، ويعطيها للأب المنشغل بعمله وسفره وسهراته، مما يضطر الأم إلى أن تحرم نفسها من الزواج حتى لو كانت صغيرة، حتى لا تحرم من حضانة أولادها التي كانت في السابق تنتقل إلى أمها».
وتطرقت إلى مشكلة أخرى تتعلق بسفر الأولاد مع الأم، إذ يوافق بعض القضاة على ذلك، بإصدار أمر على عريضة، فيما يصرّ بعضهم على إقامة دعوى وتمر الأيام والشهور وتنتهي الإجازة وتحرم الأم
من السفر بأبنائها، كما لم يتطرق القانون إلى نفقة الأولاد من كسوة ومصاريف أعياد ونزهات ومواصلات، كما لم تشتمل على مصاريف الماء والكهرباء وصيانة مسكن الحاضنة وتبديل الأثاث بعد سنوات من استعماله.
مكان تعليم الأبناء
ولفتت موزة القبيسي إلى أن القانون أعطى الحق للأب في اختيار مكان تعليم الأبناء، إذ يسعى آباء من خلال هذا الحق إلى الضغط على الأمهات من خلال مطالبتهن بتغيير أماكن دراسة المحضونين، وتحويلهم من مدرسة إلى أخرى، وفيما يتعلق بمبيت المحضون عند الأب، أوضحت أن القانون مأخوذ من مذهب الإمام مالك الذي يمنع مسألة المبيت من دون موافقة الأم طوال فترة حضانتها، فإن بعض الزوجات يتعنتن في أحيان كثيرة من باب الانتقام من الزوج وذلك بعدم السماح له في الحصول على حقه في المبيت.
واعتبرت أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يتساهل مع الطلاق، ولا يوفر الدعم الكافي للموجهين والمصلحين الأسريين في منع وقوعه بين الأزواج المتخاصمين، على اعتبار أنه أمر واقع ومحتوم، حتى لو لم تقدم الزوجة إثباتاً على تضررها من استمرار العلاقة الزوجية مع شريك حياتها. وبالتالي فإن التوجيهات والنصائح التي يقدمها هؤلاء المصلحون إلى الأزواج المتنازعين أشبه بمهدئات لا تمنع وقوع الطلاق بعد زوال أثرها، والزوجة على يقين أنها ستحصل على ما تطلبه من القاضي الذي لا يملك حق الرفض بموجب القانون حتى لو لم تقدم أسباباً مقنعة للمحكمة بشأن انفصالها عن شريك حياتها، بما في ذلك تعرضها للضرر منه.
وقالت: «لم يطرأ أي تعديل على قانون الأحوال الشخصية منذ عام 2005، لذا فنحن في أمس الحاجة إلى هذا التعديل ليستوعب التغيرات المجتمعية والثقافية، ويضع حلولاً أفضل لمسائل الأحوال الشخصية عامة، والطلاق خاصة، علماً بأن المعدلات الحالية للطلاق، ليس سببها المحاكم عينها، ولا تقصير من قسم الإصلاح والتوجيه الأسري، وإنما بسبب القانون عينه، لأنه يعتبر الطلاق أمراً حتمياً واقعاً لا محالة سواء أثبتت الزوجة الضرر أم لا».
وأضافت: «بناءً على ما سبق، فإنه لابد من إجراء تعديل عاجل لقانون الأحوال الشخصية المعمول به الآن في الدولة، حتى لا يبقى الحصول على الطلاق أمراً سهلاً، مع التأكيد على أنه من حق أي زوجة ثبت تضررها من الزوج بالأدلة والشهود».
وتابعت: «يحتاج القانون إلى تعديل فيما يتعلق بمبيت المحضون عند الأب، لأنه مأخوذ من مذهب الإمام مالك الذي يمنع مسألة المبيت من دون موافقة الأم طوال فترة حضانتها، ولأن الأزمان والظروف تغيرت، أصبح من الضروري تدخل المشرع في هذا الأمر الذي لا يعد من الثوابت أو القواعد الآمرة في الشريعة الإسلامية، من أجل السماح للأب في الحصول على حقه في المبيت».
