الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السنة النبوية مدرسة «الإتيكيت» والذوق الرفيع

السنة النبوية مدرسة «الإتيكيت» والذوق الرفيع
15 أغسطس 2011 23:23
بات الذوق خلقاً يحرص الناس على تعلمه وهو بالمعنى الدارج اليوم يطلق على جملة من الأخلاق التي تُعنَى بالجمال من خلال الترفُّع عن كلِّ ما هو مذموم مستقبح يضرُّ بالطبع والناس عن طريق معاشرتهم والاختلاط بهم وما يتولد عن ذلك من قول أو فعل أو مطعم أو مشرب. أو ما يسمى لدى الناس بـ (الاتيكيت) وسأتناول في هذا المقال بعض اللمسات المهمة التي تؤصل للذوق الجميل في ديننا الحنيف. أولاً: التأصيل للذوق الجميل. الذائقة تمثل نوعاً من الرقيِّ في الاختيار سواء كان ذلك في المطعم أو الملبس أو الكلام، وهي أساس من أساسيات الجمال واثر من آثاره، يساهم في تشكيل شخصية المسلم. وسأعرض بعض الخطوات التي وضعها النبي في تأصيل الذائقة الجميلة كأساس ومظهر من مظاهر الجمال: - مراعاة الذوق في المطعم: هناك أمور لا تتناسب مع الجمال من حيث المظهر وتعاطيها ليس حراماً ولا مكروهاً، إنما تأتي الكراهة إذا تنافت مع الذوق، لأنها ستكون منفِّرة للناس وقاتلة للجمال، والمطعم من ضرورات الحياة، لذلك فإن حضور الذوق واجب في تحقيق الجمال من وجهين: الوجه الأول: مراعاة الذوق في التناول من حيث الكمية. فقد أشار الإسلام إلى ضرورة الاعتدال في تناول الطعام من غير سرف في الكمية ولا شره في طريقة الأكل قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) «الأعراف، 31» وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال (ما ملأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا من بَطْنٍ بِحَسْبِ بن آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كان لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)، وهذا القدر مهم لتوازن المسلم في أدائه العام في الحياة لأن الإسراف يؤدي إلى خلخلة المعدة وهو ما يترتب عليه آثار صحية وذوقية، ومما يعجب له أن السبب في نزول الآية السابقة أن العرب في الجاهلية كانوا إذا حجُّوا إلى بيت الله يمتنعون عن الأكل والشرب حتى لا يضطرهم ذلك إلى ما لا يناسب والبيت العتيق من روائح ضارة، بينما تجد عجبا وأنت تصطف للصلاة أو تجلس في مجلس أن تسمع من يتجشأ بطريقة ترتعد لها الفرائص، وكأنه يفاخر بمأكله، وهو نوع من ركاكة الذوق وهدمٍ لمعالم الجمال. نوعية الأطعمة والوجه الثاني: مراعاة الذوق من حيث النوعية: يعتمد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في إباحة بعض الأطعمة على الذوق العربي الإسلامي، وربما بعض الأحياء من العرب لما عرفوا به من ذوق عال في الترفع عن خبائث الأطعمة، وذلك لما لها من آثار سلبية تتنافى والذوق الجمالي العام وفي إطار مراعاة الذوق في اختيار النوعية شدد النبي الكريم على من يأتي المسجد وقد أكل بصلاً أو ثوماً لما في تلك الأطعمة من روائح يعسر إزالتها فقال: (آكل البصل والثوم لا يقربن مصلانا ولا يصلي معنا)، (مسلم)، وأحاديث كثيرة في هذا الباب تؤكد على مراعاة الذوق والجمال حال الاختلاط مع الناس في المسجد أو غيره. ولا يقال بأن تناول ما يزيلها من مطيبات يؤخر الحكم، فلم أر ما يكتم فحيح الثوم، لأنه يتصبب في جسد آكله ويفوح من كل زاوية، والمشكلة أن متعاطي الثوم لا يشعر بالرائحة، بينما من يجاوره يكاد يختنق من الأسى، وإني لأفخر بذوق نبييِّ وحبيبي إذ أبعد من دخل المسجد وقد أكل ثوماً إلى البقيع لينزجر غيره به. إلا أن بعض المصلين ما زالوا حريصين على الجمع بين ما لا يجوز الجمع بينهما من المسجد والثوم، والعجيب هو هذا الحرص على أكل هذه النبتة التي وصفها القرآن بالدنو (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) «البقرة، 61». الذوق الجميل - الابتعاد عما يتنافى مع الذوق الجميل. هنالك الكثير من الأمور التي يجب على المسلم مراعاة الذوق فيها فكونها لا تعد حراماً إلا أن استقباحها في الذوق يجعل المسلم منزها عنها أكثر من غيره، من ذلك اللعب بالأنف والعبث به، وحري هنا الإشارة إلى مسألتين تتنافى وجمالية الذوق: الأولى: لجوء البعض إلى تنظيف أنفه بإحداث صوت بشخير وصفير تقشعر له الأبدان، بل وأنكى منه حينما يفعله والناس على موائد الطعام وهو أمر مقزز ومنفر. والثانية: إصرار بعض المصلين على احتقار الجمال. وذاك بأن يُصاب أحدهم بمرض معدٍ للآخرين ومؤذ لهم كالزكام وما يصحبه من رشح وعطاس مع إصراره على حضور الجماعات، وقد حرص الشرع على ترخيصه تخفيفاً عنه وإتماماً لفقه الجمال، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) «الفتح، 17» وأبرأ إلى الله من صنيع بعضهم وقد امتدَّ عدوانه لينال من فراش المسجد برشحه أو سعاله وتلك لعمرو الله نكاية فَضَّة يبرأ منها جمال الإسلام ورقيِّه، والعجيب أنه بحرصه الممجوج هذا يدَّعي صادقاً حرصه على الثواب، وفاته أن الجمال عبادة ومن تمامها تحريم أذى الآخرين. - مراعاة الذوق في الملبس: إن للملبس أثر واضح على شخصية المسلم وعلى الآخرين بل إنه بات مظهراً من مظاهر التقييم والاحترام فهناك من لا يرى الناس إلا من خلال ما يلبسون، والعبرة بالذوق وان كان الملبوس متواضعاً، ولذلك وجب مراعاة الجمال والذوق من وجهين: الوجه الأول: التجمل للقادر من غير سرف ولا مخيلة: فلا يستحسن الحرص وقد وهبك الله النعمة وفي الحديث: «إنَّ اللهَ يحب أن يرى أثر نعمته على عبده». الذوق العام الوجه الثاني: مراعاة الذوق العام في نوعية الملبس فهناك ما أراه جميلا ويستقبحه الناس جميعاً، وعليه فلا يجوز ذوقاً الاستهانة بلبس بعض الثياب التي تتنافى والذوق العام وقد وبَّخ النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عمرو بن العاص حينما شاهده وقد لبس من الثياب ما لا يتناسب والذوق العام للأمة فعنه رضي الله إذ يقول: (رَأَى النبي عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فقال أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بهذا قلت أَغْسِلُهُمَا قال بَلْ أَحْرِقْهُمَا). - مراعاة الذوق في القول: لقد استهدف الإسلام الجمال أينما حلَّ وارتحل واحسب والمجد لهذه الشريعة أنها تعبَّدت الناس بجمال القول الحسن قال تعالى: (وقولوا للناس حسناً) «البقرة، 83»، وأعطت لجمال الذوق ثواباً من وجهين: الوجه الأول: في أداء الكلمة: فمن الممكن أن يصدر الأمر بطيب ولين فيجني ثمار قوله الطيب صدقة تقربه إلى الله تعالى، ففي الحديث (الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) وأعذب ما يطمح الناس له اليوم طلب الرِّقة والذوق في أداء الكلام بين الناس، وتشتد الحاجة إليه بين الأزواج كلغة مهمة من لغات الذوق الجميل في التعامل الذوقي بين الزوجين، خصوصاً من قبل الزوجة إذ هي موطن الرقة وموئل الحنان، فلا أقلَّ من أن ينعم الزوج بدفء كلامها، وفي الحديث: (إنّ الله يُحِبُّ المَرْأَةَ المَلقَةَ الْبَرِعَةَ مَعَ زَوْجِها الحَصانَ عنْ غَيْرِهِ) وهنيئاً لمن رزق بزوجة بها تلك الأوصاف وإلا فالثبور نصيب من زوجته بوصف المفهوم المخالف. د. عمر شاكر الكبيسي جمالية الصوت الوجه الثاني: الذوق في جمالية الصوت. لقد أصَّل القرآن لتقرير الصوت الجميل من خلال وقاره وجماله واستنكر قباحته لمن رضي القبح في صوته فقال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) «لقمان، 19»، وإذا كان ذلك في سياق الأدب الصوتي فان النبي قدم جمال الصوت كعبادة في أكثر من موضع وأبرزها الأذان لذلك لما حاول ابن أم مكتوم أن يؤذن أخَّره عليه الصلاة والسلام وقدَّم بلالا بناء على جمال صوته قائلاً له: (بلال أندى منك صوتاً). وهكذا فقد لاح لنا من غير عناء أن الإسلام دين يتعبد أتباعه بالذوق الجميل فكان بتشريعاته يستهدف الذوق الجميل ويقصده في الجوهر والشكل والمظهر.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©