عصام أبو القاسم (الشارقة)
تواصلت مساء أمس الأول، فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان المسرح الصحراوي الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة، حيث شهد الجمهور المسرحية المصرية «عنترة»، من إعداد وإخراج جمال ياقوت وبمشاركة نخبة من الممثلين من فرقة كريشن قروب المصرية، إضافة إلى العديد من المؤدين والخيالة، وسط حضور جماهيري واسع.
وتمحور العرض، حول شخصية عنترة، مبرزاً نضاله من أجل نيل حريته، وسعيه لاعتراف والده «شداد» به ابناً، ثم مغالبته من أجل الظفر بمحبوبته عبلة.
ومزج معد العرض ومخرجه جمال ياقوت جملة من المصادر في تأليفه، مثل «السيرة الشعبية» لعنترة بن شداد، والنص المسرحي الموسوم «عنترة» للكاتب يسري الجندي، إضافة إلى رواية «أبو الفوارس» لمحمد فريد أبو حديد، كما وظف الشعر، والإيقاعات الموسيقية الشعبية، لتقديم الحكاية العربية التي لطالما تم تقديمها عبر المسرح، والسينما، والتلفزيون، منذ مطلع القرن الماضي، في صياغة نصية وفرجوية، تنسجم مع الفضاء الصحراوي التي يتميز بمجاله المكاني الممتد والمفتوح.
وانطلق العمل بمشهد أدائي، مصحوب بصوت «الراوي»، وهو يستهل سرد سيرة البطل الأسطوري الذي قاوم الأقدار وكافح المستحيلات، بصلابة وقوة، حتى غير مصيره وظفر بما أراد، من هوية، ونسب، وغرام.
يولد عنترة لأمة تدعى زبيبة، فيأبى والده أن ينسبه إلى نسله، وتعامله القبيلة كعبد، برغم من أنه حاميها وحارسها. وفي يوم ما، يكتشف عنترة أن سبيله إلى البنت (عبلة) التي عشقها مقطوع لأنه «عبد أسود»، وهي حرة وعربية، فتفتح هذه الواقعة عينه على حقيقة هويته، وفيما هو يتلظى بحرقة المحب المكسور، يواجه أمه ويسألها عن والده فتجيبه أنه «شداد».وعندما يعرف عنترة حقيقته يواجه والده، ويطلب منه أن يدعوه ولدي وأن يحرره، وإلا فأنه لن يقاتل من أجل القبيلة، وقد قال لشداد حين دعاه إلى الكر «العبد لا يحسن إلا الحلاب والصر». يضطر شداد إلى الاعتراف بعنترة ابناً له، عندما تشتد الشدائد على القبيلة وتتعرض للغزو، فلا تجد من يسترد كرامتها إلا عنترة، الذي لا يقبل ثمناً لدفاعه عنها سوى حريته.
ومع تطور الأحداث يتطلع عنترة للزواج من محبوبته، فهو الآن ابن شداد، كما أنه حر وجزء من القبيلة، إلا أنه يُواجه بشرط تعجيزي، حيث يطلب منه أن يأتي بمهر هو عبارة عن ألف ناقة من نوق الملك النعمان التي كانت تلقب بالعصافير!
وعمد المخرج إلى تصميم فضاء عرضه بحيث يشمل في نطاق شبه دائري: «مجلس القبيلة»، و«خيمة زبيبة أم عنترة»، وخيمة الملك النعمان، وجعل من الوادي الكائن خلف منطقة العرض ساحة للمعارك، وثمة ربوة علوية تم توظيفها لمشهد حلمي، تتداعى فيه عبلة مستذكرة عنترة.
وإلى جانب جرأته الظاهرة في رسم منظره المسرحي بهذا الامتداد، غامر المخرج بمحاولته تجسيد بعض اللحظات التعبيرية، عبر الأداء التمثيلي المشابه لما نراه في النطاق الضيق للعلبة الإيطالية، خاصة منولوج «عنترة» وحلم «عبلة».لكن، يمكن القول، إن انتقالات الفرسان بخيولهم، والجمال، والمجاميع الأدائية، بين مناطق العرض في امتداداتها الظاهرة، عبر خيوط وخرائط الإضاءة، تميزت بالمرونة والدينامية، وهي أضفت بعداً ملحمياً على الصورة العامة للعرض، الذي استمر لأكثر من ساعة وسط تجاوب ملحوظ من الجمهور.
وكما حصل مع العرض الإماراتي، اعتمد المخرج على أصوات مسجلة للممثلين (البلاي باك)، خلال مجريات العرض، الذي تكلم باللغة العربية الفصحى مع القليل من العامية المصرية البدوية، خاصة في تدخلات «الراوي»، إضافة إلى «الأغنيات» المصاحبة (وهي الأخرى مسجلة)، والتي أثارت جملة من الأسئلة في الندوة النقدية التي تلت تقديم العمل، كونها اعتمدت على آلات موسيقية حديثة إلى جانب الآلات التقليدية.
وشارك في تجسيد العمل: زياد يوسف، إيمان إمام، محمد بريقع، سارة فؤاد، محمد فاروق عصمت، أحمد عزت، محمد فاروق شعبان، فاطمة أحمد، محمد مرسي، محمد مكي، محمود جمعة.