تشويه متبادل
واعتبرت القبيسي أن المشكلة الرئيسية في الحضانة هي أن بعض الأزواج يستخدمون الأبناء سلاحاً في حربهم بعد الطلاق، ويحاول كل منهما كسب محبتهم على حساب الطرف الثاني، فنجد الأم تحرض الأبناء على أبيهم وتسيء إليه وتقدح في أخلاقه وتعاملاته من أجل أن يكرهوه ولا يفكروا في العيش معه، والعكس صحيح.
وقالت: «من الضرورة إعادة نظر المشرع في المدة المسموح بها للآباء لرؤية أبنائهم بعد وقوع الطلاق، حيث إن القانون يحدد ساعات عدة في الأسبوع للرؤية ليست كافية للطرفين، حيث ترد إلينا مطالبات كثيرة بضرورة منح الآباء حق مبيت أطفالهم عندهم بعد وقوع الطلاق، ومن غير الإنصاف حرمانهم من هذا الحق طوال مدة حضانة الأم للأبناء التي حددها المشرع بـ11 عاماً للذكور و13 عاماً للإناث».
وطالب أزواج «مطلقون» بالمساواة في قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالطلاق، حيث أوضحوا لـ«الاتحاد»،أن القانون لا يراعي الطرفين في الكثير من الأمور، حتى تلك الخاصة برؤية المحضون عند الأم، مشيرين إلى أن مصلحة المحضون تقع على عاتق الأم والأب، والقانون الحالي للأحوال الشخصية يعطي الزوجة قوة «التحكم» بالمحضون و«كسر» شوكة الأب.
وقال «أبو مازن»: بما أن المساواة بين المرأة والرجل تحققت في معظم المجالات والتخصصات والوظائف، لماذا لما يكون هناك مساواة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية الخاص بالطلاق، مضيفاً: القانون الحالي لم يعد متوافقاً مع العصر الذي نعيشه، ففي السابق المرأة لم تكن تطلب الطلاق إلا لأسباب قهرية، أما الآن فهناك أسباب تافهة جداً تدمر العائلة وينتهي بها الحال إلى الانفصال.
وأشار إلى ما يعتبره «غير منصف» في شأن رؤية المحضون، وهي ساعتان في يوم واحد من الأسبوع، حيث يبلغ ابنه ثلاث سنوات وهو غير قادر على رؤيته في موقع غير مركز الدعم الاجتماعي، ناهيك عن عدم وجود نص في القانون يسمح للجد والجدة برؤية حفيدهما، وإن الطليقة بإمكانها الحصول على ورقة من المحكمة تمنع هذا الأمر.
مواعيد الرؤية
وتساءل «أبومازن» هل يعقل أن تتحكم الزوجة -وفقاً للقانون- في 99% من مواعيد رؤية المحضون، وعدم إحضاره، والتحكم أيضاً في من يستطيع رؤيته من عدمها، مشيراً إلى أن الأبناء خصوصاً الذكور بحاجة لتعلم القيم والأخلاق من الأب، خصوصاً تلك المتعلقة بالصلاة وتعلم الصلابة والرجولة.
وحتى لا يصل الطلاق لباب أي عائلة بسهولة، ذكر «أبومازن» أن المحامين أحد أسهل الطرق للطلاق بين الزوجين، وذكر بأن أحد أصدقائه قام بعمل تمثيلية، مر من خلالها على خمسة محامين، مصطحباً امرأة معه، والتي كانت تبدي رغبتها بالطلاق من زوجها، ولكنه زوج جيد، وإن طلب الطلاق فقط لأنها لا تريده من غير سبب، حيث كانت ردود جميع المحامين «ولك ذلك»، و«لنبدأ في الإجراءات وعمل العريضة»، ولم يقدم أي محام على نصحها أو محاولة ثنيها عن القرار.
من جهته، أوضح «محمد.ع »، أن أي شخص يقدم على خطوة الطلاق عليه أن يقرأ قانون الأحوال الشخصية بتمعن، حتى يعلم أنه سوف يخسر الكثير من الوقت والجهد وأيضاً المال، فإذا كانت المرأة ترى الطلاق «مشروعاً تجارياً»، فإنها سوف «تقاتل حتى آخر نفس»، مشيراً إلى معاناة المطلقين فيما يتعلق بأن بعض النفقات في الطلاق تصل إلى 50% من راتب الزوج، دون مراعاة له، والذي في أغلب الأحيان يكون أقدم على الزواج من أخرى وأنجب منها أبناء بحاجة للمصاريف، ليدخل في دوامة المشاكل وعدم استقرار الحياة الزوجية بسبب هذا الأمر.
وقال: «معظم المطلقات نساء عاملات، والمطلقة في هذه الحالة قادرة ومتمكنة من أن تصرف على أبنائها، وهنا لا أطالب بقطع النفقة بشكل تام، لكن مطلوب أن يكون بند النفقة في قانون الأحوال الشخصية مرناً في حالة إذا كانت الأم تعمل، أو كانت تسكن في بيت والديها، بأن تُلغى من النفقة قيمة السكن».
ولفت إلى أنه في بداية الطلاق تكون العائلتان في حالة من «الأعصاب المشتعلة»، وتسابق من الطرفين في طلب التعويضات والنفقات، و«العناد» فيما يخص المحضون ونفقته، ويجب في هذه الحالة وجود لجنة أخرى بعد التوجيه الأسري، في الجلسات توضح ما هو حق للمطالبة به من عدمه، مع محاولة تهدئة النفوس.
ويرى «سعيد عبدالله» أن إجراءات الطلاق في المحاكم تسبب معاناة نفسية ومعنوية للكثير من العوائل، وأن قانون الأحوال الشخصية، يعطي الفرصة للمماطلة من قبل الطرفين، مما تسبب في تكدس مئات القضايا في المحاكم.
وقال: «كما هو معروف فإن الطلاق أحد أكثر المؤثرات السلبية على شخصية الأبناء وعلى حياتهم، وذلك عند فقدان الروابط الأسرية، واختفاء الاستقرار من حياتهم، وما يزيد ذلك هو قانون الأحوال الشخصية، والذي لا يحقق التوازن في تربية الأبناء بين الأم والأب، ولا يراعي حقوق الأطراف والفصل بينهم»، وأضاف: «إن الطلاق أصبح يُستخدم كأداة عقابية و«تأديب»، وورقة بيد كل امرأة تفتقر لأدنى مفاهيم الحياة الزوجية».
توحيد بند النفقة
من جهته، يطالب عبدالله النقبي، ومتزوج بأن يتم توحيد بند النفقة في قانون الأحوال الشخصية على مستوى الدولة، وأن لا يكون على مستوى تقديري، ولا يوجد أي بند قانوني خاص بقيمة النفقة، فهناك تفاوت كبير بين مطلق وآخر من المنطقة نفسها.
ولفت إلى أن المبالغ التي يدفعها الرجل تشمل المأكل والمسكن والملبس وراتب الخادمة، ومبلغ استقدام الخادمة كل سنتين ما يزيد عن 10 آلاف درهم، وفي حالة إذ لم تستقدم المرأة خادمة، ولم تسكن في منزل للإيجار، هل هناك آلية لتتبع صرف أموال النفقة في مجالاتها المحددة؟ ولماذا عندما تكون المطلقة موظفة لا يتم مراعاة الرجل في تخفيف مبالغ النفقة التي عليه دفعها شهرياً؟
وذكر أن المطلق يتزوج بأخرى، وتترتب عليه التزامات مالية عديدة، ولربما يترك وظيفته لسبب ما، وكل ذلك لا يتم النظر إليه من قبل المحكمة، وقد يصل الأمر بالشخص لدخول السجن في حالة عدم دفع النفقة، موضحاً أن إلزام الزوج المطلق بالسكن جعل المطلقات يستغللن هذا البند القانوني لمصلحتهن الشخصية، حيث يقمن في منزل العائلة»، لافتاً إلى عائلة لديها أربع مطلقات يسكن جميعهن في منزل والدهن، مما يعتبر قيمة النفقة التي تزيد عن 20 ألف درهم شهرياً بمثابة دخل للأسرة.
