عصام أبو القاسم (الشارقة)
سجلت فرقة مسرح الشارقة حضوراً أدائياً مميزاً في مشاركتها، عبر مسرحية «الفزعة» من تأليف سلطان النيادي وإخراج محمد العامري، بأولى ليالي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي الذي انطلقت دورته الرابعة مساء أمس الأول بمنطقة الكهيف وسط حضور جماهيري غص به المكان الذي صُمم بحيث يستوعب أكثر من ألف مشاهد.
وجاءت المشاهد التمثيلية للعرض، الذي شهد مشاركة ثلة من أبرز الممثلين المحليين إلى جانب العشرات من المؤدين، بسيطة وموحية، في مزيج من الأداء الحركي والأضواء والألوان والأشعار والموسيقى. وجسدت، في صور وتعبيرات مجازية، معنى نجدة المغلوب ونصرته ودفع الضرر عنه متى ما نادى مستغيثاً، كما أبرزت قيمة المعرفة والعلم في كشف ودرء المخاطر.
وبدأ العرض بمشهد تقديمي سُلط خلاله الضوء على «الراوي» وتوزعت من خلفه الخيام على نحو يوحي بهيئة قرية صحراوية، وحكى السارد كيف أن «راعي الفزعات» حين دعا بعض القبائل من حوله إلى أن تعد قوتها ورباطها لمناصرة «الجار» لم يجد الاستجابة، فهي لا ترى الخطر قريباً منها. وحين ينسحب الراوي من المشهد، يتوهج المكان بلهب العراك ويضج بالصراخ والاستغاثات.
وبدا أن مخرج العرض، محمد العامري، بعد مشاركتين سابقتين له في المهرجان، صار أكثر استحواذاً وتمكناً، لما يتطلبه إخراج عمل مسرحي في فضاء مفتوح ورحب، كالذي تقدم عليه عروض التظاهرة الفنية والاجتماعية، المكرسة لاستكشاف الروابط، الكائنة والممكنة، بين فن المسرح والأشكال والتعبيرات الفنية التقليدية التي تعمر ذاكرة المجتمع الصحراوي، كالسرد والشعر والغناء والربابة وسواها.
وكما حدث في تجربتيه السابقتين بالمهرجان: «داعش والغبراء» 2016 و«صرخة ميثاء» 2017، وظف العامري الإضاءة لتوضيح وتحديد مجال عرضه، ولإبراز الشخصيات، والوقائع، والمواقع، وإثارة التوقعات، كما استعان بالشريط الصوتي المسجل مسبقاً (البلاي باك) لتجسير المسافة الجغرافية بين موقع العرض وموقع الجمهور، ولتجسيم الأصوات وتعميق صدى «الشلات» والمضمنة في نص العرض.
ولما كان من الصعوبة بمكان الاعتماد على الأبعاد التأثرية والتعبيرية للمكياج والأزياء وحركة الممثل المنفرد، وذلك لبعد المسافة بين الجمهور وفضاء العرض، فلقد اكتفى المخرج بتجريد حركات التشخيص في الإشارات اليدوية، مجسماً ومغلباً حركة المجاميع الأدائية المرسمة بالضوء واللون، في خطوط أفقية وراسية، لتمرير رسالة العرض الجمالية ورؤيته الفكرية.
وفي جزء متقدم من العمل، تقتنع القبائل التي لم تستجب أولاً لنداء «راعي الفزعات» بفكرته وتأتيه متحدة وساعية إلى بصيرته وتطلب الفزعة.
بيد أن الخطر لا يقتصر على عداوة البشر، هنا أو هناك، فثمة أخطار الطبيعة وهي أصعب وأعقد ولا سبيل إلى صدها أو إلى تدبير ما يقلل ضررها إلا بالمعرفة والعلم، وهو ما يقوله العرض في لوحته الختامية التي مزجت الشعر، المنظوم باللهجة العامية والمصحوب بأداء صوتي قوي الوقع والتأثير، مع التشكيل البصري الأخاذ الذي ارتكز في تكوينه على الأزياء والأنوار.
وشارك في تجسيد العمل أحمد الجسمي، إبراهيم سالم، مرعي الحليان، بدور، أحمد يوسف، محمد غانم، حميد سمبيج، عبد الله مسعود، نبيبل المازمي، معصومة، خالد الحيدري. وقام بأداء الشلات الشاعر محمد البادي، وفي الموسيقى والصوتيات شارك إبراهيم الأميري، فيما جاءت المجاميع الأدائية من الفريق المسرحي لناشئة الشارقة، والفريق المسرحي لكشافة الشارقة، والفريق المسرحي لجامعة عجمان وفرقة الخيالة واسطبلات المدام.