تحقيق: محمد صلاح
تطرح إشكالية التغير المناخي وتوابعها من الظواهر المناخية والتقلبات القاسية التي شهدها- ويشهدها- العالم خلال العشرين سنة الأخيرة، الكثير من علامات الاستفهام حول جهود ودور الدول في التعامل مع الآثار المترتبة عليها، مثل الأعاصير المدارية والفيضانات، وزيادة معدلات الأمطار غير الموسمية، والتي اجتاحت العديد من دول ومناطق العالم مخلفة خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
ويرسم تقرير صادر عن البنك الدولي مؤخراً صورة قاتمة للسنوات المقبلة، فيما يخص التأثيرات المباشرة لهذه الظاهرة على الكثير من الدول، خاصة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية وأستراليا، حيث يتوقع التقرير أن تطال هذه التأثيرات أكثر من 100 مليون شخص حول العالم، سيكونون ضمن فئات المشردين والنازحين جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة.
الإمارات، من جهتها، لم تكن بعيدة عن تأثيرات تلك التغيرات المناخية، حيث شهدت موجات متباينة من العواصف والأعاصير والأمطار الغزيرة، تزايدت حدتها منذ منتصف الثمانينيات.. ما دفع الدولة إلى تنفيذ مشروعات عصرية مدروسة لحماية السواحل والمناطق الجبلية والسكنية والطرق، وبناء بنية تحتية قوية تشمل السدود والحواجز وكواسر الأمواج.
ومع موجة الأمطار الغزيرة التي اجتاحت بعض مناطق الدولة مع بدء موسم الشتاء، والتي جرت معها الكثير من الأودية، بما فيها تلك التي طواها النسيان ولم يصبها المطر منذ عقود، لتجري عبر مساراتها القديمة، بعد أن امتدت إليها يد التعمير وشيدت فيها آلاف المساكن، لا سيما في مناطق الفحلين والحيل والسيح وشمل برأس الخيمة والتي تأثرت بفيضان واديي نقب وحقيل.
تجربة وادي البيح
وللاطلاع على أحوال الناس في تلك المناطق والتعرف على خطط ومشروعات الحكومة الحمائية والوقائية لدرء المخاطر القادمة، كان علينا الوصول مباشرة للهضاب المرتفعة التي شيدت عليها مئات السدود ذات القدرة التخزينية العالية لنرصد قدرتها على صد هذا الاندفاع الهائل للمياه من القمم الجبلية العالية. وبعد ليلة ماطرة توجهنا صباحاً لوادي البيح، وهو أحد أهم الأودية الجبلية في الدولة، ويقع في منطقة متوسطة بين الأودية الجبلية الأخرى التي بدأت تفيض بالمياه الغزيرة نحو المناطق السكنية والطرق.. وكانت المفاجأة توقف حركة السير عند سفح جبل جيس، حيث أخبرنا رجال الدوريات المرورية التي كانت مكلفة بإغلاق الطريق باستحالة الوصول للوادي والسد نتيجة للأمطار الغزيرة التي هطلت طوال الليل وتسببت في إزالة معظم العبارات التي أنشئت على هذا الطريق الحيوي والمهم.
وبعد محاولات عديدة، نجحنا في الوصول لوادي البيح رفقة مسؤولي وزارة الطاقة والصناعة الذين حضروا لتفقد حالة السد الأهم في المنطقة بعد أن سلكنا طرقاً بديلة بعيداً عن الطريق الرئيس.. المفاجأة الأشد لمسؤولي الوزارة كانت وصول منسوب السد لمستويات قياسية لم تسجل من قبل منذ إنشاء السد عام 1982، وأبلغنا المسؤولون أن 70سم فقط تفصلنا عن أعلى جسم السد البالغ ارتفاعه 18 متراً، والذي يضم ثاني أكبر بحيرة من حيث القدرة التخزينية. الخطوة التالية للمسؤولين كانت التأكد من سلامة الإجراءات التشغيلية وفتح بوابات تصريف المياه لخفض منسوب البحيرة الذي امتد كيلومترات عدة أمام السد.. في هذه اللحظة كان علينا إدراك بعض الإجابات عن التساؤلات المتعلقة بأهمية هذا السد ولماذا اختار المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذا المكان لإنشائه عقب زيارته المنطقة مطلع الثمانينيات.
الحكومة.. اهتمام بالمناطق الجبلية
عقب انتهاء زيارة وفد الوزارة التقينا عدداً من أهالي المنطقة الذين عاصر بعضهم فترة بناء السد، ومن بينهم محمد شيبان الحبسي الذي أكد أن منطقة وادي البيح من المناطق الحيوية والمهمة في رأس الخيمة، وقد لقيت كغيرها من المناطق الجبلية اهتماماً متزايداً من الحكومة في فترات مبكرة بعد إعلان قيام الدولة، وبعد الزيارة التاريخية التي قام بها الأب المؤسس للمنطقة والتقائه الأهالي، حيث جرى إطلاق حزمة من المشروعات التنموية طالت قطاعات الطرق والإسكان والمرافق الأخرى التي ساهمت في استقرار حياة الناس.
وتابع: منطقة وادي البيح تضم العديد من المناطق الجبلية التي ترتبط بطريق جبلي طويل، وبرزت فكرة إنشاء سد في هذه المنطقة لحماية الأهالي وممتلكاتهم وتنظيم عمليات الري وحفز المخزون الجوفي وتوفير المياه الصالحة للشرب والزراعة على حد سواء، مشيراً إلى أن سد وادي البيح من السدود الضخمة من حيث المساحة والقدرة التخزينية.
وأوضح الحبسي أن خفض منسوب المياه في السد بواقع 7 أمتار يعد الحل المثالي للحفاظ على هذا السد في المستقبل لتأمين الطرق التي تقطعها الأودية المغذية التي تلتقي مع وادي البيح قبل الوصول للسد مباشرة، مثل وادي شحه وغيره، ويمكن الوصول لهذا المنسوب عبر تصريف المياه عند امتلاء البحيرة الناحية الغربية الواقعة خلف السد، والتي تضم بعض الحفر الكبيرة، والتي من الممكن استخدامها كبحيرات طبيعية.
منطقتا أذن والغيل
المناطق الجنوبية كانت مقصدنا الثاني، وتحديداً منطقتي أذن والغيل اللتين تعرضتا أيضاً لأمطار غزيرة بدت واضحة من خلال الوادي الرئيس الذي لا يزال يجري بالمياه. وخلال الرحلة استمعنا لعدد من كبار المواطنين الذين لديهم الخبرة والدراية بالأودية وسنوات جريانها السابقة، من بين علي سالم سعيد المزروعي «83عاماً»، الذي أكد أن هذه الموجة من الأمطار تعيدنا لسنوات طويلة كانت الأمطار خلالها تستمر لفترات أطول وكانت الشعاب الجبلية والأودية تفيض بالمياه كانت مصدراً للشرب والزراعة، مشيراً إلى أن الارتباط بهذه الأودية كان السمة الغالبة التي تجمع سكان المناطق الجبلية قديماً. وبعد قيام دولة الاتحاد وتحقيق الاستقرار المطلوب للأهالي، وبناء المساكن الحديثة على امتداد هذه الأودية التي شهدت شق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات، أصبح وجود سدود لكبح جماح هذه الأودية ومنع وصولها للمساكن والمزارع والمرافق الأخرى أمراً ضرورياً، وهو ما عملت الحكومة على تنفيذه في المنطقة عبر بناء سد أذن.
عن ذلك، يقول أحمد الوالي المزروعي من أهالي المنطقة: إن إنجاز سد أذن تم في عام 1982على وادي أذن الكبير، وجرى بناؤه بعد تعرض المناطق الجبلية لموجات أمطار غزيرة على فترات قريبة أدت لجريان الأودية التي قطعت الطرق وعطلت حركة السير آنذاك، وأثرت على بعض المزارع والمساكن.. وأمام رغبة الحكومة في إنشاء العديد من المساكن للمواطنين جرى تقييم هذه الأودية، ووجه الأب المؤسس ببناء السد على الوادي الكبير.. وبعد سنوات عدة، وتحديداً عام 2013 جرى تشييد سد آخر بالمنطقة هو سد «وادي العيم»، ليساهم السدان في درء خطر الأودية الجبلية، وتحقيق الاستقرار المطلوب للأهالي، خاصة مع التوسع في البناء والعمران في أذن والغيل.
وقال علي بن حنظل المزروعي «78 عاماً»: إن أهالي المناطق الجبلية ارتبطوا قديماً بالأودية التي كانت تمثل لهم شريان الحياة لما تجلبه من مياه كانت كافية للشرب وإنبات المحاصيل وحشائش الرعي التي كانت تتغذى عليها الحيوانات، وكانت معدلات الأمطار التي تشهدها هذه الأودية هي عامل الاستقرار الأول للناس في هذه الأودية، حيث كانوا يضطرون للرحيل عنها في سنوات الجدب وتراجع كميات الأمطار، مشيراً إلى أن سد وادي أذن ساهم في حماية المنطقة من الوادي، خاصة مع تزايد معدلات الأمطار خلال السنوات الماضية.
40 % من مياه السدود تغذي الجوفية
تؤكد الوزارات والجهات المعنية أن الإمارات كانت سباقة في إجراءاتها لحماية سكان المناطق الجبلية وتجنيبهم مخاطر الفيضانات والأمطار الغزيرة وتوابعها من جريان الأودية، وعملت على تمكين الأهالي من العيش فيها والتغلب على جميع الظروف الصعبة التي كانت تشهدها بعض السنوات.
وقال معالي الدكتور عبدالله بن محمد بلحيف النعيمي وزير تطوير البنية التحتية: إن المشروعات التي شيدتها الدولة خلال السنوات الماضية لأهالي المناطق الجبلية ساهمت في تحقيق الاستقرار المطلوب لهم، مشيراً إلى أن هذه المشروعات التي أطلقها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في فترة مبكرة وعقب إعلان قيام الدولة مباشرة جرى تشييدها على محاور عدة حددها، رحمه الله، من خلال زياراته العديدة للأهالي في المناطق الجبلية والالتقاء معهم والاستماع لمطالبهم، وتزامنت هذه الزيارات مع موجات الأمطار الغزيرة التي شهدتها المناطق الجبلية في فترة السبعينيات والثمانينيات وما بعدها، والتي شهدت انطلاق مشروعات السدود التي مكنت هؤلاء الأهالي من العيش داخل الأودية الجبلية التي طالتها يد العمران والحداثة، عبر إنشاء المساكن وشق الطرق وتوصيل المرافق وبناء المستشفيات والمدارس التي تخدمها.
وأضاف معاليه: وفرت مئات السدود التي أنشئت في مختلف المناطق الجبلية الحماية اللازمة للمناطق السكنية من مخاطر الأمطار الغزيرة التي كانت تتعرض والتي كانت تؤدي لقطع هذه الأودية وصعوبة الوصول لها، مشيراً إلى أن معدلات الأمطار تراجعت بشكل كبير بعد ذلك حتى منتصف التسعينيات قبل أن تعاود هذه الأمطار التراجع حتى بداية السنوات العشر الأخيرة، وهناك تغيرات مناخية كبيرة أدت لزيادة معدلات جريان الأودية بعد هطول كميات كبيرة من الأمطار لم تكن معهودة في السابق، وهذه الظاهرة تأثرت بها الكثير من دول العالم بما فيها الإمارات.
وتابع: موضوع الأودية الجبلية يحظى بمتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، كما يحظى بدعم لجنة مبادرات صاحب السمو رئيس الدولة والتي مولت الدراسة الأخيرة التي أنجزتها إحدى الشركات المتخصصة بالتعاون بين وزارة تطوير البنية التحتية ووزارة الطاقة والصناعة، وهذه الدراسة كشفت حاجة بعض السدود للتوسعة لزيادة قدرتها التخزينية، إلى جانب تعديل مجاري بعض الأودية الجبلية لإبعاد خطرها عن المساكن.
وأكد معالي وزير تطوير البنية التحتية أننا في الإمارات لا نحاول الوقوف في وجه الظواهر الطبيعية، ولكن نحاول أن نتعايش معها ونطوعها ولدينا إرث كبير في ذلك، ونهج قائم على فهم هذه الطبيعية والتعامل معها بما يمكننا من تجاوز هذه الظواهر، مشيراً إلى أن مخاطر الظواهر الطبيعية، مثل العواصف والفيضانات والأمطار الغزيرة بدأت تتزايد خلال السنوات الأخيرة بصورة أكبر مما كانت عليه في الماضي وجرى تسجيلها تاريخياً سواء في منطقة الجزيرة العربية أو في مناطق العالم المختلفة.
وأشار إلى أن الوزارة وبعد إعصار «جونو» عام 2007 الذي أثر على السواحل الشرقية، بدأت في اتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها تقليل تأثير، مثل هذه العواصف على السواحل والطرق المحاذية لها، وبدأنا بإنشاء كواسر الأمواج والأنفاق الجبلية كنفق شرم الذي يضمن سهولة حركة الناس عند تعرض المنطقة لمثل هذه الظواهر وغيرها.
160 مليون متر مكعب السعة التخزينية للسدود
أوضح الدكتور محسن شريف مدير المركز الوطني للمياه بجامعة الإمارات، أن الإمارات تولي اهتماماً كبيراً لرفع كفاءة آليات حصد مياه الأمطار وتغذية الخزانات الجوفية عن طريق السدود. وتنفيذاً لرؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد أنشأت الدولة ما يزيد على 146 سداً بسعات تخزينية مختلفة، تتراوح بين 10 آلاف متر مكعب إلى 18.5 مليون متر مكعب مثلما هي الحال في سد وادي الطويين، ونظراً لوجود المناطق الجبلية والأودية والمنخفضات الطبيعية التي تسمح بتجميع مياه الأمطار فإن معظم هذه السدود تقع في المناطق الشمالية، ويصل إجمالي السعة التخزينية للسدود في الدولة إلى حوالي 160 مليون متر مكعب.وأوضح أن المركز الوطني للمياه وبالتعاون مع الجهات المعنية بالدولة، أجرى دراسة حول تأثير بعض السدود، مثل سد وادي حام وسد وادي الطويين وسد وادي البيح على المخزون المائي بالخزانات الجوفية، مشيراً إلى أن الدراسة بينت أن حوالي 40% من المياه التي تتجمع في بحيرات السدود بعد العواصف المطرية تصل إلى المياه الجوفية، من خلال التسرب في طبقات التربية، وبالتالي تساهم في زيادة كميات المياه الجوفية، وتحسين نوعياتها، وهناك نسبة أخرى تتراوح بين 30 و 35% من المياه التي تتجمع في بحيرات السدود تتسرب أيضاً من الطبقات السطحية للتربة، ولكنها تحتجز في الطبقات غير المشبعة بالمياه والواقعة بين سطح الأرض والطينة الحاملة للمياه الجوفية، وتلك الكميات المحتجزة في المياه تساهم بشكل كبير في زيادة نسبة الرطوبة بالتربة، وهو ما يشكل مصدراً مائياً جيداً للنباتات، حيث يلاحظ ازدهار الغطاء النباتي والأشجار في تلك المناطق ذات الرطوبة العالية.
وأشار إلى أن كميات المياه التي تحتجز من بحيرات السدود وتصل إلى حوالي 25% من كميات المياه التي تتجمع في البحيرات ومن ثم فإنه من الممكن تحسين تغذية المياه الجوفية عن طريق تقليل كميات المياه التي قد تفقد بالتبخر في تلك البحيرات.
وأكد أن الدراسة كشفت عن أن الخزانات الجوفية في الدولة ذات قابلية عالية للتخزين، حيث إن معدلاتها الهيدروليكية تسمح بسرعة وصول مياه الأمطار إليها، وبصفة عامة فإن مناسيب المياه الجوفية ترتفع بدرجة ملحوظة بعد العواصف المطرية الشديدة، وقد يصل ارتفاع مناسيب المياه في بعض الأماكن على أكثر من 10 أمتار خلال ثلاثة أو أربعة أيام بعد حدوث الأمطار، خاصة في المناطق القريبة من بحيرات السدود.على المستوى العالمي، لوحظ أن هناك بعض التغيرات المناخية من حيث درجات الحرارة المتوسطة خلال الفصول المختلفة، وكذلك كميات الأمطار المتوسطة وأماكن حدوثها، ما يسبب في تغيرات ملموسة في خريطة الأمطار وتوزيعها بالدولة، وهناك دراسات قائمة في مجال استمطار السحب وحصد المياه من الهواء الربط، وغيرها من الدراسات التي تهدف إلى زيادة الموارد المائية بالدولة.
دراسة هيدرولوجية تحدد آليات التعامل مع زيادة الأمطار
كشفت وزارة الطاقة والصناعة عن انتهاء الدراسة الهيدرولوجية للمناطق الشمالية والشرقية ومدينة العين التي نفذتها إحدى الشركات المتخصصة والتي شملت مواقع السدود وسعتها التخزينية وتقديم المقترحات اللازمة للتعامل مع زيادة معدلات كميات الأمطار خلال السنوات الماضية
وأوضح الدكتور مطر النيادي وكيل وزارة الطاقة والصناعة، أن الدراسة مولتها لجنة مبادرات صاحب السمو رئيس الدولة، بهدف تحديد مسارات الوديان الرئيسة وقوة وكميات جريان مياه الأمطار فيها، مع تحليل البيانات التاريخية لهذه الأمطار، حددت سعة وكميات المياه المطلوب تخزينها في بحيرات هذه السدود خلال السنوات المقبلة وما يترتب على ذلك من اقتراحات متعلقة بالمنشآت مائية «سدود - حواجز - بحيرات»، وإعداد دليل استرشادي للحماية من الفيضانات لمنشآت التخطيط الحضري في الدولة ومعايير الحماية من الفيضانات في الدولة.
وأكد وكيل وزارة الطاقة والصناعة أن جميع أعمال الحماية التي سيجري تنفيذها لحماية المشاريع الحضرية الجديدة، مثل المساكن والمدارس والمستشفيات والطرق لن تقل عن أقوى فيضان قد يحدث كل مئة سنة بما يعادل 196 مم في اليوم، لافتاً أن الدراسة تضمنت تقديم مقترحات تفصيلية عن الحماية المطلوبة لمناطق سكمكم ومربح، قدفع، رول وضدنا في إمارة الفجيرة، ووضع تصور عام لاحتياجات مناطق الدراسة من منشآت السدود والقنوات المائية.
وتابع: رصدنا أعلى معدل للأمطار العام الجاري والذي تخطى حاجز الـ 30 مليون متر مكعب مقارنة بالسنوات العشر الماضية من واقع ما تم حصده في بحيرات السدود التابعة للوزارة، وهذا الرقم مرشح للزيادة مع استمرار هطول الأمطار الغزيرة وجريان الأودية الجبلية، مشيراً إلى أن إجمالي ما حصدته سدود الوزارة منذ عام 2010 حتى الآن وصل إلى 147 مليون متر مكعب من مياه الأمطار.
الأودية تجاور المزارع
قال محمد سيف بن حميدين المزروعي «79 عاماً»: إن الناس قديماً اعتمدوا على الزراعة والرعي كأهم نشاطين تمت ممارستهما في الماضي إلى جانب أنشطة أخرى، مثل التجارة والصيد، وكانت «أذن» من المناطق التي اشتهرت بالزراعة، ومع ذلك كانت محطة للتجار القادمين من مختلف المناطق، وكانت مواسم الأمطار الغزيرة عاملاً رئيسياً لازدهار الزراعة في المنطقة والتي كانت عوائدها تكفي حاجة السكان، والذين كانوا يشترون كافة احتياجاتهم من هؤلاء التجار الذين كانوا يجوبون المناطق ببضائعهم.
وتابع: كانت الأودية تزدهر وتكتسي باللون الأخضر من خلال المزارع التي كانت تمتد على مرمى البصر، خاصة في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي، ومع ذلك لم تكن هذه الزراعات في مأمن من مخاطر الأودية الجبلية التي كانت تجرف أمامها مزارع المواطنين وممتلكاتهم، وكانت أحياناً تؤدي لنفوق الحيوانات وقطع الطرق، وقد تكررت هذه الموجات الغزيرة من الأمطار في الثمانينيات، ما دفع الحكومة لوضع حد نهائي لمعاناة الأهالي عبر إنشاء السدود التي ساهمت في تحقيق الاستقرار اللازم للمناطق السكنية التي توسعت، وجرى مدها بجميع احتياجاتها من المرافق وفي مقدمتها المياه، مما قلل من استخدام الأهالي لمياه «الطوي» والآبار التي حفرت لهذا الغرض في السابق.
سد وادي غليلة يحمي السكان
ومن جنوب إمارة رأس الخيمة إلى شمالها، حيث مقصدنا «وادي غليلة» الذي تحول معظم سكانه من حياة البداوة القديمة لحياة الاستقرار بعد إنشاء المساكن الحديثة في الوادي.. وكبقية المناطق الجبلية تعرضت المنطقة لموجات كبيرة من الأمطار كانت تؤدي لقطع الطرق والكهرباء عن المنطقة لفترات كبيرة، خاصة في المناطق المرتفعة من الوادي، وبعد دراسات أجرتها الجهات المعنية انتهت وزارة تطوير البنية التحتية من تشييد سد وادي غليلة في عام 2001.
وعبر طريق جبلي صعب للمنطقة الواقعة أمام بحيرة السد، قادنا مجموعة من أبناء الوادي، حيث فوجئنا بوجود مساحات كبيرة مزروعة على جانبي مجرى الوادي، وبحسب سالم الشحي 65 عاماً، أحد أبناء الوادي، فإن المشهد يعود بالذاكرة لسنوات طويلة كانت المنطقة تعتمد خلالها على الزراعة، مؤكداً عودة الزراعة للوادي بشكل تدريجي بعد إنشاء السد، مشيراً أن وادي غليلة في السابق كان يضم عدداً من «الوعوب» المخصصة للزراعة والتي هجرها أصحابها بعد تراجع كميات الأمطار، واتساع الرقعة العمرانية في الوادي على حساب تلك «الوعوب»، مؤكداً أن معاناة المنطقة من فيضان الوادي بدأت مع تزايد معدلات الأمطار، وفي عام 2001 تم بناء هذا السد الذي مثل حائط صد وحماية للمنطقة.
سد الطويين
ولاحتوائها على عدد من الأودية، كانت محطتنا التالية هي إمارة الفجيرة، في الطريق إلى هناك استوقفتنا زخات من الأمطار قبل وصولنا لمنطقة الطويين التي تقع شمال غرب مدينة الفجيرة، والتي تبعد عنها حوالي 73 كيلومتراً وتضم أكبر سد جرى تشييده في عام 1992 بسعة 18.500 مليون متر مكعب «سد الطويين»، بحسب المواطن عبد الله سعيد الحفيتي أحد أبناء المنطقة، والذي منحنا لمحة تاريخية سريعة عن المنطقة التي حباها الله بهذه المناظر الطبيعية الخلابة التي تخلفها مواسم الأمطار، حيث ينبت العشب والشجر فتتحول المنطقة لمروج خضراء، تجعلها مقصداً للزوار من كل مكان.
وأوضح الحفيتي أن الطويين كانت قديماً ملتقى ومكاناً يقصده الأهالي الذين يقطعون طريق دبا رأس الخيمة والعكس، وكان الناس يلتقون في هذا المكان للراحة من مشقة السفر وبحثاً عن الماء للسقيا لهم ولدوابهم التي كانت تحملهم عبر هذا الطريق الصعب، وكانت المنطقة تضم بئرين قديمتين للماء «طويين»، ودرج الناس على استخدام هذا الاسم للمنطقة التي باتت معروفة به حتى يومنا هذا، مشيراً إلى أن المنطقة تضم العديد من الأودية الجبلية، وتضم عدداً من المزارع المتنوعة والتي لا تزال تجود بالفواكه والتمور والخضراوات وغيرها.
وتابع: تضم الطويين الكثير من المناطق التابعة لها، وتسكنها الكثير من القبائل، وقد شيدت الحكومة المساكن الشعبية الحديثة للأهالي بدلاً من المساكن القديمة التي كانت تتناثر على سفوح الجبال وكانت عرضة للأمطار الغزيرة، ونظراً لبنائها بمواد من الحجر والطين وسقفها بجذوع النخل والجريد، فقد كانت تتعرض للغمر بالمياه عكس المساكن الحديثة التي شيدت لاحقاً في المنطقة، مشيراً إلى أن منطقة الطويين ومع تزايد معدلات الأمطار باتت في حاجة لسد آخر لحماية المناطق الجبلية المرتفعة والتي تضم الكثير من المزارع وبيوت الأهالي، لافتاً إلى أن السد الحالي يحمي المناطق المنخفضة فقط من الطويين.
الحاجة لسد آخر
من ناحيته، أكد أحمد سعيد الحفيتي (85 عاماً) من أبناء المنطقة أن إنشاء سد الطويين ساهم في توفير مساحات كبيرة من الوادي أصبحت صالحة لاستخدامها مساكن للأهالي بعد أن طالت حركة البناء والتعمير المنطقة عبر المساكن الشعبية الكثيرة التي أمر ببنائها المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، مشيراً إلى أن توفير الحياة الكريمة للأهالي في المناطق الجبلية واستقرارهم بها ساهما في إحداث النهضة التي تلاحظ في المنطقة حالياً، وأشار الحفيتي إلى أن وادي الطويين يضم عدداً كبيراً من الأودية، ونظراً لانحدار الجبال بشدة في المنطقة فإن جريان الماء في هذا الوادي يكون شديداً، وهو ما يسبب فيضان السد بسرعة وامتلاء بحيرته والتي تعد أكبر بحيرة للسدود، مطالباً بإنشاء سد آخر في المنطقة، خاصة مع تزايد معدلات الأمطار.
وأوضح عبدالله اليماحي من أهالي المنطقة، أن سد وادي الطويين هو أكبر السدود التي شيدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقد ساهم هذا السد في توفير الحماية اللازمة للأهالي من الفيضانات التي كانت تحدث بصورة موسمية، خاصة في فصل الشتاء، مطالباً بضرورة تعزيز قدرة السد التخزينية وتعلية السد الحالي وإنشاء سدود صغيرة على بعض الأودية التي تغذي الوادي للاستفادة من المياه وتعزيز المخزون الجوفي الذي تستفيد منه المزارع في المنطقة.
خدمات رأس الخيمة: بحيرة طبيعية لوادي نقب وجسور جديدة لجيس
كشفت دائرة الخدمات العامة في رأس الخيمة عن الشروع في تنفيذ بحيرة طبيعية في وادي نقب بسعة مليوني متر مكعب من المياه لحماية المناطق السكنية في الحيل والفحلين والتي غمرتها مياه وادي نقب خلال الفترة الماضية.
وقال المهندس أحمد محمد الحمادي مدير عام الدائرة: إن مشروع البحيرة الخاصة بوادي نقب والذي يجرى تشييده بالتعاون مع البلدية سيوفر الحماية اللازمة للمناطق السكنية الواقعة على امتداد وادي نقب، مثل الحيل والفحلين وسهيلة، وغيرها من المناطق التي طالتها تأثرات هذا الوادي خلال السنوات الماضية.
وكشف الحمادي عن أن المياه التي ستحتجزها البحيرة يمكن الاستفادة منها في زيادة المخزون الجوفي للمياه بالمنطقة، إلى جانب ري المزارع التي يمكن شق طرق قناة مائية منها في المستقبل لري هذه المزارع.
وفي ما يخص الحماية اللازمة لطريق جبل جيس، أكد أن هناك شركة عالمية تدرس حالياً إنشاء عدة جسور، بدلاً من العبارات التي أزالتها الأمطار القوية التي شهدتها الإمارة خلال شهر أبريل الماضي، مشيراً إلى أن الشركة تدرس حالياً عدد الجسور التي يحتاج إليها هذا الطريق الحيوي والمهم، وذلك لضمان حركة الأهالي والسياح القادمين للمنطقة، خاصة عند التعرض للأمطار الغزيرة.
بلدية رأس الخيمة: منع البناء في مجاري الأودية
أكدت بلدية رأس الخيمة أنها قررت منع منح أي أراضٍ سكنية داخل مجاري الأودية الجبلية، كما منعت الدائرة منح تراخيص المباني داخل مجاري هذه الأودية، وذلك لتفادي مخاطر جريان الأودية على هذه المساكن.
وأوضح منذر بن شكر الزعابي مدير عام البلدية، أن هناك تعاوناً مع جميع الجهات المعنية والوزارات لحماية المناطق السكنية الجبلية، وكذلك مساكن الأهالي القريبة من المناطق الجبلية والتي تتأثر بجريان الأودية، مشيراً إلى الدائرة بالتعاون مع دائرة الخدمات تقوم بتنفيذ بحيرة لحماية المناطق السكنية الموجودة في الحيل والفحلين بعد فيضان وادي نقب للمرة الثالثة على التوالي، خلال السنوات الماضية بعد مرور سنوات طويلة لم تجرِ أي مياه بالوادي.