23 أغسطس 2011 22:42
(القاهرة) - صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين بفعل الخير لهم ودفع الشر عنهم، وهي من أخلاق الإسلام العالية وتعني الحنان والرقة، ولأهميتها اشتق الله اسمها من اسمه الرحمن، واقسم بها وقرنها بالتقوي، قال تعالي: (فاتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام”، فصلة الرحم شعار المؤمنين بالله واليوم الآخر وحث الإسلام على بناء مجتمع قوي مترابط، وعلاقات أفراده متينة، مثله كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي.
وصلة الأرحام ركن قوي من أركان العلاقات في الدين الإسلامي، وهي عبادة وخلق فاضل حث عليه ربنا سبحانه وتعالي في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه الكريم في أكثر من آية وحديث، ومن ثمراتها بين المسلمين، قوة المجتمع، والثقة بين أفراده.
إن صلة الرحم، أثر من آثار التقوى المباركة، وعلامة من علامات تمكنها من القلوب، وهي من أحب الأعمال إلى الله لأنها من آثار التوحيد، ولذلك قرنت به في الذكر، وقطيعة الرحم من علامات النقص في الدين، ولذلك ذكرت بعد الشرك الذي هو أكبر الكبائر.
سنة ثابتة
ومن السنن الإلهية في فطرة الإنسان الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه، وهي سنة ثابتة يكاد يتساوى فيها البشر، ولقد راعى الإسلام هذه الرابطة، ودعا إلى تعميقها، وتحويلها إلى معلم منظور، وظاهرة تترجم فيها الرابطة الروحية إلى حركة سلوكية وعمل.? ولما كان من أهداف الإسلام إقامة مجتمع على أساس العقيدة، مترابط اجتماعياً، متآلف قلبياً، كانت صلة الرحم من أبرز معالمه التي أعلنها منذ البداية، فقد أمر الإسلام منذ فجر الدعوة بصلة الرحم ونهى عن القطيعة والتدابر بين ذوي القرابة والأرحام، حيث ذكر جعفر، أمام النجاشي أن صلة الرحم من المبادئ الأساسية التي دعا إليها الإسلام.
ولتفريط البعض تفشى داء عضال في جسد الأمة بدأت أعراضه تظهر بيننا، ومنها عقوق الوالدين، وانتشار الأنانية والبغضاء بين الإخوة والأخوات والأعمام والأخوال وسائر أفراد المجتمع، وكثرت النزاعات والخصومات بين الأهل والأقارب، لأتفه الأسباب، وسبب ذلك بعد الناس عن صلة الأرحام وقطعها.
حسن الجزاء
ومعرفة الأرحام أمر لابد منه لصلتهم، حيث قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: “تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم”. وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري بيان الأرحام فقال: يطلق على الأقارب وهم من بينه وبين الآخر نسب، سواء كان يرثه أو لا، سواء كان ذا محرم أو لا، والأرحام والأنساب هم أقارب الإنسان نفسه كأمه وأبيه وابنه وابنته، وكل من كان بينه وبينهم صلة من قبلهم.? وذكر القرطبي أن صلة الأرحام تكون بوسائل كثيرة منها الزيارة والسلام والتحية والهدية والمعاونة والمجالسة وبالتلطف والإحسان إليهم، وتكون كذلك بالتغاضي عن الزلات والصفح عن الخطيئات وتفقد الأحوال والإنفاق بالمال وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وتحمل قطيعتهم.
وقد أثنى رب العزة على الذين يصلون الرحم وأن ذلك سبب دخول الجنة يقول تعالي: (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهِم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولـئك لهم عقبى الدار) “الرعد: 21، 22”. وهذا توجيه إلى احترام الرابطة الإنسانية ولو بعدت الأنساب وتعددت الألوان واللغات واللهجات. ?وورد في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن رجلا قال يا رسول الله: أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال - صلى الله عليه وسلم: “تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصل رحمك”، فلما أدبر قال النبي - صلى الله عليه وسلم: “إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة”. وروى البخاري ومسلم عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: “الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله”.? وصلة الرحم سبب لكثرة الرزق وطول العمر وحصول البركة، قال - صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه”. ?وصلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق وقيل إن معنى ذلك أن يبارك الله في عمر الإنسان ورزقه فيعمل في وقته ما لا يعمله غيره فيه، وقيل إن الزيادة والبركة على حقيقتهما.
آثار إيجابية
كما أنها سبب لمحبة الأهل وتدفع ميتة السوء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه”. وهي تثمر الأموال وتعمر الديار، فعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم، قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال: بصلتهم لأرحامهم”.
ولصلة الأرحام آثار إيجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوماتها الروحية والخلقية والمادية، فهي تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتزيد في الأجل.
فهي باب خير عميم فيها تتأكد وحدة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وتمتلئ نفوس أفراده بالشعور بالراحة والاطمئنان، إذ يبقى المرء دوماً بمنأي عن الوحدة والعزلة، ويتأكد أن أقاربه يحيطونه بالمودة والرعاية، ويمدونه بالعون عند الحاجة.
تشكيل دعائم البناء الاجتماعي
لا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً، وقلعة صامدة، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة، وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيح النور إلى أبناء أمتهم، وإلى الناس أجمعين. ?والأسرة هي اللبنة الأولى لتكوين المجتمع، والخلية التي تقوم بتنشئة العنصر الإنساني وتشكيل دعائم البناء الاجتماعي، وهي نقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع، وفي جميع مراحل حياته إيجاباً وسلباً، ولهذا أبدى الإسلام عناية خاصة بالأسرة، فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها من حيث علاقات أفرادها داخلها، وعلاقاتهم مع المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه.