الجمعة 1 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات 40 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرأة الرجل·· ضحية الأصوات المعكوسة!!

المرأة الرجل·· ضحية الأصوات المعكوسة!!
15 ابريل 2005
صلاح الحفناوي :
'لم أعد أعرف ماذا أفعل·· حياتي أصبحت شديدة الصعوبة·· أشعر بالسخرية في عيون كل من أتعامل معهم، وفي أفضل الأحوال بالإشفاق الذي لا تخفى علاماته·· قد لا تصدق أنني جميلة·· فائقة الجمال·· وقد تندهش إذا عرفت أن زملائي في الجامعة يطلقون علي اسم 'ديانا' تشبيها بالأميرة البريطانية الراحلة ديانا·· وقد تتساءل ما هي المشكلة التي يمكن أن تعاني منها فتاة في مثل هذا الجمال'·· بهذه الكلمات بدأت القارئة التي أطلقت على نفسها وصف 'الأميرة المعذبة'·· رسالتها الطويلة جدا والتي نقتطف منها أهم ما فيها لأهمية المشكلة الصحية التي تطرحها·
تقول أميرة المعذبة ـ وليكن هذا اسمها الافتراضي ـ في رسالتها: بداية أنا فتاة في الثالثة والعشرين من العمر·· متفوقة دائما في دراستي·· جميلة كما أشرت لك من قبل·· لا أعاني من أي مشاكل صحية عضوية·· كنت قبل سنوات مرحة جدا ولكن الأمر اختلف كثيرا الآن·· كنت في طفولتي اجتماعية ولكني أعيش حالة عزلة حقيقية الآن·· كنت 'محسودة' من الكثيرات في صباي المبكر ولكني الآن موضع سخريتهن·· وما ضاعف همومي وزاد حزني وفاقم عزلتي هو ما أكده لي الأطباء من أن مشكلتي ليس لها حل وأن علي التأقلم معها والعيش بها حتى آخر العمر الذي ـ وليسامحني الله سبحانه وتعالى ـ أصبح أتمنى ألا يطول·· والسبب صوتي·
لا داعي للدهشة·· فصوتي هو صوت رجل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان·· وليس صوت رجل عادي بل أجش خشن·· هل تتخيل أن كل من يسمعه وهو يراني لا يصدق أبدا أنه صوتي·· يكفي لتأكيد ذلك أن جميع من يتصلون بنا هاتفيا لا يصدقون أبدا أنني فتاة·· ويتحدثون معي بضمير المذكر وبعد أن يئست من حالتي وسئمت مشاعر الحرج، أصبحت لا أصحح لهم معلوماتهم·· هل تتخيل حجم معاناة فتاة يتحدث معها الجميع هاتفيا على أنها رجل·· ويفغر كل من يحدثها وجها لوجه فاهه دهشة·· هل تتخيل حجم مشاعر الحزن التي تملكتني عندما تقدم لي شاب طالبا يدي من أسرتي·· وتراجع بضغط من والدته بعد أن جلست معهما وتحدثت اليهما لخوفها من أن أكون 'مسترجلة' وأن أنوثتي الظاهرة تخفي خشونة كامنة·· أقسم لك أن هذا ما حدث·· فهل حالتي حقا ليس لها علاج·· وإلى أي تخصص طبي ألجأ·· علما بأن أكثر من طبيب أنف وأذن وحنجرة أكدوا لي صعوبة العلاج؟·
تزوير صوتي
في الطريق لمقابلة الأستاذ الدكتور حسام نصر أخصائي طب التخاطب وأمراض النطق والكلام في مركز المغربي بأبوظبي لعرض رسالة القارئة عليه تذكرت قصة حقيقية مماثلة حدثت قبل سنوات في أحد المطارات ونشرت في معظم الصحف العربية كحالة غريبة نادرة فريدة·· بدأت وقائعها عندما حملق ضابط الجوازات بدهشة في وجه السيدة الواقفة أمامه·· وطرح عليها عدة أسئلة· اخذ ينقل بصره بينها وبين صورتها وبياناتها على جواز سفرها·· تصور أن في الأمر خطأ ما·· استدعى عددا من زملائه ليتكرر المشهد نفسه·· حملقة ودهشة وأسئلة عابرة تعقبها حيرة·· ثم قرار غريب·· لابد من فحص هذه السيدة ذاتيا·· ولم يكن الهدف من الفحص الذاتي التأكد من أن هذه السيدة تحمل ممنوعات أو تحاول التهرب من الجمارك بإخفاء أشياء ثمينة، ولم يكن هذا الإجراء الاستثنائي الذي لا يتكرر كثيرا راجعا إلى تشابه بين اسم هذه السيدة وبين اسم سيدة أخرى مطلوبة لأي سبب أمني، كان المطلوب فقط إثبات أنها سيدة أو أنثى أو امرأة، أنها ليست رجلا متنكرا في زي النساء، صحيح أن جسمها يحمل الكثير من العلامات التي تؤكد ذلك، ولكن المشكلة في صوتها، صوت رجالي أجش خشن لا تخطئه أذن، صوت لا يمكن أبدا أن يصدر عن امرأة، الفحص حسم المسألة، فهي سيدة مكتملة الأنوثة، ولكنه بالتأكيد لم يحسم التساؤلات الحائرة، ما الذي أصاب هذه السيدة حتى يصبح صوتها بمثل هذا القدر من الخشونة ؟·· نفس السؤال الذي يحيّر صاحبة الرسالة ويحيّر الكثيرين ممن لا تتناسب أصواتهم مع جنسهم ولا مع طبيعة تكوينهم الجسماني·· كأن يعاني شخص مفتول العضلات فارع الطول قوي البنية من صوت ناعم يقترب في نبراته من أصوات النساء والعكس· قلت للدكتور حسام نصر: ما هو سبب تميز كل جنس من الجنسين بنبرات وحدة وطبيعة صوت معينة ؟، لماذا نصادف رجالا أصواتهم فائقة النعومة ونساء أصواتهن فائقة الخشونة ؟ ·· وما الذي يتحكم في طبيعة أصواتنا؟·· وهل هناك علاج لمثل هذه النوعية من المشاكل·· وماذا عن مشكلة صاحبة الرسالة تحديدا؟·
يقول الدكتور حسام: ما تعاني منه صاحبة الرسالة مؤلم بكل المقاييس وما تعرضت له السيدة في المطار محرج جداً·· ولكنه يعكس واقعا موجودا وليس نادرا·· وبالنسبة لصاحبة الرسالة يصعب تقييم حالتها بدقة لغياب المعلومات الطبية·· فالرسالة أسهبت في وصف التأثير العاطفي أو النفسي ولم تشر إلى نتائج فحوص أجرتها أو إلى توقيت معاناتها من هذه المشكلة·· بمعنى هل كان صوتها طبيعيا وحدث فيه تغيير·· ومتى حدث ذلك؟·
صندوق الرنين
وبشكل عام هناك من السيدات من تتحول أصواتهن إلى الغلظة·· ومن الرجال من تشابه اصواتهم اصوات النساء في الحدة، ولنفهم ذلك علينا أولا أن نعرف الفرق بين صوت المرأة والرجل·
يختلف الصوتان بقدر ما تختلف الحنجرتان شكلاً وحجماً وسُمكاً، فحنجرة الرجل أعرض وأطول، كما أن الثنيتين الصوتيتين أطول وأثقل وزناً، وهذا يجعل الذبذبة التي تحدث فيهما أقل حدة من الذبذبة التي تحدث عند المرأة· بمعنى آخر، الصوت الصادر من حنجرة الرجل يكون غليظاً بينما يكون صوت المرأة حاداً، وبلغة الأرقام يتراوح تردد صوت الرجل بين 90 و120 هرتز ـ والهرتز هو مقياس التردد الموجي الصوتي ـ بينما يتراوح عند المرأة بين 220 و250 هرتز، وإذا أردنا تقريب الصورة إلى الأذهان دعونا ننظر إلى أية آلة وترية، سنجد أن الوتر الأسمك يعطي صوتاً أغلظ وكلما قل سمكه قلت غلظته واتجه نحو الحدة·· ولذلك نلاحظ على سبيل المثال أن التشيللو تعطي أصواتا غليظة جدا مقارنة بآلة الكمان·· وعلى مستوى الآلة الواحدة من حيث غلظة الصوت الصادر عن كل وتر·· ويحدث الصوت في الآلة الوترية نتيجة اهتزاز الأوتار في الفراغ ويؤثر فيه ما يعرف بصندوق الرنين·· وما يماثل إلى حد بعيد آلية صدور الأصوات البشرية·· هناك الاحبال الصوتية التي تقوم بعمل الأوتار وهناك الجيوب الانفية والحلق والتي يمكن تشبيهها بصندوق الرنين·· وهذا التشبيه المبسط ـ بعيدا عن التعقيدات العلمية ـ يهدف إلى توضيح طبيعة المشكلة·
العلاج الجراحي
وتختلف حدة صوت المرأة إذا حدث للثنيتين الصوتيتين ما يزيد سمكهما أو وزنهما، ويحدث ذلك بكل تأكيد لدى المدخنات·· فالتدخين يؤدي إلى أضرار عديدة بالحنجرة مثل التورم المائي أو 'الأوديما' تحت الغشاء الرقيق المغطي للثنيتين الصوتيتين، أو نتيجة تكون نسيج لحمي عليهما مما يسبب زيادة في وزنهما ويعرقل ذبذبتهما، بحيث لا يصبح الصوت بنفس الحدة السابقة·
ويتدخل طبيب أمراض التخاطب في الحالات البسيطة بتدريب الصوت مع التأكيد على الامتناع عن التدخين نهائياً· أما في الحالات المتقدمة، فالتدخل الجراحي ضروري لشفط سائل الأوديما المتراكم بالثنيتين الصوتيتين·· وتحقق الجراحة في مثل هذه الحالات ـ والتي ربما تكون مشكلة صاحبة الرسالة ناجمة عنها ـ نتائج جيدة جدا وغالبا ما يعود الصوت إلى طبيعته·
يضيف الدكتور حسام نصر أخصائي أمراض النطق والتخاطب بمركز المغربي في أبو ظبي : أما الأمر الذي يستحق بجدارة أن يوصف بالكارثة فيما يتعلق بصوت المرأة·· فهو أن تزداد كتلة الثنيتين الصوتيتين لديها بسبب تعاطيها لهرمونات ذكرية، فبعض الفتيات يعانين من نحافة زائدة، ويلجأن بإيعاز من 'فاعلي الخير' إلى تعاطي أدوية - غالباً ما تكون عن طريق الحقن - من شأنها زيادة الوزن، وتحت شعار 'اسأل مجرب' تتجاوب الفتاة المسكينة مع الضغوط التي تحيط بها، وتأخذ حقنة واحدة أو اثنتين·· وهي ربما لا تدري أن المكون الرئيسي للمادة الفعّالة في هذا الدواء هو هرمون الذكورة، وبعد أسبوعين على الأكثر يزداد وزنها وتنفتح شهيتها، ولكنها سوف تكتشف أن صوتها لم يعد كما كان، لقد انحدر بميزان التردد إلى ما قد يقل عن 160 هرتز، أي ما يجعل أي مستمع لكلامها يخالها رجلاً بكل تأكيد، وتكمن الكارثة في أن التحول الذكري للصوت الأنثوي بهذه الطريقة لا علاج له حتى الآن، ويبقى على ما هو عليه حتى مع إيقاف تعاطي حقن الهرمونات·
** ولكن لماذا تتشابه أحيانا أصوات الرجال والنساء ؟·
ـ يقول الدكتور حسام: في بعض الحالات يمر الفتى في مرحلة البلوغ بصراعات عديدة من بينها رفض من حوله لوضعه الجديد كشاب يافع على مشارف الرجولة، كما يعاني أيضا من الرفض الداخلي لصوته أو لوضعه الجديد كمراهق والذي يترتب عليه الكثير من المسؤوليات التي لا يعرف مداها هذا الفتى الصغير، وقد يُطلب منه- كرجل - مهام ومواقف ليس هو أهلاً لها، وعندما يلتقي 'الرفضان' الداخلي والخارجي، يتمسك الفتى بالصوت الطفولي الذي كان آخذاً في الاختفاء تدريجياً مع نمو الحنجرة وتغير شكلها الذي تحتمه نسب الهرمونات الذكرية الطبيعية عنده، كل هذا يحدث على مستوى لا إرادي بحت، ليكوّن ما يسمى باضطراب 'عدم اكتمال نمو الصوت'، و يقوم طبيب أمراض التخاطب بمعالجة الأمر بالتدريب الصوتي البسيط مع التوعية المناسبة للفتى ولأهله، أما إذا لم تتم معالجة هذا الاضطراب - وهي سهلة للغاية - مبكرا يصبح مزمنا ويعتاد الفتى - الذي أصبح الآن رجلاً - على هذا الصوت، ويحيا حياة عادية لكنه يكون أكثر عرضة لما نسميه بأعراض الوهن الصوتي لأنه يجبر آلة صُممت لعزف نوتة غليظة·· على عزف نوتة حادة طوال الوقت·
وفي بعض الحالات المرضية النسائية ترتفع نسبة هرمون الذكورة بشكل كبير وهو ما يؤدي إلى بعض الأعراض المرضية مثل ظهور الشعر غير المرغوب بكثافة وظهور أعراض مماثلة لأعراض حب الشباب والبدانة المفرطة وأعراض نسائية أخرى كثيرة·· ولكن ما يهمنا هنا هو خشونة الصوت·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض