21 أغسطس 2012
لولا أن الممثل والكاتب والمخرج المسرحي مرعي الحليان التقى ناجي الحاي وجمال مطر في عام 1988، لكان مؤلف المسرحية الإماراتية المعروفة “باب البراحة ـ 2003” قد حافظ على علاقته بالشعر، ولقدم مجاميع شعرية عديدة، ومقالات عن ضرورة حضور قصيدة النثر، إلى جانب القصيدة التقليدية والقصيدة النبطية في المشهد الشعري المحلي، لكن الحليان في لقاء مع “الاتحاد” يقول “لقائي بالحاي ومطر نقلني إلى المسرح وأبو الفنون ابتلعني”.
الشعر
مرعي الحليان المولود عام 1961 كان ضمن مجموعة من الشعراء الشباب، أرادوا أن يقدموا تجاربهم المغايرة عبر منبر خاص، هو عبارة عن مطبوعة ورقية من إبداعهم، أطلقوا عليها “أشلاء الأرانب القزحية”، ويقول “كنا متأثرين بعبد العزيز الجاسم وخالد بدر ونجوم الغانم، وسواهم ممن قدموا نتاجاً شعرياً حديثاً، وكنا شباباً وكلنا حماسة لخرق القواعد وطرح الجديد والمختلف عن السائد”. بعد إصدارها لعددين، تعرفت المجموعة إلى شعراء آخرين، لكن بالحساسية الحداثية ذاتها، ومنهم إبراهيم الملا ومسعود أمر الله “طلبوا منا أن ننشر عندهم أيضاً وتحالفنا مع بعضنا، فلقد كانت هناك هجمة شرسة على قصيدة النثر وقتذاك، وقد نظمنا أمسيات شعرية وجلسات للقراءة، كنا نمضيها في قراءة بودلير وبوشكين وانسي الحاج وادونيس وكل ما نشرته مجلة شعر ..”.
إلى المسرح
?وحين التقى الحاي ومطر، عرف الحليان الطريق إلى المسرح، فلقد شاركهم في مسرحية “جميلة” وهي من تأليف وإخراج جمال مطر الذي يصفه الحليان بـ” مخرج مقتدر، ولعل أهم ميزة فيه أنه يحض الممثل على الارتجال وعلى اكتشاف الأبعاد المختلفة في الشخصية التي سيمثلها بطريقته الخاصة”.
كان حميد سمبيج قدم لتوه متخرجاً في المعهد العالي للمسرح الكويتي “وقد أعاننا كثيراً بخبرته الأكاديمية، خصوصاً في التمثيل وكيف يوظف الممثل ذاكرته ويقدم كل ما لديه لخدمة دوره صوتاً وحركة وتعبيراً”.
على أن تجربة التمثيل في مسرحية “جميلة” لم تشعر مؤلف مسرحية “بايتة” إنتاج 2010، بقدرته في هذا المضمار “شعرتُ بقبول الجمهور لشخصيتي وأن بمقدوري أن أتقدم في هذا الجانب”. بيد أن المسرحية فتحت لنا نافذة مهمة، سافرنا بها إلى الدورة الثالثة من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهناك رأينا تجارب مسرحية متنوعة ومدهشة من نحو خمسة وأربعين دولة، وإلى جانب مشاهدة العروض كان لاشتغال الحليان بالصحافة دوره في تعريفه بأسماء مسرحية مهمة كانت حاضرة، فحاورها مثل عوني كرومي وجواد الأسدي وبول شاوول، وغيرهم كثر، كما أنه تابع الندوات النقدية والفكرية، واقتنى كل المؤلفات المترجمة التي يصدرها المهرجان “حين عدتُ انهمكت في قراءتها، وكان بينها النقطة المتحولة لبيتر بروك واعداد الممثل لستانسلافسكي ..”
“بنت عيسى”
أما العمل المسرحي الذي كان بمثابة اختبار حقيقي لطاقته التمثيلية، فكان “بنت عيسى” تأليف وإخراج ناجي الحاي 1994 ويحكي الحليان عنه قائلاً “هذه المسرحية اعتبرها خطوة واسعة في دربي المسرحي، وأظنها كذلك بالنسبة للممثلة القديرة هدى الخطيب، فلقد شاركتني التمثيل فيها وكانت إطلالتها الأولى أيضاً، وعرضناها أولاً في مهرجان أيام الشارقة المسرحية وحصلت معها على جائزة أفضل تمثيل، وحين عرضناها في مهرجان المسرح الخليجي في البحرين 1995 أيضاً فزت بالجائزة ذاتها..”. ويوضح الحليان أنه ما كان سيصل إلى هذا المستوى المميز “إلا بالعمل المستمر، خاصة مع الفنان ناجي الحاي الذي لطالما كان مخلصاً في تدريباته ويبذل كل وقته وجهده لأجل أن يصل إلى الخلاصة دائماً”.
ثمة تجربة أخرى لا تقل أهمية، يقول الحليان، ويضيف “كانت مع المخرج المبدع جواد الأسدي في 1999 حيث دعاه المجمع الثقافي في أبوظبي لتقديم عرض بعنوان “مندلي” لجمهور معرض أبوظبي للكتاب، وطلبني للتمثيل وأمضينا وقتاً طويلاً في البروفات، والتجربة ككل كانت عبارة عن ورشة تعلمت منها الكثير من تقنيات الأداء التمثيلي وتحديداً الأداء باللغة العربية الفصحى”.
الكتابة المسرحية
وفيما يتعلق بالكتابة المسرحية، اشتهر الحليان بكتابته “باب البراحة” التي أخرجها ناجي الحاي ووجدت صدى لافتاً في الوسط المسرحي المحلي؛ لكن الحليان يكشف هنا أنه لم يكن يخطط لكتابة هذا النص وأنه أنجز صدفة، لكن بصدق حيث يقول “الكتابة هي عبارة عن نزيف داخلي ولا يمكنك أن تكتب ما لم يكن الأمر ملحاً في داخلك، وهو ما شعرت به عند كتابتي لـ “باب البراحة”، إذ وجدت أن النهضة الحضرية تنهش في جسد البساطة والعفوية التي كانت تميز مجتمعنا، فأردت الصراخ عبر أربعة عجائز في دار للمسنين..” وبعد تقديمها في “الأيام”، شوهدت المسرحية في مهرجان المسرح الخليجي 2003، كما عرضت في إسبانيا “ولعلها أول مسرحية تعرض بالترجمة الفورية”. ورصيد الحليان من الجوائز بفضل “باب البراحة” قارب الجوائز العشر، مع العلم أنه إلى جانب كتابته لها شارك ممثلاً أيضاً! لكن، سرعان ما وجد الحليان نفسه محاصراً بالسؤال الذي يعقب أي انتاج أول للكاتب، خاصة لو نجح: ماذا بعد؟ فيجيب “ما جاء بعده من نصوص لم يكن سوى من باب الصنعة المسرحية عدا مسرحية “التراب الأحمر” فهي الأخرى كتبتها بصدق”.
نسأله فيما لو نسي الشعر بعد المشوار الذي قطعه في المسرح فيقول “لا، كنت أكتب ولكن لنفسي وأحياناً أمرر بعض المقاطع الشعرية على نصوصي المسرحية..”.
جوائز
فاز الحليان بجوائز عدة، سواء في مسرح الاطفال أو الكبار، مخرجاً وممثلاً وكاتباً، وآخر مسابقة كسبها هي جائزة الشارقة للتأليف المسرحي، عن نصه “نهارات بعلول”، الذي بدأه قبل ثلاث سنوات، لكنه لم ينجز سوى ربعه، وفي السنة الماضية عاد إليه مرة أخرى فأنجزه في ثلاثة أيام، وهي أقصر مدة أمضاها في كتابة نص، وذكر الحليان في هذا السياق أنه توجه في السنوات الأخيرة إلى كتابة النصوص بحس إخراجي، فهو يضمنها اقتراحات للإضاءة وللحركة إلخ.. ولكنه لا يكتب ليخرج لنفسه إلا نادراً.
يرأس الحليان منذ أربع سنوات إدارة “المسرح الحديث”، ويتشارك مع إبراهيم سالم وحسن رجب وجمال السليطي وسواهم في إنتاج المسرحيات والإشراف على الورش، أما عضوية هذا المسرح فبلغت أخيراً نحو اثنين وأربعين ممثلاً وممثلة.
المصدر: الشارقة