المطلقات والمعاناة
أوضحت نساء مطلقات لـ«الاتحاد» أن كل ما يحدث في فترة ما قبل الطلاق وبعدها، ما هو إلا «عناد» لما تراكم على المرأة من تحملها للرجل «غير المسؤول» و«اللامبالي» في فترة الزواج، وذكرت «ن.ب» معاناتها حتى حصولها على الطلاق، والذي مر بمراحل كثيرة، مساوياً لمراحل معاناتها أثناء زواجها. وأشرن إلى أن الطلاق يكسر المرأة، وهناك من ترى أن الطلاق نصر لها، خصوصاً عندما تتخذ قراراً بإنهاء علاقتها بزوجها، وتبدأ بمعاناتها في أروقة المحاكم، حيث تطلب الطلاق، ومن ثم دعوى النفقة، والحضانة، وغيرها من الخطوات التي تجعل الزوجة تحمل «غلاً» أكبر في قلبها كلما زادت مدة زيارتها للمحكمة.
وأكدن من واقع تجربتهن في الطلاق أن قانون الأحوال الشخصية على الرغم من الخطوات الطويلة التي تسبق الطلاق وبعده، إلا أنه لا يهتم غير بالمحضون، فهو يكفل الحياة الكريمة له.
ومن جانبها، أوضحت «ف.أ» مطلقة، أن القانون الحالي يتسبب بنوع ما من المعاناة للأم والأب والأبناء، وهناك «لبس» بسيط فيما يتعلق بحق الحضانة وإقحام أطراف أخرى في الأمر، مشيرةً إلى أنها لم تستخدم «العناد» عند طلاقها، ولديها أربعة من الأبناء، انتقلت حضانة اثنين من الذكور إلى والدهم، فذلك يحقق التربية السليمة الصحيحة التي تريدها لأبنائها. وقالت: «إن بعض النساء ممن يطالبن بحضانة الأبناء، لا ينظرن للابن المحضون، بل لمبلغ النفقة الذي سوف يصلها شهرياً في حالة وجوده لديها، وسط تشجيع «بالعناد» والمطالبة بالأكثر، من قِبل المقربين منها».
وترى أن قانون الأحوال الشخصية قد يحتاج لبعض التعديلات والتي تقطع أمر الطلاق من بدايته، بأن يعمل الزوجان على إصلاح نفسيهما، مشيرةً إلى وقوع الطلاق في الوقت الحالي لأسباب تراها «تافهة» خصوصاً تلك المتعلقة بالحالة «النفسية» للزوجة، والمتعلقة بعدم «رومانسية» الزوج.
استراتيجية لدعم استقرار الأسرة
اعتمدت اللجنة التنفيذية التابعة للمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي في مايو الماضي، استراتيجية دعم استقرار الأسرة في إمارة أبوظبي 2018-2025 والتي تهدف إلى إيجاد السياسات والتشريعات والخدمات لبناء أسر سليمة ومستقرة، وتمكينها للتعامل مع التحديات التي تهدد استقرارها وتماسكها، واعتماد أطر حوكمة عبر القطاعات والمؤسسات ذات العلاقة بشراكة مجتمعية وفق أفضل الممارسات والتقنيات التي أثبتت نجاحاً في تعزيز استقرار الأسرة، ويأتي ذلك تحقيقاً لرؤى القيادة الرشيدة لدولة الإمارات وحكومة إمارة أبوظبي في الارتقاء بالأسرة ودعم وتعزيز تماسكها الاجتماعي، وقد تم إعداد الاستراتيجية وفق أحدث المناهج في التخطيط الاستراتيجي التنموي، استناداً إلى مفاهيم إدارة المخاطر الاجتماعية ونظرية التغير الاجتماعي والاستراتيجية المبنية على المحصلات، وتتكامل الاستراتيجية مع خطة أبوظبي، وتترجم ما ورد فيها لتحقيق رفاه وتماسك الأسرة بكفاءة عالية وتعزيز مقومات تنمية اجتماعية تضمن حياة كريمة لأفراد المجتمع من خلال تصميم مبادرات مشتركة بين الجهات المعنية، وذلك بهدف تحقيق أثر مستدام ذي قيمة مضافة لتحقيق محصلات شاملة، وتقييم حجم التغيير الإيجابي في ثقافة وسلوك المجتمع.
