17 فبراير 2008 22:17
من المتوقع أن يتم الإعلان عن الفائزين في الانتخابات الباكستانية البرلمانية التي بدأت اليوم الاثنين 18 فبراير فيما بعد، وفقاً للتقاليد المتعارف عليها في الإعلان عن نتائج الانتخابات، أي بعدد أصوات الناخبين وما يحيط بها من جدل حول طريقة إحصائها، لكن إلى جانب هذه الطرق التقليدية، ربما يحدد هذه النتائج عدد البنادق والأموال المستخدمة في العملية الانتخابية السابقة لها، والمتوقع لهذه الانتخابات أن تمهد الطريق لمرحلة ديمقراطية جديدة في البلاد، بعد مضي أشهر من الاضطرابات السياسية، وما يقارب العقد الكامل من الحكم العسكري تحت رئاسة ''برويز مشرف''·
لكن في محافظة ''البنجاب'' حيث تدور أشرس المعارك الانتخابية، شاعت الاتهامات ضمن ذلك العراك حول الترهيب المسلح للناخبين من قبل قوات الشرطة والمليشيات الخاصة، إلى جانب ممارسات الرشوة التي يقوم بها الناشطون الموالون للحكومة· وتسيطر على أجواء هذه المحافظة بالذات مظاهر العنف والشكوك في تزوير نتائج الانتخابات، بل شملت الصراعات أيضاً الخلاف حول من يتولى مسؤولية إدارة مراكز الاقتراع وفرز الأصوات·
في الحقيقة، يكشف رأي الشارع الباكستاني العام في هذه الانتخابات مدى عمق عيوب السياسة الباكستانية عموماً، التي يقوم فيها تنظيم الأحزاب السياسية على أشخاص -أكثر من اعتمادها على السياسات-ينتمون عادة إلى عائلات إقطاعية تمكنت من الحفاظ على سيطرتها على العملية السياسية على امتداد الحقب والعقود، وتتسم المعركة الانتخابية الحالية بصعوبة بالغة هنا في محافظة البنجاب على وجه الخصوص، لكونها المحافظة الأعلى كثافة سكانية في باكستان، إضافة إلى كونها موطناً لعشيرة شودري المعروفة بقوتها السياسية وموالاتها للرئيس ''برويز مشرف''، والمعلوم أن هذه العشيرة تبذل قصارى جهدها في سبيل الحفاظ على قبضتها المحكمة على الحياة السياسية في المحافظة، وفي حال فوز زعيم العشيرة ''شودري برويز إلهي'' -موضع ثقة كبيرة لدى الرئيس مشرف- فإن من عزم هذا الأخير تنصيبه رئيساً للوزراء في الحكومة الجديدة التي ستعقب الانتخابات·
على الصعيد الآخر أكد ''عاصف علي زرداري'' -زوج بينظير بوتو'' زعيمة المعارضة القتيلة، الذي أعقبها في قيادة حزب الشعب الباكستاني- أن حزبه سوف يكتسح معظم المقاعد البرلمانية الخاصة بالمحافظة، والبالغ عددها 147 مقعداً، فيما لو اتسمت العملية الانتخابية بالحرية والنزاهة، وهذا هو الهاجس الذي يؤرق غالبية الباكستانيين تقريباً·
من بين الذين أثاروا جدلاً واسعاً حول استخدام العنف والبنادق في هذه العملية الانتخابية ''أحمد مختار'' -رجل أعمال ومن الموالين التقليديين لبينظير بوتو- ذلك أن عشيرة شودري تستخدم مليشيا عائلية خاصة بها، إلى جانب استعانتها بقوات شرطة البنجاب في ترهيب الناخبين لخدمة غرضين أساسيين، أولهما: إبعاد الناخبين المعارضين من صناديق الاقتراع، وحسم النتيجة الانتخابية لصالح النائب الحالي ''شودري شوجات'' وزمرته، وأوصت العشيرة بنشر قوات المليشيات هذه في ''قوجرات'' صباح يوم الاقتراع، باعتبار أن ذلك هو السبيل الأمثل للحيلولة دون وقوع أعمال عنف واسعة النطاق· لكن ولمواجهة قوات ''شودري'' هذه، قرر السيد ''مختار'' نشر قوات أمن انتخابي خاصة به في يوم الاقتراع، قوامها 160 من المسلحين بالعصي الطويلة والهواتف النقالة، على أن نشر هذه القوة لن يتم، إلا في حال بدء أي أعمال تحرش من جانب مليشيات ''شودري''· يذكر أن ''مختار'' قد خاض الانتخابات خمس مرات ضد خصمه ''شودري''، فاز خلالها مرة واحدة فحسب· غير أن الذي يثير قلق ''أحمد مختار'' هو تسليح مليشيات خصمه ''شودري'' المسماة ''قوات واجهات''- وهو الشقيق الأصغر لـ''شودري''- خاصة وقد أظهرت الإعلانات الانتخابية الخاصة بـ''شودري في قوجرات''، صورة هذا الأخير مصحوبة بتعريفه على أنه قائد لقوات واجهات، التي يصفها أحمد مختار بعدم الشرعية· وقد بعث مختار بنسخة من صورة دعائية تظهر موكباً لقوات واجهات هذه، مصحوبة بشكوى احتجاجية على ذلك الموكب من جانبه إلى لجنة الانتخابات القومية، إلا أنه لم يتلق منها رداً بعد·
وعلى حد قول السيد ''مختار'': ''عندما ذهبنا إلى القرى لأول مرة، كان الناس خائفين ومتحفظين من التعامل معنا، خوفاً من أن تنتقم منهم مليشيات شودري، لكن وما أن عاودنا الزيارة بصحبة 14 أو 15 من المسلحين بالبنادق، الذين أطلقوا عدداً من الطلقات النارية في الهواء، حتى اختلفت طريقة تعاملهم معنا، والرسالة التي بعث بها هؤلاء المسلحون إلى سكان القرى، كانت من الوضوح بما يكفي لطمأنتهم على أنه إذا كانت لمليشيات ''شودري'' بنادقها، فإن في وسعنا حمايتكم منهم ببنادقنا أيضاً·
وفي موكب انتخابي حاشد لصالح مختار، عمد مسلح آخر قدّم على أنه ''جنرال شعبي'' إلى إثارة عواطف الحاضرين بقوله لهم: ''نحن لم نعد خائفين من أحد، فقد صادر أفراد عشيرة شودري أراضيكم، وسوف نرد إليكم ما أخذ منكم من أراض وأبقار في حال فوزنا في الانتخابات''·
غير أن المرشح ''شوجات'' -عن عشيرة شودري- استخف بفكرة أن تستخدم مليشياته السلاح خلال العملية الانتخابية هذه، ومضى إلى القول لمئات من ناشطي الحزب خلال مأدبة غداء نظمها لهم في منزله الريفي بقرية ''نات'' الواقعة في ضواحي ''قوجرات'': ''لم يعد الناس أطفالاً بعد، فكيف يمكنك إرغام شخص على التصويت لصالحك تحت تهديد السلاح''؟
غير أن لـ''شوجات'' من النفوذ حداً دعا الرئيس ''برويز مشرف'' لإثارة موضوع اعتقال شقيق ''شوجات'' الأصغر ''واجهات'' من قبل شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، في مطار ''جاتويك'' في الثاني والعشرين من يناير المنصرم، تحت تهمة الإرهاب، أثناء لقائه الأخير مع رئيس الوزراء البريطاني ''جوردون براون''· وإلى جانب العنف والبنادق، هناك المبالغ المالية الضخمة المخصصة لشراء أصوات الناخبين خلال العملية هذه، وهذا جانب سلبي آخر يحيط بنزاهة وحرية الانتخابات الباكستانية·
جين بريز- باكستان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز