سلطان الحجار (أبوظبي)
منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي لا تخلو من (#هاشتاقات)، تحمل في غالب الأحيان، حملات تشويه مضللة ومشبوهة، حتى أصبحنا أمام ظاهرة تسمى بـ«الذباب الإلكتروني»، الذي يتغذى على فضلات العالم الافتراضي، عبر حسابات يديرها مرتزقة، وأخرى وهمية، لتطفو على السطح «ميليشيات أو لجان أو كتائب» تسيطر على العالم الافتراضي، لاسيما عبر مواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«تليجرام». إنها تكاد تكون حرباً منظمة، تعلنها دول أو جماعات متطرفة، للنيل من نظام دولة ما، هنا أو هناك، لتتحول الصراعات من استخدام الأسلحة الحربية بكل إمكاناتها، إلى حرب إلكترونية تتكون من «ذباب إلكتروني» يرتدي زي الجنود المجهولين، التي تلاحق المستخدمين، وتحاول السيطرة عليهم عن طريق الإغراء المالي، أو إقناعهم بأيديولوجية متطرفة، يروج لها بعض المدعين والمتاجرين بالدين، من خلف الشاشات الإلكترونية.
لا يخفى على أحد، أن هناك حسابات لكتائب الإخوان الإلكترونية المتفرغة للدفاع عن «النظام القطري» ليل نهار، بل والغريب أنها تحولت بشكل لافت إلى أبواق تروج للنظام الإيراني رغم اختلاف الأيديولوجيات والثوابت، حتى إنها تمجده ضد دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المقاطعة لقطر، وأغلب هذه الحسابات تحلق في فضاء الإنترنت بأجنحة الكذب والتضليل، وتهبط على مواقع التواصل وتكب نفاياتها بها.
كشفت الأزمة القطرية مؤخراً عن حرب إلكترونية عبر مواقع التواصل، شنتها قطر تجاه الدول العربية المقاطعة لها «السعودية والإمارات ومصر والبحرين»، حيث تم حصر أكثر من 23 ألف حساب وهمي على موقع «تويتر»، تهاجم السعودية والإمارات بحسابات مزيفة، وكان مصدر تلك الحسابات والأماكن التي تغرد منها (32% من قطر و28% من لبنان و24% من تركيا و12% من العراق)، وهي نسب دالّة من حيث الارتباط السياسي فيما بين قطر وإيران وحزب الله في لبنان، فيما تعبّر النسبة في تركيا عن موقفها من الأزمة والاصطفاف مع قطر ودعمها العسكري لها، وذلك وفقاً لمصدر سعودي.
خلال العشرين سنة الماضية، بنت قطر منظومة سوداء من المنصات والوسائل الإعلامية الرسمية المعلنة أو السرية، هذا ما أكده الكاتب السعودي محمد الساعد، موضحاً أن هناك حسابات وهمية انتشرت بشكل واسع في السنوات العشر الأخيرة، عبر منظومة اعتمدتها قطر ضمن إستراتيجية واضحة تسير نحو إنشاء ما يزيد على ألفي مؤسسة ومنظمة وهمية في أوروبا وأميركا والدول العربية، لخدمة المشروع القطري إستراتيجياً أولًا، ولمهاجمة الدول المصنفة كعدو ثانياً، والتي تريد قطر إلحاق الأذى بها أو ابتزازها سياسياً.
وتسعى قطر ضمن مخططاتها، إلى الاغتيال الإعلامي لبعض القيادات والزعامات الاعتبارية والحاكمة والشخصيات المؤثرة من إعلاميين ومسؤولين وحتى مغردين، لإسقاط مصداقيتهم وحرقهم أمام المتلقي، والدليل أنها تقوم بإدارة ما يزيد على 70 ألف حساب وهمي، موزعين على قطر وغزة والعراق ولبنان وبعض الدول الأوروبية، وهؤلاء تتمثل مهمتهم الوحيدة في خدمة المشروع القطري بمحاوره وأهدافه القذرة، وتسميم الأجواء وخلق حالات الذعر والتشويه وبث الإشاعات وتدوير الأخبار المزورة والكاذبة وقلب الحقائق تجاه الدول المقاطعة، وغيرها، مع دعم حلفائها مثل إيران وتركيا ومنظمات حماس وحزب الله وداعش والقاعدة والترويج لهم شعبياً.
ويشير الساعد، قائلاً: لمواجهة هذا النوع من الحروب، لابد من التعامل معه بنفس آلياته، فليس من المعقول أن تواجه الرصاص بصدر مفتوح بل
تواجهه برصاص مثله أو بأسلحة تتفوق عليه، وعلى الدول المتضررة بناء منظومة إعلامية قوية وصلبة وذات حرفية ومهنية عالية من الممارسين للتدوين والتغريد، للدفاع عن أوطانهم والتصدي لهذه الحرب الجديدة، إلا أن ذلك لا يكفي فالمطلوب أيضاً، توسيع دائرة الوسائل الإعلامية التي تخاطب الحكومات والمنظمات الغربية التي تتأثر بالدعاية القادمة من طرف واحد.
سقوط أخلاقي
يقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور عمار علي حسن: أكاد أمسك بهم متلبسين.. أتخيلهم جالسين خلف أجهزة الحاسوب المتراصة والمشتراة من أموال الشعب، بعد أن تلقوا الأوامر الصارمة.. إنها ثلاث ورديات متلاحقة لأفراد الكتائب، على مدار اليوم، مهمتهم سب وشتم كل من يختلف معهم، أو من ينتقد، أو من يعتد بنفسه أو رأيه، أو من يرفض أن ينصاع مع القطيع، أو يكون قلادة زينة في رقبة السلطان، أو من يأبى أن يمسك بالدف أو الطبلة، ليهلل مصطنعاً الفرح، أو محتفياً، وهو يكذب على نفسه، بعظمة ما يجرى.
لا يدرى هؤلاء أن هذا الأسلوب البذيء لم ينقذ الإخوان حين اتبعوه، وجيّشوا وجندوا له شباباً بالأجرة، فضلاً عن أتباعهم، فهو أسلوب لا يفعله إلا الضعفاء، الذين ليست لديهم قدرة على المواجهة، ويظنون أنهم بارعون في نصب الكمائن، كضباع خسيسة، أو ثعالب خبيثة، وهو ظن السوء، لأن السحر ينقلب على الساحر، والمأمورون بسب الكتاب أو السياسيين أو المعارضين يثرثرون ويفشون الأسرار، وما يقولونه يصل في هذا العالم المفتوح بلا سدود ولا حدود ولا قيود، إلى أسماع المشتومين، فيقهقهون ساخرين من سذاجة الآمر وضحالة تفكيره.
أيام حكم الإخوان عرفتهم، فالأسماء معهودة، والعبارات مكرورة، وبعضها لا علاقة له بالموضوع، الذي يتم التعليق عليه، ولما قادني التحليل إلى أن هناك من يحرك تلك الأصابع المريضة كخلايا متجانسة، انتهزت لقاء أحد رموز الإخوان مصادفة على هامش إحدى الندوات، وقلت له: كفاكم شتائم، فأنكر أن تكون لهم ميليشيا أو ذباب إلكتروني، فقلت له: كثير من أبحاثي في تحليل الخطاب والنص، وأستطيع أن أقدم لك برهاناً ناصعاً على أن هذه الشتائم تصدر عن جهة واحدة منظمة. وقتها طأطأ رأسه قليلاً، ثم أجاب: عموماً لسنا نحن، الإخوان لا يفعلون هذا، إنهم السلفيون.. ولم تقنعني إجابته يومها. وقد أذاع عبدالرحيم علي يوماً، عبر برنامجه «الصندوق الأسود»، مكالمة هاتفية بين هذا الإخواني، ومرشد الجماعة، قال فيها الأول للثاني: إن د. عمار يشكو من أن هناك كتائب إلكترونية تابعة لنا تسب الكتاب والمثقفين والسياسيين الذين يعارضوننا، وجاء رد المرشد بالإنكار، وقال له: هؤلاء علمانيون يكرههم الناس..!
وقد تمكن أحد الصحفيين، من الذين أعرفهم من التسلل إلى المكان الذي يعمل فيه أفراد تلك الميليشيا، بدعوى أنه يبحث عن عمل، وتم توظيفه معهم، وكشف عن هذا في تحقيق صحفي بديع، تبين فيه أن الإخوان قد خصصوا شتّاماً لكل ثلاثة أو أربعة كُتّاب، ما إن يرى الشاتم الوضيع اسم أو صورة أي منهم، حتى ينهال عليه، وهو أعمى، سباً وقذفاً بأسلوب معهود ومكرور، حتى إن البعض كان أحياناً يقول كلاماً لا علاقة له بالإخوان، أو ليس فيه أي نقد لهم، بل قد يذكر شيئاً إيجابياً من الأشياء القليلة العابرة المعزولة لهم، ومع هذا كانت التعليقات تأتي شاتمة شامتة، لا أثر فيها لتدبر ولا ورع ولا أخلاق.
كان هذا جزءاً أصيلاً من السقوط الأخلاقي للإخوان، والذي مهد، من دون شك، وبأسرع مما تصوروا، للسقوط السياسي، وهذا مصير من يعدون كتائب جديدة أو ذباباً إلكترونياً، لسب من يخالفهم الرأي، أو يرى غير ما يرون، أو يعتقد في أمر غير الذي يصرون عليه، أو يعارضهم من أجل تحقيق الدفع، الذي به تستقيم الأمور، أو لطرح البدائل أو للضغط بغية ترشيد السياسات؟!.
تصنيع الإثارة
ويرى المحلل والكاتب السياسي البحريني عبدالله الجنيد، أن جملة التحولات في فضاء الإعلام بكل وسائطه لن تقف عند حدوده القائمة الآن، وقد حققت وسائط الفضاء الافتراضي أكبر التحديات للإعلام التقليدي حيث حقق اختراقاً لم يكن متوقعاً، مما مثل الأداة الأمثل توظيفاً دون تبعات المحاسبة القانونية أو الأدبية. وتعد تلك الوسائط السلاح الأمضى في ترسانة المال السياسي. وهي في نفس الوقت عالية النفاذ إلى الجمهور ولا تحتاج إلى إجازة رقيب، وحتى الإعلام التقليدي بات متأثراً لا مؤثراً بعد أن بات أكثر اعتماداً على المال السياسي مما أدى إلى تراجع مكانته وإيراداته.
ويضيف الجنيد: نتيجة لخاصية الاختراق، فإن جميع الدول فقدت قدراتها التقليدية في احتواء مثل تلك الحملات، لأن القائمين عليها أكثر برجماتية ويملكون القدرة على تنفيذ خططهم بأكثر من لغة في نفس الوقت، في حين تعمد دولنا الى الاعتماد على لغة واحدة هي العربية، وفي حال توافر لغات أخرى، فإن القائمين عليها من غير مواطنيها. ويعد التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 أكبر نجاحات عمليات الاستهداف الإلكتروني. فهؤلاء لا يفكرون بشكل تقليدي، في حين نصر نحن على ممارسة الاحتواء بشكل تقليدي، وإليكم مثلاً بسيطاً: فلنفترض أن المدعي العام الأميركي خلص في تحقيقة الى عدم وجود أي تدخل روسي في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، فهذا لا يمنع من أن أهداف الحملة قد تحققت، فهناك أزمة متصاعدة قد تصل لتدخل القضاء الدستوري فيها، أزمة استنزفت الكثير من طاقات الإدارة الأميركية الجديدة، والنتيجة خسارة ثقة الناخب الأميركي في العملية السياسية. موضحاً أنه من الخطأ افتراض القدرة على الاحتواء التام لحملات الاستهداف المعادية من خلال منصات الإعلام الافتراضي بالأدوات التقليدية، فالإعلام الوطني لا يزال يحتكم الى منظومة أخلاقية مغايرة ولأن أغلبه مملوك لدولنا، لذا يدار بتراتبية أفقية تفتقد المرونة اللازمة لاحتواء مثل تلك الحملات.
ويشير الجنيد، قائلاً: لاحتواء مخاطر الإعلام الإلكتروني المعادي، علينا أولاً: إقناع القائمين على الإعلام بضرورة التخلي عن التقليدية في عالم لم يعد تقليدياً، ثانياً: ضرورة التخلي عن تكيف المحتوى والتحول إلى صناعة المحتوى وبأكثر من لغة، بحيث تقوم بإعداده كوادر وطنية، لأننا ومنذ 2011 ونحن نستثمر أكثر من 80% من مواردنا المخصصة للإعلام الموجه للداخل لا للخارج، وأن 90% منه تقريباً هو باللغة العربية، التي تخاطبنا نحن فقط، لذا علينا أن نقتنع بضرورة تطوير الطاقات الوطنية الشابة القادرة على صناعة محتوى بأكثر من لغة، بحيث يتناسب مع روح وتطور العصر، فنحن نعيش في عالم فقد فيه الخبر قدرته على الجذب، لذلك تحول الإعلام المسيس من توظيف الإثارة الى تصنيع الإثارة، ومن خلال ذلك التصنيع يتم تمرير أدوات الاستهداف بوتيرة متصاعدة لتحقيق مبتغيات الاستهداف.
حرب موازية
ويتحدث الكاتب والباحث إيهاب خليفة، صاحب كتاب «حروب مواقع التواصل الاجتماعي»، ورئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي، عن نظرية المؤامرة التي انتشرت عقب ثورات الربيع العربي، وحروب مواقع التواصل الاجتماعي التي فقدت خلالها الدول سيادتها، بعد سقوط أنظمة عدة، وانهيار كيانات بعض الدول، متسائلاً عن طبيعة هذه الحروب ولماذا هذه النظرة السوداوية لوسائل التواصل التي يتجاوز عدد مستخدميها ملياري مستخدم؟!.
وأضاف خليفة: اتجهت بعض الدول وكثير من الجماعات المتطرفة والإرهابية إلى إنشاء خلايا وكتائب إلكترونية هي أشبه بفكرة «الذباب الإلكتروني»، تسعى من خلالها إلى التأثير على الرأي العام بنشر الشائعات وبث الفتن وترويج الأكاذيب عبر الشبكات الاجتماعية لتحقيق أهداف خبيثة تسعى من خلالها إلى تحقيق مكاسب سياسية، فتشكلت بذلك جبهة حرب حقيقية موازية، تكون ساحة القتال فيها هي مواقع التواصل الاجتماعي، وأدوات القتال هي الفكرة والمعلومة والصورة والفيديو، فضلاً عن توظيف برامج الكمبيوتر في إنشاء حسابات إلكترونية مزيفة لخلق رأي عام مزيف ودفع بعض الأفراد للتغريد حوله لكي يبدو حقيقياً.
هذا «الذباب الإلكتروني» هو في الأصل عبارة عن مجموعة من الأشخاص المنظمين والمدربين على استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال، يتميزون بكثافة نشاطهم وتواجدهم على مواقع التواصل، ويتم إمدادهم بالمعلومات المغلوطة بهدف نشرها عبر متابعيهم ومستخدمي هذه المواقع، وتكون مهمتهم الرئيسة هي تشويه صورة الدول والأنظمة السياسية والقادة، وذلك عبر التضليل الإعلامي وبث المواد التحريضية والداعية لشق الصف بين فئات المجتمع المختلفة، ونشر الشائعات التي تهدف دائماً لخلق حالة لا نهائية من عدم الاستقرار، سواء بنشر مقالات أو أخبار كاذبة أو استخدام صور غير حقيقية معدلة ببرامج مثل «الفوتوشوب»، بل يذهب المضللون أحياناً لاستخدام صور حقيقية لا تخص القضية المثُارة أساساً بغرض الترويج لإحداث عنف أو فتنة مجتمعية.
وهنا يصعب على المستخدم التفرقة بين المعلومة والإشاعة، كما يصعب التأكد من صدق المعلومة، ويصعب التحقق من كذب الإشاعة، ومن ثم تنتشر معلومات خاطئة بين الأفراد، قد تستهدف دولاً بعينها أو تتناول شخصيات سياسية أو رموزاً مجتمعية أو قضايا سياسية، أو معلومات اقتصادية يترتب عليها خسائر مالية، وفي نفس الوقت يصعب تحجيم نطاق هذه الإشاعات، وفي حالة نفيها أو الرغبة في تصحيحها، فإن المعلومة الصحيحة لا تجد نفس مستوى الانتشار الذي بدأت به الإشاعة.
خطورة «التلجرام»
ويشير إيهاب خليفة، قائلاً: تعتبر التطبيقات الاجتماعية مثل «الواتساب والتليجرام» من أخطر الأدوات التي تستخدمها الحركات الإرهابية، خاصة تطبيق «التلجرام» الذي يتميز بقوة التشفير وصعوبة اختراقه فضلاً عن سهولة تحديد الجمهور المستهدف بدقة، فعلى عكس موقع «تويتر أو فيسبوك»، يوجد المحتوى المتطرف للجماعات الإرهابية على التلجرام في مجموعات «Groups» مغلقة، وليس في صفحات تواصل اجتماعي يسهل غلقها أو تتبعها مثل مواقع التواصل التقليدية، ويتطلب الاشتراك في هذه المجموعات ترشيح من أحد الأشخاص الموجودين فيها، أو على الأقل معرفة اسم الجروب بدقة وإرسال طلب إضافة، ثم يقوم أدمن المجموعة بالموافقة على الشخص الذي يرغب في الاشتراك، مع إمكانية حذفه في أي وقت.
طرق المواجهة
ويرى خليفة، أنه يمكن مواجهة التهديدات التي تطرحها منصات التواصل الاجتماعي من خلال العمل على مستويين رئيسيين، الأول هو رفع الوعي لدى المجتمع بمخاطر الشبكات الاجتماعية والتهديدات التي يمكن أن يسقطوا ضحية لها نتيجة التسرع مثلاً في مشاركة تغريدة فأصبحوا جزءاً من الذباب الإلكتروني لكن دون أن يدركوا ذلك، أما المستوى الثاني فيكون من خلال إصدار قوانين تلزم شركات الإنترنت والاتصالات بحظر الصفحات التي تبث الفتنة في المجتمع، وتطوير «ميثاق شرف» لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وإعلان «قائمة سوداء» سنوية بالصفحات الموجودة على التواصل الاجتماعي والتي تحض على العنف والكراهية وتشجع التطرف والإرهاب، مع توقيع بروتوكولات مع الشركات المشغلة للتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعية مثل «فيسبوك وتويتر وجوجل» وغيرها، بمساعدة الدول في ملاحقة المجرمين أو المتطرفين الذين يستخدمون مواقع التواصل لأغراض إجرامية أو إرهابية.
وقد كشفت المتغيرات الدولية التي يعيشها العالم في السنوات الأخيرة عن وجه آخر مختلف للمواقع الإلكترونية، ينبه إلى مدى خطورتها بعد أن تمكنت من تشكيل الأنظمة السياسية في العالم ليجعلها تتحول بذلك إلى ساحة لممارسة حروب حقيقية من خلف شاشات الكمبيوتر، بعد استخدام المنظمات الإجرامية والجماعات الإرهابية لهذه المواقع كوسيلة لتهديد الأمن الدولي، في ظل عالم مفتوح الثقافات لا يعترف بالحدود الجغرافية.
والدليل على ذلك أن بعض الحركات الإرهابية مثل «تنظيم داعش» قام بتجنيد أفراده عبر هذه المواقع، ونشر معلومات حول طريقة تصنيع المتفجرات والعبوات البدائية، وتنبيه بعض الإرهابيين إلى أماكن حيوية تتسبب في شلّ البنية التحتية للدولة مثل أبراج الكهرباء أو الكباري، وهو ما يعتبر تهديداً صريحاً للأمن القومي، كما استخدمها في تبادل الرسائل المشفرة بين أعضاء التنظيم، للقيام بتحديد الأهداف والأماكن التي يتم استهدافها في دولة ما، وفي توقيت محدد.
«حرب قذرة»
أما الإعلامي نايف آل زاحم الصحافي والكاتب بجريدة الرياض السعودية، والمتخصص في الإعلام الرقمي، فيقول إن مع صباح كل يوم تتبدّى وتنكشف فضائح وجرائم «تنظيم الحمدين» القطري، ومن معهم من الإخوان، في قلب الحقائق وشن هجمات مشبوهة على شخصيات ودول بعينها، من خلال الحسابات المأجورة والوهمية على منصات التواصل الاجتماعي لإثارة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى القضايا ذات الصلة بالمواضيع الدينية.
ويؤكد آل زاحم، أن هذه «الحسابات الوهمية والمأجورة» على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تحولت إلى «حرب قذرة» يديرها قلة من المجنسين والمرتزقة الإعلاميين للتربص بالدول وإنجازاتها بغرض زعزعة الاستقرار وضرب وحدتها من خلال عدة محاور من بينها: التقليل من حجم الخدمات والمشروعات التي تقدمها الدولة في مختلف المجالات، وتصغير الإنجازات الوطنية والتندر منها، كما تحاول هذه الحسابات الوهمية عبر ذبابها الإلكتروني إغراق (#الهاشتاقات) بتغريدات متتابعة من حسابات متنوعة تدور حول فكرة واحدة واتجاه واحد، وإعادة تكرار هذه الأفكار من حسابات مختلفة ومتنوعة بإشراك حسابات وهمية هائلة، وتتمثل خطورة هذه الطريقة في إيهام متصفح (#الهاشتاق) عبر هذه التغريدات أن هناك رأياً قوياً يحمله عدد كبير من الناس، بينما الحقيقة تقول إن صاحب هذه الحسابات هو شخص واحد أو مؤسسة أو جهة واحدة، إضافة إلى المساهمة في إحجام المغردين عن التغريد بأفكار تخالف هذا التوجه العام وشبه السائد في هذا الهاشتاق بسبب هذا الإغراق، مع تشكيل رأي عام لكل من يتصفح الهاشتاق بأن هناك توازناً بين المؤيدين والمعارضين، بينما الحقيقة تقول إن هناك شخصاً واحداً أو منظمة واحدة هي من تبث هذا الكم الهائل من التغريدات التي تأخذ منحى واحدًا في الأعم الأغلب، مع توجيه الرأي العام نحو النقاش في (#هاشتاقات) تطرحها هذه الحسابات الوهمية، بما يوحي أن هناك أعداداً كبيرة تناقش هذا الموضوع، وذلك لصرف المغردين عن (#هاشتاقات) القضايا الأخرى، أو لإيهامهم بأن ما تطرحه وتتبناه عبر تغريداتها هو الرأي الصحيح والمقبول.
أخطر جهاز تجسس
لشبكات التواصل الاجتماعي مهمات تجسسية واسعة، لم يعرف التاريخ لها مثيلًا، فها هو «جوليان أسانج» مسرّب وثائق ويكيليكس الشهيرة يقول: «إنّ شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت هي أضخم وأخطر جهاز تجسس واستخبارات ابتكره الإنسان، وعرفته البشرية منذ فجر التاريخ، لأن الإنسان المُستخدِم للشبكة يتبرع مجانًا بوضع المعلومات والمعطيات والصور والفيديو والتعليقات والآراء عن نفسه وعن دائرة زملائه ومحيطه الاجتماعي، وهي غالبًا ما تكون مهمة ومفيدة وموثوقة».
وقد كشفت وثائق سرية حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، أن الأجهزة الأمنية الأميركية تجمع ملايين الصور يومياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتعرّف إلى السمات والوجوه، حيث كشفت عن قيام وكالة الأمن القومي بجمع أعداد هائلة من الصور من رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية، ووسائل الإعلام الاجتماعي، والمؤتمرات المباشرة الحية، بهدف التعرف إلى الوجوه، ووفقًا للصحيفة، فإن من بين ملايين الصور التي تقوم وكالة الأمن القومي الأميركية بجمعها يومياً هنالك حوالي 55 ألف صورة ذات جودة ووضوح، تجعلها صالحة لغايات التعرّف إلى الوجوه. وقد صدر مؤخرًا كتابٌ للكاتب الفرنسي نيكول كير، وحقق أعلى نسبة للمبيعات في دور النشر الفرنسية والدولية تحت عنوان: «هل يحوِّلنا الإنترنت إلى أغبياء»، وهو كتاب يؤشِّر إلى خطورة الشبكة الاجتماعية بمعزل عن أي نظرية لمؤامرة سياسية. وبناءً عليه، تُعدّ مقولات العالِم الفيزيائي البرت آينشتاين، والكاتب الفرنسي نيكول كير، والصحافي الأسترالي جوليان أسانج، بمثابة شواخص ودلائل تكشف لنا فجوة المفاهيم والاستخدامات السطحية والغامضة لمواقع وشبكات التواصل لدى الجمهور، والتوظيف والتخطيط من قبل الدوائر السياسية والأمنية والثقافية الأميركية والغربية والصهيونية.
وتسعى هذه الحسابات دوماً إلى إطلاق إشاعات وأخبار مزيفة حول قضية معينة، لتصبح حديث الساعة ويكتشف المتابعون فيما بعد، أنها أكذوبة كبيرة، أيضاً تنشر صوراً مزيفة لأحداث غير حقيقية، حيث إن جماعة «الذباب الإلكتروني» ينشرون خبراً معيناً بكثافة فيظن المستخدم العادي أنه حقيقي ليعمل هو الآخر على مشاركته والمساهمة في انتشارها، وتتخطى مهمة هذا الذباب كل ذلك لتصل إلى السب والشتم والتخوين وتكفير الآخرين، ليسيطر خطاب الكراهية على المنشورات والتغريدات التي تنشر في هذا السياق.
ويبين الإعلامي آل زاحم أن هذه الحملات تحاول اللعب على أوتار حساسة، مثل الدين والعِرق والانتماء واللغة والدفاع عن الحق وبقية المحفزات التي تدفع المستخدمين لكتابة المنشورات والتغريدات التي تخدم السياق ذاته، وللأسف قد يقع البعض من المواطنين ضحية لمثل هذه الحسابات الوهمية والمأجورة التي تعلن عن نفسها أنها من بلد معين وبصور وأسماء من هذا البلد وتتحرك مجموعات وفرادى لصناعة رأي عام مزيف، من خلال تناول الأكاذيب والشائعات المختلفة، بهدف إثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد على مستوى العالم العربي، والذي يحتاج لحماية أنظمته من تلك الهجمات الممنهجة في العالم الافتراضي، والتي تهدف إلى ضرب الاستقرار وزعزعة ثقة الشعوب بقياداتهم.
وذكر آل زاحم أن تجربة المملكة في إنشاء هيئة متخصصة لـ«الأمن السبراني» بأمر ملكي كريم، تأتي لحفظ مقدرات الشعب السعودي، وللحفاظ على أمن الناشئة الفكري كأحد حلول هذه المواجهة، مع غرس وتعزيز قيم الانتماء وحب الوطن في نفوس الناشئة من خلال المناهج الدراسية أو النشاطات الطلابية المتنوعة، فالمواطن عندما ينظر لمنجزات وطنه بعين التقدير يزداد تمسكه بتراب هذا الوطن، ويحرص ويتفانى في المحافظة على هذه المكتسبات.
ويوضح آل زاحم، أن إعلان «القائمة السوداء» التي تضم المرتزقة والمتواطئين مع الجماعات والأنظمة الداعمة للإرهاب، تعتبر أحد أهم خطوط المواجهة، حيث تمت الدعوة من خلال أحد الهاشتاقات حمل وسم «#القائمة_السوداء»، وضع كل اسم يجب ضمه للقائمة السوداء ومن ثم فرزها ومتابعتهم، مع التوعد بملاحقة وحساب عسير من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لكل مرتزق يوضع اسمه في هذه القائمة، ولاقت الفكرة تفاعلاً كبيراً بين مستخدمي موقع «تويتر» على مستوى الخليج والدول العربية، وأعلنت أنه «من يتابع حسابات القائمة السوداء ويقوم بإعادة تغريداتهم يعتبر مؤيداً لهم ولا يختلف عنهم».
وأضاف آل زاحم أننا بحاجة ماسة إلى توعية إعلامية وحملات تثقيفية لنشر مخاطر هذه الحسابات، مع أهمية إدخال مقرر الثقافة الإعلامية في التعليم العام لكي يدرس الطالب كيف يتعامل مع التغريدة ومع مقطع اليوتيوب والسنابشات ورسائل الواتس أب، بحيث يكون ناقداً لها، ولا يأخذها أو يتبناها إلا بعد تحليل ووعي.
أجندات قطرية
أما الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير في مجالات الاتصال والإعلام، فأكد أن الحرب التي تشنها الكتائب الإلكترونية المضللة والمشبوهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تستخدم سلاح الأكاذيب والإشاعات، لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية التي تستخدم الأسلحة الفتاكة بأنواعها، حيث إن الاثنين يؤديان إلى نفس النتيجة وهي تخريب وتدمير المجتمعات المستقرة.
وقال عبدالعزيز: في السنوات الأخيرة لجأت العديد من التنظيمات الإرهابية وبعض الأنظمة والحكومات صاحبة الأجندات التخريبية إلى استخدام وسائط الإعلام الرقمي «فيسبوك وتويتر»، وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل إشاعة أفكار هدامة بهدف تخريب بعض الدول الأخرى عبر حملات إلكترونية ممنهجة لإثارة الفوضى والقلاقل في هذه الدول، فعلى سبيل المثال قد بات واضحاً أن قطر تستخدم الوسائل الإعلامية التقليدية «صحف وفضائيات»، فضلاً عن التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل هدم دول المنطقة العربية وفرض السيطرة عليها.
وأوضح عبدالعزيز أن ثمة مشكلات وتحديات عدة يطرحها الإعلام الرقمي، خصوصاً على مفاهيم السلام والتعايش والاستقرار والأمن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تشكل مخاطر جسيمة، عبر أنماط استخدامات خاطئة ومنحرفة، مشيراً إلى أن الإعلام الرقمي كأي مخترع حديث، له مزايا، كما تبرز له مشكلات، فقد يكون أداة يمكن استخدامها من أجل تعزيز مفاهيم الدين ومقاصده النبيلة من جانب، أو بث الأفكار الهدامة ونشر التوجهات السلبية من جانب آخر، لاسيما أن الغالبية العريضة من فئات المجتمعات المختلفة أصبحوا يتزودون بالأخبار عبر وسائط رقمية على الإنترنت، وقد أصبح معلوماً أن تلك الوسائط تُستخدم أيضاً في تأجيج نزعات العنف والتطرف، فضلاً عن أنها تتخذ منحى تحريضياً وتضليلياً في كثير من الأحيان.
قلب الحقائق
يقول الكاتب السعودي فهد الدبيجي: عندما لاحظت قطر والإخوان نجاح المغرد السعودي في صد الهجوم الإعلامي القذر على بلادنا، بدأ هذا الهجوم يتبع أسلوباً وطرقاً جديدة منها ظهور مصطلح «الذباب الإلكتروني»، للنيل من الشعب السعودي وغيره من الشعوب العربية.. هم أرادوا بذلك التشكيك في وطنيتنا وفِي قدرتنا على صد الهجوم والحملات المغرضة على بلادنا، مدعين أنها مجرد معرفات وهمية، رغم أنهم يعلمون أنهم مغرمون حقيقيون، يدافعون عن وطنهم، بفطرة عقولهم ونقاء قلوبهم وبدافع وطني خالص حباً وعشقاً لوطنهم وقيادتهم. هم يستغربون حُبنا لولاة الأمر والوطن، لهذا هاجمونا بـ«الذباب الإلكتروني»، لأنهم لم يذوقوا أو يعرفوا حلاوة الولاء والانتماء، لأنهم مشردون ولاجئون، ومرتزقة وعبدة للريال القطري، لذلك جن جنونهم ولم يصدقوا ما يشاهدون بأعينهم أن الشعب السعودي طمس هالتهم الإعلامية تحت أقدامهم.
نحن نعلم أن الذباب الإلكتروني هو جزء من الحرب القذرة بالعالم الافتراضي، استخدمه إعلام قطر والإخوان عبر حسابات مأجورة ووهمية في قلب الحقائق وشن الهجمات المشبوهة على شخصيات ودول، لهذا نجد أن الدول العربية تحتاج لحماية أنظمتها من تلك الهجمات الممنهجة في العالم الافتراضي، لمنع خلق روح انهزامية وتشاؤمية تستهدف ضرب استقرار الأوطان، مع دعم المغردين الوطنيين للاستمرار في الدفاع عن أوطانهم.
رأي الدين
ومن جانبهم، شدد علماء الدين على ضرورة التصدي للحرب «القذرة» التي تشنها الآلاف من الكتائب الإلكترونية المأجورة، بهدف زعزعة أمن واستقرار الدول العربية، من خلال نشر الادعاءات والإشاعات المغرضة والأكاذيب المشبوهة التي تُثير الفوضى والقلاقل والاضطرابات.
في هذا السياق، أعرب الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عن أسفه لتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى «أداة هدم» للمجتمعات العربية الآمنة والمستقرة، حيث يستغلها أعداء الأمة وأرباب المصالح المشبوهة ــ وللأسف منهم أنظمة عربية وإسلامية ــ في نشر الأكاذيب والافتراءات التي تتسبب في تكدير السلم العام للمجتمعات العربية. وقال الدكتور كريمة: الشرع الإسلامي يعلي من شأن أمن واستقرار المجتمع المسلم، ويجعل من المحافظة على أمن واستقرار المجتمع «فريضة واجبة» على كل فرد داخل هذا المجتمع، لا تقل أبدا عن الفرائض التعبدية كالصلاة والصيام، وبالتالي فإنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يقوم بعض الأشخاص بنشر معلومات مغلوطة أو شائعات مغرضة على مواقع التواصل الاجتماعي، لإثارة البلبلة والفوضى داخل المجتمع، فهذا سلوك عدواني، ويقف الإسلام الحنيف منه موقفاً رافضاً وحازماً، حيث إنه يندرج تحت ألوان الإفساد في الأرض. ودعا الدكتور كريمة رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن يدركوا مسؤولية الجوارح عند استخدام هذه المواقع، ومنها جارحة اللسان في القول، وجارحة الأذن في الاستماع، فهل ما تكتبه لك أم عليك؟ وما تنشره بين الناس لك أم عليك؟ وما يسمعه الناس لك أم عليك؟، وفي هذا الشأن قال تعالى: «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون».
ضوابط شرعية
أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، الدكتورة إلهام محمد شاهين، حذرت من خطورة «الحرب القذرة» التي يشنها الآلاف من الكتائب الإلكترونية المأجورة، بغرض زعزعة أمن واستقرار المجتمعات العربية، وذلك من خلال نشر الادعاءات والإشاعات المغرضة والأكاذيب المشبوهة التي تُثير الفوضى والقلاقل والاضطرابات في صفوف الشعوب العربية، مشددة على أن الإسلام الحنيف يجرم ويحرم ــ أشد التحريم ــ مثل هذه الحملات المضللة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وطالبت الدكتورة إلهام مستخدمي ومتابعي مواقع التواصل بالالتزام بالضوابط الشرعية التي حددها الإسلام الحنيف لحرية الرأي والتعبير، حتى لا تتحول هذه المواقع إلى «منصات هدامة» لنشر الفوضى والأفكار المنحرفة، وأهم هذه الضوابط الابتعاد عن الكذب والغش والتدليس، وعدم نشر الأكاذيب والافتراءات، فالكذب في الإسلام محرم أشد التحريم، وهو شعبة من النفاق إذا لازم المرء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان»، وهو أيضاً كبيرة من الكبائر حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الاقتراب منها، فقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا».
وشددت أستاذة العقيدة والفلسفة على ضرورة تضافر جهود الدول العربية لمواجهة الكتائب الإلكترونية التي تتلقى تمويلات مشبوهة من أجل العمل على إثارة الفوضى والاضطرابات داخل مجتمعاتنا العربية، ونشر الأفكار الشيطانية والإشاعات الهدامة التي تثبط الهمم وتخلق الانقسامات داخل المجتمع الواحد، ومن هنا وجب أن نتخذ الحيطة والحذر، وأن نتبنى حملات توعوية ودعوية تفضح حقيقة مخططات هذه الكتائب الإلكترونية حتى لا يقع شبابنا فريسة سهلة لأكاذيبها وافتراءاتها، ومن الضروري أن يحرص رواد مواقع التواصل الاجتماعي على التأكد من صحة المعلومات والأخبار والتقارير التي تنشرها الحسابات المأجورة، والتي عادة ما تستخدم أسلوب «دس السم في العسل» من أجل «غسل الأدمغة» لحساب أجندات سياسية مشبوهة أو أجندات دينية متطرفة، حتى نخمد نار الفتنة وهي في مهدها.
«حرب بارود إلكترونية»
الملاحظ اليوم أن البشرية تواجه «حرب البارود الإلكتروني» الجديدة، وهي الحرب الإلكترونية بمختلف توصيفاتها وتفريعاتها، وأحدثها هي حروب مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكمن خطورتها في نوع الضحايا.. فالضحية في هذا النوع من الحرب هي «القناعة»، فحين تصوب الجهات المتقاتلة أعيرتها الفكرية مستهدفة قناعات الناس في أوطانهم وقدراتهم ومقدراتهم، فهي إما أن تصيبها بجروح تسلب قواها، أو تشل حركتها، أو أن تقتلها بالكلية، وبالتالي تفقد ولاءها للوطن، وتتحول إلى الولاء للعدو، تروج لفكره، وتعاظم من منجزه، وتقاتل في صفه، ما يعني زرع عنصر محارب داخل أرض العدو ضد وطنه. ومن خصائص حرب التواصل الاجتماعي تعدد المستويات، إذ تبدأ بالأفراد، وتنتهي بالدول، مروراً بالتكوينات والجماعات والتنظيمات، وقد يدخل فيها جهات رسمية وعسكرية واستخباراتية، فيما قد يشعلها مجموعة أفراد بجهود فردية بحتة.
وحروب مواقع التواصل الاجتماعي التي تقودها دولة قطر، استهدفت تضليل الرأي العام، وتزييف الحقائق، وقلب المعاني، مثلما حصل في مصطلح «حصار» بدلاً من «مقاطعة»، لإثارة البلبلة.. لكنها لم تتوصل إلى أهداف ما خططت له من خلال «الذباب القطري الإلكتروني»، ولم تحقق ما تمناه النظام الذي يدار بالوكالة والنيابة معاً.. ففي حروب مواقع التواصل لا ينتصر المستأجرون.. لكن الذي ينتصر هم أبناء الوطن. فحين شنت قطر حربها الإلكترونية بمن جيشته واستأجرته من مرتزقة إلكترونيين من مختلف الألوان والألسن والهويات، قابلها جيش الشعبين السعودي والإماراتي، على وجه الخصوص، بفضح أماكن التغريد، وفكك خطاب النائحات المستأجرة، وتندّر بمن يضع صور القيادة القطرية باسم يوحي بالهوية الخليجية، فيما تفضح المفردة أو اللهجة مكان المنشأ ونوع العُملة التي تذهب لهؤلاء المأجورين.
حوراء موسى: التصدي للحسابات المزعجة والإبلاغ عنها
تقول المحامية الإماراتية حوراء موسى، الحائزة دكتوراه في القانون، إن الذباب الإلكتروني مصطلح مستحدث أطلق لوصف حسابات المستخدمين المبرمجة آلياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بغرض إغراقه بالمنشورات - محتوى معين - وبشكل مكثف بشأن موضوع معين بهدف إثارة الرأي العام خاصة فيما يتعلق بالسياسة والمشاهير، وهذه الحسابات يتم إنشاؤها لهذا الغرض فقط ومن ثم تختفي أو تتوقف عن النشر بعد انتهاء المهمة، كما أنه يتم إنشاء هذه الحسابات بمعرفاتٍ وهمية ومزيفة من حيث اسم المستخدم، والذي يكون في الغالب مكوناً من حروف وأرقام عشوائية، وأيضاً اللقب أو المسمى يتم اختيار مسمى عام أو انتحال اسم معين، سواء لشخص حقيقي أو مزيف.
وترى حوراء هذا الذباب الإلكتروني.. محاولة لإقناع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بفكرة ما مشبوهة أو مغلوطة أو مسيسة، لذلك يقومون بجهد كبير في إنشاء آلاف الحسابات الوهمية تقوم جميعها بنشر كتابات أو صور معينة غالباً ما تكون بطريق القص واللزق أي أنها جميعها غالباً ما تكرر بعضها في نشر المحتوى المراد إيصاله للعامة، بل والأكثر من ذلك أنهم يقومون بتذييل أي وسم (#هاشتاق) متداول، كما أنهم يقومون أيضاً بإنشاء وسم مضاد للوسم المؤيد للفكرة التي يقاومونها أو التي أنشأوا حساباتهم من أجل محاربتها.
وحقيقة الأمر أنه لا يوجد جهة تنظم عملهم، إنما هم مجموعات متفرقة في مختلف الدول يقومون بهذه السلوكيات بمقابل مادي بالطبع، مع التنويه إلى أنهم يقومون بذلك وقد لا يكونون من أنصار التهجم أو التنمر، إنما يقومون بذلك بغض النظر عن أي أمر مقابل مادي.
وللذباب الإلكتروني في الحقيقة تأثير على الرأي العام وذلك بإطلاق إشاعة وأخبار مضللة وكاذبة حول موضوع أو شخص ما، ليصبح حديث الساعة في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتصدر خبر تلك الإشاعة لأخبار الصحف الورقية منها والإلكترونية، وفي برامج الإذاعة وعبر التلفاز وبأي وسيلة أخرى من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة والمستحدثة.
ويكمن خطر الذباب الإلكتروني، على حد قول حوراء، في إقناع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بصحة ما ينشرونه، الأمر الذي يؤدي إلى قيام هؤلاء المستخدمين بتداول المحتوى المنشور، سواء بنشره أو إعادة نشره عبر ذات الوسيلة أو من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ما يؤثر المحتوى على رأي المتلقي الذي من الممكن أن يؤثر على غيره، سواء تم ذلك في الفضاء الافتراضي أو في الواقع المادي، فتتحقق الغاية من إنشاء حسابات الذباب الإلكتروني هذه.
وتضيف حوراء: من هنا لابد من مواجهة الذباب الإلكتروني والتصدي له من خلال تجاهل حساباتهم أو حظرها مع تنبيه وسيلة التواصل الاجتماعي وإبلاغهم بأن تلك الحسابات مزعجة أو غير مرغوب فيها، أو أي من الخيارات التي تتيحها تلك الوسائل للإبلاغ عن هذه الحسابات، بالإضافة إلى ضرورة عدم الانسياق مع ما ورد بها من إشاعات وأخبار، والحرص على عدم الاعتداد إلا بالأخبار التي تنشرها الجهات المختصة الرسمية عبر أي وسائل الإعلام، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
أريام: هناك إشاعات مغرضة وصادمة
ترى الفنانة أريام، أن مواقع التواصل الاجتماعي، تعتبر سلاحاً ذا حدين، فهي رغم استخدامها في تبادل المعلومات، وسرعة نشر الأخبار حول العالم، إلا أن البعض يستخدمها بشكل خاطئ، ويسعى للترويج لإشاعة ما أو خبر مفبرك بهدف إحداث بلبلة للرأي العام. وتضيف أريام أن بعض أهل الفن أنفسهم يسيئون استخدام هذه المواقع في التطاول على فنان ما أو زميل بالمهنة، أو تعمد نشر إشاعات أو فضائح لا أساس لها من الصحة.
ويكفي أن الكثيرين من أهل الفن، قد عانوا من هذا الذباب الإلكتروني الذي تعمد نشر إشاعات عن وفاة فنان أو فنانة، الأمر الذي يصيب أهل هذا الفنان أو تلك الفنانة بالصدمة والذعر والهلع، من دون مراعاة للقيم والأخلاق، ومن دون مراعاة لرد فعل الجمهور تجاه هذه الإشاعة التي تشير إلى وفاة فنان يحبونه، وهذا تكرر كثيراً عبر مواقع التواصل، على سبيل المثال لا الحصر، مع فنان العرب محمد عبده والزعيم عادل إمام والفنان صلاح السعدني، وغيرهم من نجوم الفن والطرب الذين اضطروا للخروج على جمهورهم لنفي الإشاعة، والتأكيد على أنهم ما زالوا على قيد الحياة، ليعانوا من ظاهرة سخيفة لا تزال تؤرق الكثيرين من أهل الفن..
وتؤكد أريام، أن هذا «الذباب»، الذي يمارس سلوكاً غير أخلاقي، يجب أن تتم محاربته بكل السبل، حتى لا يخرج علينا بإشاعات مغرضة وكاذبة تؤرق المجتمع وتصيبه بالصدمة من آن لآخر، وعلى الجهات المعنية محاسبة هؤلاء المستهترين بحياة وأعراض الناس، ومساءلة كل من تسول له نفسه العبث بثوابت وقيم وعادات وتقاليد المجتمع.
«الملالي» و«الإخوان»
هناك دراسات تؤكد أن الإخوان في المنطقة العربية متناغمون ومتلاقون مع النظام الإيراني، وثمة خيوط تتقاطع بين الطرفين، في الأساليب والوسائل والفكر والأهداف، وهي العلاقة نفسها التي تجمع نظام «الملالي» في طهران بـ«التنظيم الدولي للإخوان»، فهناك كثير من حسابات التواصل الاجتماعي التي تُدار من قبل عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي في دول الخليج العربي، وهؤلاء يتبعون التوجه الدولي للتنظيم، ولذلك فإنهم وجهوا هذه الحسابات ضد دول الخليج، في إعلان صريح وواضح بموالاة النظامين القطري والإيراني، والدليل أن عناصر هذا التنظيم الإخواني يقومون الآن بالعمل على نطاق واسع لتشويه سمعة المنظومة الخليجية إقليمياً ودولياً، عبر منصاتهم الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن قبض ثمن ذلك.
هذا التنظيم الدولي يركز جهوده بشكل مستمر على ضرب دول الخليج، واستهداف حكوماتها، والترويج للمشروع الإيراني الإخواني في المنطقة، حتى بات من المهم مجابهة وجود التنظيم الإخواني في الخليج عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكل قوة. وعلى سبيل المثال، فقد أعلن، منذ سنوات، علي صابر هاماني، قائد «ميليشيات الباسيج» للطلبة في المدارس الإيرانية، عن تشكيل «كتائب إلكترونية» من طلبة المدارس، بهدف «إشراكهم في الحرب الإلكترونية الناعمة ضد البلاد»، وذلك على غرار «الجيش الإلكتروني» المشترك التابع لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، والذي يتولى مهمة مراقبة النشاطات المعادية عبر الإنترنت. ونقلت وكالة «فارس» عن هاماني قوله: «هذه اللجنة نظمت دورات، شارك فيها 200 طالب من النخبة من مختلف المحافظات لتدريبهم على كيفية إدارة الصراع في الفضاء الافتراضي «الإنترنت».
وتطبق إيران قيوداً تعد الأكثر تشدداً في العالم على استخدام الإنترنت، وتمنع الوصول إلى منتديات التواصل الاجتماعي، بـ«فيسبوك وتويتر». كما تفرض السلطات الإيرانية رقابة صارمة على شبكة الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي منذ احتجاجات عام 2009، كما شددت من هذه الرقابة بعد الاتفاق النووي الذي أبرمته مع دول (5+1) في يونيو 2015، بحجة صد «النفوذ الغربي»، و«مكافحة التطبيع مع الغرب»، عقب الاتفاق.