محمد حامد (دبي)
هل كان جيانلويجي بوفون صائباً حينما قرر الرحيل عن بارما صوب اليوفي؟ الإجابة القاطعة «نعم»، فقد صنع لنفسه ولفريق السيدة العجوز مجداً كروياً، وحينما يرفض ليونيل ميسي الرحيل عن البارسا، فإنه ينحاز لخيار العقل ويلبي نداء القلب في نفس الوقت، فهو يكتب التاريخ في كل مباراة بقميص الكيان الكروي الكبير، الذي يضمن له النجومية والجماهيرية والفوز بالبطولات وضرب الأرقام القياسية على المستويات كافة.
النجم المصري محمد صلاح في مفترق الطرق الآن، فقد بات رحيله عن ليفربول الصيف المقبل أمراً حتمياً إذا استمر الفريق الإنجليزي بعيداً عن منصات الفوز بالبطولات، وأكد المكسيكي خافير آجيري المدير الفني للمنتخب المصري، أنه يرى صلاح في صفوف البارسا أو الريال، تجنباً للإحباط الذي سيحاصره إذا أنهى الريدز الموسم الحالي بلا بطولات، صحيح أنه يتمتع بشعبية كبيرة لدى عشاق الليفر، ولكنه سيدفع ثمناً باهظاً بعدم الرحيل إلى أحد الأندية الكبيرة التي تضمن له الفوز بالبطولات.
وبالنظر إلى ما سبق يصبح السؤال العكسي: هل كان فرانشيسكو توتي محقاً في رفضه الانتقال للميلان ؟ وهل كان صائباً بتجاهل عرض الريال؟ صحيح أنها فعلها عشقاً لروما، إلا أنه يظل خياراً عاطفياً قد لا يكون له ما يبرره بالنظر إلى أن توتي أنهى مسيرته الكروية وفي رصيده لقب وحيد للدوري الإيطالي، وفي الفترة ذاتها حصل الميلان على 6 بطولات للدوري، و3 ألقاب لدوري الأبطال، وغيرها من البطولات التي بلغ رصيدها الإجمالي 18 لقباً خلال نفس الفترة التي تمتد إلى 24 عاماً ظل خلالها توتي بقميص روما، والأمر على هذا النحو يعني أن ملك روما رفض تلبية نداء التاريخ، وخسر فرصة ذهبية من شأنها جعله أسطورة حقيقية.
وعلى خطى توتي يسير أنطوان جريزمان هداف أتلتيكو مدريد، ومهاجم منتخب «الديوك» المتوج بالمونديال، والذي أغلق أبواب المجد برفضه عرض البارسا، مما يؤشر إلى أن تلبية نداء العاطفة قد يحظى باحترام البعض، ولكنه لا يساعد اللاعب على خوض غمار تجربة مثيرة يصنع بها التاريخ، ويحقق بها المجد، خاصة إذا كان يفضل البقاء في صفوف فريق لا يمكن وصفه بالكبير.
«لقد كنت أطلب من زوجتي أن تستيقظ من النوم فجر كل يوم لكي نتحدث عن مستقبلي، بعد أن تلقيت عرضاً للانتقال للبارسا، واستمر هذا الأمر لعدة أيام خلال الصيف الماضي، فقرار رفض الارتباط ببرشلونة لم يكن سهلاً أبداً»، هذا ما قاله النجم الفرنسي أنطوان جريزمان هداف أتلتيكو مدريد ومنتخب فرنسا المتوج بمونديال 2018، مما يعني أن رفض الارتباط بكيان كروي كبير يضمن للاعب مزيداً من الشهرة والمال والبطولات والمجد الكروي ليس بالقرار السهل أبداً، بل إنه في كثير من الأحيان يظل بلا تفسير منطقي، حتى وإن كان البعض يتحدث عن ضرورة أن يحظى مبدأ الوفاء لنادٍ بعينه بالاحترام، إلا أن الأمر لا ينطبق على جريزمان، فهو ليس ابناً لأتلتيكو مدريد.
جريزمان ليس الأول ولن يكون الأخير في قائمة النجوم الذين ضحوا بنصف أسطورتهم، وتنازلوا عن صنع تاريخ لأنفسهم في لحظة رفض الانضمام لكيان كروي كبير أكثر قدرة على الفوز بالبطولات، وأقوى نفوذاً وتأثيراً، ومن ثم يدفع اللاعبين إلى دوائر الشهرة والنجومية، والألقاب الفردية دون معاناة كبيرة.
آلان شيرر أدار ظهره لنداء السير أليكس فيرجسون، كما أصر فرانشيسكو توتي على البقاء في روما للأبد، رغم ضغوط الميلان والريال، وبقي ستيفن جيرارد في ليفربول واعتزل في صفوفه دون أن يتوج بلقب الدوري الإنجليزي، وهو ما جعل الأمر يبدو وكأنه عقاب له على عدم الرحيل صوب الريال، أو غيره من الأندية التي لا يكاد يمضي موسم إلا وتفوز بالبطولات.
وأكد جريزمان في أكثر من مناسبة أن مطاردة برشلونة له الصيف الماضي، ورفضه تلبية نداء فريق ميسي يعد من أكثر المواقف صعوبة في مسيرته الكروية، فالمنطق يقول إنه لا يمكن رفض الفرصة التاريخية، ولكنه برر ذلك بأنه لم يرغب أن يعيش في ظل ميسي، أي أنه يفضل أن يكون النجم الأول في صفوف أتلتيكو مدريد، أكثر من أن يصبح مجرد لاعب في فريق كبير.
شيرر
يبدو أن القاسم المشترك بين النجوم الذين رفضوا الانتقال لفريق كبير، هو أنهم جميعاً صنعوا لأنفسهم أسطورة فردية، ولكنهم لم يتمكنوا من الفوز بكثير من البطولات الجماعية، فقد فاز الهداف الإنجليزي آلان شيرر بالدوري الإنجليزي مرة واحدة مع فريق بلاكبيرن موسم 1994 - 1995، ورفض شيرر الرحيل لمان يونايتد، حينما كان يبلغ 21 عاماً، مفضلاً الرحيل إلى بلاكبيرن قادماً من ساوثهامبتون، وعاد السير أليكس فيرجسون ليحاول إقناعه مرة أخرى بالقدوم للشياطين الحمر، ولكنه فضل الانتقال لفريق أحلامه نيوكاسل، وعقب اعتزاله قال شيرر: بالطبع كان أمراً مغرياً أن أتلقى عرضاً للانتقال إلى مان يونايتد، ولكنني لا أشعر بالندم، فأنا فخور بأرقامي التهديفية.
توتي
قبل أن يقرر الاعتزال بعد 24 عاماً في صفوف الفريق الأول لروما، قال توتي إنه يرفض الانتقال في نهاية مسيرته الكروية إلى آسيا أو أميركا، لكي لا يدمر تاريخه الكروي، مضيفاً: لقد أعلنتها أكثر من مرة، قلت إنني لن أرتدي سوى قميص روما، أما قصة عرض الميلان فيقول عنها إنه كان يبلغ 12 عاماً فقط، ورفضت عائلته، وخاصة الأم، انتقاله للفريق الميلاني، ولكنه اعترف أن قرار عدم الرحيل إلى الريال كان صعباً للغاية، فقد كان العملاق الإسباني يضمن له الفوز بالبطولات الجماعية، والجوائز الفردية، ولكنه في نهاية المطاف ظل وفياً لقميص ذئاب العاصمة، مما جعلهم يطلقون عليه لقب «ملك روما».
جيرارد
في يوليو 2005 تقدم فلورنتينو بيريز رئيس الريال بعرض لإدارة ليفربول للحصول على ستيفن جيرارد الذي كان يبلغ 24 عاماً في هذا الوقت، وظل النجم الإنجليزي عدة أسابيع يفكر في الرحيل صوب قلعة الملكي، معترفاً بأنه كان يشعر بضغوط هائلة من أجل اتخاذ القرار المناسب، ليظل في نهاية المطاف في صفوف الريدز، وتكررت محاولة بيريز عام 2009، ولم تكتمل المفاوضات ليظل جيرارد قائداً ونجماً لليفربول الذي خاض بقميصه أكثر من 700 مباراة، وعلى الرغم من فوزه بدوري الأبطال مع ليفربول، فإنه لم يحقق لقب البريميرليج طوال مسيرته، وخسر الكثير بعدم الرحيل إلى الريال الذي لا يتوقف عن الفوز بالبطولات.
دي ناتالي
استمرت مسيرة الهداف الإيطالي أنتونيو دي ناتالي ما يقرب من 20 عاماً، سجل خلالها 300 هدف، منها 227 هدفاً بقميص فريق أودينيزي، ولكنه على الرغم من ذلك بدأ وانتهى دون أن يفوز بأي بطولة، بل إنه كان عنصراً مهماً في منتخب إيطاليا في بعض الفترات، على الرغم من أنه لا يلعب لأحد عمالقة الكرة الإيطالية، ولدى سؤاله عن رفضه الانتقال إلى فريق كبير، قال إن أودينيزي هو خيار الحياة بالنسبة له، مؤكداً أن رئيس النادي وعائلته جعلوه واحداً من أفراد العائلة، مما جعله يقرر البقاء على حساب كل شيء، دافعاً ثمناً باهظاً بالاعتزال دون أن يكون في رصيده أي بطولة.
فاردي
«المعجزات لا تتكرر» شعار يؤمن به نجولو كانتي نجم تشيلسي والمنتخب الفرنسي، ويراه واقعاً ملموساً، فقد لعب واحداً من أهم أدوار البطولة في معجزة فوز ليستر سيتي بالدوري الإنجليزي موسم 2015-2016، ولكنه قرر الرحيل مباشرة صوب تشيلسي ليفوز بالدوري، وعلى خطاه سار النجم الجزائري رياض محرز، الذي أصر على ارتداء قميص مان سيتي، بل إنه قرر مقاطعة تدريبات ثعالب ليستر من أجل الموافقة على رحيله للسيتي، وعلى العكس من ذلك قرر جيمي فاردي الاستسلام للعاطفة، رافضاً عرضاً مغرياً من أرسنال، لتنسحب الأضواء من تحت قدميه، فيما ترتفع أسهم كانتي ومحرز، ويكفي أنهما يظلان الأقرب للفوز بالبطولات مقارنة مع فاردي.