21 يناير 2011 21:05
«محترفه» أصبح من معالم صيدا التراثية، بل إنه تحول إلى متحف يضم منحوتات خشبية ونقوشاً ومصنوعات محلية فريدة ومتميزة بنكهتها التاريخية والإبداعية. ولا بد لزائر محترف صلاح الدين المهتار أن تبهره الأشغال اليدوية القيمة التي تعبر عن موروث الفن الإسلامي القديم، المتجدد بالثقافة الجمالية الشرقية، التي تنم عن حضارة إنسانية واسعة.
نقوش ودلالات
عن محترفه، يقول المهتار إنه يسرد حكاية امتزاج روحي وفني، بينه وبين كل قطعة وتحفة، أنتجتها الأيادي فحولت مهنة التراث إلى احتراف، بعدما بدأت كهواية ومن ثم إلى نتاجات سكب عليها صاحب المحترف بصماته. ولا ينسى المهتار سرد العقبات والصعاب التي واجهته بداية، من أجل نشر هذه الحرف وإبراز جمالها وجودتها، فالنحت والحفر ونقش الآيات القرآنية، وكل ما يتعلق بالتراث والمعالم الأثرية في لبنان وفلسطين والعديد من الدول ليس بالسهل، خصوصاً إذا كان العمل متقناً. ويزيد أنه يعتز بأعماله التي تترجم قناعاته بالحياة، لأن الفكرة من نتاجاته وهدفها التمسك بالتراث والانتماء، فكل تحفة ولوحة تختلف عن الاخرى، وكل قطعة لها دلالاتها ونقوشها وتلاوينها، وكل منحوتة لها زخرفتها وشخصيتها المستقلة.
وأي زائر يدخل أسواق صيدا القديمة، لا بد أن يتوقف عند محترف المهتار لإحياء التراث، الذي يقع في ساحة «باب السراي»، ويضم العديد من الأشغال والأعمال اليدوية المتميزة بالحفر والرسم والتزيين والزخرفة، ويقصده العشرات بل المئات يومياً لتأمل هذا المعلم الأثري التاريخي الإسلامي، الذي يعتبر أحد أجمل المتاحف الشخصية في لبنان.
عمل متكامل
يفتخر المهتار بأنه ينفذ لوحده النتاجات الحرفية، وهذا الجهد يكلفه الكثير من الصبر والتأني ليأتي العمل كاملاً متكاملاً، خصوصاً في الصناعات والمنحوتات التي تتطلب المهارة في حفر الآيات القرآنية، كذلك اللوحات المزينة أطرافها بقطع خشبية تتخذ في بعض الأحيان أشكالاً من الورود، مرسومة داخل جذوع الأشجار. ويزيد بأنه يختار الأشكال بعناية، ويستغرق الأمر عدة شهور لتبصر المنحوتة النور.
وفي متحف المهتار يجد السائح كل ما يحتاجه، من هدايا تذكارية ومجموعات تصلح للمنازل والمكاتب، فهناك السبحات الخشبية المعتقة التي تحمل أسماء الله الحسنى، والعديد من الكتابات والآيات التي تعبر عن الصدق والرزق وإبعاد الحسد، والقناعة ورضى الوالدين. كما يضم المتحف مجموعات تتخذ نماذج صغيرة من أشكال السفن وكراسي القش التي توضع بداخلها الشوكولاتة، وهي تقدم في مناسبات الأعياد وعقد القران وحفلات الزفاف.
واشتهر المتحف بتصنيع مستلزمات المطبخ العربي من صوان وصحون وكؤوس ومصاف وأطباق غسيل، وهذه الأدوات مصنوعة من الأخشاب المحفورة بإتقان، والتي لا يمكن استخدامها كأدوات للطبخ، بل مجرد أشكال جمالية تعلق بطريقة هندسية، تلائم «الديكور» المراد تصميمه وتنفيذه في المطبخ وغيره.
خطر العصرنة
يبدي المهتار الحسرة واللوعة عند تطرقه للتراث، والذي يراه الآن شبه منقرض بسبب الحداثة «والعصرنة» التي تطيح بكل هذه الموروثات الجميلة. من هنا تعلق بـ«التراث الشعبي» وأنشأ هذا المحترف التاريخي خوفاً من الاندثار والنسيان، ومن أجل المحافظة على العادات والتقاليد القديمة، ويشير إلى التحف القديمة التي كانت تزين المنازل، ويشير في حديثه إلى النقوش القديمة والقناديل والأباريق والأواني الفخارية والخشبية والمنمنمات المبدعة، إضافة إلى ماضي التذكارات التي ترمز إلى التاريخ والعصور التي مرت على صيدا في حقبات عديدة، مثل المحدلة والجاروشة.
وعن استمرارية عمل المحترف، يقول إنه باق مادام هو قادراً على العطاء، وطالما لا يزال هناك نبض في شرايينه، فسيستمر في نشر منحوتاته وحرفياته، وإن كان لم يلق التشجيع الذي يستحقه من وراء هذا العمل من قبل الدولة والجهات المعنية. ويأسف المهتار لاستهتار البعض بأعماله التي انبهر بها الزوار الأجانب. ويصر المهتار على ارتداء الزي العثماني القديم، خلال عمله الدؤوب في محترفه، خصوصاً أثناء عملية الحفر والتنزيل في منحوتات الأخشاب، وفي أنواع الخناجر والسيوف المعدنية والفضية المطعمة بالذهب أو النحاس.
المصدر: بيروت