15 نوفمبر 2010 20:35
رغم المتغيرات التي طرأت على طقوس احتفالات المصريين بعيد الأضحى المبارك، فإن الإقبال على ركوب الأراجيح الشعبية لايزال يحتفظ بمكانة خاصة عند كثير من الأطفال في قرى ومدن مصر خلال أيام العيد وتحديداً في الأحياء الشعبية بالعاصمة القاهرة كالسيدة زينب والحسين وباب الشعرية حيث يقصدها فريق من الناس بأطفالهم عقب صلاة العيد وآخرون بعدما يفرغون من ذبح الأضحية وتناول الطعام.
تجسد لعبة الأراجيح بطقوسها المعروفة منذ عشرات السنيين نوعا من الموروث الاجتماعي الذي يحافظ عليه المصريون فما أن يفرغ الناس من الاحتفال بيوم عرفة حتى تشاهد عربات "الكارو" وهي تنقل الأراجيح بأشكالها المختلفة من أماكن تخزينها ليتم نصبها في ساحات الميادين والشوارع بانتظار بزوغ شمس العيد لتبدأ مهمتها في إسعاد الصغار.
أهازيج وعبارات
يرافق اللهو بالأراجيح أهازيج تتميز بها دون غيرها من الألعاب ويحفظها الناس خاصة الأطفال حيث يرددونها مع عامل الأراجيح في أثناء تأرجحهم وأشهرها "واحد اثنين.. صل ع النبي.. وزقة كمان.. صل ع النبي "وأخرى تقول: "هوبا هوبا هوبا.. اسم الله اسم الله.. حمادة يلعب".
ولأصحاب الإراجيح عبارات خاصة يستخدمونها للإشارة إلى أمر معين ككلمة "جدف" التي تشير إلى انتهاء اللعبة وعلى العامل سرعة إنهاء الدور وإنزال الأطفال من عليها، وكلمة "هوا" أي أن الزبون لم يدفع الأجرة بعد، وفي المتوسط يلهو الطفل على الأرجوحة لنحو 5 دقائق في مقابل نصف جنيه وهو أجر زهيد للغاية مقارنا بالألعاب العصرية.
ويقول محمود جعفر، من العاملين في مهنة الأراجيح الشعبية، إنه يمتلك أربع أراجيح يقوم بنصبها في أيام العيد بساحة ميدان الشيخ بحي بولاق أبو العلا بالقاهرة وتعاونه زوجته وثلاث من أبنائه، موضحا أنه يعمل في هذه المهنة منذ أن كان عمره خمس سنوات حيث كان يعاون والده الذي كان يمتلك خمس مراجيح خشبية في الخمسينيات من القرن الماضي وورثها عنه بعد رحيله قبل 27 عاما، وطور الأراجيح وأدخل الحديد في تصنيعها لتوفير أكبر قدر من الأمان. ويؤكد أن لديه أرجوحة يزيد عمرها على 23 عاما ومازالت بحالة جيدة ويخضعها للصيانة بشكل دوري كما يحرص على طلائها بالألوان الزاهية كي يحميها من الصدأ.
أنواع الأراجيح
يشير جعفر إلى أن "هناك أنواعاً من الأراجيح الشعبية يعرف كل منها باسم مميز حسب شكل الأرجوحة وطريقة حركتها فهناك الحصان الخشب والميزان والمروحة والقادوس والإوزة والساقية وجوز الخيل والصاروخ والدولاب والمركب والطيارة، وبعضها يتألف من مقعد واحد على هيئة مركب صغير، يقف أحد الأطفال بداخله ويدفع بيده الأرجوحة بحركات متناسقة فيتأرجح ذهابا وإيابا. وهناك أرجوحة تتألف من مقعدين متقابلين يتسع كل مقعد لطفلين أو ثلاثة حسب الحجم ويدفعها العامل يمينا وشمالا. وهناك أراجيح تدور حول نفسها بالدفع اليدوي "الزق" الذي يقوم به العامل باستمرار كي لا تتوقف".
ويؤكد جعفر أن لركوب الأراجيح مواسم يكثر فيها الإقبال عليها وتأتي الأعياد والموالد الشعبية في مقدمة تلك المواسم. ويقول "من الممكن أن تدر الأرجوحة الواحدة دخلا في يوم العيد نحو 100 جنيه بينما في بقية الأيام الأخرى لا تزيد علي 10 جنيهات وهناك بعض الأراجيح تظل منصوبة في الحارات الشعبية على مدار السنة حتى في غير أيام الأعياد".
تطور آلي
يفتخر عامل أراجيح آخر يدعى سعد القوصي بالتطوير الذي أدخله على لعبة الأراجيح ويعتبر نفسه من المجددين فيها بعدما أدخل الموتور الكهربائي على ثلاث أراجيح يملكها من نوعية الدولاب والحصان لتزيد سرعتها آلياً ويوفر طاقة العامل الذي يحركها. ويقول إن ذلك أضفى على الأرجوحة نوعاً من السرعة والإبهار فباتت محببة لكثير من الأطفال.
ويؤكد أن الأراجيح التقليدية التي تعتمد على الدفع اليدوي فقدت جاذبيتها بالنسبة للأطفال بدخول الحداثة عبر الألعاب الكهربائية المتواجدة في الملاهي إلى جانب اتجاه فريق من الأطفال للألعاب الإلكترونية. ويقول "كلفني إدخال موتور كهربائي مستعمل طاقته حصان واحد مبلغا كبيرا لكنه أفادني في عملي".
ويحرص القوصي على الانتقال بأراجيحه إلى الساحات الكبرى بالشوارع والميادين خلال الأعياد كي يضمن تردد أكبر عدد من الأطفال والحصول على عائد كبير يدخره لفترة ما بعد العيد والتي يقل فيها الإقبال على الأراجيح حتى يحين موعد مولد في القاهرة أو غيرها من المدن فيرتحل إليه"، لافتا إلى أنه يحرص في العيد على تعليق الزينات على كل أرجوحة وكذلك استخدام الطبلة والمزمار في أثناء لهو الأطفال كي يضفي على وجودهم نوعا من البهجة ويزيد تعلقهم بتلك اللعبة فيعودون إليه في اليوم التالي.
صناع الأراجيح
صناعة الأراجيح تتم في ورش عدد محدود من الحدادين بالقاهرة أشهرهم خليل شمال وعوض الصعيدي ومحمد السويسي، ويصل سعر الأرجوحة المصنوعة من الصاج وقضبان الحديد إلى نحو 3 آلاف جنيه، ويقل ذلك المبلغ كثيرا في حالة تصنيعها من الأخشاب والحبال فتصل لنحو 1000 جنيه فقط، إلا أن الإقبال على الأراجيح الخشبية بات محدودا نظراً لمخاطرها المتعددة تارة لانقطاع الحبل وأخرى لانكسار ساري الخشب ما يهدد سلامة الصغار.
المصدر: القاهرة