قديماً، قال المتنبي: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ».. ويقول المثل إن «أصحاب العقول في راحة»، بينما يرد عليه مثل آخر قائلاً إن «المجانين في نعيم».. وكثيراً ما نرى العباقرة والمفكرين مهمومين بمسائل لا يعيها الشخص العادي الذي يتابع برنامجاً ترفيهياً وهو يقهقه سعيداً! فما هو الرأي العلمي في هذه المسألة؟
هل يتعارض الذكاء مع السعادة حقاً؟ أم أنه يزيد من فرص الوصول إليها؟
ظلّ الأمر محل جدل بين علماء النفس أنفسهم، إلى أن قام باحثان هولنديان -فيينوفن وشوي- بتحليل بيانات 23 دراسة عن السعادة في 143 بلداً حول العالم «كي تشمل أكبر عدد من الناس ولا تكون النتيجة متأثرة بنمط الحياة أو ثقافة بلد بعينه»، فوجدوا أمراً شائقاً للغاية..
وجدوا في هذه الدراسة -المنشورة في انترناشونال جورنال أوف هابينس آند دفيلوبمنت- أنه على مستوى الأفراد، لا توجد علاقة بين ذكاء الفرد وسعادته. ولو كان المرء ذكياً (أو غبياً)، فإن هذا ليس ضماناً لسعادته «أو تعاسته».. لكن المثير في الموضوع، هو أنهم وجدوا أن على مستوى الأمم والشعوب، كانت البلدان الأعلى في معدلات ذكاء سكانها، أعلى أيضاً في مستوى السعادة.. ويعلق الباحثان على هذه النتيجة بقولهما إن الحياة في مجتمع ذكي بشكل عام، ستجعلك أكثر سعادة من العيش في مجتمع تكون فيه أذكى من كل من حولك!
هذه النتيجة تحل اللغز.. فالمرء سيعاني من ذكائه لو كان وسط من لا يفهمونه، بينما تصبح سعادته أسهل حين يكون في مجتمع متوافق مع عقله واهتماماته.. فالعالِم وسط زملائه العلماء يعرف السعادة العقلية النابعة من حوار ثري مليء بالمتع الذهنية، بينما قد يشعر بالضيق لو اضطر لمجالسة شخص يتحدث بيقين تام عن مغالطات منطقية لا يقبل التشكيك فيها ولا يمتلك الأدوات الذهنية اللازمة لإدارة نقاش حولها!
باختصار: ليكن محيطك الاجتماعي مليئاً بالأذكياء..
فمن الواضح أن طبيعة بيئتك الاجتماعية، لها تأثير في سعادتك!