فاطمة عطفة (أبوظبي)
يستقبل رجال الشرطة وفود الزوار، إلى منطقة الحصن الثقافية، على الطريقة القديمة، وبتنظيم عالي الدقة. من هذه العتبة التي نطل عبرها إلى أيام خلت وتركت أثرها في الحجر والبشر، ندلف مع جموع الزوار إلى أحضان هذا الصرح العريق. تستوقفنا في البداية قاعة الشيخ زايد بن خليفة «زايد الأول»، حيث يستحضر الزائر لمحات من الدور الكبير الذي كان له في توحيد القبائل وازدهار أبوظبي. في هذه القاعة معلومات عن سيرته وإنجازاته، إضافة إلى مقتنيات شخصية له، ومنها: نموذج طبق الأصل عن سيفه المعروف بـ «الغمامة»، ورسائل كان أرسلها إلى نجله الشيخ خليفة بن زايد، وخواتم من الذهب والأحجار الكريمة كانت لبناته.
وفي القاعة مقتنيات للشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، مثل «البشت» و«الغترة»، إضافة إلى ساعته الذهبية، و«المذياع». وكان قد تولى حكم أبوظبي سنة 1928، وواجهته الصعوبات الاقتصادية والسياسية في ذلك الوقت، لكنه، بحكمته استطاع أن ينجح وأن يهيئ أبوظبي لكي تصبح أهم حاضرة على الساحل، وفي عهده تم الحصول على أول امتياز في التنقيب عن البترول، وقد تم توقيعه في مجلس الشيخ شخبوط بداخل قصر الحصن.
ويشاهد الزائر في جدار القاعة نحتا بشكل «محراب»، وهو دليل على إقامة الصلاة فيها، كما تشير لوحة جدارية كبيرة يعود تاريخها إلى فبراير 1904، مجموعة من الرجال وهم مجتمعون خارج الجدار الخارجي للحصن، ومعهم الشيخ زايد الأول يحمل عصاه.
ومن المقتنيات مسبحة تعود للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان الذي حكم أبوظبي (1912 ـ 1920)، وعرف بمعاملته الطيبة مع الجميع، وخاصة مع جيرانه من الإمارات الأخرى، وإضافة إلى ذلك هناك مدفع هدية من سلطنة عمان.
ونطالع في القاعة نفسها جواز سفر للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه»، وصفحة من جريدة تتضمن مقابلة صحفية معه، وكتاب «أبوظبي»، وبعض المطبوعات التي تشير إلى توقيعه على مشاريع تخطيطية للمدينة، ووثائق للأرشفة والإدارة.
وفي صدر هذا المشهد التاريخي، يتوسط القاعة باب خشبي قديم منحوت بتقنية فنية جميلة جداً، وخلال هذه الأجواء والمعالم بين القديم والحديث، يستمع رواد القاعة إلى قراءة أشعار مسجلة على الفيديو للشيخ زايد جاء في أبيات منها:
زايد إذا قالوا على الناس زايد
مشراق شمس ما تغبي ضحاها
زايد إذا قالوا على الناس زايد
نور قمرها في الظلام ودجاها.
وفي لقاء مع بعض رواد قصر الحصن تحدثت عائشة الشرياني من مدينة العين: قصر الحصن يمثل لنا الماضي والحاضر، بتميز موقعه وسط العاصمة أبوظبي، ليعرف السياح ونحن الجيل الجديد كيف كان بناء بيوتنا القديمة، ويتعرف إلى طبيعة الناس وكيف كانوا يعيشون من قبل، وكيف كانت حياة الشيوخ الذين قدموا الكثير من أجلنا، نحن الذي نتنعم اليوم بما أسسوه لنا.
وأضافت: من المعروف عندنا في تراثنا أن القلاع والحصون لحماية المجتمع من أي خطر خارجي، مبينة أنها تأثرت جدا عندما شاهدت صورة الشيخ زايد ووالدته الشيخة سلامة بنت بطي، والاطمئنان الذي يتجلى بهذه الصورة.
بدوره، قال هزاع سالم العولقي الذي كان برفقة أصدقائه: قصر الحصن عزيز على قلوبنا، وخاصة بموقعه في قلب أبوظبي، فهو معلم تاريخي غال جداً علينا، في الوقت نفسه أرى أن المعلومات الموجودة فيه، والتي يجب أن نعرفها، لا توجد في أي مكان آخر، كما أن هذا المكان يضم المقتنيات الخاصة التي كانت لشيوخنا، لافتاً إلى أن القصر يحتاج لزيارات متعددة لنتعرف إلى محتوياته وما يضم من تحف. وأضاف: تراث الحصن عبق التاريخ، بالنسبة لنا، هذا تاريخنا الذي نعتز به، وهذه دولتنا التي تضاهي أهم دول العالم انطلقت من هذا المكان التاريخي.