وترتكز الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسة، تتمثل في جيل واعٍ يستشعر مسؤوليته تجاه دعم الأسرة واستقرارها وشباب متمكن من التخطيط الزواجي السليم، وتحقيق التوافق الزواجي والاستقرار الأسري وأسر مستقرة قادرة على تجاوز النزاعات الأسرية، والحفاظ على روابط الزواج وأسر قادرة على التكيف، والحد من آثار الطلاق وأداء وظائفها الحيوية، ويتكون البناء الاستراتيجي من أربعة أهداف استراتيجية رئيسة، تنبثق منها 20 هدفاً استراتيجياً فرعياً وذكياً يتم تنفيذها من خلال 16 مبادرة استراتيجية، تتضمن حلولاً استشرافية تتمثل في خدمات مشتركة ضمن إطار عمل مؤسسي تكاملي وشمولي محدد الأدوار والمسؤوليات بين الجهات كافة ما من شأنه تحقيق الاستثمار الأمثل في الموارد المالية والكوادر المواطنة لضمان استدامة رأس المال الفكري، ويتم قياس كفاءة أدائها وفاعليتها في تحقيق مخرجاتها من خلال خمسة مؤشرات رئيسة و13 مؤشراً فرعياً.
طلاق لأسباب واهية !
قصص الطلاق أمام المحاكم بلا حصر، ومن بين هذه القصص، حكاية امرأة طلبت الخلع من زوجها من دون سبب أو مبرر، مؤكدة أنها لا تستطيع أن تعيش مع شريك حياتها، لا لعيب فيه، أو لسوء أخلاقه، ولكنها وصلت إلى مرحلة لا تستطيع فيه أن تتقبل وجوده أو قربه، حيث قرر «الحكمان» منحها الخلع، نظراً لأن استمرارها معه قد يؤدي بها إلى الخروج من حدود الزوجية وعدم قدرتهما على عيش حياة طبيعية.
زوجة أخرى، لم تشعر بأنه شريك حياتها كما يوصف الأزواج، 24 ساعة «حبيسة» المنزل بهمومها وأفكارها المتسارعة، وظنونها، ترتب لزوجها ملابسه للذهاب إلى العمل، ومن ثم تحزم حقائبه، استعداداً للسفر، لا تراه إلا قليلاً، تشعر دائما بأنها «زوجة على ورق»، فتتقدم بطلب الطلاق، وبعد عام من محاولات التوفيق بينهما، قضت المحكمة بتطليقها.
وفي حالة أخرى، وبعد 3 أشهر من الزواج، طلبت «العروس» من زوجها توفير عاملة منزلية تساعدها في أمور المنزل، إلا أنه رفض الطلب بشدة نظراً لعدم وجود أبناء وحاجة ملحة لذلك، لتواجه الرفض بالغضب قائلة له: «نظف دورات المياه»، وليواجه الزوج الغضب بغضب أشد، طالباً منها العودة إلى منزل أهلها وطلقها.
التوجيه الأسري
تعمل لجان التوجيه الأسري في دائرة القضاء بأبوظبي على تسوية المنازعات الأسرية أمام موجهين أسريين عبر الطرق الودية، من خلال مساعدة الأزواج على حل خلافاتهم الزوجية، وإبرام الاتفاقات التي تحقق مصلحة الطرفين برغبتهما دون ضغط أو إكراه. ووفقاً لأحدث إحصاءات الدائرة في عدد حالات النزاع الأسري، بينت الإحصاءات زيادة في عدد قيد حالات النزاع في العام الماضي بنسبة 9% عن عام 2016، حيث بلغ عدد القيد 14452 نزاعاً، بينما بلغت نسبة المنجز صلحاً من إجمالي القيد الجديد للنزاعات 47?.?8 %، حيث وصل عدد النزاعات المنتهية صلحاً إلى 6916 نزاعاً. وأشارت الإحصاءات إلى أن نسبة النزاعات المحالة لمحكمة الأحوال الشخصية بلغ 22?.?5 % من مجموع الملفات المنجزة، بينما بلغ عدد الاستشارات الأسرية 5898 استشارة، وتم توثيق 77 حالة خلع بالتراضي. ووفقاً للإحصاءات، تم حفظ 24?.?8 % من ملفات النزاع من مجموع الملفات المتداولة، حيث ما يقارب من ثلث النزاعات يتم تخلي أصحابها عن الاستمرار فيها لسبب أو آخر.